سيرغي لافروف.. مهندس السياسة الخارجية لروسيا قائد حرب تبرير احتلال أوكرانيا

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

صوت هادىء ولسان لاذع ووجه لا يبدو عليه كثير من المؤثرات ولا يعطي الانطباعات، وإن كان أقرب للتجهم، هذا شيء من ملامح صفات وشخصية وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، رجل بوتين للعلاقات الدولية، ولسان القيصر دوليا على مدار 18 عاما، قضاها متدرجا في محراب الدبلوماسية من العهد السوفييتي إلى روسيا الاتحادية.

ومفروض على سيرغي أن يواجه العالم منفردا في معترك الدبلوماسية، وأن يدافع عن وجهة نظر الرئيس فلاديمير بوتين في غزوه لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، ويرد على العقوبات العالمية القاسية ضد موسكو جراء الغزو.

مرحلة الإعداد

لأب من أصول أرمنية، وأم روسية من جورجيا كانت تعمل في وزارة التجارة الخارجية للاتحاد السوفييتي، ولد سيرغي لافروف في 21 مارس/آذار 1950 بالعاصمة موسكو.

وعرف عنه اجتهاده الدراسي، وتخرج من المرحلة الثانوية حاصلا على الميدالية الفضية، وكان مولعا بمادة الفيزياء، حتى أنه أراد الالتحاق بمعهد موسكو لفيزياء الهندسة.

لكن اختار لافروف معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ما سيغير مسار حياته لاحقا، ويصبح أحد أبرز وزراء الخارجية وأطولهم مدة في تاريخ البلاد.

خلال دراسته تعلم اللغة السنهالية الخاصة بشعب سريلانكا، إضافة إلى لغة أهل المالديف "الديفيهية"، وكذلك الإنجليزية والفرنسية، لكنه اعترف بعجزه التام عن التحدث بالأخيرة. 

وعقب تخرجه عام 1972، عين لافروف بالسفارة السوفييتية في سيريلانكا، وفقا للعرف المتبع مع خريجي معهد موسكو للعلاقات الدولية في وزارة الخارجية. 

خلال تلك الفترة، بدأ نشاط لافروف يظهر مع توليه مهمة تحليل الموقف داخل الوزارة، بالإضافة إلى عمله كمترجم، ومع ما أبداه من تميز تمت ترقيته إلى درجة ملحق، وهو في سن صغيرة. 

في عام 1976 عاود سيرغي أدراجه إلى موسكو، حيث عمل سكرتيرا ثانيا في قسم العلاقات الاقتصادية الدولية بوزارة الخارجية.

وقد عهد إليه بالمهام التحليلية، بالإضافة إلى عمله وتعاونه كممثل للخارجية الروسية مع منظمات دولية مختلفة، على رأسها الأمم المتحدة. 

سلم الصعود

جاءت النقلة النوعية في مسيرة لافروف عام 1981، مع ابتعاثه كبيرا لمستشاري البعثة السوفييتية في الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، وهو ما أدخله في أروقة الدرجات الرفيعة من عالم الدبلوماسية ورؤية صناعة الأحداث العالمية.

في عام 1988 عاد إلى موسكو، إذ عين نائبا لرئيس قسم العلاقات الاقتصادية الدولية. 

وما بين عامي 1990 و1992 عمل مديرا للمنظمات الدولية بوزارة الخارجية السوفييتية.

وفي أبريل/نيسان 1991، شغل منصب نائب وزير الخارجية، وأوكلت إليه مهمة مراقبة أنشطة حقوق الإنسان والتعاون الثقافي الدولي. 

في 1994 عاد لافروف للعمل في الأمم المتحدة مرة أخرى، لكن بدرجة أرفع وبمنصب أثقل، حيث كان رئيسا لمجلس الأمن الدولي، حتى يونيو/حزيران 2003. 

بعد هذه السنوات في مختلف المحافل العالمية أصبح لافروف مخضرما بما يكفي، خاصة وأنه شهد تحولات كبرى في بلاده من كونها القطب الثاني الأكبر في العالم خلال الحقبة السوفييتية إلى التفكك والانهيار والتآكل.

ثم محاولة العودة والتمسك مرة أخرى داخل روسيا الاتحادية مع صعود الرئيس بوتين الذي حمل أحلام القيصرية القديمة، وأراد استعادة "المجد الضائع".

وزير للخارجية 

يعتبر لافروف أن مثله الأعلى هو وزير خارجية ومستشار الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، أليكسندر غورتشاكوف، ويستلهم منه إمكانية استعادة النفوذ الروسي في أوروبا بعد الهزيمة في حرب القرم. 

واعتمد غورتشاكوف على فنون التفاوض والدبلوماسية، وهو ما يريده لافروف بشدة. 

في 9 مارس/آذار 2004، كانت اللحظة الأهم في حياة لافروف، بعدما فتحت له أبواب الكرملين على مصراعيها، وأصبح وزيرا لخارجية الرئيس بوتين. 

اتسم وزير الخارجية بالإصرار والمهنية، وبكونه من دائرة الرئيس المقربة، التي طالما صعدت واشتدت مع زيادة نفوذ الدولة، لكنها أصبحت عهدة ثقيلة مع أزمات سياسية وعسكرية اشتبكت فيها موسكو بشكل أو بآخر. 

وواجه لافروف انتقادات وهجمات متنوعة بدأت بنقاشات حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان المهدرة في روسيا، وبلغت ذروته مع الحرب في جورجيا عام 2008، وكذلك الحرب في إقليم الشيشان، وفي كل الأحوال هو الذي تولى الدفاع عن سياسات موسكو في هذه القضايا بقدر من الشراسة والصرامة. 

كما عمل على التصدي دبلوماسيا لمحاولة حلف الناتو التمدد شرقا، ونصب منظومة الدرع الصاروخي الأميركية قرب الحدود الروسية في أوكرانيا ودول البلطيق. 

ظهرت قوة لافروف بوضوح عام 2014 بعد برود العلاقات بين روسيا وأوروبا، إثر ضم موسكو لشبه جزيرة القرم، وكانت مهمة لافروف الرئيسة منع انعزال بلاده سياسيا. 

وهذا ما نجح به من خلال المفاوضات، بحسب المجلس الروسي للأمن والسياسات الخارجية، وذلك من خلال أسفاره وزياراته الكثيرة حول العالم بشأن أوكرانيا وسوريا وإيران.

حتى أن لقاءاته المتعددة مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، اعتبرت حينها نجاحا لموسكو وفشلا لواشنطن، وقد كانت روسيا على نفس المستوى ندا لند مع الولايات المتحدة في هذه اللقاءات.

وربما يفسر هذا ما قام به بوتين عام 2015 بتقليده وسام الاستحقاق الروسي.

في المواجهة 

أما التحدي الأكبر في مسيرة لافروف، تمثل في الاجتياح الروسي لأوكرانيا، والحشد الغربي والعالمي ضد موسكو، في أشرس مواجهة بين الطرفين منذ الحرب الباردة (1947-1989).

ومع فرض عقوبات سياسية واقتصادية غير مسبوقة على روسيا وكبار سدنة نظامها من رئيس الدولة بوتين إلى وزراء وجنرالات ورجال أعمال، كان لافروف يخوض منفردا المواجهة الدبلوماسية، ويقارع قادة الاتحاد الأوروبي ودبلوماسيي الولايات المتحدة، الكلمة بالكلمة والحجة بالحجة.

وفي 2 مارس/ آذار 2022، شدد وزير الخارجية على أن روسيا قادرة على مواجهة الضغوط الغربية عليها، متهما أوروبا بالتبعية لواشنطن. 

فيما سخر من السياسيين الفرنسيين الذين ينتقدون شؤون روسيا قائلا "لا عجب، إنهم يتصرفون مثل الديوك".

ومن المعروف عن شخصية لافروف أنه يحتد أحيانا ويصل به الشطط إلى التصرفات غير الدبلوماسية في بعض المحافل الدبلوماسية، فمثلا في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي، عادل الجبير، في أغسطس/آب 2015 بموسكو، تفوه لافروف بكلمة: "أغبياء"، ثم أتبعها بكلمة سب وشتم. ولم يعرف من يقصد بكلامه لكنه فتح بابا للجدل. 

وسبق في عام 2008، بعد الحرب الروسية الجورجية أن شتم لافروف نظيره البريطاني ديفيد ميليباند، بحسب ما تناقلت وسائل الإعلام البريطانية، لكن لافروف نفى ذلك لاحقا. 

وعن الطبائع الشخصية لوزير الخارجية الروسي، فمن المعروف أنه مدخن شره، ويروى عنه تركه أحيانا للاجتماعات الهامة من أجل تدخين سيجارة، كما يحرص على ممارسة الرياضة ويذهب سنويا مع أصدقائه في رحلات للتجول والمشي في الطبيعة.

وكذلك يحب كتابة الشعر، وله العديد من القصائد المدونة باسمه، فضلا عن تشجيعه لنادي "سبارتاك موسكو" لكرة القدم، كما يداوم على عزف الجيتار كهواية من هواياته، وهو أيضا عضو في جمعية "فلسطين الأرثوذكسية الإمبراطورية". 

وللافروف عائلة صغيرة، فهو متزوج من ماريا الكسندروفنا، وله منها ابنة اسمها ايكاترينا، ولدت في نيويورك، حيث عمل هناك 7 سنوات كرئيس لمستشاري البعثة السوفييتية بالأمم المتحدة، ولم تعد معه حين استدعي عام 2004 لتعيينه وزيرا للخارجية، بل بقيت تدرس بجامعة كولومبيا الأميركية حتى تخرجت.