خلوق بيرقدار.. مهندس المسيرات التركية الداعم لأوكرانيا بمواجهة روسيا

علي صباحي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

خلال رحلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أوكرانيا في 18 أغسطس/آب 2022، التي تعد الأولى له منذ بدء الغزو الروسي، كان على طائرته شخصية غير معتادة أثارت كثيرا من الاهتمام لدى وسائل إعلام محلية ودولية.

فإلى جانب أسماء مثل رئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن، ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية إسماعيل دمير، كان المدير العام لشركة "بايكار" للصناعات الدفاعية خلوق بيرقدار على رأس المسافرين.

وبصورة لافتة، سطع نجم خلوق بيرقدار في الشهور الأخيرة، نظرا لدعمه الكبير لأوكرانيا ضد الغزو الروسي، سواء بالأقوال عبر مداخلاته وتصريحاته لوسائل إعلام متنوعة، أو بالأفعال من خلال شحنات المسيرات التركية ذائعة الصيت والتأثير بساحات المعارك.

كما كان لافتا أن هذه الزيارة من بيرقدار أتت عقب تسريبات إعلامية وتصريحات رسمية عن رغبة روسيا في التعاون مع تركيا في مجال المسيرات التركية، بعدما حققته من نجاحات في جبهات عديدة، لا سيما ضد أنظمة وأسلحة موسكو المتطورة.

سطوع لافت

وفي 19 أغسطس 2022، نشر خلوق بيرقدار صورة له عبر تويتر مع فولوديمير زيلينسكي وهما مبتسمان، وعلق عليها بالقول: التقيت اليوم مع رئيس أوكرانيا البطل، زعيم الشعب والقائد الأعلى للجيش". وأضاف: "أملنا أن يعم الإنسانية سلام عادل ودائم في أسرع وقت ممكن".

وهذه ليست أول زيارة أو صورة لمدير عام شركة بايكار المحبوب في أوكرانيا مع زيلينسكي، إذ شارك صورة تجمعه بالرئيس الأوكراني في 3 مارس/آذار 2022، عقب نحو أسبوع من بدء الغزو الروسي.

وعلق قائلا: "سعيد أنني تعرفت على رجل شجاع مثلك، فليكن النصر من نصيب أولئك الشجعان الذين يدافعون عن بلادهم ضد الاحتلال الغاشم".

وفي خطوة عدت أنها قطع للطريق على روسيا وسط غموض استمر أياما، أكد بيرقدار أنه لن يبيع طائرات مسيرة لموسكو، مشددا على أن شركته فخورة بأنها أصبحت رمزا لدى "المقاومة الأوكرانية".

وقال بيرقدار في مداخلة تلفزيونية مع شبكة "سي إن إن" الأميركية، إن شركته لم تورد أو تبع أي طائرات لروسيا، وستواصل دعم النضال من أجل استقلال أوكرانيا وحريتها.

وأضاف أن شركة بايكار لديها تعاون طويل الأمد مع أوكرانيا، إذ كانت كييف تستخدم طائرات "تي بي 2 إس" قبل الحرب الروسية الأوكرانية.

وأكد أن الأوكرانيين يتعرضون لهجوم شديد وغير متناسب على بنيتهم التحتية المدنية وثقافتهم، و"نحن سنواصل دعمهم".

وخلال الأسابيع الأخيرة، تحدثت وسائل إعلام تركية عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرض على أردوغان إنشاء مصنع لشركة "بايكار"  لإنتاج المسيرات التركية في روسيا.

ونقلت شبكة "سي إن إن تورك"، في 28 يوليو، أن أردوغان ذكر أثناء اجتماعه مع أعضاء اللجنة التنفيذية المركزية لـ"حزب العدالة والتنمية"، أن بوتين اتصل به وطلب منه العمل سويا بشأن إنشاء مصنع لـ"بايكار" في روسيا.

وهو ما أكده أردوغان أيضا في 6 أغسطس، خلال فعالية بولاية قوجة إيلي (شمال غرب) بالقول، إن "هناك قوى عظمى تريد الاستثمار مع تركيا في مجال المسيرات"، دون أن يذكر اسم روسيا صراحة.

وتتمتع الطائرات التركية المسيرة، لا سيما "بيرقدار تي بي 2"، بسجل حافل بالنجاح ضد عديد من الخصوم في النزاعات التي نشبت في كل من ليبيا وسوريا والعراق وأذربيجان، وأخيرا أوكرانيا.

مواقف مؤثرة

ومن تصريحاته الأخيرة أيضا التي أثارت اهتماما دوليا، كشف خلوق بيرقدار أن شركته قادرة حاليا على بناء 20 طائرة مسيرة شهريا، وأن لديها طلبات متراكمة لثلاث سنوات، لكنها تريد أن ترفع من قدراتها ببناء منشأة جديدة في أوكرانيا.

وأضاف خلال مقابلة في 14 أغسطس مع جمعية "كم باك ألايف" الأوكرانية التي تحشد دعما عسكريا دوليا لبلدها، أنه "يجري إنتاج نسخ من طائرتي بيرقدار تي بي 2 وأقنجي، ولدينا طلب كبير على كليهما".

وأوضح أن لدى "بايكار" التي بدأت تصدير أول مسيرة محلية عام 2012، عقود لتصدير "بيرقدار تي بي 2″، مع 22 دولة مختلفة حاليا، كما وقعت الشركة مؤخرا عقودا لتصدير "بيرقدار أقينجي" إلى 3 دول وتتواصل المحادثات مع دول أخرى بهدف توسيع نطاق التصدير.

وفي منتصف يونيو/حزيران 2022، تصدرت "بايكار" قائمة الشركات التركية المختصة بصناعات الدفاع والطيران الأكثر تصديرا لمنتجاتها.

وبحسب قائمة أعدها مجلس المصدرين الأتراك، ونقلتها وكالة الأناضول الرسمية، بلغت صادرات بايكار من الطائرات المسيرة المسلحة في عام 2021، 664 مليون دولار.

وأعلنت بايكار أن مصنع أوكرانيا سيصنع هذه الطائرات المسيرة جنبا إلى جنب مع النماذج الأخرى، "بيرقدار أقينجي" و"بيرقدار كيزيلما".

ووسط الحملات الدولية لجمع تبرعات لشراء مسيرات تركية لأوكرانيا، فاجأت بايكار الجميع بالتبرع بثلاث طائرات "بيرقدار تي بي 2" إلى كييف بعد أن رفضت الحصول على 20 مليون دولار جمعتها حملات خيرية.

وطلبت الشركة أن توجه هذه الأموال إلى "كفاح شعب أوكرانيا"، وذلك في بيان نشر على تويتر  في 27 يونيو 2022.

وعلق موقع "بيزنس إنسايدر" الأميركي في 15 أغسطس على هذه التطورات بالقول: شركة "بايكار" تؤسس مصنعا جديدا في أوكرانيا بعد التزايد الكبير في الطلب على مسيراتها، لدرجة أن خطوط إنتاج المصنع محجوزة لثلاث سنوات قادمة.

ونقل الموقع عن السفير الأوكراني لدى تركيا فاسيلي بوندار، أن "بايكار" اشترت بالفعل الأرض اللازمة للمشروع في أوكرانيا، وعملية البناء ستستغرق عدة أشهر، وإطلاقه لن يجري قبل نهاية عام 2023.

مسيرة نجاح

ولد خلوق بيرقدار في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1978 في مدينة إسطنبول، ودرس الهندسة الصناعية في جامعة الشرق الأوسط التقنية (ODTU) في أنقرة وتخرج منها عام 2000.

ثم حصل على شهادة الماجستير في نفس المجال من جامعة كولومبيا الأميركية عام 2002.

وعاد بيرقدار إلى تركيا بعد ذلك ليشغل مناصب إدارية مختلفة داخل شركة والده أوزدمير بيدقدار "بايكار" التي أسسها في عام 1986 لإنتاج أجزاء بمحرك السيارات، لكنها تحول نشاطها بفضل جهود خلوق وأخيه الأصغر سلجوق إلى تقنيات الطائرات بدون طيار.

وخلوق متزوج ولديه ابن وابنة، وله شقيقان، أحمد. وسلجوق صهر الرئيس أردوغان ومطور نظام طائرات بيرقدار.

واختير بيرقدار رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة فريق التكنولوجيا التركية (T3) في عام 2017، وبعدها بعام اختير لرئاسة مجلس إدارة مجموعة الدفاع والفضاء والطيران بإسطنبول (SAHA İstanbul).

وعين بيرقدار عضوا في مجلس إدارة مؤسسة البحث العلمي والتكنولوجي التركية "توبيتاك" بموجب مرسوم رئاسي في نوفمبر/ تشرين الأول 2018.

كما يواصل بيرقدار مسيرته الأكاديمية في مجال إدارة الأعمال للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة "بوغازتشي" في إسطنبول.

وتقديرا لمساهمات بيرقدار في ارتقاء العلاقات التركية الأوكرانية إلى مستوى إستراتيجي، قلده زيلينسكي في 25 أغسطس 2020، في القصر الرئاسي بكييف، نيشان الاستحقاق الأوكراني من الدرجة الثالثة.

كما منح بيرقدار وسام قره باغ في 15 يونيو 2021، من قبل رئيس أذربيجان إلهام علييف لمساهمة طائرات شركة بايكار في تحرير الإقليم من احتلال أرمينيا الذي تجاوز ثلاثة عقود.

مسؤولية اجتماعية

على المستوى المحلي ينخرط خلوق بيرقدار في أنشطة ومشاريع وطنية عديدة، لنشر ما يعرف بـ"الحملة الوطنية للتكنولوجيا"، مثل مهرجان "تكنوفست" السنوي، الذي يهدف لجذب فئة الأطفال والشباب للاهتمام بالمباحث العلمية الحديثة.

وتجلت أبرز المشاريع التي أبرزت رؤية بيرقدار الوطنية، مع تفشي جائحة كورونا بشكل سريع في تركيا وظهور عجز كبير في أجهزة التنفس الصناعي داخل غرف العناية المركزة بالمشافي مطلع عام 2020.

وفي إطار مجموعة الدفاع والفضاء والطيران بإسطنبول (SAHA İstanbul)، التي يرأس مجلس إدارتها بيرقدار، جرى إطلاق مشروع وطني لإنتاج أجهزة تنفس صناعي بوتيرة سريعة.

وشاركت بهذه المهمة 4 شركات تركية، هي بايكار، و"أرتشيليك" المتخصصة بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية، و"أسلسان" المتخصصة بالصناعات العسكرية الإلكترونية، و"بيوسيس" للهندسة الطبية، بالتعاون مع وزارتي الصحة، والصناعة والتكنولوجيا.

وخلال أربعة أسابيع من الإنتاج المكثف جرى الوصول إلى قدرة إنتاجية تصل حد 5000 جهاز في الشهر الواحد، وفق موقع "تي آر تي عربي" الحكومي.

ولاحقا، بدأت تركيا تتبرع بأعداد كبيرة من هذه الأجهزة لدول كثيرة عانت من الجائحة في إفريقيا وآسيا والبلقان.

وفي سياق رؤيته الوطنية، كان لافتا تعليق بيرقدار على تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، حمل عنوان "في عقدين.. تركيا تصبح لاعبا عالميا في تصنيع الأسلحة".

إذ كتب بيرقدار: "رؤيتنا الوطنية التكنولوجية هي أمر حيوي ومصيري لاستقلالنا، والتقنيات العالية التي نطورها في إطارها أيضا هي أهم عنصر لكي نكون مجتمعا مزدهرا".

وأضاف في تغريدة عبر تويتر في 22 يوليو 2022، "فمن خلال نظام بيئي تكنولوجي قوي ومبتكر، ستغير تركيا قواعد اللعبة في العديد من القطاعات في المستقبل القريب".