باحث هندي لـ"الاستقلال": حكومة مودي "فاشلة" تتكسب بمحاربة المسلمين
أكد الصحفي والمفكر الهندي الدكتور ظفر الإسلام خان، أن تصاعد الانتهاكات ضد مسلمي الهند يأتي بدوافع سياسية مقصودة من الحركة القومية الهندوسية، لتغذية الاستقطاب، ما سيجعلها تبقى بالسلطة.
وقال خان وهو رئيس تحرير "صحيفة ملي غازيت" الهندية في حوار مع "الاستقلال"، إن رئيس الوزراء اليميني "ناريندرا مودي" يتبع منهجا ازدواجيا منصبا على محاربة المسلمين في الداخل بينما يظهر بلاده علمانية للعالم الخارجي والإسلامي.
وأوضح أن حكومة مودي فاشلة ولم تنجح في أي ميدان وهي تستعين بنشر الكراهية ضد المسلمين (والمسيحيين إلى حد ما) لتوحيد صفوف الهندوس وراءها.
دوليا، لفت خان إلى أن غالبية الدول الإسلامية والعربية وبالأخص بلدان الخليج لم تهتم بإساءات حزب "بهاراتيا جاناتا" اليميني المتطرف، وبدلا من ذلك تؤسس علاقات جيدة مع الحكومة الهندوسية.
واستبعد أن يكون لمسلمي العالم دور ما لصالح نظرائهم في الهند بعد أن خذلوا فلسطين والروهنغيا والإيغور.
كما طالب المفكر الهندي بتمثيل الأقلية المسلمة ببلاده في منظمة التعاون الإسلامي، نظرا لتعدادها الذي يقدر بـ200 مليون نسمة، في حين دول لا يتجاوز عدد سكانها المليونين أعضاء بها.
وظفر الإسلام خان (74 عاما) مثقف هندي شهير، أتم تعليمه العالي في مصر ونال درجة الدكتوراه بالدراسات الإسلامية من بريطانيا، وله مساهمات في التأليف والترجمة والنشر بالصحافة العربية والأردية والإنجليزية داخل الهند وخارجها، وهو نجل المفكر الإسلامي الكبير وحيد الدين خان.
اعتداء سافر
برأيكم ما الدافع وراء إساءة بعض الهنود للنبي محمد وكيف تابعت ردود فعل الدول الإسلامية؟
الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تأتي ضمن محاولات الحركة الهندوسية خلق عدو تغذي به حالة الاستقطاب وضمن محاولاتها القضاء على المسلمين.
فالحركة القومية الهندوسية (الهندوتوا) تتبنى خطابا يسيء للإسلام وتعمل على تشويه الإسلام وتقديمه كـ"سرطان" يجب القضاء عليه والتضييق على المسلمين بمختلف الطرق.
وإن كان هذا أمرا قديما إلا أنه أصبح السياسة غير المعلنة لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي وصل إلى سدة الحكم في مايو/ أيار 2014.
هل ترى علاقة بين التصريحات وما يتعرض له مسلمو الهند من اضطهاد؟
التصريحات كانت في إطار محاولات الحزب المستمرة لإحداث استقطاب سياسي حاد بين الهندوس (80% من السكان) والمسلمين (15%) وبالتالي الفوز بأصوات الهندوس فى الانتخابات.
وتعلو وتيرة هذه التصريحات كلما قربت الانتخابات، سواء على مستوى الهند أو على مستوى الولايات والبلديات.
كيف تقيم رد فعل الحكومة الهندية على الانتقادات التي وجهت إليها من بعض الدول العربية والإسلامية؟
الحكومة الهندية ظنت أن سياسة التقسيم الذكي بين السياستين الداخلية والخارجية ناجحة، ويمكنها أن تمارس الاضطهاد والتضييق على الأقليات (المسلمين والمسيحيين) داخل البلاد بينما تقدم صورة علمانية متحضرة للعالم الخارجي وخصوصا العالم الإسلامي.
وقد انهارت هذه السياسة الآن واضطرت الحكومة الهندية إلى التراجع والاعتذار، بل ولتوجيه أوامر إلى كل المتحدثين باسم الحزب ألا يقولوا شيئا عن الإسلام والأديان إلا بعد إذن قيادة الحزب.
وربما سيعود الحزب إلى سياسته الداخلية القديمة ولكن بحذر، لأن نشر الكراهية ضد المسلمين بصورة خاصة سلاح مهم لهذا الحزب لإحداث الاستقطاب السياسي الذي لا بد منه يفوز في الانتخابات.
لأن خطاب الكراهية يجعل غالبية الهندوس تظن أن الحزب يرعى مصالحها ويدرأ عنها خطر المسلمين (الوهمي).
كيف ترى إقالة المتحدث الإعلامي في الحزب الحاكم؟
إقالة المتحدث باسم الحزب كانت خطوة لتقليل الخسائر والمحافظة على المصالح الكبرى التي تربط الهند بمنطقة الخليج بصورة خاصة.
تضييق أعمى
ما أشكال الاضطهاد والتضييق التي يتعرض لها المسلمون في الهند؟
اتخذت حملات الهندوتوا على المسلمين بمساعدة خفية من أجهزة الدولة أشكالا كثيرة، مثل معارضة حجاب الطالبات المسلمات، وقتل مئات من المسلمين بتهمة تناولهم لحم البقر أو ذبح الأبقار.
فضلا عن الاعتداء على المسلمين بتهمة حمل الهندوس على اعتناق الدين الإسلامي وإغراء الهندوسيات من أجل الزواج بالمسلمين.
ومن أشكال التضييق والاضطهاد معارضة بيع اللحم الحلال، ورفض كتابة وصف "الحلال" على العبوات الغذائية، وتغيير مئات من الأسماء الإسلامية للمدن والقرى والشوارع والطرق بأسماء هندوسية لمحو المسلمين من تاريخ الهند.
كما أن الحكومة عمدت إلى تغيير الكتب المدرسية وكتب التاريخ لإخراج أية مواد تشيد بالمسلمين وإدخال مواد مهينة لهم، وتعديل قانون الجنسية لحرمان ملايين من المسلمين من الجنسية الهندية.
إضافة إلى الدعوة الى إبادة ملايين من المسلمين، واستخدام الجرافات لهدم بيوت ومتاجر المسلمين حين يعارضون اقتحام غوغاء الهندوس أحياءهم رافعين شعارات السب والإهانة في حق الإسلام ورسول الإسلام.
ما أسباب تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين في الهند؟
هنا تجدر الإشارة إلى وقائع تاريخية حيث إن الإنجليز خلال ثورة 1857 ضد حكمهم الاستعماري وجدوا أن المسلمين والهندوس يقاتلونهم معا. وبعد أن قضوا على الثورة، فكروا في الاستعانة بسياسة "فرق تسد" .
ولجأ الإنجليز إلى اختلاق تاريخ جديد للهند يزعم أن العهد الإسلامي (أكثر من سبعة قرون) كان عهد ظلام وظلم واغتصاب وقتل وحمل الهندوس على اعتناق الإسلام بالسيف وهدم معابدهم وغيرها من الافتراءات.
ومن ثم أخذ الإنجليز يدرسون هذا التاريخ المزيف في المدارس وينشرون كتبا تحوي هذه الأكاذيب؛ وقد آمن بها بعض الهندوس بل وبدؤوا يضيفون إليه زورا وبهتانا.
وقامت بينهم حركات مناهضة للمسلمين وأهمها "آر إس إس"، التي نشأت سنة 1925 وأصبحت بمرور الأيام أخطبوطا ضخما.
وفرعه السياسي هو حزب الشعب الهندي الذي يحكم الهند منذ 2014 وهو ينفذ السياسات التي كانت آر إس إس تنادي بها منذ نشأتها.
مثل ضرورة تهميش المسلمين وتقليل أعدادهم في الهند وحرمانهم من تسهيلات الحكومة وعدم توظيفهم في الدولة والقطاع الخاص.
وإجبار المسلمين على اعتناق الهندوسية وهو ما سموه بـ"العودة للبيت" بمعنى أن غالبية مسلمي الهند هم من الذين نبذوا الهندوسية سابقا واعتنقوا الإسلام وما عليهم إلا أن يعودوا الآن إلى جذورهم القديمة.
في رأيك، لماذا تصر الحكومة الهندية على اضطهاد المسلمين رغم الانتقادات؟
الحكومة فاشلة ولم تنجح في أي ميدان وهي تستعين بنشر الكراهية ضد المسلمين (والمسيحيين إلى حد ما) لتوحيد صفوف الهندوس وراءها مما يعرف بالاستقطاب السياسي.
تحالف مشبوه
كيف تجدون علاقة مودي مع العالم الإسلامي؟
مما يؤسف أنه رغم أن قائمة اضطهاد حكومة مودي للمسلمين طويلة ولا تنتهي، إلا أنه سعى لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي والخليج بصورة خاصة، وأعطيت له أعلى الأوسمة المدنية في كل بلد زاره.
مثل الإمارات التي سمحت له بإنشاء معبد هندوسي في أبو ظبي وعقدت معه معاهدة التجارة الحرة، كما ترحب السعودية بالتحالف معه.
وكان خطاب حكومة مودي المحلي هو محاربة الإسلام والمسلمين داخل الهند بينما كان خطابها للعالم الخارجي هو أن الهند دولة علمانية لا تفرق بين مواطنيها وهي تسمح لهم بكل الفرص.
وكان ينبغى على الدول الإسلامية ودول الخليج بالذات أن تدرس أوضاع الهند بنفسها، فما يحدث في الهند ليس خافيا ولا سرا وتتابعه الدول الغربية.
فالولايات المتحدة تتابع الأمر باستمرار، بل وظلت مفوضية حقوق الأقليات الدينية بالخارجية الأميركية تضع الهند في خانة الدول التي تسيء إلى أقلياتها الدينية للسنة الثالثة على التوالي.
وكان يمكن لسفارات الدول الإسلامية وخصوصا دول الخليج أن ترصد هذا وتخبر حكوماتها، لكن يبدو أنها لم تفعل ذلك وإن فعلت فلم تهتم حكوماتها بتقاريرها.
ما تقييمكم لرد فعل بعض الدول الإسلامية والعربية على التصريحات المسيئة؟
جاء تصريح المتحدثة باسم الحزب الهندي الحاكم المسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوقظ بعض هذه الدول، ما أجبر الحكومة الهندية، على غير عادتها، لطرد المسؤولين المجرمين الذين تجرؤوا على الرسول الأكرم.
وهنا نلاحظ أن ثلاثة أرباع الدول الإسلامية (هناك 58 دولة عضو بمنظمة التعاون الإسلامي) لم تعط الأمر أي اهتمام.
وعلى أي حال، حتى هذا القدر من الاهتمام والاحتجاج قد أجبر حكومة مودي على التراجع رغم أنها معروفة بعنهجيتها وعدم ميلها إلى قبول أي خطأ أو تقديم أي اعتذار على سياساتها.
الأقليمة المسلمة
هل توجد قوانين بالهند يمكن أن تحمي المسلمين كونهم أقلية؟
القوانين موجودة على الورق ولكن لا يتم تنفيذها عندما تتعلق بالمسلمين، فالجهاز البيروقراطي والشرطة قد تم تحييدها ولم يبق الأمل إلا في المحاكم ولكن تكاليفها غالية لا يستطيع كل مسلم تحملها.
ما المنابر أو الجمعيات التي تعمل على تعريف العالم بقضية مسلمي الهند؟
لا توجد جمعيات أو منابر تعمل على التعريف بقضايا مسلمي الهند في الخارج، لكن هناك جمعيات في الولايات المتحدة وبريطانيا أنشأها المسلمون الهنود الذين هاجروا إلى تلك الدول، وهي ترفع قضاياهم باستمرار.
وما دور مسلمي العالم العربي والإسلامي نحو مسلمي الهند؟
لا أتوقع لمسلمي العالم دورا ما لصالح مسلمي الهند بعد أن خذلوا فلسطين والروهنغيا والإيغور، وحتى قضاياهم الداخلية.
في الختام، ما رسالتك إلى المجامع الإسلامية وفي مقدمتها الأزهر الشريف ومنظمة التعاون الإسلامي؟
نتوقع من منظمة المؤتمر الإسلامي أن تجد سبيلا لتمثيل الأقليات الإسلامية بها وخصوصا الأقلية المسلمة في الهند.
فرغم كونها تبلغ مئتي مليون نسمة، إلا أنها لا تجد تمثيلا في المنظمة، بينما دويلات لا يتعدى عدد سكانها مليونا ومليونين هي أعضاء بالمنظمة!