يفغيني بريغوزين.. طباخ بوتين الشخصي وذراعه العسكري خارج روسيا

12

طباعة

مشاركة

مع اشتداد الغزو الروسي على أوكرانيا، يتداول بشكل أكبر اسم يفغيني بريغوزين رجل الأعمال الروسي البارز متعدد المهن، ورئيس مرتزقة "فاغنر" شبه العسكرية الخاصة، والمعروف أيضا بـ"طباخ الرئيس فلاديمير بوتين".

وبقيت مجموعة "فاغنر" منذ تأسيسها عام 2014 كيانا غامضا للغاية تحرك روسيا قطعانها من المرتزقة لخدمة مصالحها في ساحات المعارك.

وبدأ ذلك، من أوكرانيا التي وجدت "فاغنر" فيها من أجل تحقيق أطماع موسكو فيها، إلى الزج بها بعيدا إلى إفريقيا الوسطى والشرق الليبي وحتى سوريا.

في البداية لم يعرف مؤسس "فاغنر" الحقيقي، كون البناء الهرمي لها سريا، فلا يوجد مسؤولون ولا أوراق رسمية ولا مقر مسجلا رسميا.

وكان فقط ينظر للمجموعة، على أنها شركة أمنية وعسكرية مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لا شك أن الهيكلية العسكرية لـ"فاغنر" ليست من صنيعة بريغوزين، بل تعزى وفق تحقيقات صحفية متقاطعة إلى الضابط السابق في الجيش الروسي السابق، دميتري أوتكين، الذي أسسها وأسبغ عليها اسمه الحركي السابق حين كان ضابطا.

لكن بريغوزين البالغ من العمر 61 عاما، هو من مول "فاغنر"، ودعم إنشاء قاعدتها التدريبية في مولكينو جنوب روسيا، والتي توجد بقرب قاعدة عسكرية روسية هناك.

وبعد سنوات من النفي الشديد، أقر يفغيني بريغوزين، في 26 سبتمبر/أيلول 2022، في منشور على حسابات شركته "كونكورد" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه أسس مجموعة فاغنر في مايو/أيار 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف بانتشار عناصر منها في إفريقيا وسوريا وأميركا اللاتينية خصوصا.

وللمفارقة، فإن بريغوزين رفع دعوى قضائية ضد صحفيين لربطه بمجموعة "فاغنر" التي اتهمت بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان منذ أن بدأت العمل لأول مرة أثناء احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.

ولدى سؤال بريغوزين، عن سبب رفضه سابقا لصلاته مع فاغنر، أجاب قائلا: "تجنبت منذ فترة طويلة ضربات العديد من الأعداء بهدف رئيس واحد - عدم تقويض هؤلاء الرجال، الذين يشكلون أساس الوطنية الروسية".

تاريخ أسود

ولد يفغيني فيكتوروفيتش بريغوزين، في سانت بطرسبرغ الروسية، مسقط رأس بوتين، عام 1961، وهو متزوج وله أولاد.

لم تكن سمعة بريغوزين حين نشأته حسنة، فقد أمضى تسع سنوات في السجن بعد أن أدانته محكمة سوفياتية بالسرقة وجرائم أخرى عام 1981.

وعندما خرج من السجن، قرر الدخول في العمل، وأصبح بائع نقانق ساخنة في تسعينيات القرن العشرين، ثم أسس عقب ذلك مطعما راقيا على متن قارب يرسو على نهر في سانت بطرسبرغ.

كانت اللحظة الفارقة في حياته، عام 2001، حينما خدم بريغوزين شخصيا ضيفين كانا قد توقفا لتناول العشاء، هما الرئيس الروسي الجديد بوتين، ورئيس الوزراء الياباني آنذاك، يوشيرو موري.

ثم عقب ذلك، انتدب بريغوزين لتقديم الطعام لمآدب الكرملين مقر الرئاسة الروسية، ولحفلة عيد ميلاد بوتين عام 2003، كما أصبح متعهدا لطعام الكرملين.

ومن داخل الكرملين بنى بريغوزين علاقات جيدة مع النخبة الروسية، وأصبح مقبولا لديهم ويقصدونه في مناسباتهم الفارهة.

ومن هنا دخل عالم المال، وفاز بعقود حكومية مربحة لتزويد طلاب المدارس الروسية والجنود بالطعام.

ووصف أليكسي نافالني، زعيم المعارضة الروسية المسجون حاليا وأحد أشد منتقدي بوتين، صعود بريغوزين بأنه مثال لروسيا في عهد بوتين.

وأكد نافالني أن بريغوزين أصبح ثريا بسبب قربه من "حاكم روسيا الأبدي". وقد أطلق عليه لقب "ملك الكراهية".

وكان نشاط بريغوزين كرجل أعمال مفرط، مع قدرة هائلة على تنفيذ الخدمات اللوجستية، حتى إنه نجح في استقطاب سياسيين روس، وأعاد إرسالهم كمستشارين سياسيين سريين إلى القارة الإفريقية.

تؤكد صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الشركات المرتبطة بريغوزين، كانت ترسل إمدادات من الشاي والقهوة والمعكرونة إلى القارة الإفريقية، مما يعني أنه يغذي العدد المتزايد من الأفراد والخبراء العسكريين الروس في القارة.

واتهمت الأمم المتحدة والحكومة الفرنسية مرتزقة فاغنر بارتكاب عمليات اغتصاب وسطو ضد المدنيين في جمهورية إفريقيا الوسطى، وجراء ذلك فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهم.

ويملك بريغوزين، شركة إيفرو بوليس التي تعمل في مجال خدمات الإطعام ومن بين زبائنها الجيش الروسي.

ورغم ذلك، فإن العديد من شركات بريغوزين تخضع حاليا لعقوبات أميركية بسبب ما تصفه واشنطن بـ "نفوذه السياسي والاقتصادي الخبيث في جميع أنحاء العالم".

يد قذرة لبوتين

وخرج بريغوزين من المطبخ لكي يصبح "طباخا" لعمليات يريدها بوتين شخصيا، ويرى فيها مخايل سلطته خارج حدود الاتحاد الروسي.

ومن أجل ذلك، أحدثت مجموعة فاغنر الفوضى في عدد من دول العالم، ولم تكتف بأن تكون فقط ترسا للجيش الروسي أينما وُجِد ضمن معاهدات عسكرية جديدة كسبها بوتين مع حلفاء جدد.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، وقاد بريغوزين حملة تضليل خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، والتي أدت إلى سقوطه مع شركتيه تحت عقوبات واشنطن.

كما أسس شركة تموين واسعة النطاق تسمى "كونكورد" وتعمل الآن بشكل فعال كشركة أم لمجموعة "فاغنر".

وراهنا، أقوى علاقات بريغوزين مع بوتين هي من خلال شركة كونكورد، إذ تلقت الشركة والكيانات التابعة لها عقودا حكومية تزيد عن 3 مليارات دولار، تضمنت توريد المواد الغذائية لمدارس موسكو.

وتلك الصفقة مع المدارس جاءت بنتائج عكسية عام 2018 عندما أصيب مجموعة من الأطفال بتسمم؛ ورفع العديد من الآباء دعوى قضائية ضد الشركة.

ويمتلك الرجل أيضا مجموعة من الطائرات الفخمة، واليخوت التي تقدم الطعام الفاخر ويقصدها الأثرياء الروس.

وذات مرة، قال بوتين إنه "لا يحسب بريغوزين من بين أصدقائه"، ووقتها فهم المتابعون لبطانة الرئيس الروسي، أن الطباخ ليس شخصا يستمع إليه بوتين، بل إنه مجرد "طاه" ينفذ أقذر أعمال بوتين.

رجل الظل

وأسهمت صور بريغوزين وهو يرتدي بدلة رسمية وربطة عنق ويقف خلف بوتين وضيوفه من زعماء العالم لتناول وجبات الطعام عند زيارتهم لروسيا، في جعله واحدا من أصحاب الصفقات الكبرى بين رجال الأعمال الروس.

تقول أنجيلا ستينت، رئيسة الدراسات الروسية في جامعة جورج تاون ومؤلفة كتاب عن عالم بوتين، إن بريغوزين يدير بعض المطاعم الراقية للغاية.

وهو "الشخص الذي يدير وكالة أبحاث الإنترنت الموجودة في سانت بطرسبرغ، وأيضا نجح في حشد الآلاف من الأميركيين من على بعد 5000 ميل للتظاهر والاحتجاج في انتخابات عام 2016".

وتؤكد الشواهد الحية، أن بريغوزين من ضمن رجال الأعمال الأثرياء الذين يدورون في فلك بوتين، إلا أن الأخير ليس مضطرا لأن يعلن عن ذلك، ولا حتى عن اسم طباخه الشخصي.

ولهذا فإنه خلال مؤتمر صحفي في يناير/كانون الثاني 2019، رفض بوتين عندما سئل عن رئيس الطهاة الخاص به، أن يذكر اسمه.

ومضى يقول: "جميع الطهاة لدي يعملون في خدمة الحرس الفيدرالي، وكلهم جنود من رتب مختلفة، ليس لدي طهاة آخرون".

ولهذا يؤكد محللون أنه نظرا لأن بريغوزين وآخرين مثله لا يمكن أن يمنحوا صفة رسمية، مما يتيح للكرملين أن ينأى بنفسه وينكر أنهم يتصرفون نيابة عن الدولة الروسية.

وخاصة في الأعمال القذرة كالقتل وارتكاب الانتهاكات البشعة في عدد من الدول مثل سوريا وأخيرا أوكرانيا التي غزتها روسيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، وكان لـ "بريغوزين" أدوار ملفتة في الحرب.

وعدا عن الزج بقوات فاغنر منذ اللحظة الأولى لغزو أوكرانيا، فإنه ذهب أبعد من ذلك لمساندة سيده بوتين في حشد مزيد من المقاتلين للمعركة.

فقد ظهر يفغيني، وهو يتحدث إلى سجناء روس يشرح لهم فيها مزايا القتال مع مجموعته في أوكرانيا والتي تتضمن إطلاق سراحهم بعد خدمتهم لمدة 6 أشهر.

وفي تسجيل مصور نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية في 16 سبتمبر 2022، قال بريغوزين لنزلاء سجن وسط روسيا: "في غضون ستة أشهر ستعودون إلى منازلكم بعد أن تحصلوا على عفو عام، وبالتالي لن ترجعوا إلى السجن مرة أخرى".

وأضاف بريغوزين، متوعدا أولئك الذين يرفضون القتال بعد وصولهم إلى أوكرانيا بأنهم سيصنفون على أنهم فارون، وبالتالي سيعدمون فورا "بإطلاق النار عليهم".


كما أعلن بريغوزين على حسابات شركته "كونكورد"، في 19 أكتوبر 2022، أنه "يجرى بناء مجمع من التحصينات أطلق عليه اسم خط فاغنر عند نقاط التماس، لمنطقة لوغانسك بشرق أوكرانيا التي ضمتها موسكو في 5 سبتمبر من العام المذكور.

صفقات قاتلة

لكن رغم ذلك، فإنه مهما حاولت روسيا التنصل من طول يد بريغوزين خارجيا وبأمر مباشر منها، فإن صور الرجل تفضح العلاقة بينه وبين بوتين.

إذ كانت هناك مشاهدة نادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عندما التقى وفد عسكري ليبي بنظرائه الروس في موسكو.

وأظهر مقطع فيديو للاجتماع آنذاك كل شخص يرتدي زيا عسكريا، باستثناء روسي واحد، يرتدي بدلة رسمية بشكل واضح، وهو يفغيني بريغوزين.

كما سبق أن ذكرت وكالة رويترز البريطانية في 25 يناير 2019، أن مئات المرتزقة الروس موجودون في فنزويلا يدعمون الرئيس نيكولاس مادورو، حينما كان يواجه هذا الأخير احتجاجات من المعارضة تدعمها الولايات المتحدة.

وينسحب الأمر كذلك في سوريا، حيث أسهم تدخل روسيا عام 2015 لدعم رأس النظام بشار الأسد في قمع الثورة الشعبية ضده، في منع سقوطه، بعدما زجت موسكو بمجموعات هائلة من "فاغنر".

وحينئذ قاتلت فاغنر إلى جانب قوات الأسد، مما مكن الأخيرة من استعادة حينها مساحات شاسعة من المناطق كانت بيد المعارضة، وقلبت الكفة العسكرية إلى يومنا هذا لصالح الأسد.

وجرى آنذاك توثيق ارتكب مليشيا فاغنر جرائم حرب بحق السوريين، خاصة أنهم أصبحوا قوة بأعداد لا يستهان بها وهي من تقود عناصر قوات الأسد.

ومن شواهد ذلك، مقتل العشرات من فاغنر بضربة أميركية، حينما هاجموا حقل نفط إستراتيجي تديره واشنطن شرقي سوريا في 7 فبراير/ِشباط 2018، وأدى لمقتل غالبية هؤلاء المرتزقة.

وآنذاك جرى اعتراض اتصالات تسبق الضربة، قدمت بعض القرائن، وأظهرت أن بريغوزين أخبر مسؤولا من نظام الأسد رفيع المستوى أنه حصل على إذن من وزير روسي للتحرك "بسرعة وقوة" نحو الحقل النفطي، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في 23 فبراير 2018.

وبما أن الاتصالات أظهرت أن "طباخ بوتين"، كان على علم بالهجوم المخطط له وتبادل المعلومات مع النظام السوري شخصيا، فإنه من غير المرجح أن يعمل دون أخذ الإذن من أقوى رجل في روسيا.

وبحسب الخبير العسكري الروسي المقيم في كييف أوليج زدانوف، فإن "بريغوزين ورئيس الشيشان رمضان قديروف ربما ينتقدان الجيش الروسي كجزء من جهود النخبة الروسية لزعزعة الوضع للإطاحة ببوتين"، وفق ما قال خلال مقابلة مع الإذاعة الأوكرانية في 18 أكتوبر 2022.

يذكر أن بريغوزين حصل على عدد من الألقاب، منها بطل الاتحاد الروسي في عام 2022، وبطل جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك (الانفصاليتان).