رغم دفء العلاقات مع السيسي.. 3 أسباب وراء التوترات بين مصر وإسرائيل

12

طباعة

مشاركة

منذ أيام تتحدث وسائل إعلام عبرية عن توتر "شديد" في العلاقات بين إسرائيل ومصر بدأ منذ نحو شهرين لعدة أسباب مرتبطة بالقاهرة وبالأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

وفي 19 أغسطس/آب 2022 كشفت صحيفة هآرتس العبرية أن هناك توترا محتدما بين الطرفين، بعيدا عن أعين الإعلام، والجانبان أصبح تنسيقهما الدبلوماسي والأمني جيدا في السنوات الأخيرة.

ثلاثة أسباب

أرجعت الصحيفة التوتر إلى تجاهل إسرائيل ما تعهدت به للوسيط المصري خلال وقف إطلاق النار الأخير مع حركة الجهاد الإسلامي بعد العدوان الذي بدأ في 5 أغسطس واستمر ثلاثة أيام.

وبينت أن تل أبيب "داست على أصابع قدم مصر" بتنصلها من شروط اتفاق وقف إطلاق النار واستمرارها في العدوان على الضفة الغربية.

ونقلت أنه "غداة وقف إطلاق النار في غزة جرى اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، و(رئيس النظام المصري) عبد الفتاح السيسي، طلب فيه الأخير خفض مستوى التوتر المشتعل في الضفة الغربية، وكبح أنشطة الجيش الإسرائيلي".

لكن لابيد لم يستجب لطلب السيسي أو تعمد الظهور بأنه لم يفهم ما جرى طلبه منه، ما دفع الأول لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل إلا في القضايا الحساسة، فارتفعت حدة التوتر، بحسب الصحيفة.

وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي 20 أغسطس 2022 أن الأزمة في العلاقات بين تل أبيب والقاهرة بدأت منذ أكثر من شهرين (يونيو/حزيران 2022).

وجاءت الأزمة بعد إعلان الجيش الإسرائيلي إسقاط طائرة مسيرة مصرية ما أثار غضب مصر، ويمكن القول إن هذا هو السبب الثاني.

ونقل موقع صحيفة يديعوت أحرونوت مطلع يونيو عن مصادر بالجيش الإسرائيلي أنه "جرى إسقاط الطائرة المصرية عبر استهدافها بواسطة طائرات حربية من طراز إف 16 انطلقت من قاعدة "ريمون" العسكرية في النقب".

وقالت صحيفة "هآرتس" حينئذ إن المسيرة المصرية كانت تنفذ عمليات ضد مسلحي تنظيم "الدولة" في سيناء، وتجاوزت الحدود جنوب إسرائيل "نتيجة خطأ من قبل مشغليها".

السبب الثالث للتوتر، كان غضب مصر من تلكؤ حكومة إسرائيل في كشف ملابسات ما نشرته صحيفتا يديعوت أحرونوت وهآرتس في 8 يوليو/تموز 2022 عن حرق جنود الاحتلال أكثر من 70 من الكوماندوز المصريين في حرب 1967.

وكانت هذه القوة المصرية تعمل كقوة مساندة للقوات الأردنية قرب القدس خلال حرب يونيو 1967، لكنهم وقعوا في كمين وجرى حرقهم وسط أشجار، ودفنهم ببلدوزر سرا، وفق روايات عسكريين إسرائيليين سابقين للصحف الإسرائيلية.

مصدر دبلوماسي مصري أوضح لـ"الاستقلال" أن كشف صحف إسرائيل هذه المجزرة وتحديد مكان المقبرة، أسفل موقف للسيارات في متنزه بلدة ميني إزرائيل في منطقة اللطرون بالقدس، أحرج الجيش المصري وقادة المجلس العسكري.

وطلبت مصر توضيحات عن هذه الجريمة بعد إعلان إسرائيل ذلك، فاتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد بالسيسي 10 يوليو  ليهدئ غضب مصر وتعهد أنه "سيتم التواصل والتنسيق مع السلطات المصرية للوصول إلى الحقيقة".

وأوضح الدبلوماسي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه برغم تعهد لابيد، وقول المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية أوفير جندلمان أنه سيبحث هذه القضية بدقة وإبلاغ مصر بالتطورات، لم تتجاوب تل أبيب سريعا بكشف المقبرة أو إعادة الرفات على غرار ما فعلته مصر مع رفات جنود إسرائيلين في سيناء.

ولفت إلى أن أركان الحكومة الإسرائيلية المؤقتة الحالية يسعون لإظهار صمودهم في مواجهة المقاومة الفلسطينية، ضمن مزايدات انتخابية بالكنيست (البرلمان) بعد شهرين، ما أغضب القاهرة.

المصدر الدبلوماسي، كشف أن حكومة لابيد حاولت مغازلة اليمين الإسرائيلي قبل الانتخابات، عبر إظهار تصلبها في ملفات فلسطينية كانت مصر وسيطا فيها، أملا في أصوات الناخبين الإسرائيليين.

أوضح أن هذا التراجع الإسرائيلي أغضب السيسي والمخابرات التي تؤدي دور الوسيط، لأنه أظهرهم "متواطئين مع الاحتلال"، حسبما اتهمهم ناشطون على مواقع التواصل، خاصة من الفلسطينيين.

أشار إلى أن تعمد إسرائيل بدء عملية عسكرية في غزة، وتنفيذ اغتيالات بحق قيادات من حركة الجهاد، بينما كانت مصر تؤدي وساطتها لمنع الحرب.

وهو ما جعل الحركة الفلسطينية تعلن أن إسرائيل استخفت بمصر عبر تجاهلها شروط وقف القتال.

بحسب المصدر الدبلوماسي، تعهدت تل أبيب لضباط المخابرات المصرية الوسطاء بإطلاق سراح الأسيرين من حركة الجهاد خليل عواودة وبسام السعدي ضمن شروط وقف إطلاق النار، لكنها تراجعت وتبرأت ونفت تعهدها، ما أحرج الوسيط المصري.

وكان البيان المصري الذي أعلن وقف إطلاق النار في غزة، نص على أن "مصر تبذل جهودا وتلتزم بالعمل على الإفراج عن الأسير خليل العواودة ونقله للعلاج، وكذلك العمل على الإفراج عن الأسير بسام السعدي في أقرب وقت ممكن".

وآنذاك، كشف المتحدث باسم حركة الجهاد، داوود شهاب، أن الاتفاق مع إسرائيل على وقف إطلاق النار تضمن "وعد القاهرة بالعمل على الإفراج عن الأسيرين"، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل.

"لم تكن مصر راضية أيضا عن استئناف الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية بعد الهدنة مع الجهاد الإسلامي، وكانت تتوقع أن يجري تقليصها، وهو ما لم يحدث، بحسب القناة 11 الإخبارية الإسرائيلية 18 أغسطس 2022.

وعقب العدوان الإسرائيلي المفاجئ على غزة 5 أغسطس 2022، وتراجع إسرائيل عن شروط الوساطة المصرية امتلأ فضاء الإنترنت باللعنات على ما أسموه "الغدر الذي أتى من الوسيط المصري".

ووصف ناشطون فلسطينيون ما جرى من عدوان إسرائيلي على غزة بعد تدخل المخابرات المصرية بأنه "تواطؤ" أو "رسالة استخفاف إسرائيلية" بالوسيط المصري.

في 2012 قدم الوسيط الصري تطمينات للمقاومه بان الاحتلال لا يريد التصعيد وبعد يوم اغتال احمد الجعبري
وقبل ايام في 2022 قدم الوسيط المصري للمقاومه تطمينات بان إسرائيل لا تريد التصعيد وبعد يومان اغتالو تيسير الجعبري
لعنه الله على الوسيط المصري وعلى اليهود

— زكريا شتات (@ShtatZkrya) August 5, 2022

كشف داود شهاب أنه "قبل ساعة من العملية الغادرة كان هناك اتصالات مع الجانب المصري الذي أبلغنا أنه سيعقد 7 أغسطس 2022 اجتماعات مع الاحتلال لفكفكة الأزمة، لكن حدث العدوان".

وقال محمد الهندي رئيس الدائرة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي للتلفزيون العربي 5 أغسطس: "إسرائيل خدعت الوسيط المصري الذي جمعنا به اتصال إيجابي قبل ساعة من العدوان".

مصالحة عاجلة

ترتب على هذا التوتر السياسي تأجيل زيارة كان سيجريها مدير المخابرات المصرية عباس كامل لإسرائيل، وإرسال تل أبيب مدير مخابراتها لاسترضاء مصر عبر مقترحات لتبريد التوتر.

وصل رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" الإسرائيلي رونين بار إلى القاهرة 21 أغسطس 2022 كي يطلع عباس كامل على أمرين ويسترضي القاهرة.

وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن حكومة تل أبيب قررت تقديم بعض الترضيات العاجلة للقاهرة.

الأمر "الأول" الذي أبلغه "بار" لـ"عباس" كان "جهود إسرائيل المبذولة لمعرفة مكان المقبرة الجماعية التي دفن فيها جنود مصريون قتلوا قرب مدينة القدس خلال حرب عام 1967".

و"الثاني" ترتيبات الإفراج عن ناشطي حركة الجهاد الإسلامي بسام السعدي وخليل عواودة.

اعترفت هيئة البث الإسرائيلي (كان 11) أن زيارة رئيس الشاباك إلى مصر كانت "محاولة لتخفيف حدة الأزمة مع القاهرة"، بسبب نقض إسرائيل تفاهمات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها بوساطة مصرية.

ذكرت أن "الزيارة تهدف أساساً إلى تخفيف الأزمة في العلاقات مع القاهرة، والتي اشتدت حدة بسبب الضغط العسكري المتزايد لإسرائيل على حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، خلافا لتفاهمات اتفاق وقف إطلاق النار المذكور".

وكشفت أن زيارة مسؤول الشاباك لمصر جاءت بعدما ألغى عباس كامل زيارة كانت مقررة له إلى تل أبيب، احتجاجا على تراجع الاحتلال عن الالتزام بالتفاهمات التي تم التوصل إليها وأدت إلى وقف إطلاق النار في غزة.

ولوحظ أنه قبل زيارة المسؤول الاستخباري الإسرائيلي أعلنت إسرائيل تجميد الاعتقال الإداري بحق الأسير عوادة في المستشفى الذي يقيم فيه، لكنها لم تعلن إطلاق سراحه بشكل نهائي، وهي خطوة تبدو محاولة لتقديم عربون تصالح مع القاهرة.

ما أقلق إسرائيل خلال الأزمة أمران: الأول أن الغضب المصري "أدى إلى الإضرار بالتنسيق الأمني المستمر"، رغم توقعها "تغلب المصالح الإستراتيجية المشتركة بين البلدين"، حسبما ذكرت صحيفة "هآرتس" 19 أغسطس 2022.

أما السبب الثاني لمسارعة إسرائيل لاسترضاء مصر، فهو خشيتها أن تصل أصداء الأزمة والتوتر مع مصر إلى دول التطبيع الجديدة في الخليج فتتأثر بدورها، حسبما قال المحلل السياسي لصحيفة هآرتس "تسفي بارئيل" 24 أغسطس.

شرح ذلك قائلا إنه "عندما تفشل مصر في الوفاء بالتزاماتها تجاه حركة الجهاد الإسلامي، فإن موقفها يتضرر أيضا مع (حركة المقاومة الإسلامية) حماس، ومع الدول العربية الأخرى التي لها علاقات مع إسرائيل.

أوضح "بارئيل" أن المشكلة هذه المرة تكمن في شعور مصر بأن إسرائيل لم تتعامل فقط بجدية مع وساطتها، بل تجاهلت أيضا الحاجة إلى دفع ثمن الهدوء الذي نجحت القاهرة في تحقيقه. 

شدد على أنه "لا ينبغي على إسرائيل إغضاب مصر وأن تعلم أن المصالح الإستراتيجية معها لها ثمن يجب دفعه".

وأن تراعي أن مصر تريد الحفاظ على مكانتها كوسيط في أزمات غزة أمام الكونغرس الأميركي كي تضمن المساعدات والأسلحة الأميركية أو عندما تسعى للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.

و"عندما تقوض إسرائيل قدرة القاهرة على التوسط في غزة، فإنها تقوض أيضا ركيزة دبلوماسية أساسية في علاقة مصر بالحكومة الأميركية"، وفق قوله.

وذكرت صحيفة "المونيتور" الأميركية في 22 أغسطس 2022 تفاصيل عن سر مسارعة إسرائيل لإرسال مدير مخابراتها.

قالت إنه "منذ اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل الموجة الأخيرة من الاعتقالات في الضفة الغربية، قطعت مصر الاتصالات مع المستويات العليا في تل أبيب وتوقف التعاون الأمني ​​باستثناء المستويات التكتيكية في الميدان".

"بعد هذه الأحداث تلقى كبار المسؤولين في مصر توجيها واضحا بقطع العلاقات مع نظرائهم الإسرائيليين، لكن مصادر أمنية في إسرائيل أوضحت أن الاتصالات مستمرة في الميدان بين المخابرات الإسرائيلية والمصرية".

ذكرت أن ما نشره مكتب لابيد لم يكن كل ما دار بينه وبين السيسي هاتفيا، حيث طلب الأخير منه "تخفيف الحرائق المشتعلة في الضفة"، أي كبح جماح الاعتقالات.

و"بينما كان السيسي ينتظر الاستجابة لطلبه تقليص نشاط الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية حدث العكس، ما طرح تساؤلات في إسرائيل: هل كان هناك سوء فهم بين القادة؟ وفق "المونيتور".

وزعم مصدر أمني إسرائيلي لـ"المونيتور" أنه لا يعرف ما إذا كان الأمر سوء تفاهم أم أن المصريين اختاروا الإهانة بطريقة أو بأخرى، حيث لم يبلغ لابيد المؤسسة الأمنية بشكل صحيح بطلب السيسي.