وزير سوداني سابق لـ"الاستقلال": اعتزال العسكر للسياسة مطلوب لكن مستبعد
أكد وزير الحكم الاتحادي السوداني السابق حامد ممتاز، أن ابتعاد المكون العسكري عن العملية السياسية بصورة مباشرة أمر مطلوب، لكنه مستبعد حاليا، نظرا لأن الجيش جزء أساسي من التغييرات التي حدثت بعد عام 2019.
وأضاف ممتاز في حوار مع "الاستقلال"، أنه ليس سهلا تشكيل حكومة من كل القوى السياسية كما يطالب البعض، لكن الأمر الموضوعي أن تكون حكومة كفاءات وطنية مستقلة لإدارة المرحلة الانتقالية.
لكن ممتاز وهو قيادي بارز بحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا (1989- 2019)، شدد على رفضه تحالف المكون العسكري مع قوى الحرية والتغيير من جديد واختزال القوى المدنية فيها، متوعدا باللجوء للشارع حال حدوث ذلك.
وأوضح أن قوى الحرية والتغيير تريد ممارسة الوصاية على السودان ومن خلفها الجهات الأجنبية التي تدعمها، وتتهرب من التوجه نحو الانتخابات، بسبب ضعفها وقلة عدد أعضائها وأنصارها.
وممتاز كان من أبرز قيادات التيار الإسلامي الشبابية في تسعينينيات القرن العشرين، وانضم إلى حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه حسن الترابي، ولاحقا انضم إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وشغل عدة حقائب وزارية مثل وزير دولة بالخارجية، والحكم الاتحادي، والصناعة والتجارة.
الأزمة الداخلية
كثر الحديث عن رغبة المكون العسكري في البعد عن المجال السياسي.. ما حقيقة ذلك وإمكانية حدوثه؟
ابتعاد المكون العسكري عن السياسة بصورة مباشرة أمر مطلوب لحماية القوات المسلحة كمؤسسة قومية من أي انشقاقات أو تأثيرات سياسية تنعكس سلباً عليها.
لكنه أمر مستبعد في المرحلة الحالية لأن القوات المسلحة جزء أساسي من التغييرات التي حدثت عام 2019.
فضلا عن أن المكون العسكري الآن هو الذي يقود التفاوض مع القوى السياسية بشكل مباشر، وسيظل شريكا لهذه القوى السياسية حتى قيام الانتخابات.
ولذلك فمن غير الممكن ابتعاد القوات المسلحة في المرحلة الحالية، ودورها مطلوب لكي تؤدي دورها كصمام أمان في حماية السودان.
ولا سيما أن القوى السياسية السودانية اليوم بعضها يرضخ للإملاءات الإقليمية والدولية، وبعضها يمارس عليه إقصاء داخلي بصورة فجة.
والبعض الآخر هو أحزاب لها أدوار وطنية ولها مجاهدات سياسية كبيرة داخل الساحة السياسية التي تشهد انقساما عاما.
إلا أن اتجاهات جديدة بدأت تتبلور مثل "مبادرة أهل السودان" نحو تشكيل واقع سياسي جديد يرفض الإملاءات والتدخلات الأجنبية، والتي تقودها كثير من الأحزاب صاحبة الأدوار التاريخية الإيجابية في البلاد.
ما طبيعة "مبادرة أهل السودان" التي برزت بالمظاهرات المليونية أخيرا وما مكوناتها وأهدافها؟
مبادرة أهل السودان تتكون من أحزاب سياسية، وإدارات أهلية، وطرق صوفية، وشخصيات سياسية من أهل المعرفة من الوطنيين والقوميين والإسلاميين والأكاديميين بالجامعات وقطاعات المجتمع المدني المختلفة.
وعندما احتدمت الأوضاع السياسية في السودان ظهرت هذه المبادرة لتكون وسطا بين مختلف القوى السياسية لمحاولة جمعهم على حل وسط.
وتشمل "مبادرة أهل السودان" عشرات الأحزاب التي كانت شريكة في الحوار الوطني منذ عام 2019 وتتمتع بما يشبه الإجماع الوطني بشأن عدة مطالب.
أهمها تشكيل حكومة كفاءات تشرف على إجراء انتخابات نزيهة تعبر بالسودان إلى بر الأمان وتغل يد التدخلات الأجنبية التي تسعى لفرض قوى الحرية والتغيير ودستورها المشبوه على الشعب السوداني.
وأعضاء المبادرة لهم أنشطة وحضور ودور بارز في الشارع السوداني اليوم.
كيف ترى المستقبل إذا لم يتم الاستجابة لمطالب المبادرة وتصدرت المشهد قوى الحرية والتغيير مجددا؟
أولا هذا من الصعب حدوثه ولكن إذا حاول المكون العسكري مع قوى الحرية والتغيير إعادة إنتاج سيناريو 2020 نفسه فإن تظاهرات "مبادرة أهل السودان" سوف تستمر ضد أي نوع من أنواع الاختزال السياسي للمشهد في الحرية والتغيير ودستورها المشبوه.
وتؤكد المبادرة على أنها تريد حلاً سياسياً يقوم على إنشاء حكومة كفاءات وطنية شاملة تشرف على إجراء انتخابات نزيهة، وهذا هو مطلب كل السودانيين منذ حدوث التغيير في 2019.
وهو أمر سهل جدا وحدوثه ممكن؛ ولكن الحرية والتغيير تريد ممارسة الوصاية على السودان ومن خلفها الجهات الأجنبية التي تدعمها وهذه التظاهرات خرجت لمواجهة هذا المد الأجنبي في البلاد.
ماذا تريد قوى الحرية والتغيير من السودان وما حقيقة الاستقواء بالدعم الغربي لها؟
قوى الحرية والتغيير تريد أن تحكم السودان فترة غير محدودة باسم الحكومة المدنية الكاملة.
ولأن طبيعة هذه الأحزاب غير قابلة للتسويق السياسي بين مختلف مكونات الشعب السوداني، بسبب ضعفها وقلة عدد أعضائها وأنصارها وعدم قدرتها على الاحتشاد الجماهيري؛ فضلا عن أنها لا تمتلك القدرة على المنافسة الانتخابية.
ولذلك فإن قوى الحرية والتغيير الآن تسعى من خلال الدعم الغربي والإقليمي إلى أن تصل مرة أخرى لحكم السودان لفترات انتقالية غير محددة الزمن بالوسائل كافة.
ولعل هذا الموقف هو الذي جعل السودان يعيش هذا الخلاف القائم والمستمر طوال أربع سنوات، وتسبب في تراجع الوضع السوداني اقتصاديا وسياسيا.
كما تقود هذا الخلاف أحزاب الحرية والتغير التي دائماً تزعم أنها تسعى لتشكيل حكومة مدنية لكي تستفز عواطف الناس وتدغدغ مشاعر السودانيين بهذا الزعم.
ولكن حقيقة الأمر المدفون داخل نفوس قيادات هؤلاء هو السعي الدؤوب لحكم السودان لفترات طويلة تحت شعار الحكومة المدنية.
ولهذا السبب فهي غير راضية عن قيام أية انتخابات في المرحلة الحالية، أو حتى بعد انتهاء الفترة الانتقالية إذ إن خوفها من الانتخابات تترجمه دائما إلى مزيد من الحديث عن الحكومة المدنية سعيا وراء الحكم لا أكثر.
كيف ترى الدعوة لتشكيل حكومة شاملة من مختلف القوى السياسية بخلاف حكومة الأقلية المتمثلة بقوى الحرية والتغيير؟
ليس سهلا تشكيل حكومة من كل القوى السياسية، فهذا الأمر غير ممكن إطلاقا في السودان؛ لأن القوى السياسية عددها كبير جدا.
لكن الأمر الموضوعي والواقعي أن تكون حكومة كفاءات وطنية مستقلة لإدارة المرحلة الانتقالية.
وهكذا كان تاريخ السودان في مثل هذه الظروف أن تكون حكومة كفاءات مستقلة تدير الوضع السياسي وتصرف الأعمال خلال فترة الانتقال.
ثم تعمل على تأسيس مؤسسات الانتقال التي تتعلق بإجراء انتخابات شفافة وحرة لتشكيل العمل الديمقراطي خلال تلك المرحلة.
قضية الصراعات القبلية التي شهدها السودان وما خلفته من قتلى بالمئات.. ماذا يقف وراءها؟
الصراعات القبلية في السودان قضايا تاريخية قديمة جدا داخل السودان، ولكن اليوم تعبث بها الأيادي السياسية والخفية والأجندات الداخلية والخارجية، لاستغلال هذه الأحداث وتوجيهها نحو إحداث حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.
وهذه التدخلات دائما ما تشعل نيران الحرب داخل هذه القبائل، وتاريخيا شهد السودان هذه الصراعات الداخلية، ولكن في الفترات السابقة كان غالباً ما تُحل بحلول سياسية داخلية واجتماعية، وتقوم الدولة بدورها تجاه هذه الأحداث.
لكن الآن ضعف الحكومة المركزية أثر على انتشار هذه الأحداث ما بين فترة وأخرى، وبين قبيلة وأخرى، في ولايات مختلفة داخل السودان.
ملفات دولية
ما تقييمك للعلاقات السودانية الإثيوبية في ظل حالة عدم الاستقرار في أديس أبابا؟
العلاقة التي تربط السودان بالجارة إثيوبيا أزلية تاريخية تجمع البلدين داخل البيت الإفريقي، وظلت العلاقات هكذا تتكاثر فيها المصالح والعلاقات والموارد المشتركة.
لكن هناك عددا من القضايا التي استجدت وانعكس أثرها على العلاقات بين البلدين مثل سد النهضة، وأراضي الفشقة الخصبة، التي كان يوجد فيها بعض القوات الإثيوبية لسنوات طويلة.
واليوم هذه القضايا الخلافية مطروحة على مائدة الحوار بين البلدين، وما يجب أن يجري لاحتواء هذه الخلافات هو مزيد من الحوار والتفاهم لقيادة هذه العلاقات نحو الاستقرار.
ومن ثم تتواصل المصالح المشتركة بينهما وتعود العلاقة لطبيعتها الودية الأبدية.
كيف ترى مستقبل العلاقات السودانية التركية؟
العلاقات السودانية التركية تاريخية أزلية وإستراتيجية في آن واحد وستظل هكذا. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بذل مجهودا كبيرا لاستمرار هذه العلاقات خلال الفترات السابقة.
وتحرص القيادات التركية على تأكيد موقف أنقرة الداعم للسودان في القضايا السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، بجانب دعم جهود الاستقرار الكامل في البلاد.
وستظل هذه العلاقات يحرصها الوفاء بين الشعبين ونأمل أن تشهد تطورا في المستقبل إن شاء الله.
كيف تقيم قرار الحكومة الليبية فتح المنفذ الحدودي بين السودان وليبيا؟
العلاقة مع ليبيا كانت علاقة تكامل بين شقيقين، ولكن اضطراب الأحوال على الساحة الليبية في الفترة السابقة أثر سلبا على هذه العلاقة.
ونأمل أن يقود التقدم نحو الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا إلى فتح مزيد من سبل التعاون الإيجابي الكبير في المستقبل بين طرابلس والخرطوم لمزيد من تدعيم هذه العلاقة إن شاء الله.
ما واقع العلاقات السودانية المصرية مع تواصل خلاف حلايب وشلاتين؟
العلاقات المصرية السودانية علاقة شعبين يربطهما النيل من خلال وادي واحد يقع في شماله القاهرة وفي جنوبه الخرطوم وظلت هكذا على مدار التاريخ القديم بين البلدين.
إلا أن الثابت في السياسة السودانية ولدى الشعب السوداني أن مدينة حلايب سودانية مئة بالمئة.
لماذا يتظاهر السودانيون خاصة أمام السفارة الإماراتية مطالبين بوقف التدخل الأجنبي؟
يتظاهر السودانيون الآن أمام السفارات الأجنبية التي تحشر أنفها في الملف السوداني، ولديها أجندات لا تخدم مصلحة بلادنا ولكنها فقط تخدم مصالح هذه الدول الأجنبية التي تطلق على نفسها "الرباعية"؛ والتي يرفضها الشعب السوداني ويواصل التظاهرات ضد أي تدخل أجنبي وبشكل دائم.
وهذا أمر مبدئي ومرفوض من الشعب السوداني حيث ردد المتظاهرون شعارات، لا للتدخل الأجنبي ووثيقته الدستورية، ولا للتسوية السياسية لصالح العملاء.
وشددوا على أنه لا يُسمح لهذه الدول الأجنبية أن تمد يدها لتعبث بالأمن والاستقرار السياسي بالبلاد، ولا بالإرادة الوطنية ولا السيادة الوطنية.
لذلك سيستمر هذا التظاهر الرافض لأي تدخل في الشأن السوداني ما لم تكف هذه الدول يدها عن هذا الأمر.
ماذا جنى السودان من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي؟
قضية التطبيع مع إسرائيل تسير في الاتجاه السالب في نظر الشعب السوداني، ولا تزال القضية الفلسطينية القضية المركزية في تاريخ السودان.
والخرطوم مشهود له بموقفها التاريخي في قمة الخرطوم بإعلان اللاءات الثلاثة وهي؛ لا للصلح ولا للاعتراف ولا للتطبيع.
وفي ضمير الشعب السوداني كل من يخالف هذه الأُطر التاريخية في العلاقة مع إسرائيل يُعد اتجاه غير سليم وموقفه مرفوض.
لأن الشعب يرى أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وللمسجد الأقصى قضية مرفوضة من الناحية الدينية والعقدية، كما أن التطبيع مع الكيان الصهيوني أيضا مرفوض.
فضلاً عن أن الثابت في تاريخ الشعب السوداني أنه ينظر للقضية الفلسطينية من منطلق عقائدي بحت بعيداً عن السياسة.
والحكومة السودانية والشعب السوداني لم ولن يجن أي خير من تطبيع العلاقات مع إسرائيل في الأحوال كافة.