مشروع قانون المحاماة في المغرب.. لماذا يصر العاملون بالمهنة على رفضه؟
.jpg)
صعد محامو المغرب من لهجتهم ضد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، على خلفية تسريب الوزارة مسودة مشروع قانون المحاماة الذي تعمل على إعداده.
إذ عبروا عن رفضهم التام والمطلق لما ورد في المشروع، ولمنهجية إعداده وإقصاء المحامين من النقاش فيه.
وفي هذا الإطار، انتقدت الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب، تخلي الوزارة عن المقاربة التشاركية في إعداد النص المذكور، واعتماد أخرى أحادية في التشريع للمهنة.
"إهانة للمحاماة"
واستنكرت الجمعية في 18 سبتمبر/أيلول 2022، عدم إطلاعها على مراحل الإعداد للمشروع، قائلة إنها اطلعت على المسودة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما عدته "إهانة" للمهنة.
وشددت الجمعية في بيان لها أن مضامين المشروع تهدف إلى ضرب "استقلالية المهنة وتقزيم أدوارها التاريخية في التأسيس لدولة الحق والقانون والدفاع عن الحقوق والحريات".
ودعت هيئات المحامين إلى تحمل مسؤوليتها بوصفها المخاطب الرسمي للوزارة، من خلال رفضها مناقشة مشروع مسودة ممنوح.
هذه الدعوات لقيت استجابة من هيئات أخرى، وفي هذا السياق، وصفت هيئة المحامين بتطوان، شمالي المملكة، تسريب وزارة العدل مسودة مشروع القانون المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، بأنه جرى "بشكل مريب وخارج القنوات الاعتيادية".
ووفق ما ذكر الموقع الإلكتروني للقناة العمومية الثانية في 22 سبتمبر 2022، فقد عبر مجلس الهيئة في بيان له، عن رفضه المطلق الخوض في مضامين المسودة التي أعِدت بعيدا عن المنهجية التشاركية للجمعية ووزارة العدل.
وانتقدت الهيئة ما أسمته "انفراد وزارة العدل بإعداد هذه المسودة وتسريبها"، مبينة أن الأمر "يشكل سابقة في تاريخ العلاقة التي جمعت على الدوام الوزارة وهيئات المحامين".
كما سارع مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء إلى التفاعل مع الموضوع، وأصدر بيانا في 22 سبتمبر 2022، عبر من خلاله عن رفض الهيئة لمسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة المعدة من طرف وزارة العدل.
واستنكر المجلس "المنهجية المسلوكة في إعداد مسودة المشروع المذكور"، قائلا إنها جرت "في تغييب تام للمؤسسات المهنية المسؤولة المعنية دون غيرها".
وشددت الهيئة على أن "التشريع لمهنة المحاماة لا يمكن أن يكون في ظل إقصاء ممنهج للمؤسسات المهنية المنتخبة دون غيرها".
وعدّت "الأسلوب المعتمد في إعداد هذه المسودة بعيدا عن الديمقراطية التشاركية مع المؤسسات المنتخبة للمحامين ونهج أسلوب المصلحة الخاصة الذي يتعارض مع مبادئ المهنة وأعرافها وتقاليدها".
وعبرت هيئة المحامين بالدار البيضاء عن رفضها التام لهذه المسودة "الممنوحة" بعيدا عن قواعد وأعراف إعداد قانون مهنة المحاماة كما هو معمول به منذ سنوات ودون احترام المنهجية التشاركية.
وسجلت أن "هذه المسودة تشكل تراجعا خطيرا عن مقترحات المحامين، والتي هي نتاج توصيات مؤتمراتهم، وتضرب في العمق أعراق وتقاليد مهنة المحاماة ومبادئها الكونية".
وأشارت إلى أن الرأي العام المهني تفاجأ من خلال هذه المسودة "بمجموعة من المقترحات التي تمس استقلالية مهنة المحاماة وتعرقل أداء رسالة الدفاع عن حقوق وحريات المواطن ونكوصا عن المكتسبات المهنية".
وخلص مجلس الهيئة إلى دعوة "وزارة العدل إلى سحب هذه المسودة والعودة إلى الثوابت التاريخية والقانونية في إعداد قانون ينظم مهنة المحاماة ويراعي المبادئ الكونية للمهنة وأعرافها وتقاليدها بصفتها رسالة إنسانية سامية ومكونا أساسيا داخل منظومة العدالة".
وفي جنوب المغرب، أعلن مكتب اتحاد المحامين بأكادير وكلميم والعيون، عن "رفضه المطلق لمسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة أحادية الصياغة".
وأكد مكتب الاتحاد في بيان 23 سبتمبر 2022، "أن مشروع قانون مهنة المحاماة لا يمكن سنه أو تشريعه إلا بإشراك أولي أمره من محامين عبر مؤسساتهم المهنية"، منكرا على وزير العدل محاولاته المتعددة والمتوالية للإجهاز على مكتسبات مهنة المحاماة.
ودعا المصدر، "الإطارات المهنية المحلية والوطنية كافة لعقد اجتماع طارئ لتشكيل جبهة مهنية تتصدى لهذه المسودة وتسطير برنامج نضالي عقلاني ومسؤول"، معبرا عن استعداده لخوض كل الأشكال النضالية الجادة والمسؤولة حتى الإطاحة بهذه المسودة.
تشريع وإشكالات
أكد المحامي محمد أغناج، أن التشريع لمهنة المحاماة في المغرب كان يجرى دائما وفق منهجية تشاركية مع ممثلي المهنة، مشيرا إلى أن هذا الأمر يعود لأسباب تاريخية وأيضا موضوعية.
وأوضح أغناج في تصريح لـ "الاستقلال"، أن القانون المنظم لمهنة المحاماة وُجد في ظل المستعمر الفرنسي عبر المسطرة المدنية الصادرة في 1913.
وفي 1923 فكرت الإقامة العامة الفرنسية في إصدار قانون خاص ينظم المحاماة، الذين كان أغلبهم من جنسية فرنسية ومن مغاربة من الديانة اليهودية.
غير أنهم رفضوا إحداث تشريع للمهنة، وخاضوا نضالا ترتب عنه وضع نظام 1924، وصادقت عليه الإقامة، وفق أغناج.
وأشار المتحدث إلى أن جميع القوانين التي تنظم مهنة المحاماة في المغرب لم تصدر عن المؤسسة التشريعية، ويتعلق الأمر بقانوني 1979 و1993، بل حتى قانون 2008، وإن صدر عن البرلمان.
إلا أنه كان نتاج اتفاق بين وزارة العدل وممثلي المحاماة على نص القانون، حيث جرى التصديق عليه كما ورد من جمعية المحامين إلى الوزارة دون تغيير.
واسترسل: "استمرت المشاورات بين الوزارة والنقباء وجمعيات المحامين، وكان آخرها خلال 2019 /2022، ترتب عليها الاتفاق بين الطرفين على نص قانوني، بني أساسا على مقترح صاغته الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب، وتم النقاش بخصوصه مع الوزارة، والتوصل إلى صيغة متوافق عليها".
ويستدرك أغناج: "جاء الوزير الحالي ليضرب جميع الاتفاقات المتوصل لها، وأحدث نصا جديدا، يحدث بموجبه تغييرا جوهريا في ممارسة مهنة المحاماة، ودون مشاورة أو اتفاق مع الشركاء".
وعن أهم ما ورد في النص الجديد، قال أغناج إن المسودة لم تتضمن أي إضافات جوهرية بالنسبة لمهنة المحاماة، بقدر ما تضمنت عددا من التضييقات، وإحداث مجموعة من المؤسسات.
فنقطة الخلاف الأولى الواردة في النص، يقول المحامي، هي السماح بدخول بعض فئات الموظفين لمهنة المحاماة، دون شرط الأهلية أو الالتزام بالتمرين وشرط السن، مبرزا أن المطلوب خلق توازن بين المحاماة وبين جميع المهن القانونية.
وأوضح أن ممارسة مهنة الموثقين أو المفوضين القضائيين تفرض على الراغبين فيها سنا معينة وشروطا أخرى، سواء أكان المتقدم للمهنة موظفا أو قاضيا أو محافظا سابقا، ولذا يطالب أغناج، بالمعاملة بالمثل في ممارسة مهنة المحاماة.
من الملاحظات أيضا، وفق الخبير القانوني، أن الدولة تتجه نحو خصخصة الخدمات، أي فتح المجال أمام القطاع الخاص.
لكن في مجال الخدمات القانونية، هناك اتجاه معاكس، إذ يجري توسيع اختصاص الوكيل القضائي، الذي يعد موظفا بالدولة.
وتحدث أغناج عن قضية أخرى أثارها المشروع تتعلق بمسطرة التأديب، والتي يجرى اللجوء إليها حين يخالف المحامي التزامات المهنة وقواعدها.
لكن، يردف المتحدث أنه بخلاف باقي المهن، يتيح المشروع تدخل الوكيل/النائب العام كطرف في تلقي الشكايات، ويجرى في هذا المستوى التعرض على قرار النقيب في حفظ شكاية ما، ويقرر الوكيل العام متابعة المسطرة التأديبية.
وأضاف: "كما أعطى المشروع نفس الاختصاص للمشتكي، أي أن يقدم الشكاية وأن يستأنف قرار النقيب،" مشددا على أن هذا لا يوجد في أي مسطرة تأديبية أخرى.
ومن السلبيات التي جاء بها مشروع القانون، وفق أغناج، إحداث ما سمي بالمجلس الوطني للهيئات، فمن حيث المبدأ، هناك اختلاف حول قبوله ورفضه.
لكن موضع السلبية فيه بناء على ما ورد في المشروع، أن حرية المحامين في اختيار أعضائهم محدودة، كما أن المجلس لم يمنح أي اختصاصات حقيقية، بل هي في عمومها بروتوكولية وتشريفية.
وعن خلفيات هذا الاختيار، قال أغناج إن الذين صنعوا القانون يهدفون إلى التحكم في المحاماة، لأن المجلس صُنع ليكون على المقاس، لتتحكم الوزارة في المهنة.
تهديد سابق
هذه المسودة تأتي لتصب المزيد من الزيت فوق نار الخلافات التي اندلعت بين المحامين ووزير العدل، بعد التصريحات التي أدلى بها بشأن تهرب نسبة كبيرة من المحامين من أداء الضريبة.
ووفق ما نقلت الجريدة الإلكترونية "اليوم 24"، في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قال وهبي أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، إنه سيعيد النظر في مهنة المحاماة والتوثيق، وسيوسع مجالها، مسترسلا: "سأخلق نصوصا عقابية صارمة بالنسبة للمحاماة".
وكشف وهبي، الذي يعد محاميا بهيئة الرباط، أن 95 بالمئة من أصحاب البدل السوداء يؤدون 10 آلاف درهم كضريبة سنوية، أي ألف دولار تقريبا، ما دفعه إلى القول إنه "لا يمكن قبول خرق المحامي للقانون ويجب أن يلتزم به".
وبعد تأكيده عدم تكرار طريقة إجراء امتحانات المحامين، قال إنه سيجري "إدخال المشاركين في الامتحانات الخاصة بالمحاماة للمعهد لمدة سنة ونصف السنة للدراسة، ثم سنة ونصف للتدريب، وذلك للرفع من مستوى التكوين وتجويد التخصص".
وحاول وهبي التخفيف من توتر علاقته بالمحامين عقب تصريحاته السابقة، واقترح عقد لقاء بين جمعية هيئات المحامين بالمغرب، التي تمثل هيئات المحامين في المملكة، ورئيس الحكومة عزيز أخنوش لمناقشة الملفين الاجتماعي والضريبي لأصحاب البدلة السوداء.
ووفق ما نشرت الجريدة الإلكترونية "هسبريس" في 22 نوفمبر 2022، فقد جاء هذا الاقتراح عقب لقاء مصارحة وهبي مع زملائه في الجمعية، بهدف رأب الصدع وتجاوز التوتر الذي خلفته تصريحاته الأخيرة بشأن تهرب أغلب المحامين من أداء الضريبة.
وعبر رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب عبد الواحد الأنصاري، في كلمته خلال اللقاء، عن "استياء المحامين المغاربة بشأن الخرجات (التصريحات) الإعلامية الأخيرة لوزير العدل في كل ما يرتبط بمهنة المحاماة والمحامين".
وخلال كلمة له أمام زملائه المحامين، قال عبد اللطيف وهبي إنه معتز بالانتماء إلى مهنة المحاماة، وأكد أنه سيبذل كل الجهود لتحقيق مكتسبات نوعية لمهنة المحاماة، وتعهد بإخراج قانون مهنة المحاماة قبل نهاية سنة 2022.
وتفاعلا مع تصريح الوزير، قال أغناج، إن المعضلة الضريبية لا تهم المحامين فقط، بل جميع المهن، فهناك نسبة ضريبة عالية جدا، وضعف في الوعاء الضريبي، أي في عدد الملزمين الذين يؤدون الواجبات الضريبة.
وأوضح أغناج لـ "الاستقلال"، أن الإدارة الضريبة حاولت معالجة الأمر في السنوات السبع الأخيرة، بانخراط المحامين.
وشدد على أن وزير العدل ليس من حقه أو اختصاصه الحديث عن هذا الموضوع، بل إن الإدارة الضريبية هي المؤهلة لذلك، مبينا أن تصريح الوزير مستفز لقواعد المحامين خاصة في علاقتهم بأطراف المجتمع.
ونبه أغناج إلى أن مسألة الضرائب لا علاقة لها بتقييم المهنة، ذلك أن المحاماة عنصر أساسي في دولة الحق والقانون، وهناك قواعد دولية متعارف عليها، ولذلك لا يمكن للوزير أن يخالف هذه القوانين المعتبرة.
وبيّن أنه لا علاقة بين التصريحات التي يطلقها الوزير في كل مناسبة، وبين التشريع الذي ينبغي أن يأتي على قواعد منطقية، تضمن الإنصاف والمساواة، وتحفظ للمواطن الحق في دفاع قوي ومستقل.
وبين أغناج أن هناك هيئة تشاورية بين وزارة العدل والمحامين، تبحث وتتشاور في المستجدات القانونية، لكن هذه الهيئة لم تعقد إلى الآن في عهد الوزير الحالي، ولم تعرض عليها مجموعة من النصوص التي تهم سير العدالة.
وخلص إلى أن الحكومة تمتلك الأغلبية البرلمانية التي تسمح لها بتمرير القانون، لكن إن فعلت، يقول أغناج، فستلقى مقاومة من المحامين، لن يقبلوا بهذا النص إطلاقا.
المصادر
- مجلس هيئة المحامين بتطوان يدين تسريب مسودة مشروع القانون المتعلق بتعديل القانون المنظم للمهنة
- مشروع مهنة المحاماة.. المحامون يصعدون ضد وهبي
- محامو الدار البيضاء يرفضون مسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة
- وهبي يتوعد المحامين بقوانين عقابية وبرفع مدة التكوين والتدريب إلى 3 سنوات قبل ممارسة المهنة
- وهبي يقترح على المحامين عقد لقاء مع أخنوش لمناقشة الملف الضريبي