رغم تجريم نظام السيسي تداولها.. لماذا يتجه المستثمرون في مصر إلى البيتكوين؟

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

جاءت مصر في صدارة الدول العربية الأكثر استخداما للعملات المشفرة بأكثر من 1.7 مليون مستخدم، وفقا لموقع "TripleA" المتخصص، لتعكس عدم ثقة المصريين في عملتهم المحلية أو اقتصادهم، إلا أن هذه العملات لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد المصري.

يأتي ذلك رغم تجريم البنك المركزي المصري استخدام عملة البيتكوين من قبل أي شخص، وفي أي حالة كانت، مع وضع عقوبات بالتغريم والحبس في حالة الترويج أو إدخال العملات الإلكترونية في أية تعاملات تجارية.

وذلك عبر قانون رقم 196 المصري الصادر في عام 2020، الحاسم بمنع استخدام العملات الإلكترونية أو ما يسمى بالبيتكوين داخل حدود الدولة في أي مكان وذلك طبقا للمادة رقم 206 في قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي.

وتصل عقوبة استخدام العملات المشفرة في مصر وفق القانون إلى الحبس (غير محدد المدة) وتغريم المستخدم بغرامة يبدأ قدرها من مليون جنيه مصري ولا تزيد عن العشرة ملايين.

استثمار بديل

لكن رغم كل تلك العقوبات، يبحث المستثمرون عن منافذ لتوجيه أموالهم، خاصة في ظل توغل الدولة بقيادة الجيش في الاقتصاد المحلي، ومزاحمة القطاع الخاص، بل واعتقال رجال الأعمال وأعمدة الشركات الخاصة الكبرى.

وبحسب الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، فإن ما حققه المستثمرون من مكاسب نتيجة المضاربة في العملات المشفرة التي حققت بدورها قفزات كبيرة، جذب أعدادا كبيرة من المصريين لتوجيه أموالهم إلى هذا النوع من المضاربة، خاصة في ظل حالة الركود التي كان يعاني منها الاقتصاد المصري.

وأضاف الصاوي، لـ"الاستقلال"، أن ما يعكس حالة الركود الحاصلة في الاقتصاد المصري هو تقرير مديري المشتريات الذي يصدر كل شهر ويتحدث عن أن أداء القطاع الخاص غير النفطي يعاني حالة ركود على مدار الفترة الماضية باستثناء شهور.

وبالتالي يبحث المستثمرون فيها عن فرص جديدة وبديلة، بالإضافة إلى أن العملات المشفرة لا يجري فرض رسوم أو ضرائب عليها، مما يتيح لهم سهولة التصرف في رأس المال المستثمر وأرباحه.

وأشار إلى أن هذا النوع من الاستثمار يقبل عليه أصحاب الخبرات في البورصة والفوركس.

مؤشر آي.إتش.إس ماركت لمديري المشتريات، المعني بنشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر، يشهد بدوره تراجعا منذ 13 شهرا.

وكان هذا المؤشر شهد تحسنا طفيفا في ديسمبر/كانون الأول 2021 ليصل إلى 49 نقطة أي دون مستوى الـ50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، ما يعكس مدى التقهقر داخل القطاع.

وأوضح الصاوي، أن فكرة تكوين محافظ الاستثمار في العملات المشفرة من بينها البيتكوين داخل مصر خلال الفترة الماضية، عبر وسطاء مقابل نسبة من الأرباح حفزت المستثمرين للإقبال عليها.

وبلغ عدد العملات المتداولة  في السوق العالمية الافتراضية نحو 12379 عملة، حتى يوم 11 يناير/كانون الثاني 2021، وبقيمة سوقية بلغت تريليوني دولار.

بدوره، قال الباحث في الاقتصاد الرقمي، إبراهيم الطاهر، إنه لا يوجد مؤشر حقيقي لأعداد المضاربين على العملات المشفرة أو البيتكوين داخل مصر؛ نظرا لما تتمتع به هذه العملات من سرية تامة.

وأرجع إقبال المصريين على هذا النوع من العملات رغم تجريمه محليا إلى خصائصها من اللامركزية والسرعة والأمان والحرية.

وأشار الطاهر، لـ"الاستقلال"، إلى أن عدد السكان في مصر هو الأكبر عربيا مما يجعلها في مقدمة الدول العربية المضاربة في البيتكوين.

بالإضافة إلى أن القبضة القانونية في مصر ليست بالصلابة التي تمكنها من ملاحقة هذا النوع من المضاربة، وكذلك عدم ثقة المصريين في الجنيه المصري، وبالتالي يلجأ المواطن لهذا النوع للحفاظ على قيمة مدخراته.

كما أن تفشي الفقر داخل مصر وانتشار الفساد الذي يعيق أيا من المشروعات وبخاصة الصغيرة منها ومتناهية الصغر، يدفع المصريين للبحث عن الثراء السريع للخروج من التدهور الاجتماعي والمعيشي عبر المضاربة في هذا النوع من العملات في محاولة لكسب أكبر قدر من المال.

مدخرات واستقطاب

ويؤدي هذا الإقبال على البيتكوين تحديدا والعملات المشفرة عموما من قبل المصريين إلى التأثير على توظيف مدخراتهم داخل الاقتصاد المحلي كونها تسهم في تنشيط مجال بعيد كل البعد عنه، ما يحرم البلاد من الاستفادة من تلك الأموال.  

وأشار الصاوي، أن التقرير الصادر من قبل موقع "TripleA" والذي تحدث عن وجود 1.7 مليون مستثمر في العملات المشفرة بمصر لم يذكر حجم الأموال بسبب السرية التي تفرضها تلك العملات، لأن أعداد المستثمرين في هذا النشاط لا تعكس حجم الأموال المستثمرة فيه.

ولفت إلى أنه قد يكون هناك أعداد كبيرة من المصريين تضارب في العملات المشفرة، ولكن الأموال المستثمرة قليلة مقارنة بما هو موجود في أنشطة اقتصادية أخرى.

"ولكن على أية حال، فإن توجيه الأموال إلى هذه الأنشطة هو خصم من الاستثمار في مجال السلع والخدمات"، وفق قوله.

ويعاني الاقتصاد المصري على مدار أكثر من 5 عقود ماضية من المضاربة بكافة أنواعها سواء على سعر الصرف أو العقارات أو الأراضي أو البورصات وأضيف نشاط رابع وهو المضاربة على العملات المشفرة.

ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد المحلي غير المستفيد، كونها لا تحقق قيمة مضافة، حتى أن العملات المشفرة لا تجلب تكنولوجيا للاقتصاد المصري ولا تساعد في زيادة الصادرات أو الناتج المحلي الإجمالي، فهي ليست أكثر ولا أقل من مضاربة.

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، أحمد ذكرالله، أن هناك خطورة لمثل هذه التوجهات لأن سحب جزء من المدخرات المحلية وتوجيهها نحو الاستثمار في المضاربة على العملات الإلكترونية المختلفة يعني عدم التوجه نحو الإنتاج الحقيقي وإهلاك جزء من هذه المدخرات.

وأضاف، لـ"الاستقلال"، أن مصر تعاني في الأساس من نقص الإنتاج الحقيقي والصادرات وبطالة كبيرة وكثافة سكانية عالية ومليون عامل يدخلون إلى سوق العمل سنويا.

وأردف أن "كل هذا سيزداد سلبا نتيجة انتقال جزء من الادخار إلى مجالات المضاربة على البيتكوين وأخواتها".

وهو ما قد يترتب عليه نقص في قدرة السوق على الاستيعاب؛ سواء على المستوى الإنتاجي أو العمالة أو على مستوى التصدير، ما يؤدي إلى خلق فجوة دولارية كبيرة نتيجة الفرق بين الصادرات والواردات وزيادة العجز في الميزان التجاري.

وبلغت صادرات مصر خلال عام 2021 حوالي 31 مليار دولار، بينما بلغ حجم الواردات أكثر من 61 مليار دولار أي أن الفارق يزيد عن 50 بالمئة.

وسط تلك المعطيات والسلبيات، وجب على الدولة العمل على استقطاب هذه الأموال مرة أخرى إلى السوق المصري، لتفادي تعميق الأزمة وخروج المزيد منها لمثل هذه النشاطات.

ويرى الصاوي أن مصر ليس في اهتماماتها استقطاب هذه الأموال وإعادتها للاستثمار داخل الاقتصاد المحلي، نظرا لانشغالها بالسيطرة على ثروات البلاد من خلال الجيش وشركاته والمتعاونين معهم.

وأشار إلى أن جميع اهتمامات الدولة منصبة على قطاع الطرق والكباري والعقارات والنشاطات كثيفة استخدام الطاقة والملوثة للبيئة مثل الإسمنت والحديد والسيراميك.

وأردف: "من يبحث عن الاستثمار لا يجد سوى المقاولات من الباطن مع شركات الجيش، ما يخلق أجواء غير مشجعة للاستثمار أو استقطاب ولو جزء منه".

ويعد الجيش المصري عنصرا أساسيا مساهما في الناتج المحلي الإجمالي، حيث يعمل بسرية تامة داخل النشاط الاقتصادي المحلي دون وجود أرقام واضحة.

إلا أنه يعد أحد أبرز المستفيدين من النشاط الاقتصادي الحاصل في البلاد، وذهبت بعض التقديرات بأن حجم مشاركة الجيش في الناتج المحلي تصل إلى نحو 45 بالمئة.

من جانبه، يرى ذكرالله أنه من الضروري تهيئة مناخ السوق المحلي للعمل على جذب هذه الأموال للداخل مرة أخرى أو للاستثمار الحقيقي.

 بالإضافة إلى التخلص من البيروقراطية وتسهيل التراخيص ووجود إرادة سياسية تعمل على وجود اقتصاد حر بعيدا عن سياسة الاستحواذ التي يعتمدها النظام المصري.