حمدان بن محمد بن راشد.. ولي عهد دبي الطامح للحد من سطوة أبوظبي
يتنامى بشكل متصاعد نفوذ ولي عهد دبي حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، الشهير بـ"الأمير فزاع"، جنبا إلى جنب مع الشائعات بشأن تعيينه الوشيك حاكما فعليا لدبي من قبل والده حاكم الإمارة، محمد بن راشد آل مكتوم.
هذه الخطوة الاستباقية تهدف إلى منع تقليص نفوذ دبي في الإمارات، خاصة بعد تولي محمد بن زايد آل نهيان رئاسة البلاد، وتصاعد تأثير أبوظبي على مدار سنوات طويلة، حتى أكلت كل قوة وهيمنة لدبي التي تراجع دورها السياسي كثيرا.
صناعة والده
ونشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، في 2 سبتمبر/أيلول 2022، أن ولي عهد إمارة دبي يستعد بهدوء وحذر لتولي مهام والده.
وقالت إن "أحد أهدافه الأساسية تتمثل في الحد من تأثير أبوظبي المتصاعد على شؤون دبي، التي تقلصت إلى حد بعيد".
وأرجعت المجلة بأن "الإعلان في 12 يوليو/تموز 2022 عن خطة مساعدات بقيمة 12 مليون دولار لأصحاب الهمم في دبي من طرف حمدان بن محمد، ولي عهد دبي ومدير مجلسها التنفيذي يعد أحد مؤشرات التحركات الجارية حاليا بشأن خلافته لوالده حاكم الإمارة".
وذكرت أن "ولي العهد، البالغ من العمر 39 عاما، يتبنى أجندة سياسية تشير إلى قرب استلامه السلطة من والده البالغ من العمر 73 عاما، محمد بن راشد".
وأردفت: "خاصة وأن فزاع يتولى أيضا مزيدا من المسؤولية في الدوائر الاقتصادية في دبي، حيث يهدف لجعل اقتصاد الإمارة أكثر تنافسية بالإضافة إلى الحفاظ على دورها القوي في مواجهة السلطة السيادية للإمارات الاتحادية التي تهيمن عليها أبوظبي بشكل متزايد".
وولد حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1982، وهو الابن الثاني لحاكم دبي، محمد بن راشد، من زوجته هند بنت مكتوم بن جمعة آل مكتوم.
تلقى فزاع دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة راشد الخاصة للبنين، ثم التحق بكلية "محمد بن راشد" للإدارة الحكومية في دبي، حتى تخرج منها.
بعدها سافر إلى بريطانيا وأكمل دراسته في أكاديمية "ساندهيرست العسكرية الملكية"، وهي مقصد أساسي لجميع أبناء حكام الإمارات، وفيها درس رئيس الدولة الحالي.
تخرج فزاع من الأكاديمية عام 2001، وبعدها حصل على عدد من الدورات التدريبية الاقتصادية المتخصصة في كلية لندن للاقتصاد.
عرف عنه قربه الدائم من والده، حيث كان حريصا على الحضور في مجلس حكم والده ومرافقته له في حله وترحاله، خاصة في المرحلة التي شهدت قيام محمد بن راشد في تنفيذ رؤيته حول اتساع نفوذ دبي، وجعلها قبلة للاستثمارات والسياحة.
صعود فزاع
وبالفعل في 9 سبتمبر/ أيلول 2006، أصدر محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة (آنذاك) ورئيس مجلس الوزراء بصفته حاكما لإمارة دبي، مرسوما أميريا بتعيين ولده محمد رئيسا للمجلس التنفيذي لإمارة دبي.
وفي 1 فبراير/شباط 2008، أصدر مرسوما أميريا جديدا، بتعيينه وليا لعهد دبي.
وعبر هذا المنصب أشرف فزاع على جميع الهيئات الإدارية في الإمارة والتي تتراوح من شرطة دبي ومطارات دبي إلى قسم المالية.
وبهذه الصفة قاد الأمير خارطة الطريق المالية طويلة الأجل لدبي.
وعلى عكس أبو ظبي، تمتلك دبي القليل من احتياطيات النفط التي تمثل أقل من 5 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
وكان فزاع مسؤولا عن الاكتتاب العام الأولي لهيئة كهرباء ومياه دبي بالبورصة، في أبريل/نيسان 2022، مما سمح للحكومة بجمع ما يقرب من 1.6 مليار دولار من الأسواق المالية.
وفي 18 سبتمبر/أيلول 2022 نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تقريرها عن حكام إمارة دبي، تحديدا ولي العهد فزاع، وشقيقه مكتوم.
وقال التقرير عن فزاع إن "ولي العهد صاحب الشخصية الجذابة، هو رئيس تسويق في مدينة مبنية على التألق وقدرتها على جذب رؤوس الأموال وملايين السياح".
وأضاف أن "حمدان أثبت أنه محوري لدبي كسوق مالي هذا العام، حيث يتولى زمام قرارات جميع المؤسسات المترامية الأطراف في الإمارة التي تديرها الدولة".
إبراز الذات
على الصعيد الشخصي، عرف عن فزاع أنه متعدد المواهب ويكتب القصائد النبطية التقليدية.
كما عهد إليه والده بإدارة مؤسسة دبي للاستثمار (ICD) في أغسطس/آب 2020.
وفاة شقيقه الأكبر، راشد بن محمد بن راشد عام 2015، أتاحت لفزاع أن يصبح أكبر أبناء والده على قيد الحياة.
وبحكم نفوذه بعدما مهد له الطريق، قام فزاع بالإشراف على العديد من الشركات العامة العالمية الكبرى، مثل "مجموعة الإمارات" وهي شركة قابضة تمتلك "طيران الإمارات".
ومن بين عشرات الكيانات التي يشرف عليها الأمير الشاب ضمن مؤسسة دبي للاستثمار بنوك، الإمارات دبي الوطني (55.8 بالمئة) وبنك دبي الإسلامي (28.3 بالمئة).
وأيضا شركة النفط والغاز إينوك (100 بالمئة) وشركة التطوير العقاري "إعمار" وفندق أتلانتس الشهير ( 100 بالمئة) الذي يقع على جزيرة النخلة الصناعية بدبي.
إلى جانب قيامه بالسيطرة التدريجية على الأصول الاقتصادية للإمارة يحاول الأمير الشاب تجسيد مستقبل دبي.
ويحب فزاع دائما إبراز نفسه في صورة أمير المستقبل القريب من الناس، فعلى سبيل المثال، على حسابه عبر موقع "إنستغرام" الذي يبلغ عدد متابعيه 14.6 مليون متابع، يشارك فزاع صورا لعطلاته في مقاطة "يوركشاير" بالمملكة المتحدة حيث كان مع والده في أغسطس/آب 2022.
فساد كبير
تلك القوة وذلك النفوذ لولي عهد دبي، ورجلها القوي، لم تمنع حمدان بن محمد من التورط في فضائح فساد كبرى.
ففي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، نشر "الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية" (ICIJ) تحقيقه الخاص بشأن فساد شيوخ الإمارات.
وسلط الضوء على حدة التعاملات المالية غير القانونية في الدولة.
وكشف التحقيق استنادا إلى وثائق "باندورا" الشهيرة، أن شيوخ الإمارات يبنون ملاذهم الخاص لغسل أموالهم، ويتورطون في التدفقات المالية السرية، والأعمال التجارية المشبوهة.
وورد في التحقيق أن "الإمارات تروج صورتها بوصفها المركز المالي العالمي، والحليف الذي لا غنى عنه للغرب، لكنها في الوقت نفسه تحولت إلى ملاذ سري، وباب مفتوح لعمليات غسل الأموال، وتهريب الذهب، وأعمال مشبوهة أخرى".
وذكر أن ما لا يقل عن 35 من أعضاء الأسر الحاكمة في الإمارات يمتلكون شركات سرية في ملاذات خارج الحدود.
ومن أسماء الأمراء ذوي العيار الثقيلة في تلك الفضائح، ولي عهد دبي فزاع، إضافة إلى والده محمد بن راشد، وكذلك مستشار الأمن القومي بالإمارات، طحنون بن زايد.
كما كشفت المستندات أن حاكم دبي وأولاده على رأسهم فزاع، يمتلكون شركتين في جزر العذراء (البريطانية) بالاشتراك مع فيصل البناي، وهو مؤسس شركة اسمها "دارك ماتر" التي تعمل في الأمن السيبراني، ومقرها الإمارات، وسبق أن اتهمت بالتجسس على نشطاء حقوقيين ومسؤولين حكوميين في دول عدة.