باحث عراقي لـ"الاستقلال": الانتخابات المبكرة "عقيمة" والحل بيد الصدر وواشنطن
أكد الباحث العراقي جاسم الشمري، أن العملية السياسية في بلاد الرافدين "فشلت في بناء الدولة"، ما دفع قوى سياسية لرمي "كرة الفشل" في ملاعب الآخرين، رغم أنهم "جزء أساسي" من هذا المشهد.
وأوضح الشمري في حوار مع "الاستقلال"، أن الخلاف الذي ظهر للعيان بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بدأ منذ 2008 حينما لاحق الأخير "جيش المهدي" التابع للصدر.
وقال إن الخلافات في المشهد العراقي ظهرت مع بداية العملية السياسية عام 2005، وكانت خلف الأبواب المغلقة، إلا أنها بدأت تطفو على السطح خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وشدد على أن الصدر قادر على تحقيق أهدافه بما يمتلك من قوة حقيقية في الشارع، بسبب مكانة والده (محمد محمد صادق) المعروفة لدى شيعة العراق.
وأوضح أن حظوظ المرشح لرئاسة الوزراء "محمد شياع السوداني" قليلة في حال ظل الصدر مصرا على رفضه ولم يتم احتواء الخلاف المتفجر.
وأشار إلى أن تسريبات المالكي جاءت من شخصية مهمة وثقيلة في المشهد، وذلك في وقت مهم وسط انغلاق سياسي وفشل في التوافق على تسمية رئيسي الجمهورية والوزراء.
ووصف الشمري، الدعوة لانتخابات مبكرة بـ"العقيمة"، نظرا لوجود أشخاص متهمين بـ"القتل والإرهاب وسرقة المال العام" يفترض قبل كل شيء تنقية المشهد منهم، ومن ثم الذهاب إلى حكومة انتقالية لإجراء انتخابات مبكرة.
وقال المحلل السياسي إن الولايات المتحدة الأميركية التي ورطت العراق في هذا المستنقع يمكنها أن تخرجه بانتخابات حقيقية واستبعاد القتلة والمجرمين، وأن تساعد العراقيين مرة ثانية للخلاص من حالة الفوضى تلك.
والدكتور الشمري، باحث ومحلل سياسي، يكتب في عدة صحف ومواقع عربية، وله العديد من المؤلفات من بينها، "حوارات في زمن الاحتلال والغربة"، و"الواقع الثقافي في العراق بعد الاحتلال"، و"الجمهورية البديلة".
فشل البناء
ما خلفية تصاعد الأحداث واقتحام أنصار التيار الصدري البرلمان؟
لا شك في أن الخلافات في المشهد السياسي العراقي كانت موجودة منذ بداية العملية السياسية عام 2005، ولكنها كانت في الغالب خلف الأبواب المغلقة.
إلا أنها بدأت تطفو على السطح بشكل واضح للعلن خلال السنوات الخمس الأخيرة؛ بسبب الفشل العام، رغم الإمكانات الهائلة المتوفرة والدعم الدولي الواضح وبالذات من قبل الولايات المتحدة الأميركية للعملية السياسية.
لكننا صرنا أمام حقيقة واضحة وهي أن العملية السياسية في العراق "فشلت في بناء الدولة".
وبالتالي من هنا بدأت بعض القوى تحاول أن ترمي كرة الفشل في ملاعب الآخرين، ولكنهم في الغالب العام جزء من المشهد ومن الملعب، وأعتقد أن الخلافات تبدو حتى الآن شخصية وحزبية ولا علاقة لها بمصلحة الشعب.
مقتدى الصدر لصالح من يتحرك ولماذا يرفض بشدة مرشح رئاسة الحكومة الموالي لإيران؟
بعيدا عن قضية لصالح من يعمل، فنحن أمام حقيقة وهي قضية الخلاف الواضح ما بين مقتدى الصدر ورئيس "ائتلاف دولة القانون"، المالكي/ وهو خلاف يعود إلى عام 2008 حينما كان المالكي رئيسا للوزراء ولاحق "جيش المهدي" التابع للصدر، ومن يومها بدأت حالة التناحر بين الرجلين.
واليوم صرنا أمام حقيقة انتخابية، وهي أن هناك طرفين، الأول يتمثل في مقتدى الصدر الفائز الأول، والثاني يتمثل في "الإطار التنسيقي" ومن معه بزعامة المالكي، ومن هنا بدأت قضية التناحر الشخصي بين الفريقين، بعيدا عن مصلحة الوطن.
ومن هنا أيضا جاء الرفض الصدري لمرشح الإطار التنسيقي، "السوداني"، وهو ما يؤكد أن القضية مناحرات حزبية وشخصية وليست لمصلحة العراق.
ومنذ 30 يوليو/تموز 2022، يواصل أتباع التيار الصدري اعتصامهم داخل "المنطقة الخضراء" ببغداد رفضا لترشيح السوداني لمنصب رئاسة الوزراء، فيما تستمر الخلافات بين القوى السياسية التي تحول دون تشكيل حكومة جديدة منذ إجراء الانتخابات الأخيرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
مرحلة انغلاق
تسريبات المالكي والتلويح بحرب أهلية.. هل يمكن أن يقع البيت الشيعي في حالة اقتتال داخلي؟
التسريبات جاءت في وقت مهم وفي مرحلة انغلاق سياسي واضح، والفشل في الاتفاق على رئيس جمهورية ومن ثم الاتفاق على رئيس للوزراء هذا أولا.
ثانيا، التسريبات جاءت من شخصية مهمة وثقيلة في المشهد السياسي وهو المالكي زعيم حزب "الدعوة"، ورئيس ما يسمى بـ"الإطار التنسيقي" الموجود اليوم، والمقابل للتيار الصدري، والمهم في التسريبات أنها تطرقت لعائلة آل الصدر ومعلوم أن هذه العائلة لديها مد شعبي كبير داخل العراق.
وأتصور أن التسريبات كانت تهدف لإثارة هذا النوع من التناحر الداخلي، ولكن يبدو أن الأطراف المتحكمة بالمشهد السياسي هدأت التوتر ورأينا أن العاصفة مرت، وأن التسريبات ربما حتى الساعة لم تظهر لها تداعيات واضحة.
ومنتصف يوليو 2022، نشر الصحفي والناشط العراقي المقيم خارج البلاد، علي فاضل، تسريبات صوتية اتهم من يبدو أنه المالكي، مقتدى الصدر بأنه "قاتل" و"سارق"، و"عميل لإسرائيل".
هل تعتقد أن الدعوة لانتخابات مبكرة حل ناجع للأزمة السياسية في العراق؟
أعتقد أن الدعوة لانتخابات مبكرة هي "دعوة عقيمة"، لأننا نتحدث عن مركب ماض إلى مرحلة الانتخابات المبكرة، هنالك إشكالية في ذات المركب حيث يوجد بعض الشخوص المتهمين بالقتل والإرهاب وسرقة المال العام.
يفترض قبل كل شيء تصفية هذا المركب من كل هؤلاء، ومن ثم الذهاب إلى حكومة انتقالية تكون قادرة على تطبيق القانون، ومحاسبة كل متورط بدماء العراقيين وملاحقة كل السارقين داخل العراق وخارجه.
ثم بعد ذلك التهيئة لمثل هذه الانتخابات بحضور وإشراف دولي ومن الأمم المتحدة، وهذه قضية مهمة جدا بأن تكون هذه الانتخابات خالية من القتلة والمجرمين والفاسدين، وإلا فما هي فائدة الانتخابات المبكرة؟!.
غير ذلك لن تتعدى كونها مجرد إعادة إهدار للمال العام في الصرف على انتخابات ثبت فشلها حتى الآن، وعليه من يريد الانتخابات المبكرة عليه أن يرتب المشهد السياسي العام ثم الذهاب بعدها لتلك الانتخابات وفقا للشروط التي ذكرناها آنفا.
انتخابات حقيقية
ما هو السبيل للخروج من تلك الأزمة من وجهة نظركم؟
أعتقد ان قضية الخروج من الأزمة العامة قضية صعبة جدا، نتحدث عن قوى حاكمة تمتلك السلطة والمال والدعم الدولي والقوى غير الرسمية من المليشيات، وعليه فإن على من يريد أن يغير المشهد العراقي أن يجعل كل هذه الحقائق نصب عينيه.
وأتصور أن أميركا التي ورطت العراق في هذا المستنقع يمكنها أن تساعد شعبه مرة ثانية للخلاص من هذه الحالة والذهاب إلى انتخابات حقيقية، وتصفية المشهد من القتلة والمجرمين، وإلا فإن أي محاولة مسلحة لا يمكن أن تنجح في القضاء على المشهد الخرب الموجود.
تبقى قضية أخرى وهي قضية المظاهرات الشعبية رأينا كيف أن مظاهرات "أكتوبر/تشرين الأول 2019" قلبت بعض المشهد السياسي، لكن حاولت قوى سياسية ركوب موجتها، وربما نجحت في التقليل من تأثير موجات "ثورة تشرين".
على ثوار تشرين وغيرهم أن ينتبهوا للراكبين على موجات المظاهرات خلال ثورتهم، وقضية أخرى وهي أن الشعوب الحرة يمكن أن تضعف أو تمرض لكنها لن تموت، ويمكن أن نرى ثورة شعبية.
ما مستقبل المرشح لرئاسة الحكومة السوداني ولماذا يرفضه التيار الصدري؟
حظوظ السوداني إن بقي الصدر على إصراره ستكون قليلة، وإن تم التراضي فيما بينهم فربما ستكون هناك حكومة لمرحلة انتقالية ترتب للانتخابات وربما تكون برئاسة السوداني لأن "الإطار التنسيقي" لا يريد حكومة برئاسة مصطفى الكاظمي، وعليه ربما نذهب إلى هذا السيناريو وكل الاحتمالات واردة.
ما طبيعة الحراك الحالي وأهدافه ومستقبله؟
الحراك الموجود الآن هو حراك سياسي صدري استخدم الشارع لتحقيق أهداف سياسية واضحة، ومعلوم أن التيار الصدري لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الشارع لتحقيق أهداف سياسية.
ففي عام 2016 كان هناك اعتصام واضح ودخول الصدر شخصيا حيث اعتصم داخل خيمة نصبها في البرلمان، ثم بعد عدة أيام انسحب بعد تحقيق مطالبه في زمن رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي.
أرى أن القضية هي قضية فعاليات سياسية تستخدم الشارع لتحقيق أهدافها، وأعتقد أن الصدر قادر على تحقيق أهدافه، لأنه يمتلك قوة حقيقية في الشارع بسبب مكانة والده المعروفة لدى شيعة العراق.
وهناك نسبة ليست قليلة يتبعون والد مقتدى الصدر، ومن هنا تأتي هذه الشعبية وهذه المكانة لابنه مقتدى في الشارع.
أتصور أن القوى السياسية وفي مقدمتها التيار الصدري تعمل على استخدام الشارع لتحقيق أهدافها ومآربها السياسية، وحتى الساعة يعد التيار الصدري أكثر القادرين على هذه الأهداف عبر "الشارع الشيعي".
خلل عام
ما موقع كل من المكون السني والكردي من هذا الصراع الحاصل؟
أتصور أن كلا الجانبين السني والكردي هم منقسمون ما بين الوقوف مع الصدر والوقوف مع المالكي ولكن في كل الأحوال كلا الجانبين يقف مع من يحقق لهم مصالحهم وهناك من يرى مصالحه مع الصدر ومن يرى مصالحه مع المالكي .
وفي كل الأحوال القضية حتى الآن غير ناضجة وأعتقد ان الخلاف الشيعي-الشيعي على شخصية رئيس الوزراء، والخلاف الكردي الكردي على شخصية رئيس الجمهورية حتى الآن لم يحسم.
وبالتالي الاجتماع القادم في أربيل خلال الأيام القادمة الذي دعا له الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، ربما سيرتب أوراق المشهد بالكامل أو ربما سيتم الاتفاق على الذهاب إلى انتخابات مبكرة تضمن لكل القوى السنية والشيعية والكردية وغيرهم حقوقهم التي يفترض أن تحصل عليها بموجب ثقلها السياسي والشعبي.
كيف ترى الحالة الاقتصادية في ظل الوضع السياسي الراهن؟
أعتقد ان العراق يعاني من ربكة اقتصادية واضحة بسبب عدم وجود سياسة تخطيطية اقتصادية سليمة، وبالتالي هناك هدر كبير في المال العام.
فرئيس الجمهورية يتحدث عن 950 مليار دولار سرقت، وهناك من يتحدث عن سرقة ألف مليار دولار ما بين مشاريع وهمية ونهب وفساد، وبالتالي نتحدث عن دولة تمتلك إمكانيات نفطية هائلة وتعتمد على النفط بنسبة 95 بالمئة، ومع ذلك العراق يمر بأزمة اقتصادية طاحنة.
كما أن هذه الأزمة الاقتصادية تتفاقم بسبب عدم وجود مشاريع حقيقية لاستثمار الأموال والعائدات النفطية.
وعليه لا أعتقد أن النفط يمكن أن يكون هو المصدر الرئيس لبناء اقتصاد الدول، ولكن يفترض أن تكون هناك مشاريع تنموية، وأن يتنوع مصدر الدخل الوطني في الدولة، وللأسف هذا كله غير موجود في العراق بسبب الخلل العام في النظام السياسي للبلاد منذ 2003.