مخالفة لتصنيف مصر.. لماذا رفعت أميركا "الجماعة الإسلامية" من قائمة الإرهاب؟

12

طباعة

مشاركة

في سياق غير متوقع، رفعت الولايات المتحدة الأميركية في 20 مايو/أيار 2022، خمس جماعات دينية وثورية من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، مؤكدة أنها "لم تعد نشطة"، وذلك ضمن مراجعة واشنطن الدورية لقوائمها كل خمس سنوات من إدراجها.

أبرز هذه الجماعات التي رفعتها الخارجية الأميركية رسميا من قائمتها للإرهاب، هي "الجماعة الإسلامية" المصرية التي نشأت أواخر سبعينيات القرن الماضي، وكانت وراء "قتل" مسؤولين قبل أن تعود للسلمية في مراجعات عام 1997.

توقيت صدور القرار جاء مفاجئا للنظام المصري الذي صدم منذ علمه بذلك، عقب نشر وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية مبكرا في 16 مايو 2022 تفاصيل القرار، فأطلق أبواقه الإعلامية لمهاجمة الولايات المتحدة.

ضغط وبروفة

مراقبون عدوا صدور القرار الآن ربما له هدفان، الأول، الضغط على القاهرة حتى يكون "الحوار الوطني" الذي أعلن عنه رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، في 26 أبريل/نيسان 2022 "حقيقيا لا وهميا"، وإشراك قوى إسلامية فيه.

ورحبت "الجماعة الإسلامية" بالحوار مع النظام في بيان 11 مايو 2022، داعية لـ"عدم إقصاء أحد".

وقبلها، وافقت جماعة "الإخوان المسلمين" في بيان صادر عنها في 10 مايو 2022، ضمنا على الحوار، لكن بشروط، بينها "مشاركة الجميع والقصاص"، ما قد يفسر القرار الأميركي، خاصة أن واشنطن لا تصنف الإخوان "إرهابية" أيضا.

الهدف الثاني، ربما يكون متعلقا بنية واشنطن رفع "الحرس الثوري الإيراني" من قوائمها لـ"الإرهاب"، ضمن شروط اتفاقها النووي مع طهران، واحتمالات أن يكون رفع اسم الجماعة الإسلامية هو "بروفة" لرفع الجماعة الإيرانية.

ونقلت "فوكس نيوز" في 16 مايو/أيار 2022 عن أحد كبار النواب الجمهوريين في الكونغرس، قوله: "نعتقد أن رفع اسم الجماعة الإسلامية تدريبي (بروفة) لمحاولة رفع عقوبات الإرهاب عن الحرس الثوري الإيراني".

وأشار الكاتب المصري، عبد الحميد قطب، في تغريدة نشرها في 20 مايو، لسبب آخر عن شطب أميركا اسم "الجماعة الإسلامية" من لائحة الإرهاب، بأنه قد يكون "جزءا من مقاربة أميركية جديدة للتنسيق المشترك مع إسلاميين، للتصدي للنفوذ الروسي والصيني الذي اخترق المنطقة".

وصنفت الإدارة الأميركية "الجماعة الإسلامية" ضمن قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية في يوليو/تموز 2017، قبل أكثر من عام على تصنيف نظام السيسي لها ضمن "القوائم الإرهابية" في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وبدا قرارها الأخير غريبا في توقيته لأنه جاء بعد 25 عاما من قيام الجماعة عام 1997 بمراجعات داخل السجون، وإنهاء تبنيها العنف والذي تم بناء عليه إطلاق نظام الرئيس حسني مبارك السابق قادتها من السجون.

تفاصيل القرار

جاء في إعلان مكتب مكافحة الإرهاب التابع للخارجية الأميركية أنه تم شطب 5 تنظيمات من لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، بينها جماعتان إسلاميتان من مصر وفلسطين (قطاع غزة).

وهما الجماعة الإسلامية في مصر المتهمة باغتيال الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات، وجماعة "مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس" السلفية التي كانت تعمل من غزة قبل توقف نشاطها.

إضافة إلى جماعة دينية صهيونية متطرفة هي "كهانا حي" التي نفذت مجزرة فجر 25 فبراير/شباط 1994، أسفرت عن قتل 35 من المصلين في المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل.

ومنظمة "إيتا" الباسكية الانفصالية (إسبانية مسلحة)، وطائفة "أوم شينريكيو" اليابانية، المتهمة بتنفيذ سلسلة جرائم منها هجمات بغاز السارين على مترو طوكيو في مارس/آذار 1995.

كان ملفتا في بيان الخارجية الأميركية تأكيدها أنها وجدت أن "المنظمات الخمس لم تعد منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي ولا تحتفظ بالقدرة والنية على القيام بذلك، لذلك تم إلغاء تصنيفها إرهابية".

ويتعارض هذا الموقف الأميركي مع استمرار القاهرة في تصنيف الجماعة على أنها "إرهابية" هي والحزب المعبر عنها (البناء والتنمية) منذ 2018، وحل حزبها ومصادرة أمواله عام 2020، رغم أن من وافق عليه هو المجلس العسكري السابق.

وكان المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي، والفريق سامي عنان والسيسي قد أصدروا قرارات بإطلاق سراح قيادات "الجماعة الإسلامية" من السجون عقب ثورة يناير 2011.

كما وافقوا على الحزب السياسي الذي أسسته الجماعة "البناء والتنمية" ودخل أعضاؤه برلمان 2012 الذي حاز فيها التيار الإسلامي على الأغلبية.

لكن في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، نشرت الجريدة الرسمية قرار محكمة جنايات القاهرة رقم 1367 لسنة 2018، بشأن إدراج أسماء 164 من أعضاء "الجماعة الإسلامية" في قائمة "الجماعات الإرهابية".

وجاء القرار "كيديا" لأنه كان يرأس حزب "البناء والتنمية" التابع للجماعة الإسلامية، طارق الزمر، الذي يهاجم السيسي بعنف من الخارج، ما دفع قيادة الحزب لاختيار قائد جديد حينئذ.

ولتلافي حل الحزب، قرر الزمر الاستقالة من رئاسة الحزب في يونيو/حزيران 2017، واختير بديلا، محمد تيسير.

كما قرر الحزب في 12 نوفمبر 2018 تجميد عضوية كل من ورد ذكر اسمه من أعضاء الحزب ضمن قوائم الإرهاب الحكومية.

لكن السلطات استصدرت قرارا قضائيا من دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا في 30 مايو 2020 بقبول طلب لجنة شؤون الأحزاب السياسية بحل حزب "البناء والتنمية"، ذراع الجماعة الإسلامية، وتصفية أمواله.

تشكيك وإشادة

رغم أن ردود الفعل الأولي لقيادات "الجماعة الإسلامية" التاريخية، خاصة "عبود الزمر" ضابط المخابرات الحربية السابق أثناء حكم السادات، وابن شقيقه رئيس حزب الجماعة السابق، طارق الزمر، جاءت مرحبة بالقرار الأميركي.

وكان ملفتا أن البوابة الإعلامية الرسمية للجماعة ركزت على قول موقع تلفزيون "فوكس نيوز" أن القرار برفع أسماء هذه الجماعات من قوائم الإرهاب "ربما جاء لتمرير قرار لاحق منتظر من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن برفع اسم الحرس الثوري الإيراني".

وذكر "فوكس نيوز" في 16 مايو/أيار 2022 أن رفع المنظمات الخمس، ومنها الجماعة الإسلامية، يأتي في الوقت الذي تواجه فيه إدارة بايدن انتقادات لبحثها إزالة الحرس الثوري الإيراني من القائمة السوداء كجزء من مفاوضات الاتفاق النووي.

لكن "المكتب الإعلامي للجماعة الإسلامية" علق في بيان 16 مايو 2022 على القرار أنه "بغض النظر عن ملابساته إلا أنه لا يمكن وصفه إلا بكونه خطوة صحيحة تأخرت كثيرا".

وعد أن "ما قدمته الجماعة الإسلامية من مراجعات أدت لوقف أعمال العنف في مصر، وحقن الدماء والأرواح، وكذلك انتقال الجماعة الإسلامية للعمل عبر الوسائل السلمية سياسيا وشرعيا واجتماعيا، والتزامها بمبادرة وقف العنف عام 1997".

وأعرب المكتب الإعلامي للجماعة عن أمله "أن تنحو الدول المختلفة التي ما زالت تضع الجماعة الإسلامية على قوائمها السوداء نفس النحو".

وسبق هذا إعلان الجماعة الإسلامية في 11 مايو 2022 ترحيبها بـ"الحوار الوطني" الذي دعا له رئيس النظام، السيسي.

وقالت في بيان، إن "ما يثار هذه الأيام عن حوار مجتمعي حول أزمات الوطن، فالجماعة الإسلامية من واقع خبرتها وما قدمته من مبادرة أدت إلى الخروج من نفق شديد الظلمة تدعم كل حوار جاد".

ودعت إلى "حوار يهدف للوصول إلى نتائج ملموسة في مصلحة الوطن، ولا يقصي أحدا من مكوناته، وتناقش فيه كل قضايا الوطن، بلا شروط مسبقة، مع دعوتنا للجميع إلى تهيئة الأجواء لإنجاح الحوار".

واهتمت الجماعة بإبراز موقف زعيمها الروحي، عبود، الذي نشره عبر مواقع التواصل وعد القرار الأميركي برفع الجماعة من قوائم الإرهاب "قرارا صحيحا ومنصفا"، رغم أنه "جاء متأخرا عن حكم المحكمة الأوروبية بنفس المضمون".

وفي 10 أبريل/نيسان 2019 أصدرت المحكمة الأوروبية بلوكسمبورغ قرارا باستبعاد اسم الجماعة الإسلامية بمصر من قوائم الإرهاب الأوروبية وإلغاء كل اللوائح التنفيذية المرتبطة، بعد طعن الجماعة على قرار إدراجها السابق وتقديمها ما يفيد خطأ القرار.

وأشاد القيادي في الجماعة، ورئيس حزبها السابق، طارق الزمر، وهو ابن عم وصهر عبود الزمر، في تغريدة له، بقرار رفع الجماعة من قوائم الإرهاب، متسائلا: "متى يدرك العرب ما أدركه العجم؟!".

وأشار إلى أن "القرار الأميركي ليس مجرد قرار سياسي كما تصور البعض لأنه جاء مؤكدا لحكم المحكمة الأوروبية الصادر منذ ثلاث سنوات".

ورحب القيادي بالجماعة، عاصم عبد الماجد، بالقرار الأميركي، لكنه قال: "هناك جماعات لم توضع قط على هذه القوائم كالإخوان، لكن هذا لم يمنع من اضطهادها".

ووصف المتحدث السابق باسم الجماعة، خالد الشريف، القرار بأنه "منصف لكنه تأخر كثيرا، لأن الجماعة الإسلامية صاحبة مبادرة وقف العنف مر عليها 25 عاما، ولم يحدث خلال هذه المدة أي عمل عنف ينقض هذه المبادرة أو يخالف القانون".

ارتباك وغضب

ولم يصدر رد فعل رسمي من جانب النظام المصري أو بيان من خارجيته كالمعتاد يعلق على القرار، ما أثار استغراب النشطاء.

ويشير هذا ربما إلى "صدمة وارتباك" في القاهرة أحدثه القرار الذي كشفته وكالة "أسوشيتد برس" نقلا عن وثائق الكونغرس، ثم أعلنته الخارجية الأميركية رسميا في 20 مايو 2022.

لكن تحريك الآلة الإعلامية للنظام، في صورة مذيعيه المشهورين بأنهم ينقلون عن جهات أمنية، كشف غضب السيسي.

وشن المذيعان، نشأت الديهي، بقناة "تن" الإماراتية، والعضو في المجلس الأعلى للإعلام (حكومي)، وأحمد موسى، هجوما على القرار الأميركي، مشككين في الهدف من ورائه.

وزعم الأول أن أميركا أول من سيدفع ثمنه، وادعى أنه لا يرغب في وصف القرار بـ"السقطة أو المؤامرة أو المناورة"، وأن الولايات المتحدة بهذا القرار تفتح الباب أمام تمويل الإرهاب، فيما تساءل موسى "عن السبب الحقيقي وراء القرار؟".

وعد الصحفي والبرلماني الموالي للسيسي، مصطفي بكري، رفع واشنطن الجماعة الإسلامية من لائحة الإرهاب "أمرا يثير الدهشة والاستغراب"، واصفا إياه في تغريدة بأنه "نكاية في النظام"، يقصد السيسي.

ويتوقع أن يزيد موقف أميركا تصنيف الجماعة الإسلامية "إرهابية"، وسبق رفضها تصنيف "الإخوان المسلمين" أيضا، من حدة الخلافات بين نظام السيسي وإدارة بايدن.

يأتي ذلك قبل شهر واحد من أنباء عن زيارة بايدن المنطقة، واحتمال عقده قمة مع قادة عرب في إسرائيل، بينهم السيسي، وفق ما أكده موقع "أكسيوس" في 3 مايو 2022.

ونقل موقع "أكسيوس" أيضا في 12 مايو 2022 عن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا، قوله في محاضرة مغلقة أمام مجلس محافظي جامعة تل أبيب إنه "يتعين على الدول الغربية التوقف عن الضغط على السيسي بشأن حقوق الإنسان".

ورغم السعار الإعلامي ضد القرار الأميركي واتهام إعلاميي النظام في مصر للجماعة الإسلامية بالإرهاب، لم تطلق الجماعة رصاصة واحدة طوال فترة حكم السيسي، ولم تستخدم العنف أبدا منذ إعلان مبادرتها لوقف العنف قبل 25 عاما.

وقبل إدراج النظام، الجماعة الإسلامية وعدد من قادتها على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة 5 سنوات، منذ 2018 حسب ما نشرت الجريدة الرسمية، قتل القيادي في الجماعة المصرية، عصام دربالة، يوم 9 أغسطس/آب 2015 في السجن بعد اعتقاله.

وحذر حقوقيون ومحللون في شؤون الجماعة الإسلامية حينئذ من مخاطر عودة منتمين لها للعنف رغم مراجعات عام 2007، بسبب الممارسات الأمنية التي تعمد إلى "تصفية" وقتل معارضين، لكن ظل نهج الجماعة سلميا.