إيتمار بن غفير.. صهيوني متطرف وأخطر وزير بحكومة نتنياهو المرتقبة
الصدامات الشرسة التي اندلعت خلال الفترة الأخيرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في باب العامود، وباحات المسجد الأقصى، والشيخ جراح، وأم الفحم، والخليل، يقف خلف تأجيحها ذات الشخص وهو السياسي الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير.
بن غفير الذي غدا زعيما للقوى الدينية السياسية الصاعدة في إسرائيل، يطمح لتولي حقيبة الأمن الداخلي، في حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، وأنصاره يرفعون شعار "الموت للعرب".
وفي مساء 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية فوز معسكر رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو بـ 64 من مقاعد الكنيست الـ 120 في انتخابات هي الخامسة في غضون 4 سنوات.
وقبل سنة كانت التوقعات تشير إلى أفول حقبة نتنياهو، بعد خروجه من الحكومة، وتلقيه اتهامات بالفساد والرشوة وإساءة الثقة.
لكنه خطط للعودة من جديد، فحافظ على رئاسة صارمة لحزبه "الليكود"، ووضع مخططا شيطانيا قام على توثيق علاقاته أكثر مع أحزاب اليمين المتطرف، التي ضمت أحزاب "شاس" و"يهودوت هتوراه" و"الصهيونية الدينية".
ومن ثم أعلن نتنياهو سعيه لتشكيل حكومة يمينية خالصة، دون أي أحزاب من الوسط أو اليسار.
وبالتالي كان ظهور شخصيات مغالية في التطرف والكراهية والخطورة مثل إيتمار بن غفير، طبيعيا ومتسقا مع النهج الجديد للسياسة الإسرائيلية.
"بن غفير"
إيتمار بن غفير ينتمي لعائلة صهيونية متشددة، تعيش داخل مدينة القدس المحتلة، فوالده من أصول عراقية، ووالدته من كردستان العراق، وكلاهما هاجر إلى فلسطين ضمن طليعة المستوطنين الذين وفدوا وبدؤوا عهود الاحتلال.
ولد بن غفير في 6 مايو/أيار 1976، ونشأ على التشدد، متأثرا بوالدته التي كانت ناشطة متطرفة في حركة صهيونية تأسست عام 1931، وعرفت بـ"التنظيم الوطني العسكري" (إيتسل)، وشاركت في عمليات إرهابية ضد الشعب الفلسطيني.
وعندما بلغ بن غفير سن 18 عاما أعفي من الخدمة الإلزامية بالجيش الإسرائيلي، بسبب مواقفه اليمينية المتشددة.
وقد علقت صحيفة "هآرتس" العبرية في أبريل/نيسان 2018 على ذلك الأمر قائلة: "امتلك بن غفير سمعة كافية بكونه محرضا مراهقا ليحرم من الخدمة في الجيش، وهي شارة العار التي يرتديها حتى يومنا هذا".
لكن بن غفير رد على مناهضيه قائلا: "الجيش الإسرائيلي هو الذي خسر عندما لم يأخذني".
محامي الشيطان
لم يكن هذا الحرمان الوحيد في حياة السياسي الصهيوني، ففي يناير/كانون الثاني 2011 كتب موقع "واللا" العبري أن "اللجنة المركزية لنقابة المحامين رفضت طلبا من الناشط اليميني إيتمار بن غفير للحصول على إذن للتخصص كمحام بسبب آرائه المتطرفة".
وكان بن غفير قد درس القانون، وتخرج في كلية الحقوق عام 2008.
لكن سجله الجنائي الحافل بتورطه في مظاهرات عنيفة وأنشطة لليمين المتطرف، تسبب في عدم السماح له بالتخصص كمحام.
لكن في يونيو/حزيران 2012 ذكرت صحيفة "معاريف" أن "بن غفير المتطرف اجتاز امتحانات نقابة المحامين بعد صراع طويل".
ومع حصوله على شهادة مزاولة المحاماة برز مدافعا عن عناصر اليمين المتشدد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين، بما فيه جماعة "لاهافا" الإرهابية.
وعلى الصعيد العائلي فإنه متزوج من "أيالا نمرودي"، ويقول عنها "إنها الفرع الأرثوذوكسي للعائلة"، ولهما 5 أطفال.
وتسكن أسرته مستوطنة "كريات أربع" التي تعد من المستوطنات المتطرفة في الضفة الغربية المحتلة، والمقامة على أراضي الخليل.
لذلك فإن بن غفير يطالب بضم الضفة الغربية بكاملها لإسرائيل، ونقل جزء من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الدول المجاورة.
توعد "رابين"
بدأ بن غفير خوض غمار السياسة بشكل فعلي عام 1995، وهو ابن 19 عاما، وبرز في قضية رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين.
وكان ذلك العام فارقا وساخنا في الأراضي المحتلة، عندما اغتيل رئيس الوزراء وقتها رابين في 4 نوفمبر/تشرين الثاني.
لكن قبل اغتياله بأسابيع ظهر بن غفير أمام الكاميرات وهو يحمل زخرفة مزقت من مركبة كاديلاك الخاصة برابين، وقال "استطعنا الوصول إلى السيارة، وسنصل إلى رابين أيضا".
وبعد اغتيال رابين قاد بن غفير حملة لإخلاء سبيل قاتله، الصهيوني المتطرف أيضا "إيجال عامير".
وكان محمل السخط واستباحة دم رئيس الوزراء الإسرائيلي، هو توقيع "اتفاقية أوسلو" بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في سبتمبر/أيلول 1993.
وهي الاتفاقية التي رفضها قطاع عريض من الصهاينة المتطرفين، كونها ستسمح بقيام دولة فلسطينية، وتحد من الاستيطان.
أيديولوجية متطرفة
ولمعرفة خطورة الأفكار المتشددة التي يحملها بن غفير، فإنه استقاها من مدرسة الحاخام الصهيوني مائير كاهانا، مؤسس حركة "كاخ".
وكاهانا هذا، فاز بمقعد في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي عام 1984 قبل أن تصنف حركته "إرهابية وفاشية".
وعرفت مدرسة كاهانا باسم "الكهانية"، وهي خليط جمع بين المغالاة القومية والتدين السياسي والممارسات العنيفة.
ووفقا لأفكار حركة "كاخ" و"الكهانية"، آمن بن غفير بفكرة أن العرب في فلسطين أعداء يجب إخراجهم بالعنف ولا يمكن التعايش معهم أبدا، وأنه على اليهود في كافة أنحاء العالم أن يهاجروا إلى فلسطين، كونها أرض الميعاد المقدسة.
لكن أفكار الحركة الإرهابية لم تقف عند التنظير، بل راحت إلى التطبيق المفزع عندما ارتكب أحد أعضائها وهو "باروخ غولدشتاين" مذبحة الحرم الإبراهيمي التي راح ضحيتها 29 مصليا في 25 فبراير/شباط 1994.
وعلى إثر هذه المجزرة حظرت إسرائيل نفسها ودول أخرى حركة "كاخ" وعدتها حركة إرهابية.
بينما يصف بن غفير ذلك الإرهابي مرتكب المجزرة أنه "بطل"، وقد اشتهر بوضعه صورة له على جدار منزله.
مسعر حرب
في 14 فبراير/ شباط 2021، عندما شهد حي الشيخ جراح في القدس التوترات والمواجهات، كان بن غفير أبرز من أشعلوا الموقف بعد إعلانه نيته إقامة خيمة على أرض فلسطينية داخل الحي.
ونفذ بن غفير قراره في اليوم التالي وأقام الخيمة، وقاد اقتحاما للحي رفقة مستوطنين متطرفين، ما تسبب باندلاع مواجهات مع الفلسطينيين، أدت إلى إصابة 31 فلسطينيا واعتقال 12.
كما أشعل بن غفير توترا مماثلا بالقدس، في مايو/أيار 2021، امتد ليشمل الضفة الغربية والمناطق العربية في الأراضي المحتلة عام 1948، وتسبب باندلاع جولة قتال بقطاع غزة، استمرت 11 يوما.
وسعى بن غفير ليكون نشاطه المتطرف مغلفا بمنصب سياسي، فخاض محاولات عديدة لدخول الكنيست الإسرائيلي.
ففي دورة الانتخابات الـ19 للكنيست وضع مايكل بن آري مساعده بن غفير وصديقه باروخ مارزل على قائمة الحزب الذي شكله في يناير/كانون الثاني 2013، لكنه فشل في رصد أصوات كافية لحجز مقعد.
لكن مع تغير المزاج العام في إسرائيل نحو مزيد من العنف والتطرف، وجد بن غفير مكانا لنفسه.
وفي الدورة الانتخابية الـ24 ترأس بن غفير حزب "العظمة اليهودية"، كما دعمه رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو.
عدو الفلسطينيين
وفور انتخابه في مارس/آذار 2021 عضوا بالكنيست، صرح بالقول إنه "يجب إزالة أعداء إسرائيل من أرضنا"، في إشارة إلى الفلسطينيين عامة.
وفي الدورة الـ25 (الأخيرة) في أكتوبر 2022 رشح بن غفير نفسه لتولي حقيبة وزارية لم يحددها.
إلا أن شريكه بتسلئيل ستريتش قال إنه "يريد حقيبة الدفاع أو الأمن الداخلي"، وقد لقي بن غفير دعما قويا من نتنياهو.
وحذر السيناتور الأميركي البارز، بوب مينينديز، خلال رحلة إلى إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2022 نتنياهو من تشكيل حكومة تضم متطرفين يمينيين، وذكر "بن غفير" بالخصوص.
فقد يضر ذلك بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفقا لمصدرين تحدثا لموقع "أكسيوس" الأميركي.
ووفقا لما ذكره الموقع مطلع نوفمبر، فإنه خلال اجتماع جرى في 5 سبتمبر 2022 مع نتنياهو أثار مينينديز مخاوفه بشأن الشراكة السياسية لزعيم المعارضة وتعاونه مع أحزاب اليمين المتطرف.
ونقل موقع "والا" العبري عن مصدر مطلع على مضمون الاجتماع قوله إن نتنياهو لم يعجبه كلام مينينديز، وحاول معارضتها، ما خلق توترا كبيرا في الاجتماع".
لكن السيناتور الديمقراطي لم يتراجع عن كلماته، حتى بعد أن أعرب نتنياهو عن عدم رضاه عنها، واستمراره في الضغط على نتنياهو بشأن هذه القضية.
وفي الحزب الديمقراطي ينظر إلى بن غفير وإلى حد كبير عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش على أنهما عنصريان يدعمان ما يسمى "التفوق اليهودي".
ونقل موقع "أكسيوس" مطلع نوفمبر عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قولهم إنه من غير المرجح أن تتعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع العضو المتطرف في الكنيست إيتمار بن غفير، الذي يتوقع أن يتولى منصبا وزاريا رفيعا في الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
وذكر الموقع أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ألمحا إلى احتمال عدم العمل مع بن غفير وغيره من المتطرفين اليمينيين، وذلك خلال اجتماعهما مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ نهاية أكتوبر في واشنطن.
كما قال الموقع إن الإدارة الأميركية قلقة من خطاب بن غفير العنصري وحزبه ومواقفه تجاه الفلسطينيين.