خبير بيئي يمني يكشف لـ"الاستقلال" عن 3 سيناريوهات لكارثة خزان صافر

أكد الرئيس السابق لهيئة حماية البيئة في اليمن الدكتور عبدالقادر الخراز، أن السيناريوهات المتوقعة بشأن خزان صافر العائم كارثية ولها تداعيات مدمرة على السكان والبيئة البحرية، مع تزايد احتمالات تسرب النفط يوماً بعد آخر.
وأوضح الخراز في حوار مع "الاستقلال"، أن الحوثيين هم من يمنعون فرق التقييم الدولية من الدخول لمتابعة الوضع ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازم عملها لصيانته، وذلك من أجل استخدامه كورقة في المفاوضات.
وقال إن مكتب الأمم المتحدة في اليمن يتماهى أيضا مع جماعة الحوثي التي تستخدم خزان صافر كفزاعة لليمن والعالم وتأثيره الكارثي على اليمنيين آخر ما تفكر فيه.
ووضع الخبير البيئي اليمني 3 سيناريوهات للكارثة المرتقبة، أولها غرق الباخرة وتسرب النفط، وثانيها تسرب النفط من أحد أنابيب الخزان إلى البحر والساحل، أما السيناريو الثالث فهو انفجار الباخرة.
و"صافر" إحدى أضخم ناقلات النفط في العالم، وترسو حاليا على بعد 60 كيلومترا شمال ميناء الحديدة الحيوي الذي تصل منه الإمدادات والمساعدات الإنسانية لجزء كبير من سكان اليمن.
وتحمل الناقلة البالغ وزنها 400 ألف طن، 1.1 مليون برميل من النفط على متنها، ولم تجر أي أعمال صيانة فيها منذ عام 2014 نتيجة النزاع المستمر منذ أكثر من سبع سنوات، الذي سبب كارثة إنسانية وأوقف معظم الأنشطة والمشاريع في البلاد.
وعن وضع المحميات الطبيعية وجزيرة سقطرى، كشف الخراز عن فقدان 4 كيلو مترات مربعة من غابة شجرة دم الأخوين التي لا توجد في أي مكان بالعالم سوى بجزيرة سقطرى التي تسيطر عليها الإمارات.
كما لفت إلى أن معظم مياه الصرف الصحي في العاصمة المؤقتة عدن تصب في البحر، وهذا تسبب في كثير من التلوث البيئي وأدى إلى نفوق أنواع كثيرة من الأسماك.
والخراز دكتور مختص في مجال البيئة الساحلية، تخرج من جامعة الحسن الثاني في المغرب عام 2007، ويعمل حاليا أستاذا للتقييم البيئي في كلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة، كما شغل منصب رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن خلال الفترة من أغسطس/ آب 2017 إلى سبتمبر/ أيلول 2019.
خزان صافر
ما آخر مستجدات خزان صافر النفطي؟
المليشيات الحوثية تستخدم الخزان كفزاعة لليمن ولليمنيين وللعالم والحكومة الشرعية منذ بدء الحرب، وهي ضعيفة في هذا الإطار.
فقد دخلت في مفاوضات سابقة حول قيمة النفط الموجود في الخزان والجميع متناسٍ للكارثة البيئية، والحوثي لا يهمه الكارثة وتأثيرها على اليمنيين وهذا آخر ما يفكر فيه.
وبالنسبة لآخر مستجدات خزان صافر، حدث نوع من التفاهم مع الأمم المتحدة بإشراف السفير الهولندي.
وهذا الاتفاق لا يلبى حاجة اليمنيين، وهو بعيد كل البعد، بل إنه يسهل استخدام الحوثي لهذه الباخرة في كثير من المفاوضات وفرض المزيد من الشروط على الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي.
ويتضمن الاتفاق ان يؤتى بباخرة جديدة إلى جانب الباخرة صافر وتبقى بجانبها لفترة تزيد عن سنتين وربما تزيد، ويتحكم فيها الحوثي وسيتم تفريغ النفط بداخلها.
وبالتالي بدلاً من ناقلة يسيطر عليها الحوثي ستصبح ناقلتين، وهذا الموضوع خطير من الناحية السياسية والبيئية.
فالباخرة صافر يجب سحبها من الموقع ويجب تفريغها في عرض البحر وإرسالها إلى أقرب ميناء جاف لتقييم وضعها بإعادة صيانتها او تفكيكها.
ما توقعاتك لسيناريوهات الكارثة المرتقبة؟
السيناريو الأول غرق الباخرة وتسرب النفط، والسيناريو الثاني تسرب النفط من أحد أنابيب الخزان إلى البحر والساحل، أما السيناريو الثالث فهو انفجار الباخرة.
سواء بسبب تراكم الغازات فيها وتوقف كل الأجهزة على الباخرة بما في ذلك مكافحة الحرائق والتوربينات وغيرها أو حتى بسبب فعل من مليشيا الحوثي، لتفجير الوضع.
وهذا له تأثيرات كبيرة حيث سيؤدي إلى احتراق لغازات الهيدروكربونات النفطية وانبعاثاتها وانتقالها إلى مناطق داخل اليمن إلى جانب تسرب النفط وتأثيره على البيئة البحرية والساحلية في البحر الأحمر.
ما العائق الذي يحول دون إجراء صيانة عاجلة للخزان؟
بالنسبة للعائق أمام إجراء صيانة للخزان فالحوثي هو من يمنع فرق التقييم الدولية من الدخول لتقييم الخزان ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازم عملها لصيانته.
وهو يستخدمها في قضايا التفاوض، كما أن مكتب الأمم المتحدة في اليمن يتماهى مع الحوثي وهو من أعطاه الفرصة تلو الفرصة للتحكم بالخزان.
ما الآثار التي قد تترتب على تسرب النفط من داخل الخزان؟
الخزان يحتوي على كمية كبيرة وهي مليون ومائة وأربعين ألف برميل من النفط، بالإضافة إلى الأوحال النفطية التي تتراكم في جسد السفينة وهذه كلها ملوثات عندما تتسرب مباشرة إلى البحر.
فهي تحتوي على الكثير من العناصر المعدنية السامة التي تؤثر على البيئة البحرية والتنوع الحيوي الذي يشتهر به البحر الأحمر من شعاب مرجانية وغابات المنجروف وكائنات نادرة مثل السلاحف الخضراء والسلاحف المنجارية إلى جانب الطيور.
وهناك أكثر من 340 طائرا في اليمن منها 82 في المنطقة الساحلية والبحرية، وجميعها ستتأثر إلى جانب المناطق الزراعية في تهامة، كذلك قطاع الصياد.
فهناك أكثر من 40 ألف صياد يعملون في الساحل اليمني على البحر الأحمر وخليج عدن، هؤلاء سيفقدون وظائفهم إلى جانب الملاحة الدولية التي ستتأثر بالحركة.
كما ستتوقف الموانئ أيضا فهناك الكثير من التأثيرات الكبيرة التي تتسبب بها الكارثة.
وقد قمنا بعمل حسابات لتقييم إزالة الضرر في حالة حدوث الكارثة وبلغت تقريبا 28 مليار دولار في حين أن عملية سحب الباخرة ونقلها من مكانها لا تتجاوز 15 مليون دولار.
الوضع البيئي
ضعنا في آخر مستجدات الوضع البيئي العام في اليمن؟
بالنسبة للوضع البيئي في اليمن فهو للأسف سيئ وزاد من هذا السوء عدم وجود مخصصات وكوادر فنية مؤهلة بسبب الحرب لمواجهة كثير من القضايا.
سواء ما يتعلق بالمحميات الطبيعية أو ما يتعلق بالحفاظ على السواحل ومواجهة التلوث البيئي.
مثلا في عدن معظم مياه الصرف الصحي تصب في البحر وهذا تسبب في كثير من التلوث البيئي على الساحل وأدى إلى نفوق الأسماك.
قبل حوالي شهر كان هناك نفوق كبير للأسماك في ساحل أبين، بالإضافة إلى تسرب النفط من البواخر المختلفة، آخرها قبل نصف شهر وقبلها "شامبيون" في المكلا، إلى جانب كارثة خزان صافر المرتقبة.
أيضا من المشاكل البيئية عدم وجود حماية للكائنات الحية النادرة والمعرضة للانقراض بالإضافة إلى التهريب المعتمد لهذه الأنواع وعدم وجود تقييم للوضع البيئي والتحرك بناء عليه.
كيف تقيم الأداء الحكومي فيما يتعلق بحماية البيئة؟
الأداء الحكومي ضعيف في هذا الإطار وحماية البيئة ليست من أولويات الحكومة للأسف.
فهناك ضعف في الكادر الفني في المؤسسات البيئية، ولا توجد موازنات حاليا لحماية البيئة.
حتى المنظمات تستحوذ على جزء كبير من المساعدات المقدمة لحماية البيئة ولا يوجد لها فعالية على الأرض.
كما أن المختصين ليس لهم سلطة على الأرض للتحرك ولعب دور حقيقي في حماية البيئة.
ما مخاطر الاحتطاب الحاصل للأشجار جراء أزمة الوقود؟
اليمن فقير في قضية الغابات لأنها محدودة ومشتتة، وبالتالي هي تتعرض للاحتطاب جراء أزمة الوقود.
وهو ما يؤثر على الغطاء النباتي الضعيف نسبياً في اليمن، وهذه القضية خطيرة على البيئة والتنوع الحيوي، وهو ما يؤدي إلى تعري الأرض وتعرضها للانجرافات ونقص خصوبة التربة.
المحميات الطبيعية
ما وضع المحميات الطبيعية في اليمن خصوصاً أرخبيل سقطرى الذي سيطرت عليه الإمارات؟
المحميات الطبيعية تأثرت بسبب الحرب في اليمن، وهي كانت مهملة سابقا ولكن الإهمال كان في ظل وجود شكل للدولة.
لكن اليوم نحن في مرحلة اللادولة، مع استمرار الحرب وهذا أثر بشكل كبير في المحميات الطبيعية المسجلة في قائمة التراث الطبيعي العالمي، وفي مقدمتها سقطرى التي تخضع لسيطرة أطراف في التحالف.
وهناك إشكالية فيما يتعلق بتهريب كثير من النباتات والحيوانات النادرة فيها، كما أن هناك إهمال كبير للتنوع الحيوي الموجود في الجزيرة.
مثلاً غابات شجرة دم الأخوين في تدهور دائم جراء أسباب طبيعية متعلقة بالأعاصير والمناخ وأسباب بشرية أثرت بشكل كبير.
وقبل أسبوع فقط من خلال متابعتي لوضع غابة شجرة دم الأخوين، وجدت أن هناك 4 كيلو متر مربع فقدت من تلك الغابة.
بسبب آفة نادرة دخلت عن طريق سفن بعض الدول إلى الجزيرة بدون أي رقابة او تفتيش.
وهذا ينعكس على التنوع البيئي خصوصاً فيما يتعلق بشجرة دم الأخوين التي لا توجد في أي مكان بالعالم غير جزيرة سقطرى مع إهمال حكومي غير مسبوق.
وفي عام 2019 عندما كنت على رأس الهيئة العامة لحماية البيئة، قمت بإيقاف باخرة إماراتية كانت تريد أن تدخل نباتات إلى الجزيرة.
وقلنا لهم نحن لدينا في الجزيرة 282 نوعا من النباتات النادرة، فلماذا تأتون بنباتات وجرى إرجاع الباخرة.
لكن الفترة الأخيرة حصل إهمال حكومي وجرى استبعاد أي شخص يقوم بأي عمل وطني للحفاظ على التنوع الحيوي أو كشف الملوثات النفطية في اليمن.
ماذا يجب على الهيئة العامة لحماية البيئة والجهات ذات العلاقة القيام به للحفاظ على التراث الطبيعي في اليمن؟
الدور ليس فقط على الهيئة العامة لحماية البيئة، بل يشمل وزارة المياه والبيئة ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، البيئة هي أولوية في كل أنحاء العالم.
التغير المناخي والبيئة واستمرار الموارد للأجيال القادمة كلها مواضيع تناقش اليوم وتطبق على مستوى العالم.
بينما نحن في ذيل هذه النقاشات ولا نطبق منها أي شيء وبالتالي يجب على كل الجهات الحكومية أن تجعل من حماية البيئة أولوية رئيسة مهما كانت الظروف.
ويجب وضع الخطط وتفعيل المشاريع وإشراك الفاعلين الحقيقيين ورفد المواقع بالمختصين والفنيين الوطنيين، وليس فقط مختصا.
بل يجب أن يكون لديه الاحساس الوطني بهذه المسألة حتى نحافظ على هذا الإرث الموجود لدينا في كل النواحي.
فنحن بلد متنوع في كل شيء حتى مواسم الأمطار والمناخ وهذه الميزات لا توجد إلا نادراً في العالم.
ولدينا تأثيرات محسوسة وملموسة على مستوى التغير المناخي ويجب أن نكون على استعداد للتعامل مع هذه المسائل.
والبلد أصبحت مدفنا لكثير من مخلفات العالم، وبالتالي يجب أن تقوم الجهات المعنية بمنع المواد التي تدخل وتعمل على معالجة ما هو موجود.