على غير العادة.. لماذا احتفى اليمنيون بالذكرى الستين لثورة 26 سبتمبر؟

12

طباعة

مشاركة

رغم الظروف العصيبة التي يعيشونها جراء الحرب، احتفى اليمنيون على غير العادة بالذكرى الـ60 لثورة 26 سبتمبر/أيلول التي أطاحت في العام 1962 بما يعرف بـ"حكم الأئمة" في شمال اليمن.

واحتفل المواطنون في 26 سبتمبر 2022، بهذه المناسبة بشكل لافت، وأقاموا العديد من المظاهر الاحتفالية في شوارع وميادين عدد من المدن اليمنية والقرى والأرياف بشكل طوعي وتلقائي.

وذلك في محاولة للتأكيد على تمسكهم بالثورة الأم والتعبير عن أهميتها ومكانتها في قلوبهم، والتي يعدها اليمنيون أهم حدث تاريخي في القرن الأخير.

وجرت العادة الرسمية خلال سنوات ما قبل الحرب أن تتلون صنعاء ومراكز المحافظات اليمنية بالعلم الوطني وتقام العروض العسكرية والكرنفالية.

مرحلة استثنائية

وتفرض السلطات الاحتفاء بالمناسبة في كافة المؤسسات الحكومية، إذ يعد أهم الأعياد الوطنية في اليمن كونه ارتبط بالثورة التي تأسست الجمهورية على إثرها.

إلا أن سلطات الحوثيين في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها لم تعط هذه المناسبة أي اهتمام كما تفعل في المناسبات الطائفية التي اختلقتها مثل عيد الغدير.

وأيضا ذكرى انقلابهم على الدولة في 21 سبتمبر 2014، والتي احتفلت بها المليشيات في ذات التاريخ من عام 2022 بعرض عسكري في صنعاء هو الأضخم من نوعه منذ بداية الحرب سنة 2015.

وتأتي ذكرى الثورة اليمنية هذا العام بالتزامن مع هدنة إنسانية ترعاها الأمم المتحدة منذ مطلع أبريل/نيسان 2022.

كما تأتي المناسبة في ظل تحديات وجودية تهدد الثورة اليمنية منذ سيطرة مليشيات الحوثي على صنعاء قبل ثماني سنوات.

وهو ما جعل الاحتفاء الشعبي في مناطق سيطرة المليشيات أكثر حضورا هذا العام، تمسكا بالجمهورية.

إذ يرى اليمنيون أن الحوثيين امتداد لمشروع النظام الإمامي العنصري الذي أطاحت به ثورة 26 سبتمبر.

واندلعت الثورة اليمنية في 1962 في المحافظات الشمالية ضد نظام الإمامة، الذي اتسم بالاستبداد والقمع والتخلف وادعاء الحق الإلهي في الحكم والنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلق عليه اليمنيون "الكهنوت".

واستطاعت الثورة فتح آفاق الحرية والعدالة، وأعلنت قيام النظام الجمهوري، بعد أكثر من ألف عام على حكم الإمامة عبر سلطاته المتعاقبة.

وساعدت الثورة حينها في طرد المستعمر البريطاني من جنوب اليمن عام 1963، وصولا إلى تحقيق الوحدة الوطنية بين الشمال والجنوب في 22 مايو/أيار 1990.

 وشارك مئات المواطنين ليلة 26 سبتمبر في فعاليات إيقاد شعلة العيد الوطني للصورة في عدد من المدن كتعز ومأرب وإب، إلى جانب العاصمة صنعاء، التي بدت بلا ملامح احتفال كما جرت العادة بسبب سيطرة الحوثيين. 

إذ كانت تشهد في مثل هذه المناسبة عروضا كرنفالية وكشفية وتزين كل الشوارع والميادين العامة بالعلم الوطني.

بينما أقامت مليشيات الحوثي هذا العام احتفالا باهتا عشية 26 سبتمبر، في ميدان التحرير وسط العاصمة بحضور عدد من المسؤولين الموالين لها، دون أي عروض كرنفالية أو فعاليات احتفالية.

وطغى اللون الأخضر على الشوارع والأحياء والمؤسسات الحكومية والخاصة، ضمن احتفالات الحوثيين بالمولد النبوي.

رفض للحوثي

 وشهدت العاصمة اليمنية صنعاء، مساء 26 سبتمبر 2022، احتفالا شعبيا بذكرى الثورة اليمنية واحتشد آلاف المواطنين بصورة عفوية وسط ميدان السبعين.

وجاء ذلك بعد دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتفال بذكرى الثورة للمرة الأولى منذ سيطرة الحوثيين عليها في سبتمبر 2014.

كما شهد حفل زفاف بالعاصمة صنعاء إيقاد شعلة الثورة اليمنية 26 سبتمبر، وسط هتافات وطنية من الحاضرين، في مشهد مهيب.

ويبتكر اليمنيون في مناطق سيطرة الحوثي طرقا متعددة للتعبير عن تمسكهم بالثورة اليمنية، ورفضهم للمليشيات، التي تحاول طمس معالمها من أذهانهم، من خلال تجريفها المتواصل للهوية الوطنية ونشر أفكارها المذهبية عن طريق الدورات الثقافية وتعديل المناهج الدراسية.

وتداول ناشطون على وسائل التواصل فيديوهات لاحتفالات مواطنين في بعض أحياء المدن والأرياف اليمنية بشكل تلقائي وغير منظم، ما أعطى زخما شعبيا أوسع في ظل التهديدات الكبيرة التي تحدق بما حققته الجمهورية لليمنيين.

وتركزت احتفالات المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين؛ حيث احتشد العشرات في عدد من مديريات محافظة إب (وسط اليمن)، التي ينتمي لها علي عبد المغني أبرز قادة الثورة وزعيم تنظيم الضباط الأحرار.

وعبد المغني قاد الثورة ليلة 26 سبتمبر 1962، ووضع خطتها، وصاغ أهدافها الستة، وكان كاتب بياناتها، وأول شهيد يسقط من تنظيم الضباط الأحرار في معارك الدفاع عنها.

وبحسب ناشطين وسكان محليين، فإن مواطنين في الأرياف أوقدوا شعلة الثورة في قمم الجبال وعلى أسطح المنازل وأطلقوا الألعاب النارية، ورددوا الهتافات الوطنية بصورة غير مسبوقة.

كما شهدت مواقع التواصل منذ مطلع سبتمبر احتفاء شعبيا عارما، إذ أحيا الكثير من اليمنيين الذكرى الـ60 للثورة من خلال نشر الصور والأغاني والأناشيد الوطنية والتغريدات وتفاصيل الأحداث وواقع الحياة قبل وبعد الثورة.

واحتفلت العديد من المدارس والمعسكرات في عدد من المحافظات المحررة بذكرى 26 سبتمبر، وأقيم عرض عسكري مصغر في مدينة تعز وعروض كشفية.

 وشهدت مأرب عرضا عسكريا مهيبا في 26 سبتمبر بحضور نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي محافظ مأرب سلطان العرادة ورئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك.

حراك فكري

وحول هذا الموضوع قال الناشط الشبابي ومدير دائرة الشباب بمكتب رئاسة الجمهورية، محمد المقبلي إن "ما يحدث هو تراكم لحراك فكري جمهوري ينمو كل يوم من خلال جيل جمهوري شاب التقط حاجة الشعب لبناء العقل الجمهوري من خلال العمل الفكري".

وأضاف لـ"الاستقلال" "هذا قد يؤدي لتراكم يجعل الجمهورية عقيدة وطنية وشعبية في الدولة والمجتمع، تحصن الدولة اليمنية الحديثة من الانقلابات المسلحة".

وأوضح أن "ما ظهر في هذه الذكرى سيظهر أكثر وسينمو ليس في المناسبات إنما أيضا في إحياء كل معالم ورمزيات الذات اليمنية الحضارية".

ولفت إلى أن "وجود السوشيال ميديا وسع دائرة الوعي الشعبي وخصوصا لدى فئة الشباب الجيل القادر على استخدام الإعلام الجديد والوسائط المتعددة سريعة التواصل، وهذا ينعكس بدوره على الواقع".

وبين أن "ما يحدث في المدارس وفي القرى هي رسائل شعبية يجب على الدولة التقاطها وتحويلها إلى نهج عام في المدارس لصياغة النشء والشباب وفق عقيدة يمنية جمهورية ترسخ قيم الحرية والعدالة والمساواة".

وشدد المقبلي على أن "التعليم هو العقيدة التي ينبغي أن تنشأ عليها الأجيال، خصوصا أن المليشيا بالمراكز الصيفية تغسل عقول النشء والشباب بالفكر الديني الكهنوتي وزوامل الموت، وبالتالي هذه المقاومة الفكرية الشعبية الجبارة هي مقاومة للأفكار السلالية الإرهابية".

وختم المقبلي حديثه بالقول: "أن يحتفل الناس في مسقط رؤوس الأحرار يعني أن تعرف الأجيال عبد الله السلال وعلي عبد المغني والأرياني والزبيري وأن تجعل منهم رموزا يسير الأجيال على خطاهم".

 وما يحدث هو حراك جمهوري تراكمي سيؤدي إلى ثورة فكرية شاملة تعيد صياغة الإنسان اليمني وتعيد ثقته بذاته الحضارية، وفق تقديره.

وخلال السنوات الماضية عمد الحوثيون إلى استهداف الرموز الجمهورية بتغيير أسماء المدارس التي تحمل أسماء الثوار.

بالإضافة إلى دفن القيادي الحوثي صالح الصماد في ميدان السبعين وتشييد مزار له بالقرب من مجسم للجندي المجهول الذي يخلد تضحيات شهداء ثورة 26 سبتمبر.

وارتبط اسم ميدان السبعين بحصار السبعين يوما في صنعاء على الثوار من قبل الإماميين.

خطابان مختلفان

وفي كلمته عشية ذكراها، قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، إن ثورة 26 سبتمبر لم تكن موجهة فقط ضد نظام الحكم المتخلف، بل كانت من أجل الحياة والكرامة، والتفاعل الإيجابي مع متغيرات العصر، بناء على تاريخ اليمن العريق.

وأضاف في كلمة نقلتها قناة اليمن الرسمية أن: "الإماميين الجدد (في إشارة للحوثيين) يريدون إعادة كتابته على أوجاع شعبنا، وتجريف هويتنا، حيث الإمام هو الدولة، وظل الله على الأرض، والقرآن الناطق كما يدعون".

وقال العليمي: "ما من نظام من أنظمة الحكم التي عرفها اليمن إلا وقد كان له معارضون ومنافسون".

غير أن النظام الإمامي دون غيره كان مصيره الرفض القطعي، بوصفه نظاما عنصريا مستفزا للكرامة والمشاعر الوطنية من خلال حكم استعلائي استبدادي مطلق لا يرى للشعب حقه في حكم نفسه بنفسه، ولا يعترف له بأي حق من الحقوق الإنسانية، وفق ما قال.

من جانبه قال رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط إنهم يواجهون حربا ضروسا من نفس تلك الجهات الخارجية التي حاربت ثورة الـ 26 من سبتمبر قبل ستين عاما، في إشارة للسعودية التي وقفت إلى جانب النظام الإمامي في ستينيات القرن الماضي.

وأضاف في خطاب له ليلة 26 سبتمبر، أن "هذه الجهات نفسها لم ترفع نيرانها عن الشعب اليمني في يوم من الأيام".

وحتى حربها العسكرية في ستينيات القرن المنصرم لم تتوقف إلا بعد الاطمئنان التام بأن الثورة والجمهورية وكل المفردات الرنانة الجميلة قد أسندت إلى من سيتولى إفراغها من محتواها، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" التابعة للحوثيين.

وبحسب مختصين بالشأن اليمني، فإن ثورة 26 سبتمبر تمثل كابوسا موحشا بالنسبة لمليشيات الحوثي، التي ترى فيها أكبر إدانة تاريخية لمشروعها "الظلامي الذي ورثته عن أجدادها الأئمة السلاليين".

وبالتالي فإنها تسعى إلى طمس كل ما له علاقة بثورة 26 سبتمبر وإنهاء ميراثها السياسي والاجتماعي، لدرجة تغيير أسماء المدارس والشوارع والمؤسسات الحكومية التي تحمل مسميات لرموز الثورة.