حفاوة رئيس السلفادور بأردوغان.. هكذا أظهرت توغل تركيا في أعماق أميركا اللاتينية
أحدثت زيارة رئيس السلفادور نجيب بوكيلة الأخيرة إلى تركيا زخما جديدا في العلاقات بين أنقرة وأميركا اللاتينية، إذ اعتبرت اختراقا في واحدة من أهم دول القارة، بعدما لم تكن توجد صلات بين البلدين من قبل.
وكان الراحل سليمان ديميريل (1993-2000) أول رئيس تركي على الإطلاق يسافر إلى أميركا اللاتينية، عندما أجرى زيارة رسمية عام 1995 إلى الأرجنتين والبرازيل وتشيلي، تزامنا مع إنشاء أنقرة ما عرف بخطة العمل لأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.
وبعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في 2002، تبلورت أبعاد جديدة للعلاقات التركية اللاتينية، خاصة عام 2006 مع إعلانه كعام أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في تركيا، إذ بدأت خطوات جادة لتكثيف العلاقات الثنائية.
وبينما أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولات متعددة في القارة اللاتينية، توافد أيضا زعماء هذه البلدان إلى تركيا لتأصيل المصالح المتبادلة، فما الذي يمكن أن تكتسبه أنقرة من هناك؟ وما هي إستراتيجيتها تجاه دول القارة؟ وبالتبعية ماذا يمكن أن تجنيه تلك الدول من تركيا؟
دعوة رسمية
في 19 يناير/ كانون الثاني 2022، وبناء على دعوة رسمية من الرئيس أردوغان، وصل نجيب بوكيلة إلى أنقرة، في زيارة الأولى من السلفادور إلى تركيا على المستوى الرئاسي.
وأفادت دائرة الاتصال بالرئاسة التركية في بيان بأن البلدين يبحثان العلاقات الثنائية بأبعادها كافة، والتطورات الدولية والإقليمية، في مقدمتها الوضع بأميركا الوسطى.
وخلال المؤتمر الصحفي مع نظيره أردوغان، في أنقرة، قال بوكيلة إن بلاده قد تمتلك قمرها الصناعي الأول بفضل التقنيات التركية.
وأشار إلى ازدياد حجم التجارة بين تركيا والسلفادور بنحو 80 بالمئة في عام 2021، مؤكدا أنه من الممكن تحقيق هدف 500 مليون دولار خلال عدة سنوات في حال استمرار الزيادة بنفس الوتيرة.
كما لفت إلى إبرام اتفاقيات كثيرة بين بلاده والشركات التركية في مجالات متنوعة مثل الموانئ، والطائرات المسيرة، والصناعات الدفاعية، ومعدات الملاحة الجوية.
من جانبه، رحب أردوغان برئيس السلفادور، ووصف الزيارة بـ"التاريخية"، موضحا أنهم يتابعون عن كثب الخطوات التي تتخذها السلفادور أخيرا في مجال السياسة الخارجية خلال فترة رئاسة بوكيلة.
كما لفت إلى أن بوكيلة ينحدر من عائلة أصلها فلسطيني، ويطلق عليه في بلاده لقب "التركي"، الأمر الذي جعل زيارته إلى تركيا تحمل معنى آخر.
عمق إستراتيجي
ما يوضح مدى العمق الذي مثلته الزيارة، قيام وزيري خارجية البلدين، بافتتاح مبنى سفارة السلفادور لدى أنقرة الذي دخل الخدمة نهاية عام 2021.
وكشف أردوغان أن بلاده ستفتتح سفارتها لدى العاصمة "سان سلفادور" في أقرب وقت، وأنه أصدر تعليماته لوزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو لتحديد موقع للسفارة التركية، وأنه سيجري زيارة قريبة إلى السلفادور لافتتاحها.
ومنذ سنوات جعلت الدبلوماسية التركية جل اهتمامها في القارة اللاتينية، حتى إنه في 21 أبريل/ نيسان 2017، استقبل أردوغان بقصر يلديز، رؤساء وفدي نظام التكامل لأميركا الوسطى- تركيا (سيكا) ومجموعة دول أميركا اللاتينية والكاريبي.
ونشرت وزارة الخارجية التركية، تقريرا عبر موقعها يتضمن رؤية السياسة التركية حيال أميركا اللاتينية والكاريبي وعلاقاتها مع دول المنطقة.
وقالت: "في إطار سياسة الانفتاح التركية على أميركا اللاتينية والكاريبي، منحت الأولوية لتنظيم الزيارات والاجتماعات رفيعة المستوى من أجل تعزيز علاقاتها السياسية مع دول هذه المنطقة، وتوقيع اتفاقيات التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، وتشجيع التجارة، وزيادة التمثيل الدبلوماسي والتفاعل الثقافي".
وأضافت: "كانت الجولة التي أجراها الرئيس أردوغان في فبراير/ شباط 2015 لكل من المكسيك وكولومبيا وكوبا، الزيارة الثانية التي يجريها رئيس جمهورية تركي للمنطقة بعد انقطاع دام 20 عاما".
وأوضحت أن منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي تقدم فرصا مهمة بسكانها البالغ عددهم 629 مليون نسمة، وناتجها المحلي الإجمالي الذي يبلغ (5.3 تريليون دولار أميركي)، والاقتصادات المتنامية فيها كالبرازيل والمكسيك، والموارد الطبيعية الغنية التي تمتلكها.
وتظهر المعطيات الاقتصادية العالمية أن منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي ستدخل مرحلة الانتعاش في السنوات المقبلة، وفق التقرير.
تقارب مقلق
من جانبه، أكد الوزير تشاووش أوغلو، في 21 يناير 2022، في كلمته خلال افتتاح معرض "العلاقات التركية مع دول أميركا اللاتينية في الذكرى 200 لاستقلالها" بمدينة إسطنبول، أن بلاده تهدف لتعزيز علاقاتها مع دول أميركا اللاتينية في المستقبل.
وحضر الافتتاح كل من سفراء البرازيل، وغواتيمالا، وكوستاريكا، والمكسيك، وبنما، وبيرو، فضلا عن رئيس أرشيفات الدولة في الرئاسة التركية أوغور أونال.
والسياسة التركية المتقدمة في تلك الدول مقلقة لكثير من القوى، وهو ما أوردته صحيفة "القدس العربي" اللندنية في تقرير أصدرته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.
وقالت الصحيفة: "تشهد أميركا اللاتينية ومنذ سنوات صراعا دينيا إسلاميا بين إيران والسعودية، وتنضم الآن تركيا التي احتضنت مدينتها إسطنبول قمة زعماء الإسلام في أميركا اللاتينية".
وأضافت أن "الصراع يتخذ أبعادا إستراتيجية بسبب ارتباطه الوثيق بأجندة الدول الثلاث لتعزيز نفوذها، وهي تقلق كثيرا الكنيسة الكاثوليكية والإنجليكانية علاوة على دول غربية مثل الولايات المتحدة".
أدوار متعددة
الداعية الإسلامي عبد الملك سماحة، إمام أحد المراكز الإسلامية بمدينة "ساو باولو" البرازيلية، تحدث عن الدور والوجود التركي في أميركا اللاتينية ومدى أهميته للجاليات الإسلامية هناك، ولشعوب تلك المناطق أيضا.
وقال سماحة لـ"الاستقلال" إنه في الآونة الأخيرة والسنوات الماضية تراجع دعم البلاد الإسلامية للمجتمعات والمراكز الإسلامية والأنشطة في لاتينيا (أميركا الجنوبية) وخف دور الدعاة بشكل واضح، ما كان له أثر سلبي مباشر على الإسلام هنا.
وأضاف لكن تركيا لعبت دور المنقذ عندما أمدت الدعوة بالأئمة والخطباء، وقامت بدعم المراكز الإسلامية في العواصم الكبرى مثل ساو باولو وسانتياغو وبيونس آيريس وغيرها.
واستطرد كذلك عملت على ترميم المساجد القديمة المتهالكة وإنشاء مساجد جديدة في أماكن بعيدة، كان يصعب الوصول إليها.
وأوضح الداعية الإسلامي الدور الآخر الذي تلعبه أنقرة تجاه الشعوب نفسها، من خلال المساعدات والخدمات، التي تقدمها منظمات الإغاثة التركية، في مساعدة الفقراء والمحتاجين وعمل توءمة مع المدن والبلديات، وهو ما جعل شعبية تركيا ترتفع كثيرا بين شعوب المنطقة.
وذكر أن "هناك حالة أخرى ساهمت في ذلك وهي المسلسلات التركية، مثل (قيامة أرطغرل) ووصف مدى حب المشاهدين لها بالهوس خاصة مع ترجمتها إلى الإسبانية والبرتغالية، وقال "حتى السيوف والطاقية والزي العثماني يباع هنا على سبيل الفانتازيا".
واستطرد هناك أيضا إعجاب بتركيا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، حيث ارتفعت شعبية الرئيس أردوغان بشكل كبير، خاصة وأن جميع دول أميركا الجنوبية تعاني من الانقلابات العسكرية وهواجسها، واستشعروا أن إفشال الانقلاب وهزيمته بمثابة انتصار لهم.
"لذلك يسعون كقادة وشعوب إلى استلهام التجربة التركية والتفاعل معها، وهو ما تستغله تركيا على المستوى السياسي، وتفتح لنفسها نوافذ هنا"، وفق سماحة.
ويتفق مع هذا الطرح، تغريدة نشرها بوكيلة باللغة التركية عبر تويتر عقب زيارته مرفقة بمقطع مصور يتضمن مشاهد من زيارته إلى تركيا.
وكتب: "تركيا بلد جميل وناسها طيبون، شعرت بالسعادة والفخر في نفس الوقت لأنني أصبحت شاهدا على الحماية الكبيرة لأمانة مصطفى كمال أتاتورك وإرث الإمبراطورية العثمانية".
Un pequeño resumen de nuestro viaje a Turquía.
— Nayib Bukele ���� (@nayibbukele) January 25, 2022
Ah Türkiyem! Güzel insanların güzel ülkesi…
Mustafa Kemal Atatürk’ün emanetine, Osmanlı İmparatorluğu’nun hazinesine bu denli sahip çıkılmasına şahit olmak beni hem mutlu etti hem de gururlandırdı… �������� pic.twitter.com/FJMe7pkvmH
المصادر
- رئيس السلفادور: قد نمتلك أول قمر صناعي بفضل تقنية تركية
- رئيس السلفادور يزور تركيا تلبية لدعوة أردوغان
- أردوغان: زيارة الرئيس السلفادوري لتركيا نقطة تحول جديدة في العلاقات بين بلدينا
- السياسة التركية حيال أمريكا اللاتينية والكاريبي وعلاقاتها مع دول المنطقة
- تركيا تنضم إلى منافسة إيران والسعودية في نشر الإسلام لأسباب دينية واستراتيجية في أمريكا اللاتينية
- الرئيس أردوغان يستقبل رؤساء وفدي نظام التكامل لأمريكا الوسطى- تركيا (سيكا) ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي