رئيس جمعية القضاة الشبان بتونس لـ"الاستقلال": سعيد يريد "تركيعنا" وسنشكوه دوليا
أكد رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان، مراد المسعودي، أنهم يسعون إلى تدويل قضية حل المجلس الأعلى للقضاء عبر تقديم شكاوى إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والاتحاد العالمي للقضاة والمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان.
وأوضح المسعودي في حوار مع "الاستقلال" أن هذه الخطوة تعد مسارا عاديا للشكوى نظرا لمصادقة الجمهورية التونسية على اتفاقيات تتعلق باستقلال السلطة القضائية.
وأشار إلى أن الرئيس قيس سعيد أراد عبر حل المجلس الأعلى للقضاء، السيطرة على القضاء وتركيعه حتى يسهل استعماله في الانتقام من معارضيه وحل الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام المعارضة.
ولفت المسعودي إلى أن تشكيل مجلس مؤقت للقضاء سينتج عدالة ضعيفة وتابعة وقابلة للتوجيه والتسيير، ولن تكون الاستقلالية الشخصية للقضاة كافية لتحقيق العدالة ما يعرض السلم الاجتماعي للخطر.
وأضاف أنه طالما كان القاضي يعمل في إطار منظومة تطغى عليها السلطة السياسية وتتحكم في مساره المهني، سيكون القرار القضائي قابلا للتطويع.
وشدد على أنه لم يكن يوجد فساد منظم في القضاء التونسي كما ادعى سعيد، باستثناء حالات فردية، وكان يتصدى لها المجلس الأعلى للقضاء، بإصدار قرارات تأديبية يعلن عنها دوريا.
وفي مطلع فبراير/ شباط 2022، أعلن قيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء زاعما أنه "يخدم أطرافا معينة بعيدا عن الصالح العام"، وعقب ذلك بأيام وقع مرسوما باستحداث "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء".
والجمعية التونسية للقضاة الشبان مستقلة ومعنية بالدفاع عن استقلال القضاء، وينخرط فيها جميع القضاة على اختلاف رتبهم، وتضم في هيكلتها مجلسا للحكماء كهيئة استشارية.
طبيعة الأزمة
كيف بدأت الأزمة بين الرئيس والقضاة؟
بدأت الأزمة بطلب رئيس الجمهورية من المجلس الأعلى للقضاء تبرير مشروع الصلح الجزائي الذي اعتبره حلا لبعض المشكلات رغم عدم توفر شروطه القانونية.
وأراد تكريس ما يسميه بالتغيير الشامل حيث عمد عند استقبال رئيس المجلس الأعلى للقضاء بقصر قرطاج إلى طلب حل المجلس نفسه بنفسه.
وجاء مطلب حل المجلس نفسه بنفسه، لإجراء "إصلاحات" يقتضيها تغيير النظام السياسي، معللا ذلك بإرادة الشعب والدعوات المتكررة عبر فيسبوك إلى "تطهير القضاء".
والحقيقة أن هذه الدعوات صادرة عن منحرفين وكل الناقمين على القضاء، نظرا لعدم وجود فساد منظم في القضاء التونسي، باستثناء حالات فردية، وكان يتصدى لها المجلس بإصدار قرارات تأديبية يعلن عنها دوريا.
ما الدوافع الحقيقية لحل المجلس الأعلى للقضاء؟
حل المجلس الأعلى للقضاء وخلافا لما يبدو عليه الأمر له دوافع سياسية ولا علاقة له بأي رؤية إصلاحية.
فرئيس الجمهورية لم يقم سوى بعمليات الحل والهدم لمؤسسات الدولة كافة، ولم يعقب ذلك عمليات بناء أو إصلاح وذلك لغياب أي مشروع إصلاحي.
هل قرار الحل يتوافق مع الدستور؟
قرار حل المجلس الأعلى للقضاء خلافا لحل الحكومة وتجميد البرلمان لا يستند إلى أي نص دستوري أو قانوني.
ومن الغريب أن يقع حل، سلطة دستورية تأسيسية تستمد وجودها من الدستور ومنظمة بقانون أساسي، بواسطة مراسيم وقتية قام مصدرها بتحصينها من الإلغاء حتى تكون غير قابلة للطعن فيها بواسطة المحكمة الإدارية.
هل هذا التحصين دستوري؟
بالطبع غير دستوري وغير اعتيادي، إذ إن المراسيم قابلة بطبيعتها للطعن عند مخالفتها الدستور أو القوانين.
لكن رئيس الجمهورية خالف القاعدة بأن قلب سلم القوانين، فأصبح أدناه هو أعلاه، فجعل للمراسيم التي هي في الواقع أدنى القواعد القانونية قوة ومكانة.
كما أن المراسيم تتخذ في حالة الاستثناء التي تكون محددة وقصيرة وفي مجالات معينة تتعلق بالخطر الداهم.
لكن ما أسماه الرئيس بحالة الاستثناء أصبح حالة دائمة وطويلة المدى، ومست بالتنظيم الدستوري للدولة والذي يستوجب ألا يتم تغييره إلا عبر الاستفتاء الشعبي.
شعبوية رئاسية
كيف تنظر لاتهامات الرئيس للمجلس الأعلى للقضاء والقضاة بالفساد؟
اتهامات الرئيس للمجلس الأعلى للقضاء والقضاة بالفساد لا تستند الى أية معطيات واقعية أو قانونية بل فقط إلى آراء انطباعية وردود فعل لبعض المتنازعين الذين يرون من وجهة نظرهم أن القضاء قد ظلمهم.
وهي نزعة تطغى عليها "الشعبوية" أكثر من التحليل الموضوعي أو القانوني، لكن رئيس الجمهورية استغل هذه الآراء والدعوات القليلة والمتفرقة، لتبرير حل المجلس الأعلى للقضاء.
وقبل ذلك شرع في حملة توجيه اتهامات جزافية للقضاة دون دليل، ولم يقم الحجة ولو مرة واحدة على صحة مزاعمه.
كل ذلك رغبة في السيطرة على القضاء وتركيعه حتى يسهل استعماله في الانتقام من معارضيه وحل الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام المعارضة.
هل للقرار آثار مباشرة على حقوق التونسيين عموما؟
قرار حل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي وإرساء "مجلس أعلى مؤقت للقضاء " سيؤثر في علاقة المواطن بالقضاء وسيجعل المواطن يفقد الشعور بالأمان والعدالة.
نظرا لكونه فقد المنظومة القضائية المستقلة والقوية، لتحل محلها منظومة تابعة لرئاسة الجمهورية والحكومة ووزير العدل يتحكمون بها وفقا لمصالحهم.
وهذا سيجعل الثقة في القضاء والأحكام تتراجع من جهة، ومن جهة أخرى سيبدو القضاء فاقدا للحياد إزاء معارضي النظام وهم كثر ويواجهون قضاء يمكن لرئيس الجمهورية أن يتحكم في المسار المهني لمنتسبيه بجرة قلم.
كيف ترى القرار في ميزان العدالة التونسية وما تأثيره؟
القرار سينتج عدالة ضعيفة وتابعة وقابلة للتوجيه والتسيير، ولن تكون الاستقلالية الشخصية للقضاة كافية لتحقيق العدالة ما يعرض السلم الاجتماعي للخطر.
طالما كان القاضي يعمل في إطار منظومة تطغى عليها السلطة السياسية وتتحكم في مساره المهني، سيكون القرار القضائي قابلا للتطويع.
وعلى مستوى آخر سيؤثر هذا القرار في الاستثمار إذ لا تستطيع أي مؤسسة أجنبية أن تطمئن لقضاء تسيره يد الساسة.
ما دور الجمعية التونسية للقضاة الشبان إزاء هذه المزاعم؟
ستسعى جمعية القضاة الشبان إلى كشف بعض الحقائق المتعلقة بالقضايا التي اعتمد عليها الرئيس للتدليل على تباطؤ القضاء وتقصيره.
إضافة إلى كشف الأكاذيب التي استند إليها والمغالطات التي اعتمدها لضرب القضاء وحشد مناصرين خلفه وسيكون ذلك في الأيام القليلة المقبلة.
إجراءات مستقبلية
هل يجرى التواصل مع قوى سياسية أو اتحاد الشغل التونسي لتعطيل القرار؟
في الواقع إننا لم ننسق مع أي أحزاب أو منظمات وطنية كاتحاد الشغل، لكن يبدو أن المقاومة التي أبداها القضاة شجعت الأحزاب وأعضاء البرلمان المجمد على النهوض من جديد والسعي إلى استرجاع مكانتهم.
بعد 25 يوليو لم نر سياسيا أو برلمانيا يتكلم، أما الآن وقد تم المس بالقضاء وفهم الجميع أن وضع اليد على القضاء سيؤثر في وجود أحزابهم ومصالحهم، فقد زادت تحركاتهم واستعملوا شعار القضاء المستقل، لأن معايير استقلال القضاء دولية يجتمع حولها الجميع.
نحن في جمعية القضاة الشبان نسعى إلى تدويل القضية وتقديم شكاوى إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين والاتحاد العالمي للقضاة والمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان.
وهي مسارات عادية للشكوى نظرا لمصادقة الجمهورية التونسية على اتفاقيات تتعلق باستقلال السلطة القضائية ومخالفة قرار حل المجلس لهذه الاتفاقيات.
في هذه المرة اتحاد الشغل أعلن ولاءه لرئيس الجمهورية وموقفه متردد ولم يكن الطرف الذي يقرر ويجر خلفه الجماهير بل فقط يتتبع حركات العمال فإذا حدث انقلاب جذري ضد قيس سعيد سنجد الاتحاد ضده أيضا.
ما الإجراءات المستقبلية من القضاة التونسيين؟
أهم إجراء يجب توخيه هو توحيد وجهات نظر الهياكل القضائية وتجميعها ضمن اتحاد قوي ومتماسك، لضمان نجاعة التحركات والاجتماع حولها.
وسيكون العمل على مرحلتين، في الأولى ستسعى جمعية القضاة الشبان إلى رصد أراء الأعضاء المعينين بالمجلس الأعلى المؤقت سواء كانوا متقاعدين أو معينين بصفاتهم.
ويأتي الرصد بهدف تحميلهم المسؤولية التاريخية في خرق أحكام الدستور والانقلاب عليه، بغية رفض الامتناع عن الانخراط فيه، وبالتالي قتل فكرة هذا المجلس الذي وصفناه بالكيان المشوه أو البناء الفوضوي في المهد.
وفي حال فشل هذه الخطة يتم المرور إلى مرحلة المواجهة المباشرة وذلك عبر جميع أشكال التحرك اللازمة دون تحديد سقفها من خلال إعلان الإضراب المفتوح أو الاستقالة الجماعية.
هل هناك إجراءات قانونية ضد القرار؟
قام رئيس الجمهورية بتحصين المراسيم من الطعن، لأنه يعلم جيدا أنه سيقع إلغاؤها ولكن سنتوجه إلى مجلس نواب الشعب الذي يعتبر طبقا للفصل 80 من الدستور في حالة انعقاد دائم، بطلب إلغاء هذا المرسوم اللادستوري وغيره من المراسيم التي تعلقت بالسلطة القضائية.
وسنواصل العمل مع بقية منظمات المجتمع المدني لإرجاع الأمور الى ما كانت عليه وترتيب آثار الفوضى التي تركها نظام قيس سعيد في السلطة القضائية.
ما فعله رئيس الجمهورية اعتبرناه مندرجا في إطار ”الثورة المضادة على القضاء“ باعتباره قام بإرجاع القضاء إلى وضعية أسوأ من الوضعية التي كان عليها قبل ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، وهذا الأمر لن يقبله أي قاض وخصوصا الشبان.
ونؤكد أن المرسوم الصادر لتنظيم ما يسمى بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء فاقد للشرعية لمخالفته الصريحة لمقتضيات الدستور في بابه المتعلق بالسلطة القضائية واعتباره تبعا لذلك من قبيل المعدوم.
كما أنه يندرج تحت قلب نظام الحكم الذي يعد جريمة وفق القانون التونسي.