حال وفاة خامنئي.. هل تتغير سياسات النظام الإيراني في الداخل والخارج؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع تصاعد الأنباء عن تدهور الحالة الصحية لمرشد إيران علي خامنئي، قبل أن يظهر جالسا في مجلس عزاء أقيم بمناسبة أربعينية الإمام الحسين (الشيعية)، برزت تساؤلات عدة عن مدى تغير سياسة البلاد داخليا وخارجيا في حال توفي زعيهما الأعلى.

وأظهر التلفزيون الحكومي الإيراني، خامنئي البالغ من العمر 83 عاما، في 17 سبتمبر/ أيلول 2022 واقفا وهو يتحدث للحاضرين الذين افترشوا الأرض عن أهمية ذكرى الأربعين، وهي مراسم ينظمها الشيعة في نهاية 40 يوما بدعوى الحداد على الإمام الحسين حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

مرض خطير

ورغم ظهور خامنئي الأخير، لكن ذلك لا ينفي حقيقة بأنه مريض وطاعن في السن، وأنه قد يواجه الموت في أي لحظة.

وفي  16 سبتمبر قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن "خامنئي ألغى جميع الاجتماعات والفعاليات العامة الأسبوع الماضي بسبب معاناته من مرض خطير وفقا لأربعة أشخاص مطلعين على وضعه الصحي".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن أحد الأشخاص قوله إن خامنئي خضع لعملية جراحية الأسبوع الماضي بسبب انسداد في الأمعاء بعد أن عانى من آلام شديدة في المعدة وارتفاع في درجة الحرارة.

وحسب الصحيفة فإن الأشخاص الأربعة، اثنان منهم في إيران ولأحدهما علاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، وجميعهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لحساسية القضية.

وقال شخص مطلع على العملية إن خامنئي خضع للجراحة في عيادة أنشئت في منزله ومكتبه، ويخضع للمراقبة حاليا على مدار الساعة من قبل فريق من الأطباء.

وأضاف أن حالته عدت حرجة الأسبوع الماضي، لكنها تحسنت، وهو الآن يخضع للراحة، حيث يراقبه أطباؤه على مدار الساعة ويظلون قلقين من أنه لا يزال ضعيفا لدرجة أنه لا يستطيع الجلوس.

وكان خامنئي سافر إلى مدينة مشهد في 3 سبتمبر لأداء طقوس تعرف باسم تنظيف الغبار في ضريح الإمام الرضا.

وأشارت الصحيفة إلى أن خامنئي توجه في حينه لمنطقة منعزلة من الضريح، ونظفها ووضع رأسه على شاهد القبر في إشارة للصلاة والخضوع، ونشرت وسائل إعلام إيرانية صورة له وهو في الضريح.

ووفقا لأحد الأشخاص الأربعة، الذي كان على دراية بتفاصيل رحلته إلى مشهد، أبلغ خامنئي مرافقيه الذين كانوا يسافرون معه أنه شعر أنها قد تكون آخر مرة له يزور فيها الضريح بالنظر إلى عمره.

وأكد أن خامنئي مرض بعد وقت قصير من وصوله إلى طهران وتدهور وضعه الصحي الأسبوع الماضي.

وفي السياق، فإن موقع "سحام نيوز" المقرب من معسكر الإصلاحيين في إيران، ذكر في 12 سبتمبر أن صحة المرشد علي خامنئي ما تزال غامضة.

وزاد تصريح هاشم زاده هريسي، عضو مجلس الخبراء الإيراني، من الجدل حول الحالة الصحية لخامنئي؛ حين قال لصحيفة "همدلي"،  في 11 سبتمبر، إن "أعضاء مجلس الخبراء لم يلتقوا المرشد؛ لراحته وعدم تضييع وقته".

وفي 2015، حين اختفى خامنئي عن الظهور كشفت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، نقلا عن مصادر استخباراتية غربية، أن "إصابته بسرطان البروستاتا وصلت إلى المرحلة الرابعة والأخيرة، بعد أن انتشر في جميع أنحاء جسده".

وأجرى خامنئي عام 2014 جراحة سرطان البروستاتا، وبدأ ظهوره يقل في المناسبات.

مؤسسات حاكمة

وبخصوص مدى تغير سياسة إيران في حال توفي خامنئي، أكد الباحث العراقي المهتم بالشأن الإيراني، فراس الوائلي لـ"الاستقلال" أن "وفاة المرشد الأعلى الحالي وقدوم شخصية أخرى لن يغير في سلوك إيران وسياساتها داخليا وخارجيا".

وأوضح أن "النظام في إيران يعتمد على المؤسسات، وكلها تدار بفكر واحد، سواء مجلس الخبراء أو البرلمان، وحتى الحرس الثوري الذي شكل بالأساس لحماية هذا النظام من أي انحراف عن البوصلة التي وضعها الخميني أو أي انقلاب قد يطيح به".

لكن الباحث أكد أن "مرحلة ما بعد خامنئي تعتمد على كفاءة الشخصية التي ستخلفه، فلقد رأينا كيف تأثرت إيران في الخارج بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، لأن الشخص البديل وهو إسماعيل قاآني لم يكن بذات المواصفات لسد مكان سلفه، وهذا بدا واضحا في العراق وسوريا وغيرها من البلاد التي تتدخل بها إيران".

وأشار الوائلي إلى أن خامنئي ينتمي إلى التيار المتشدد الذي يقود البلاد منذ إسقاط حكم الشاه عام 1979، و"لا أعتقد أن شخصية من خارج هذا التيار ستخلف خامنئي في تولي منصب المرشد الأعلى".

وهو ما اتفق معه الكاتب اليمني محمد مصطفى العمراني بالقول، إنه "سواء توفي خامنئي أم تعافى فإن السياسة الإيرانية تجاه المنطقة لن تتغير، لأن إيران قد انتقلت إلى مرحلة من المؤسسية تضمن بقاء هذا النظام بهذه السياسة الحالية".

وأوضح خلال مقال نشره موقع "المشهد اليمني" في 17 سبتمبر، أن "هذه السياسة مطلوبة ومتفق عليها مع الدول الغربية التي تختلف مع إيران في بعض الملفات، وتتفق معه على الكثير من القضايا، رغم التلاسن الإعلامي الذي يوحي بحالة من العداء بين الجانبين" .

وتابع العمراني: "مؤخرا نشطت المفاوضات بين إيران والدول الغربية للعودة إلى الاتفاق النووي والتي تتضمن ملحقا كبيرا يشمل اتفاقات مفصلة حول قضايا النفوذ الإيراني في الدول العربية"، لافتا إلى أن "الغرب لا يريد تغيير النظام الحالي في إيران، بل ويعده الحليف الأهم في المنطقة، وغاية الأمر أنه يسعى للاتفاق معه حول تقاسم النفوذ".

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2021، أظهر استطلاع للرأي أجرته إذاعة "زمانه" الهولندية الناطقة بالفارسية أنه " سيصاحب وفاة خامنئي موجة من الاحتجاجات في الشوارع بنسبة 47.5 بالمئة، بينما اعتقد 36.5 بالمئة أنه لن يحدث أي شيء مهم بوفاته".

ورأى الغالبية العظمى من المستطلعين أن "الحرس الثوري الإيراني سوف يكون اللاعب الرئيس في المرحلة الانتقالية بعد موت خامنئي، فيما رأى 5 بالمئة فقط أن القيادة مستقبلا سوف تدار وفق أسلوب الشورى (مجلس فقهاء بدل الولي الفقيه)".

التحور الثاني

بغض النظر عن الأسماء المرشحة لخلافة خامنئي، فإن من يخلفه يجري بانتخاب مباشر من مجلس الخبراء الذي يضم 88 عضوا من كبار المراجع والقيادات الإيرانية، ويبقى في منصبه حتى وفاته، ولا يمكن عزله إلا من المجلس ذاته في حال ثبت عدم كفاءته، وفقا للدستور الإيراني.

ويملك المرشد في إيران صلاحية واسعة من خلال رسم السياسات العامة، واعتماد رئيس الجمهورية الذي يأتي منتخبا من الشعب كل 4 أعوام، فضلا عن القيادة العامة للقوات المسلحة، الأمر الذي يجعله يدير جميع مفاصل الدولة الإيرانية.

وفي هذا الصدد تقول دراسة نشرها مركز "ابن خلدون" للدراسات التابع لجامعة قطر في عام 2020، إن "تجربة التحول القادمة ليست الأولى في تاريخ الجمهورية الإيرانية، بل الثانية بعد التحول الذي حصل في عام 1989 حين توفي المؤسس آية الله الخميني وانتقال المنصب إلى خامنئي".

وأوضح المركز أنه "من المهم الالتفات إلى أنه يصعب جدا تصور أن خامنئي لا يمتلك تصورا ومخططا واضحا لما سيؤول إليه المشهد الإيراني من بعده، لا سيما وهو يتمتع بتجربة سياسية طويلة،  وأمضى نحو أربعين عاما في هرم الدولة الإيرانية، حيث كان رئيس الدولة من عام 1981، ثم من عام 1989 أصبح القائد الأعلى للثورة".

ولفت إلى أن "هذه التجربة السياسية الطويلة على هرم الدولة، علاوة على ما عرف عن خامنئي من دهاء سياسي وبراغماتية غير معتادة، وحرصه الكبير على تقريب الموالين له منذ أن كان نائبا لوزير الدفاع، كل ذلك يجعل من الصعب تصور أن خامنئي سيترك المشهد من بعده يرتسم بصورة عفوية وتفاعل مجرد مع التدافع السياسي".

وتصور المركز أن "يستغل خامنئي نفوذه الكبير في مؤسسات الدولة ليوفر لعنصر الاستقرار للسيناريو المختار من بعده، حيث إن يده موجودة بقوة في مجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، والسلطة القضائية، والحرس الثوري، والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية".

واستبعدت الدراسة أن "يحصل خرق دستوري في عملية التحول القادمة كما حصل في التجربة الأولى، ففي تجربة التحول الأولى حصلت مخالفة للدستور حين جرى اختيار خامنئي مع عدم توافر شرط المرجعية، إذ إن دستور إيران عام 1979 كان يشترط لمنصب القائد أن يكون مرجعا، والأخير حين صوت عليه قائدا لم يكن مرجعا، لكن الدستور تغير بعد انتخاب خامنئي بشهرين ليلغي شرط المرجعية".

ومن المستبعد أيضا في المرحلة المقبلة، حسب الدراسة، أن "يتكرر مثل هذا السيناريو لأسباب مختلفة، أهمها أن التحول القادم يأتي بعد أن شهدت إيران انتفاضات شعبية متعددة بدءا من عام 2009 وليس انتهاء بحراك 2019.

وهذا يعني أن أي محاولة لخرق الدستور ستزيد النار اشتعالا، والفارق أننا الآن نعيش في مرحلة الثورة الإعلامية التي تسمح لكل إنسان في أن يعبر عن قناعاته، خلافا لعام 1989 حيث لم يكن سوى صوت النظام، يؤكد مركز ابن خلدون.