عمار الحكيم.. زعيم شيعي عراقي ترعرع في إيران ودعمته السعودية

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم رفضه نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق، التي كان تحالفه فيها من أكبر الخاسرين، إلا أن زعيم تيار "الحكمة"، عمار الحكيم، أول من أعلن التزامه بقرار المحكمة الاتحادية رد دعوى إلغاء الانتخابات التي رفعها "الإطار التنسيقي" والذي يمثل الحكيم أحد ركائزه.

موقف الحكيم (50 عاما) من نتائج الانتخابات دفعه إلى إعلان عدم المشاركة في أي حكومة مقبلة، واتخاذ موقف الحياد من الأطراف التي تتنافس على تشكيلها، سواء حلفاؤه من قوى "الإطار التنسيقي" (56 مقعدا) أو منافسهم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر (73 مقعدا).

خاسر كبير

وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2021، أصدر الحكيم بيانا عقب قرار المحكمة الاتحادية قال فيه: إنه "انطلاقا من إيماننا العميق بسيادة الدستور والقانون، نعبر عن التزامنا بقرار المحكمة الاتحادية بخصوص النتائج، رغم ملاحظاتنا الجدية على العملية الانتخابية".

وهنأ زعيم "الحكمة" الفائزين بالانتخابات، مشددا على "العمل بما تتطلب مسؤوليتهم الملقاة على عاتقهم في خدمة الشعب، والإسراع بتشكيل حكومة كفاءة ومنسجمة تجمع الأطراف الراغبة بالمشاركة فيها والمستعدة لتحمل المسؤولية أمام الشعب، وأن تياره لن يشارك في الحكومة القادمة".

وحصل تيار "الحكمة" بزعامة الحكيم في انتخابات 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021 على 4 مقاعد، في حين كان قد أحرز في انتخابات عام 2018 على 19 مقعدا.

قرار الحكيم جاء رغم تلقي "تيار الحكمة" عروضا من الطرفين، التيار الصدري والإطار التنسيقي، فقد أعلن المتحدث باسم "الحكمة"، نوفل أبو رغيف، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 تلقيهم "عروضا سخية للمشاركة في الحكومة بالقدر الذي يحفظ الحكمة كما هو". 

وقال أبو رغيف: "أحيي ما قدمه الإخوة في التيار الصدري سواء في الوفد التفاوضي الذي حضر أو خلال زيارة الصدر ولقائه الحكيم"، لافتا إلى أن "الصدر ووفده التفاوضي للأمانة تصرفوا بفروسية ونبل عاليين".

وتابع: "قالوا (التيار الصدري) بالنص (نحن وإياكم نتقاسم هذه المقاعد التي حصلنا عليها، ولا ينظر للحكمة على أنها 4 أو 5 مقاعد، إنما ينظر بحجمكم وسياقكم)".

وأشار أبو رغيف إلى أن "الصدر ووفده التفاوضي قال للحكيم: نحن نعتقد أن لكم 35 مقعدا"، وذلك خلال اجتماعات جرت بين الطرفين في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وكانت وسائل إعلام محلية قد نقلت مبادرة عن الحكيم وصفها أبو رغيف بـ"غير الدقيقة"، والتي كانت تهدف إلى تشكيل حكومة برئاسة توافقية تعتمد "نظرية الأصوات بدل المقاعد"، وتستعد لإجراء انتخابات مبكرة أخرى بعد إلغاء أجهزة تسريع النتائج (الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالاقتراع).

مبادرة الحكيم تنص على تسليم منصب نائب رئيس البرلمان لـ"الإطار التنسيقي" لحماية "الحشد الشعبي" (شيعي/تابع للقوات المسلحة)، إلا أن تحالف الحكيم لم يصدر تعليقا على التسريبات، واكتفى بنشر بنود مبادرة تحوي أفكارا عامة عن المرحلة المقبلة، قبل أن يقر أبو رغيف بعدها أن البنود المسربة جرى نقاشها بالفعل.

وأضاف أبو رغيف أن "ما طرحه الحكيم ليس مبادرة بل مبادئ عامة، والقوى الفائزة سواء التيار الصدري أو الفائزون في بقية المكونات، هي الأقدر على تبني هذه المبادرة، وهي ليست نصا مقدسا، بل قابلة للنقاش والحذف والتعديل". 

العائلة والنسب

الحكيم المولود في النجف عام 1971، هو ابن الرئيس السابق للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، عبد العزيز الحكيم، وعمه مؤسس "المجلس" في إيران، والتي كان من ضمنها مليشيا بدر، کما أنه حفيد المرجع الشيعي في العراق، محسن الحكيم، المتوفى عام 1970.

غادر الحكيم العراق عام 1979 برفقة والده الذي كان ملاحقا من أجهزة الأمن إبان عهد الرئيس الراحل صدام حسين، بسبب قربه من المرجع الديني محمد باقر الصدر والذي أعدم عام 1980 بعد أشهر من مغادرة الحكيم للعراق.

درس الحكيم بإحدى ثانويات العاصمة الإيرانية طهران، ثم أكمل دراسته الجامعية في "الجامعة الإسلامية" بمدينة قم، وحاصل على شهادة القانون، ويتقن اللغة الفارسية.

كما يعود نسبه لجدته إلى "آل بزي" وهي عائلة لبنانية جنوبية وكان خال والده النائب الراحل علي بزي، شخصية سياسية وقومية برزت في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وهو يمت بصلة القرابة أيضا إلى "آل فضل الله" وهي عائلة دينية عريقة في لبنان.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "العرب" اللندنية في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فإن "الطباطبائي" الجد الأعلى لعمار قدم إلى العراق من إيران ليداوي العامة والزائرين لمرقد الإمام علي في محافظة النجف بالأعشاب والأدعية، إلى أن تحول الاسم إلى "حكيم أعشاب"، واندمج ابنه بعدها في أقبية المدارس الشيعية التي كانت تدفع بالإيرانيين أكثر إليها.

 لكن ذلك لم ينه الحال إلى أسرة الحكيم وحدها للسيطرة على المرجعية الشيعية، فالأسر الفارسية كانت تدفع أبناءها للتعلم في الحوزات حتى تتنافس على ذلك المنصب الروحي للشيعة، وهو في الوقت نفسه يدر أموالا تعادل موازنة بلدان عبر التبرعات من أغنياء وتجار الشيعة فضلا عن الخمس الذي يصله.

وكانت العوائل الفارسية تتوارث هرم المرجعية؛ فبعد جد عمار، محسن الحكيم، جاء أبوالقاسم الخوئي ومن ثم عبد الأعلى السبزواري وإلى أن وصلنا إلى المرجع الشيعي الأعلى في النجف، علي السيستاني، وجميعهم إيرانيو الجنسية.

التجربة السياسية

أشرف الحكيم على إنشاء وإدارة بعض من المشاريع والمؤسسات الدينية والثقافية في المهجر، ومن أهمها مدرسة "دار الحكمة للعلوم الإسلامية العربية التاريخية" والتي تخرج منها عدد كبير من طلبة الدراسات العليا في حقل المعارف الإسلامية.

ويشرف في الوقت الحالي على مؤسسة "شهيد المحراب" التي أسسها بعد مقتل عمه محمد باقر الحكيم، جراء تفجير سيارة مفخخة بالنجف في 29 أغطس/آب 2003. 

واعتقل الحكيم من قبل القوات الأميركية في 23 فبراير/شباط 2007 على الحدود أثناء عودته من زيارة إيران ليطلق سراحه بعد 12 ساعة فقط، وقد اعتذر سفير واشنطن لدى بغداد حينها، زلماي خليل زاد عن اعتقاله.

وفي 1 سبتمبر/أيلول 2009، انتخب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمار الحكيم رئيسا للمجلس خلفا لوالده عبد العزيز الذي توفي قبل ذلك ببضعة أيام.

وعام 2017، أعلن الحكيم انسحابه من "المجلس الأعلى الإسلامي" لتشكيل حزب يحمل اسم تيار "الحكمة الوطني" بسبب "ترك الإرث للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي لما يراه من اصطدام مشروعه الشبابي الوطني ببعض الرؤى التي خالفته من الحرس القديم في المجلس".

وفي يوليو/تموز 2020 أعلن الحكيم، عن تحالف برلماني - جماهيري "عراقيون" هدفه الانفتاح أكثر على المؤثرين في المشهد العراقي، شرقا كانوا أو غربا.

وفي مارس/آذار 2021، جرى الإعلان عن تحالف "قوى الدولة الوطنية" بين رئيسي تيار "الحكمة"، وائتلاف "النصر" حيدر العبادي.

ويرأس الحكيم التحالف، بينما يرأس العبادي رئاسة المجلس القيادي، ويضم هذا التحالف ما تبقى من ائتلاف "النصر" وبعض النواب المنشقين عن كتل عدة.

مدعوم سعوديا

وفي 18 فبراير/شباط 2018، كشف مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الإستراتيجية عن تلقي الحكيم تمويلا سعوديا لقناة "الفرات" العراقية الشيعية بقيمة 10 ملايين دولار.

ونقل المركز عن مصادر إعلامية عراقية قولها إن "محادثات وراء الكواليس في إقليم كردستان العراق أدت إلى تقديم السعودية 10 ملايين دولار لدعم محطة الفرات التلفزيونية الشيعية"، وهي مملوكة لتيار الحكمة بزعامة الحكيم.

وأفاد بأن "تقارير أخرى تشير إلى أن أفرادا من القناة تم إرسالهم إلى مكاتب الإعلام السعودية في الإمارات للتدريب"، واصفا هذه الخطوة بأنها "محاولة سعودية لزيادة نفوذ المملكة بين العراقيين، بغض النظر عن الانتماء الطائفي".

لكن حزب "الحكمة الوطني" نفى الأنباء عن تمويل سعودي للمحطة التلفزيونية، فيما اعتبر مركز "ستراتفور" أن "التطوير الجديد في القناة يشير إلى أن القناة اكتسبت بالفعل المزيد من التمويل".