بخلاف اتفاقات سابقة مع إسرائيل.. لماذا أغضب "إعلان النوايا" الأردنيين؟
لم يمر توقيع "إعلان النوايا" بين الأردن وإسرائيل بهدوء، بل أثار احتجاجات شعبية واسعة وجدلا كبيرا داخل مجلس النواب في المملكة الهاشمية التي يقلق مواطنيها التطبيع المتصاعد.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، جرى توقيع اتفاقية تنص على بناء محطة كهرباء في الأردن ممولة من الإمارات، مقابل بيع الكهرباء إلى إسرائيل.
بدورها، ستزود إسرائيل عبر هذه الاتفاقية التي أطلق عليها "إعلان النوايا"، الأردن بالمياه المحلاة.
وأشار منتدى الفكر الإقليمي العبري إلى أن الرأي العام في الأردن اهتم بتوقيع المذكرة عبر المظاهرات التي ضمت حركات إسلامية وجهات يسارية.
ووقع الأردن اتفاقيتين مع إسرائيل أثارتا احتجاجات حادة ونقاشات محتدمة، لكنها لم تتسبب في "أعمال شغب" كما هو الحال الآن، وفق المنتدى.
وكانت الاتفاقية الأولى (عام 2017) لتوريد الغاز الطبيعي إلى الأردن من حقل ليفياثان للغاز في شرق البحر المتوسط، والذي تديره إسرائيل، من خلال شركة "نوبل إنرجي" الأميركية.
ونوه المنتدى العبري إلى أن هذه الاتفاقية كانت موضع انتقاد في كل فرصة، لكنها تمت الموافقة عليها وأصبحت جزءا من الواقع الأردني.
ووقعت الاتفاقية الثانية سرا، وبدون اعتراضات، بين المملكة والسلطة الفلسطينية وإسرائيل في الثاني من نوفمبر 2021، وزادت الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية المحتلة بمقدار 500 مليون دولار، وفق قوله.
ولفت المنتدى إلى أن المشروع الرابع قيد البحث، وخاصة بين كبار المسؤولين الإسرائيليين، هو مد خط سكة حديد من حيفا إلى الحدود الشمالية للأردن ومن هناك إلى العقبة في المستقبل القريب.
ومن المخطط أن يجري توسيع الخط الحديدي ليشمل العراق والمملكة العربية السعودية في الوقت المناسب.
تشجيع أميركي
وأكد أن مشروع الماء والكهرباء تلقى بالفعل دعما وتشجيعا من الإدارة الأميركية الجديدة، التي تراجعت عن قرار الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس لجودة البيئة.
وتركز إدارة الرئيس جو بايدن على المشاريع الصديقة للبيئة، وينظر إلى مشروع الطاقة الشمسية على أنه يحقق هدفين.
المساهمة في البيئة والمحافظة عليها، وكذلك تشجيع التعاون عبر الحدود بين إسرائيل والدول العربية، وخاصة الأردن.
وأشار جواد العناني وهو اقتصادي وسياسي أردني شغل منصب رئيس الديوان الملكي ونائب رئيس الوزراء إلى أن الحكومة دافعت عن المشروع بشكل غير مقنع.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة ووزير الاتصالات "فيصل الشبول" إنه لا يوجد اتفاق من هذا القبيل.
وقال وزير المياه والري "محمد نجار" الذي وقع المذكرة، إن الاتفاقية ليست ملزمة، "وهذا صحيح لكنه لا ينفي النية والقرار للترويج للمشروع".
لكن خبراء المياه في الأردن مثل الوزير السابق "منذر حدادين" أوضحوا أن المياه ضرورية للبلاد بسبب الجفاف هذا العام وربما في السنوات المقبلة أيضا، بحسب المنتدى العبري.
إلى جانب ذلك، تنتج عمان 200 متر مكعب للفرد سنويا، بينما يبلغ استهلاكه 1700 متر مكعب للفرد، والفرق تغطيه واردات حوالي 80 بالمائة من استهلاك المياه من الدول الأجنبية.
ويرى العناني أن البديل الذي يسمح بإنتاج المياه بشكل مستقل هو حفر الآبار بعمق كيلومترين للوصول إلى المياه الصالحة للشرب، والتي يجب ضخها وتقطيرها وتوصيلها بالأنابيب.
ويقول: "سعر المتر المكعب حوالي 6 دنانير، ويوجد خيار آخر وهو نقل المياه من البحر الأحمر بنفس التكلفة، لكنه عبء ثقيل على ميزانية الدولة وعلى اقتصاد الأردن".
فبعض الأردنيين يعتقدون أن الأمر يعود إلى مؤامرة جرى من خلالها تجفيف مياه السدود، خاصة في "سد الموجب" وهذا الادعاء ضعيف من الناحية الفنية.
تقييد وخضوع
ويعتقد آخرون أن هذا المشروع سيخضع الأردن لقرارات "العدو الإسرائيلي" الذي نسف مشروع القناة الذي كان من المفترض أن تمنح عمان الكثير من المياه والاستقلال في مجال المياه ومزايا بيئية كبيرة.
لكن إلى جانب المشكلات العلمية والاقتصادية بين الخبراء من جهة ومعارضين والحكومة من جهة أخرى، يكمن سبب الخلاف في حقيقة أن المشروع يقوي التطبيع الأردني مع إسرائيل.
وأكد العناني أن ما ترفضه أحزاب القومية العربية واليسارية وبعض الحركات الإسلامية أن المشروع برأيهم سيجعل الأردن شريكا في التطبيع و"صفقة القرن" التي حاولت واشنطن من خلالها حل القضية الفلسطينية عبر سلب المزيد من الأراضي لصالح إسرائيل.
ولفت إلى أن معارضة أخرى تنبع من حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية مستمرة بتوسيع مستوطناتها وهجماتها اليومية على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل.
فهذه الحكومة تواصل قتل الشباب وإلحاق الأذى بخمسة آلاف أسير فلسطيني خمسهم من الأطفال، وكل هذا يجري في خضم خلاف حول الإصلاح السياسي في الأردن، الذي أوكل إلى المجلس الحالي، وفق قوله.
وتابع العناني: "سررنا بمشروع قانون تعديل الدستور، لا سيما مع البنود التي تنص على ضرورة إنشاء مجلس للأمن القومي برئاسة الملك عبد الله الثاني لكن هناك نظرة أن الأخير سيتعدى على سيادة الحكومة".
وخلص في مقالته إلى القول: "يحتدم الجدل في الأردن في ظل أزمة اقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، والحكومة لا تريد الصدام مع المعارضة وإذا فعلت فلن تقنع الشارع، فهذه فترة تغيير مهم في البلاد".