بعد تراجع إمدادات القمح الأوكراني حول العالم.. هل تملأ الهند الفراغ؟
سلطت صحيفة "20 ساعة" الفرنسية، الضوء على التطور الحاصل في صادرات القمح الهندي بعد تراجع تلك القادمة من أوكرانيا بفعل الغزو الروسي المستمر منذ 24 فبراير/شباط 2022.
يأتي ذلك في الوقت الذي لم تتمكن فيه أوكرانيا، الملقبة بـ "سلة خبز أوروبا"، من تصدير منتجاتها من الحبوب منذ بداية الحرب، مما تسبب في نقص حاد بالمخزونات الدولية.
تمتد حقول القمح في شمال الهند على مد البصر. وهذه الدولة الآسيوية هي ثاني أكبر منتج لهذا المحصول في العالم، لكنها لا تصدر أي شيء تقريبا.
تلبية الاحتياجات
وينتج المزارعون بشكل أساسي للسوق الهندي، لكن هذا قد يتغير. ويقول سوراج تشوهان وهو مزارع هندي إنه "بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لم يعد لدى العديد من الدول القمح، لكن الهند ستصدره لتلبية احتياجاتها".
واليوم مع خطر حدوث نقص في الإمدادات، تريد الهند أن تصبح سلة الخبز الجديدة في العالم.
وفي ظل تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية المباشرة على إمدادات القمح، تطمح الحكومة الهندية إلى تصدير 10 ملايين طن إلى العديد من البلدان ليدخل قمحها أسواقا جديدة مثل تونس ولبنان ومصر، مقتنصا الفرصة الثمينة.
وبينما لا يزال غزو أوكرانيا متواصلا بلا انقطاع وفي وقت ترزح روسيا تحت العقوبات الغربية فإن النقص في القمح يهدد مواطني إفريقيا والشرق الأوسط.
وهؤلاء محرومون من القمح الروسي والأوكراني، لذلك ليس من المستغرب أن يجري التواصل مع الحكومة الهندية من قبل الدول التي تبحث عن بدائل.
وفي الوقت الذي توشك فيه الهند على التوصل إلى اتفاق لتصدير القمح إلى مصر، قالت وزارة التجارة الهندية خلال بيان في 19 مارس/آذار إن المحادثات جارية مع تركيا والصين والبوسنة والهرسك والسودان ونيجيريا وإيران.
وستكون تونس ولبنان وإسرائيل والمغرب وجنوب إفريقيا أيضا من المعنيين، وفق قولها.
وأضافت أن التوجه الهندي لزيادة صادرات نيودلهي من القمح، تزامن مع إعطاء الحكومة الهندية تعليمات لسلطات الموانئ والسكك الحديدية لزيادة عدد المحطات والحاويات اللازمة لعمليات تصدير القمح.
وشهدت إمدادات القمح في العالم ارتباكات منذ بدء الغزو العسكري الروسي في أوكرانيا.
وتتجاوز واردات مصر من القمح الروسي 8 ملايين طن سنويا، بينما تتجاوز 4 ملايين طن من أوكرانيا، ما يعني أن القاهرة بحاجة للبحث مبكرا عن مصادر أخرى تكون قادرة على توفير 13 مليون طن سنويا بحد أقصى.
ولا يعود ارتفاع أسعار القمح لأسباب مرتبطة بعدم قدرة البلدين على الإبقاء على استقرار الصادرات، بل إن أسعار الشحن تسجل زيادات متتالية مع ارتفاع ثمن النفط.
أسعار القمح
يعتزم تاجر جملة امتلأت مستودعاته بمخزون الحبوب تسليم 6000 طن من القمح إلى مصر.
يؤكد ساشين بارود مدير شركة نماكالا الدولية للتجارة، أنه "قبل الحرب، كان بإمكاننا تخزين القمح هنا دون أي مشكلة، لشهرين، لثلاثة أو لستة أشهر (...) سنوقف كل ذلك وسنصدر قريبا جدا".
يبلغ سعر طن القمح الهندي 300 يورو في المتوسط مقابل 380 يورو للقمح الفرنسي، وفق الصحيفة.
وتهدف الحكومة الهندية إلى تصدير ما لا يقل عن 10 ملايين طن من القمح في خلال السنة المالية 2022 – 2023 التي تبدأ في الأول من أبريل/نيسان للعام الأخير.
وهو هدف يتجاوز المستويات المعتادة، إذ لم تصدر البلاد سوى 624 ألف طن سنويا في المتوسط بين عامي 2016 و2020.
والهند ثاني أكبر منتج للقمح بنسبة 14 بالمئة من الإنتاج العالمي، وهو إرث من الثورة الخضراء التي بدأت في عام 1966.
وتحت ضغط من الولايات المتحدة التي طلبت منها المساعدة الغذائية بعد عامين من الجفاف، حدثت الدولة تقنيات زراعة القمح، وأدت البذور الجديدة والاستخدام المكثف للأسمدة والمبيدات الكيماوية إلى استصلاح أراض جديدة وزيادة الإنتاج.
لكن الهند كثيرا ما كانت تتردد في بيع الأغذية الأساسية إلى الخارج. وعندما ارتفعت الأسعار فرضت السلطات أسعارا منخفضة لتثبيط الصادرات، وهي طريقة لتضخيم المخزونات من أجل تكوين احتياطيات وإبطاء التضخم.
وهذا يعني أن تحول الأسابيع الأخيرة قد يكون جذريا، ومع ذلك فإنه لا يفاجئ مادان سابنافيس، كبير الاقتصاديين في بنك بارودا في بومباي، حيث قال: ”لقد نفدت عندنا مساحة تخزين كل هذا القمح.
تريد الحكومة الاستفادة من ارتفاع الأسعار لبيعه بسعر جيد وإفراغ جزء من الاحتياطيات المتراكمة، وفق قوله.
تأثير ضئيل
تجلس شركة الأغذية الهندية، الكيان العام المسؤول عن التخزين، على 23 مليون طن من القمح.
وهذا يعادل ما كانت أوكرانيا ستصدره في العام 2021-2022 قبل الحرب، وفقا لأرقام وزارة الزراعة الأميركية.
ويوضح هذا الانعكاس أيضا إرادة حكومة ناريندرا مودي الأصولية الهندوسية، التي تحاول تنشيط الصادرات، وفق الصحيفة.
وبينت أن حجم هذه الصادرات شبه ثابت منذ وصول مودي إلى السلطة في عام 2014، على الرغم من وعوده بتحويل الهند إلى قوة تجارية.
وتبلغ حصة صادرات البضائع الهندية في التجارة العالمية ذروتها عند 1,6 بالمئة. ونتيجة لذلك حددت وزارة التجارة هدف تصدير يتراوح بين 450 و500 مليار دولار بحلول عام 2023، بزيادة لا تقل عن 50 بالمئة في غضون عامين.
وجلبت مبيعات القمح إلى الخارج 1,7 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية 2021-2022، بخمسة أضعاف في عام واحد.
ورغم ما تثيره من اهتمام بالغ فلا يتوقع أن تؤدي الزيادة في صادرات القمح الهندي إلى خفض الأسعار العالمية لسببين.
أولا ”قمنا بتصدير 6 ملايين طن العام الماضي (2021) لذا فإن الـ 10 ملايين المعلن عنها سيكون لها تأثير ضئيل“، وفق ما قاله مادان سابنافيس.
وتظل الهند لاعبا ثانويا للعام 2021-2022 الذي بدأ في يوليو/تموز، وفقا لوزارة الزراعة الأميركية.
وأردفت الصحيفة: "بحصة 5 بالمئة من سوق التصدير تظل الهند متخلفة كثيرا عن الاتحاد الأوروبي (18 بالمئة) وروسيا (16 بالمئة) وأستراليا (13 بالمئة) والولايات المتحدة (11 بالمئة)".
ثانيا، بحسب مادان، لا تحفز سياسة الأسعار المضمونة من قبل الحكومة الهندية المزارعين على إنتاج قمح عالي الجودة.
وقد لا تفي المخزونات المتاحة المعايير المعمول بها في البلدان المتقدمة، وهو ما قد يحد من منافذ التصدير، وفق قوله.