عبر تشويه القيم الإسلامية.. كيف يخدم إبراهيم عيسى نظام السيسي سياسيا؟

12

طباعة

مشاركة

لطالما أثار الصحفي المصري إبراهيم عيسى، جدلا واسعا عبر تشويه الإسلام وأصوله ورموزه، إلا أن ما نحاه في إنكاره الأخير لمعجزة معراج النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء، مثل قمة ما وصل إليه من الكذب والافتراء والتدليس.

وعبر فضائيات يدفع له فيها آلاف الدولارات حاليا مثل "الحرة" الأميركية، و"القاهرة والناس" المحلية، دأب عيسى على اختلاق قضايا تشوه صورة الإسلام؛ ووصل به الأمر مؤخرا إلى التجرؤ على نساء صعيد مصر المحافظات، زاعما أنهن كن يلبسن "المايوه" قبل عقود.

تحول مريب

وكما صعد للواجهة كصحفي معارض لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وعرف بانتقاده لحكم الرئيس الراحل محمد مرسي؛ حاول عيسى الظهور كمعارض لرئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، لكن سرعان ما تم إيقاف برنامجه في "القاهرة والناس" مطلع 2017، ما دفعه لترك الحديث عن السياسة والتفرغ للقدح في الإسلام.

وبدا النظام داعما لأكاذيب عديد من الشخصيات المثيرة للجدل من الكتاب العلمانيين والليبراليين الذين يشككون في التراث الإسلامي ورموزه التاريخية ويتصدرهم عيسى.

وبدأ عيسى، هوايته في الهجوم على العقيدة منذ أن كان صحفيا في صحيفة "روز اليوسف"، وأوغل في التطاول على الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام، ووصفهم بأنهم "أجرموا وأراقوا الدماء"، فيما خاض في سيرة وكتب أئمة الإسلام موجها الكثير من الاتهامات لصحيح البخاري.

وواصل عيسى تهكمه على الإسلام، مستهزئا بالأذان، والقرآن الكريم، وادعى تخصيص جزء من بيت مال المسلمين للخمر، ومتهما المدينة المنورة بأنها لم تكن مثالية وكان بها بيوت لأصحاب الرايات الحمر، وأنكر فرض الحجاب.

كما اتخذ عيسى من ملف العداء بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام فرصة للتقرب إلى الأخير وإثبات الولاء، إذ لا تكاد تخلو حلقة من برامجه من الحديث عن الجماعة، موجها لها الاتهامات بالإرهاب وتخريب الحياة الدينية والسياسية.

لكن عيسى انزلق في 18 فبراير/ شباط 2022 إلى حد غير مقبول من الإفك بحق الدين الإسلامي عبر برنامجه "حديث القاهرة" بفضائية "القاهرة والناس"، إذ زعم أن معجزة "المعراج" قصة وهمية، وأنه حدث "دعائي وغير حقيقي".

أبو حمالات، كما يسميه كثير من المصريين ادعى أيضا أن حديثه يأتي وفقا لكتب بالسيرة والتاريخ والحديث، متهما علماء الإسلام بأن "نسبة الكذب في قصصهم 99 بالمئة"، ومدعيا أن "المسلم عام 2022، لا يحتاج لشيخ في حياته".

وفي مقطع سابق بذات الفضائية، في 15 فبراير 2022، أغضب عيسى ملايين المصريين بزعمه أن جداتهم وأمهاتهم بالصعيد المعروف بالالتزام بالقيم الدينية، كن يلبسن المايوه والتنورات القصيرة والملابس المفتوحة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.

غضب واستنكار

وكالعادة أثار حديثا عيسى، استنكارا واسعا، ودعوات لوقف برامجه والفضائية التي يعمل بها، مع بلاغات بالتحقيق معه، إحداها للمحامي محمد رشوان الذي أعلن عبر "تويتر" عن بلاغه، فيما قرر النائب العام التحقيق بجميع البلاغات ضد عيسى.

وجاء رد الأزهر الشريف قاطعا بأن "معجزة الإسراء والمعراج ثابتة بالقرآن والسنة ولا يقبل تفصيل أحكامها من مثيري الفتن وعديمي المصداقية".

فيما ردت دار الإفتاء، مؤكدة ثبوت أدلة المعراج ووقوع أحداثه بإجماع المسلمين "بما لا يدع مجالا لتشكيك طاعن، أو تحريف مرجف"، متهمة عيسى بافتعال الأزمات وإثارة الفتن.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي تفاعل الغاضبون عبر هاشتاغات "#إبراهيم_عيسى"، و"#حذف_قناة_القاهرة_والناس".

بعض رجال عهد مبارك، وبعض أنصار السيسي، انتقدوا عيسى، وبينهم علاء مبارك نجل الرئيس الأسبق، الذي خاطب عيسى قائلا: "مع رسول الله نلتزم الأدب".

وأكد الإعلامي مصطفى بكري أن "عيسى يواصل أكاذيبه وادعاءاته بهدف التشكيك وإثارة الفتنة في البلاد".

حالة الغضب التي أثارها عيسى دفعت الممثل مصطفى درويش، في 19 فبراير 2022،  للاعتذار عن استكمال دوره بفيلم "الملحد"، الذي كتبه عيسى، قائلا: "لا أقبل أن أكون أداة في الحرب ضد ديني"، معتبرا أنها "حرب ممنهجة".

لكن ناشطين ومراقبين يرون أن ما يثيره عيسى الآن بحق المعراج ومايو الصعيديات، توجيه سياسي مقصود، من أجل شغل المصريين عن أزماتهم، خاصة وأن حديثه يتزامن مع إعلان إثيوبيا بدء توليد الكهرباء من "سد النهضة" واستعدادها للملء الثالث.

وكتب الصحفي جمال سلطان بـ"فيسبوك": "يبدو أن (الأجهزة السيادية) أوكلت له مهمة جديدة"، فيما قال الكاتب سليم عزوز: "تبين أن موضوع إبراهيم عيسى للتغطية على موضوع كبير".

وهو ما نحا إليه عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ محمد الصغير، مؤكدا أن ما يثيره عيسى من أباطيل وأكاذيب هي لشغل الناس بترهاته عن قضايا كبرى وكوارث تمر، وأنه يؤدي دورا ومهمة.

صعود عيسى

وعيسى، من مواليد 1965  بمحافظة المنوفية (وسط مصر)، وتخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1987.

وعمل ببعض الصحف المصرية، ورأس تحرير "الدستور" التي أصدرها عام 1995، و"صوت الأمة"، و"التحرير"، وأخيرا "المقال".

وكتب كثيرا من المقالات السياسية والدينية الجريئة، وألف نحو 35 كتابا ومجموعة قصصية ورواية.

وأثار عيسى الجدل مبكرا بعد 4 سنوات من تخرجه حين أصدر عام 1991، روايته الثانية "العراة"، التي صودرت عام 1992، إثر إعلان الأزهر أنها تتجرأ على مناطق أخلاقية ودينية.

ليواصل إصدار كتب تتناول بؤرا مثيرة بتاريخ الإسلام منها "دم الحسين" في نفس العام.

وفي 1993، بدأ عيسى هجومه على شخصيات إسلامية كالشيخ محمد متولي الشعراوي، وغيره، لكنه وفي إنتاج غزير خلال عام واحد كتب "عمائم وخناجر"، و"أفكار مهددة بالقتل"، ثم "مريم التجلي الأخير"، و "الجنس وعلماء الإسلام"، و"الحرب بالنقاب".

وأكمل سلسلة تجرأه على الفكر والفقه والشريعة الإسلامية عام 1994، بكتاب "فصل الخطاب في ارتداء الحجاب"، و"الحرية في سبيل الله".

وخلال نشاطه الذي لا يهدأ حدثت انتقالة كبيرة بحياة عيسى، وظهر كمعارض للنظام وزادت جماهيريته إثر الحكم عليه بالسجن لمدة عام في يونيو/ حزيران 2006، جرى إلغاؤه لاحقا، إثر مقال كتبه عن فساد نظام مبارك.

لكنه، وفي سياق مواصلة استهدافه الشخصيات التاريخية الإسلامية أصدر عام 2007 كتاب"رجال بعد الرسول"، و"الإسلام الديمقراطي"، في 2008، ورواية "مولانا" في 2012، التي تحولت إلى فيلم سينمائي في 2016، العام الذي كتب فيه "رحلة الدم".

وإثر ما حققه فيلم "مولانا" من جدل واسع بشأن تناوله لشخصية الداعية المتناقضة أفعاله مع أقواله، وفي 2020، قدم فيلم "صاحب المقام"، معليا فيه شأن الإسلام الصوفي مدعيا أنه الإسلام الصحيح.

وهو ما يتوافق مع توجهات قوى ودول ومؤسسات دولية وإقليمية بينها رأس النظام ودولة الإمارات ومؤسسة "راند" الأميركية المقربة من صناع القرار بواشنطن، بشأن دعم الإسلام الصوفي بمواجهة الإسلام السياسي وتيار السلفية.

وطالما أثار عيسى حفيظة الغيورين على الدين الإسلامي بما قدمه عبر فيلمي "مولانا"، و"صاحب المقام"، وذلك إلى جانب فيلم "الملحد"، الذي يجري تصويره في فبراير 2022، والذي يبدو من اسمه أنه سيثير جدلا جديدا من نوع آخر.

على الجانب الآخر، ورغم أن فيلم "أصحاب ولا أعز"، الذي قدمته شبكة "نتفليكس" في يناير/ كانون الثاني 2022، أغضب ملايين العرب لما يتناوله من دعوة لقبول الشذوذ الجنسي والزنا خارج إطار الزواج، إلا أن عيسى أشاد به ودافع عن منى زكي بطلة العمل.

سجالات عيسى

ونهاية عام 2014، وبينما لم تتضح معالم الصراع القائم في عهد السيسي بينه وبين الأزهر، بدأ عيسى مبكرا الهجوم على المؤسسة وشيخها أحمد الطيب، متخذا من فتوى عدم تكفير عناصر "تنظيم الدولة" منطلقا لهذا الهجوم، لافتا نظر النظام وأجهزته إلى أن الإمام الأكبر يخالف توجهاتهم.

حينها اتهم عيسى الطيب بأنه يؤمن بنفس أفكار التنظيم الذي تصنفه مصر وأغلب الدول كجماعة إرهابية، ليتابع الإعلامي هجومه خلال فبراير/ شباط 2015 على الأزهر، متهما إياه بتوفير "البيئة الحاضنة للإرهاب".

ورغم إيقاف النظام برنامج عيسى بـ"القاهرة والناس" عام 2017، لمعارضته التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية؛ عاود النظام الاستعانة به للعمل بفضائية "أون" و"إكسترا نيوز" المملوكتين لجهات سيادية، واللتين اتخذهما منبرين للهجوم على جماعة الإخوان المسلمين.

ودعا عيسى ببرامجه الدولة لمنع مظاهر تدين الشارع والمدارس والجامعات، وخاصة الحجاب، مطالبا بعدم عقاب مفطر رمضان، كما طالب بحرية المعتقد الديني والإلحاد.

في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019،  دعا عيسى لوقف إنتاج مسلسل عن القائد والصحابي خالد بن الوليد، مدعيا أنه ليس وقت الغزوات واستعادة الخلافة، داعيا لإنتاج أعمال عن تاريخ مصر وضد من دعاهم بـ"المتاجرين بالدين والخلافة".

وصل هجوم عيسى إلى شخص القائد ومحرر القدس من الصليبيين صلاح الدين الأيوبي، مدعيا في أبريل/ نيسان 2020، أنه "سفك من دماء المسلمين أضعاف الصليبيين".

وفي مايو/ أيار 2020، طال تطاوله على الرموز الإسلامية الخلفاء الراشدين، نافيا أن تكون فترة حكمهم مثالية أو جنة الله على الأرض، زاعما أن "الصحابة حكموا كالملوك، والصراع الذي حدث بينهم ورثناه نحن حتى اليوم، وهو ميراث لا ينتهي".

وفي 20 سبتمبر/ أيلول 2021، وأثناء فعاليات إطلاق السيسي الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، طالب عيسى بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية المصرية، كما دعا النظام لوقف تدريس النصوص الدينية الإسلامية.

ذهب عيسى حد ممالئته السلطة إلى تبني وجهة نظر السيسي حينها عن الزيادة السكانية، داعيا إياه لعدم تعليم الطفل الثالث على حساب الدولة.

تحول وهروب

العديد من الكتاب والمراقبين تحدثوا عن تحولات عيسى السياسية وابتعاده عن انتقادات النظام الحالي والهروب إلى النقد اللاذع لكل ما هو إسلامي بما يخدم ويتوافق مع مصلحة النظام.

وفي مقال بعنوان "تقلبات إبراهيم عيسى لا تقف عند حد"، في 7 يناير 2017، تساءل الكاتب الكويتي حمزة عليان: من يقف خلف إبراهيم عيسى؟ وأي جهاز أو سلطة تحميه؟ وما الجهة التي يستند إليها وتمكنه من قول ما لا يستطيع الآخرون قوله؟

الكاتب الأردني سامح المحاريق، كتب أيضا في 17 فبراير 2022 مقالا عن عيسى بعنوان: "إبراهيم عيسى وشهوة دور البطولة والأستاذية".

وأكد أنه "يناصب التراث عداء جذريا متعصبا، ويظهره بوصفه متعصبا ليبراليا، لا يمنعه أو يردعه شيء عن التحالف مع السلطة، بعد تسويق مشروعه المتخيل حول دولة مدنية لا يعرف منها إلا أنها دولة تنبذ الدين وتقصيه إلى الوراء".

وأضاف: "أما عن بقية مستلزمات هذه الدولة من حرية وديمقراطية فعيسى يمكنه أن يمنحها صكوك المغفرة، ويلقي بنفسه في خضم تحالفات السياسة وتسوياتها وتنازلاتها".

الكاتبة الصحفية مي عزام، لامت عيسى أيضا على تنقيبه بكتب الأقدمين كي يشغل المصريين عن الحاضر والمستقبل، متعجبة من كذبته عن المعراج، وعدم تكذيبه للسيسي حينما قال إن الله تعالى كلمه.


وفي رؤيته عن عيسى، قال الكاتب والباحث أسامة الهتيمي: "لنقر أولا أن هراءات إبراهيم عيسى ليست حديثة؛ وأن سقطاته اتسمت بالفجاجة منذ أكثر من عقد ونصف العقد، هذا إن حصرناها بجانبيها الديني والفكري".

وأضاف لـ"الاستقلال": "للرجل سقطات سياسية وأخلاقية سابقة على ذلك بسنوات، لكنها لم تكن عائقا أمام انتشار وذيوع أفكاره بكل أسف، بل كانت سببا لاكتسابه زخما إعلاميا منحه فرص ارتقاء العديد من المنابر الإعلامية".

وأوضح الهتيمي أن سقطات عيسى، "توافقت مع ما تريده بعض القوى السياسية والفكرية بالداخل والخارج تحت دعاوى خادعة وزائفة؛ الأمر الذي وعاه جيدا فأمعن فيه ودندن عليه لتلبية المزيد من طموحاته المالية والإعلامية".

وتابع: "الحقيقة أن سقطات عيسى ليست جديدة؛ فهي إعادة إنتاج لشبهات ما فتئ يثيرها بين الحين والآخر زنادقة العصور القديمة وعلمانيو العصر الحديث".

"ومن ثم فإنه ليس كما يروج عن نفسه مفكر ومجتهد، بل لا يعدو عن كونه ببغاء يردد ما سبق، متجاهلا ردودا شرعية وعقلية فندت هذه الهراءات وكشفت أن لا أساس لها من الصحة".

الباحث المصري أوضح أيضا أن "الرجل وكغيره من بقية مثيري الشبهات يستغلون مناخا سياسا وفكريا خاصا انعكست أجواؤه بشكل سلبي ليس على من يمكن أن يتصدر لشبهاته ويكشف تهافتها، فهذا تقوم به بعض المؤسسات الدينية والعلمية كالأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية".

"ولكن على حجم وتعدد منابر الرد والتفنيد وزخمها الشعبي، تتاح لعيسى العديد من المنابر بشكل مباشر عبر برامجه المتعددة أو غير مباشر خلال مرددي أفكاره بالعديد من القنوات والصحف ذات الرواج والإمكانيات الضخمة"، يضيف الهتيمي.

ولفت إلى أنه في الوقت نفسه "لا تنشر بيانات الأزهر والمؤسسات الأكاديمية إلا بمواقع التواصل الاجتماعي".

وخلص الهتيمي إلى أن "الحيثيات السابقة شجعت عيسى وأشباهه على ترويج المزيد من السقطات والمغالطات دون التخوف من أن تكون جهود تفنيدها والرد عليها وفضح ما احتوته من تناقضات وأكاذيب بنفس مستوى الترويج لها".

وختم بالقول: "وذلك فضلا عن عدم تردده وأشباهه في استخدام سيف الإرهاب الفكري لكل من تسول له نفسه ويتجرأ لمناطحته، الأمر الذي كان له أثره أيضا في العديد من أهل التخصص والعلم للقيام بدورهم المنوط بهم".