محمد الحلبي.. أسير فلسطيني رفض اتهامات القضاء الإسرائيلي لأكثر من 170 جلسة
دخل الأسير الفلسطيني محمد الحلبي (44 عاما)، عامه السابع على التوالي داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، فيما تتواصل محاكمته التي توصف بـ"الأطول في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة"، بتهم مزيفة، وسط تنديد دولي بهذه الممارسات.
واعتقل الحلبي الذي كان مديرا لمؤسسة "وورلد فيجين" أو "الرؤية العالمية" الإنسانية (مقرها أستراليا) بقطاع غزة، في 16 يوليو/ تموز 2016 عند معبر "بيت حانون" الحدودي خلال عودته من القدس بعد حضور اجتماع دوري مع مديريه في المؤسسة.
وتعرض لتحقيق قاس لمدة 52 يوما، وحُرم من لقاء محاميه خلال هذه الفترة، في محاولة للضغط عليه لانتزاع اعترافات منه بالقوة، وتسببت عمليات التعذيب التي تعرض لها بفقدان السمع بنسبة 50 بالمئة، ومشاكل صحية أخرى، وفق مؤسسات فلسطينية المختصة بمجال الأسرى.
وعقدت محكمة الاحتلال أكثر من 170 جلسة محاكمة، هي الأعلى في تاريخ الحركة الأسيرة، في محاولة لإدانته بالتهم المنسوبة إليه.
وطالبت عدة جهات دولية بالإفراج عنه، منها الأمم المتحدة، والمقرر الخاص لحقوق الإنسان "مايكل لينك"، وممثل الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية سفن كون برغسدورف، إضافة إلى برلمانيين من أستراليا وكندا، فما قصته؟
محمد الحلبي
الحلبي يحمل شهادة في الهندسة المدنية ومنحته أكاديمية السلام في ألمانيا خلال فترة اعتقاله الدكتوراة الفخرية تكريما له ولعمله الإنساني، وهو متزوج وأب لخمسة أطفال.
وهو معتقل حاليا في سجن ريمون الإسرائيلي في صحراء النقب، ولا يسمح لأي من أفراد عائلته بزيارته، وفق ما قال عبد الناصر فروانة رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين (تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية) في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وتتهم سلطات الاحتلال محمد الحلبي بدعم تنظيمات فلسطينية أبرزها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عبر تحويل مبلغ 7.2 ملايين دولار سنويا إليها.
في 14 يونيو/حزيران 2022، قال نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي): "ادعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أن محمد حوّل 60 بالمئة من ميزانية المؤسسة إلى تنظيمات فلسطينية، وهذا ما نفته (الرؤية العالمية) جملة وتفصيلا بعد أن حققت بالأمر بشكل شامل ومستقل، وأثبتت عدم صحة الادعاءات".
وأكدت المؤسسة أن إسرائيل تتحدث عن مبالغ أكبر من ميزانية المؤسسة. وشدد محاميه على أنه لم تثبت أي من صحة الادعاءات التي قدمتها نيابة الاحتلال.
وقال نادي الأسير: "حاول الاحتلال على مدار سنوات اعتقاله، وضغط عليه من أجل انتزاع أي اعتراف، وكذلك حاول إقناعه ومحاميه بإتمام صفقة، الأمر الذي رفضه محمد ورفض جميع التهم الموجهة له".
وتابع: "الأسير الحلبي سجل طوال مدة اعتقاله ثباتا أدى إلى تعرية محاكم الاحتلال ووضعه ومنظومته القضائية في مأزق، وحاولت إسرائيل بشتى الطرق الضغط عليه للحصول على اعترافات منه أو للوصول إلى صفقة تدينه".
وكان والده خليل الحلبي ناشد لعرض قضيته إعلاميا. وقال في تغريدة على حسابه بتويتر في سبتمبر/أيلول 2021، إن "محمد يتعرض لأسوأ وأغرب محاكمة انتقامية وإنهم عرضوا عليه عدة صفقات تسوية لكنه رفضها”.
اناشد قناة الجزيرة لعرض قضية الأسير/ محمد الحلبي الذي يتعرض لاسوا وأغرب محاكمة انتقامية هل يعقل أن يعرض على المحكمة 166 مرة لماذا ؟ طلبوا منه أن يعترف على تهمة يحددونها له حتى يدمروا العمل الانساني في غزة عرضوا عليه 10 صفقات@TamerMisshal @daoudkuttab @jamalrayyan @Benguennak pic.twitter.com/NsBQNbutvz
— Khalil El Halabi (@KhalilElHalabi1) September 29, 2021
وفي 22 مارس/آذار 2021، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية الأسترالية أن فحصا أجرته لمنظمة "وورلد فيجين" التي كان يديرها الحلبي أثبت أن الاتهامات الموجهة له غير صحيحة، وأن الأدلة المتوفرة لم تتوصل إلى أنه متورط بمساعدة “حماس”.
وتعرّف منظمة "وورلد فيجين" نفسها عبر موقعها على شبكة الإنترنت بأنها منظمة مسيحية عالمية تكرس جهدها لخدمة الأطفال والأسر والمجتمعات بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس.
محاكمة القرن
في منتصف يوليو/تموز 2022، أدانت المحكمة المركزية في بئر السبع، الحلبي بعدة تهم "أمنية" بينها "التواصل مع وكيل أجنبي والانتماء لحركة حماس ونقل معلومات وحيازة أسلحة".
وادعى قضاة المحكمة، أن "الحلبي اعترف بالتهم المنسوبة إليه خلال التحقيق معه من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك)".
وبحسب لائحة الاتهام التي تضم 14 تهمة ولكن يحظر نشر تفاصيلها، تورط الحلبي في أنشطة أمنية ضد “إسرائيل” منها مساعدة حماس ونقل أموال لها، و"مساعدة العدو في الحرب، والعضوية في منظمة".
في المقابل، رفض القضاة شهادات للدفاع عن الحلبي، بينهم موظفو مؤسسة "الرؤية العالمية"، الذين نفوا ضلوعه في التهم المنسوبة إليه وأن يكون قد تمكن من خداعهم.
ويستدل من قرار المحكمة أيضا، أن "الحلبي كان يدير المؤسسة في غزة وكانت له صلاحيات كبيرة فيها، كما كان له سلطة في شؤون المشتريات والمناقصات وتحويل مبالغ كبيرة".
وفي 20 يوليو، عقدت جلسة أخرى لمحاكمة الحلبي، حملت رقم 171، وتضمنت طلب النيابة الحكم بسجنه 16 عاما، علما أن جلسة النطق في الحكم بشكل نهائي أجلت إلى أغسطس/ آب.
بدوره، قال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين اللواء قدري أبو بكر، إن ما حدث في جلسة محاكمة الحلبي، محاولة من القضاء الإسرائيلي للهروب من فشله في إدانته، والتغطية على تبعيته لجهاز الشاباك الإسرائيلي.
وطالب أبو بكر، خلال بيان في 21 يوليو، النقابات والمؤسسات القانونية والحقوقية، العمل الجاد لوقف هذه المهزلة، التي تمس منظومة العدالة الدولية، وذلك من خلال التحرك الفعلي لخلق ضغط على سلطات الاحتلال لوقف كل انتهاكاتها بحق الحلبي وأسرانا وأسيراتنا كافة في السجون.
فيما قال المسؤول بوزارة الأسرى والمحررين بالسلطة الفلسطينية عبد الناصر فروانة: “تعد هذه المحاكمة الأطول في سجل تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة مما يجعلنا نُطلق عليها محاكمة القرن”.
وأشار إلى تسجيل قرابة مليون حالة اعتقال في صفوف الفلسطينيين منذ 1967 “ليس بينهم من عرض على المحاكمة بهذا الكم”.
ودعت هيئة شؤون الأسرى والمحررين منتصف يوليو 2022، المجتمع الدولي بمؤسساته كافة لبذل جهوده ووقف "المهزلة" القضائية التي يتعرض لها الأسير الحلبي الذي لم توجه له أي تهم حقيقية تستدعي التعامل معه بهذه الطريقة الانتقامية.
وأوضحت أن "الأسير الحلبي صاحب أطول المحاكمات في سجل الحركة الوطنية الأسيرة، وما يرتكب بحقه منذ اعتقاله، هو بمثابة انتهاك صارخ وممنهج وغير مسبوق، فجهاز القضاء الإسرائيلي جزء لا يتجزأ من منظومة الاحتلال، فلا يوجد أي دليل مادي أو ثبوت تهمة قانونية ضده".
وفي 19 يونيو، أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية استمرار توجيه التهم الملفقة التي اختلقتها أجهزة الاحتلال في محاولة لإدانة الحلبي بها.
وعدت الوزارة، في بيان، أن ما يسمى منظومة القضاء في إسرائيل هي جزء لا يتجزأ من منظومة الاحتلال، خاصة أن الحلبي خضع لعملية تحقيق طويلة، دون أن يعترف بأي من التهم الموجهة إليه، ودون أن يقبل أي صفقة من الصفقات التي عرضت عليه، ما زاد من المأزق الإسرائيلي وعمقه وكشف زيف ادعاءاتهم وملفاتهم السرية.
سبب الإصرار
وعن سبب الإصرار على إدانة الحلبي، يقول والده خليل إن إسرائيل تحاول النزول عن الشجرة وإيجاد مخرج لا يكشف كذبها.
وأضاف في تصريحات لوكالة "صفا" المحلية في 21 يوليو 2021: "تحدثوا علانية لولدي محمد أنهم لا يستطيعون إسقاط التهم عنه ولا بد من المضي بمحاكمته، وأن عليه أن يقبل إحدى الصفقات الـ15 التي عرضت عليه والتي تجيز الإفراج عنه فورا والاكتفاء بمدة سجنه ولكن بشرط الاعتراف بالتهم الموجهة إليه أو بعضها".
وأردف: "قالوا له يجب أن تعترف بأي شيء، وهددوه إذا لم يستجب أنهم سيسجنونه لمدة طويلة"
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قالت وزارة الخارجية إن ما يجرى مع الحلبي هي "أبشع وأطول عملية اختطاف علنية لمواطن لم تثبت عليه أي تهمة، وكشكل مستحدث من تبريرات الاحتلال المفضوحة للزج بالمواطنين في غياهب السجون".
وأيضا "كوجه آخر من الاعتقال الإداري غير المعلن الذي يبقي الأسير رهن الاعتقال لفترة زمنية طويلة بحجة انتظار قرار المحكمة، بما يثبت من جديد تورط محاكم الاحتلال ومنظومته القضائية بالتواطؤ مع المؤسسة العسكرية".
والاعتقال الإداري، هو قرار حبس بأمر عسكري إسرائيلي، بزعم وجود تهديد أمني، دون توجيه لائحة اتهام، ويجدد لـ6 أشهر قابلة للتمديد. وتعتقل إسرائيل إداريا نحو 500 فلسطيني، من بين نحو 4650 أسيرا في سجونها، وفق معطيات تابعة لمؤسسات الأسرى.
وفي الثاني من مارس 2022، أفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية بأن الضغوط تتزايد على "إسرائيل" لإنهاء محاكمة الحلبي وأن المجتمع الدولي سخر منها على نطاق واسع ووصفها بأنها "لا تليق بدولة ديمقراطية".
وقال ماهر حنا أحد محامي الحلبي: "لا يوجد سبب لأن يستغرق الحكم كل هذا الوقت الطويل، أو لأي من التأخيرات والإجراءات السرية التي شهدناها في السنوات الست الماضية. من الصعب على إسرائيل أن تقول إن محاكمها عادلة في قضية كهذه"، وفق ما نقلت الصحيفة.
وأضاف حنا "لم يتمكنوا من استجواب الشهود الذين جرى حجب هوياتهم بشكل صحيح، أو أخذ سجلات منزلية لجلسات المحكمة، وكثيرا ما حُرم من الوصول إلى الأدلة المهمة التي أُعلن أنها سرية".
وأكد حنا أن "الحقائق واضحة للغاية، وكان يجب إسقاط القضية منذ وقت طويل، لكن الإسرائيليين بحاجة إلى إيجاد طريقة لحفظ ماء الوجه لأن محمد رفض صفقة الإقرار بالذنب".
أما مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان فقالت إن "العديد من المعتقلين الفلسطينيين يعترفون بجرائم لم يرتكبوها ويتنازلون عن حقهم في مواصلة الإجراءات القضائية، بسبب عدم الثقة في أنظمة المحاكم الإسرائيلية المدنية والعسكرية لتحقيق العدالة وإصدار أحكام في الوقت المناسب".
لكن بدعم قانوني من "وورلد فيجن"، تمكن الحلبي من اتخاذ ما وصفه والده بأنه "موقف مبدئي"، رافضا الاعتراف بالجرائم التي يؤكد أنه لم يرتكبها وتجنب المزيد من الإضرار بسمعة المنظمة.
وعلقت الجمعية الخيرية عملياتها في غزة بعد اعتقال الحلبي، وأوقفت البرامج النفسية والاجتماعية لـ 40 ألف طفل، فضلا عن توفير الإمدادات الطبية والإغاثة الغذائية.
وقال خليل الحلبي: "لا نريد تعويضا، لا نريد أن يطول ذلك في الاستئناف (بعد إدانة محتملة). نريد فقط الاعتذار، وأن يعود محمد إلى المنزل".
ودعا خبراء حقوق إنسان تابعون للأمم المتحدة ودبلوماسيون ومنظمات غير حكومية "إسرائيل" مرارا وتكرارا إلى منح الحلبي حق الوصول الفوري إلى محاكمة عادلة أو إطلاق سراحه.