أحمد الريسي.. لواء إماراتي لم يكتف بتعذيب معارضي آل زايد فترأس الإنتربول

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يعد العالم أكثر أمنا، هكذا عبر ناشطون عن غضبهم بعد انتخاب اللواء الإماراتي أحمد ناصر الريسي رئيسا للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول"، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إذ يشغل المنصب لمدة 4 سنوات، حتى انعقاد الدورة القادمة. 

وأثار وجود الريسي على رأس الإنتربول، حفيظة منظمات حقوقية ونواب أوروبيين وسياسيين بالشرق الأوسط، معتبرين الخطوة ستمس بمهمة المنظمة الدولية، وستهدد سلامة مواطنين معارضين، على رهن قوائم الاعتقال في بلدانهم.

لا سيما الإمارات صاحبة السجل السيء في انتهاكات حقوق الإنسان، ومطاردة الناشطين واعتقالهم، وللريسي نفسه نصيب من تلك الانتهاكات، وهو من ضباط الإمارات الكبار، المتورطين في التعذيب داخل السجون. 

رئيس الإنتربول 

اختير اللواء الإماراتي أحمد ناصر الريسي رئيسا للمنظمة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، في ختام أعمال الدورة الـ89 للجمعية العمومية لـ"الإنتربول"، بمدينة إسطنبول التركية، وبحضور ممثلين عن 160 دولة.

وكان الريسي رغم إثارته للجدل، ووجود معارضة شديدة تجاهه، المرشح الأوفر حظا للمنصب، بعد أن كان عضو اللجنة التنفيذية للإنتربول، كممثل لقارة آسيا خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد دعمته الإمارات بقوة ليصل إلى هذا المنصب الرفيع، كأول رئيس عربي للإنتربول. 

وبناء على هذا الاستحقاق سيترأس الريسي اللجنة التنفيذية للمنظمة، التي تتولى تمثيل المنظمة الدولية، وتنفيذ قرارات جمعيتها العامة.

وتتكون اللجنة التنفيذية من رئيس، هو الريسي، و3 نواب للرئيس، و9 مندوبين يمثلون مختلف مناطق العالم، وذلك وفق الموقع الإلكتروني للإنتربول.

وبذلك سيشرف الريسي على ممثلي 195 دولة عضوا بالمنظمة، وسيكون من أبرز اختصاصاته مكافحة الجرائم في 3 مجالات عالمية هي الإرهاب، والجريمة السيبرانية (الإنترنت)، والجريمة المنظمة.

لكن الأخطر أن اللواء الإماراتي ستقع تحت يديه مجموعة غنية من الملفات لمختلف الأنشطة مع أجهزة أمن البلدان الأعضاء، ومنها إسناد التحقيقات والعمليات الميدانية والتدريب. 

وهو ما يتيح فرصة لحكومة بلاده المتورطة في انتهاكات حقوقية لتصفية حساباتها، مع عدم إغفال أن ميثاق الإنتربول يشدد على أنها منظمة دولية تلتزم الحياد السياسي في عملها، بحسب الموقع الرسمي للمنظمة، التي تأسست عام 1923، ويقع مقرها الرئيس في مدينة ليون الفرنسية. 

من الريسي؟ 

وبإسقاط الضوء على شخصية الريسي وتدرجه في المناصب داخل هرم الشرطة الإماراتية، يتبين أنه بدأ حياته المهنية عام 1980، ضمن ألوية شرطة أبوظبي، وبعد 6 سنوات أصبح ضابطا متخصصا في فرع الإنذار ضد السرقة.

 ثم مديرا لمعهد الطب الشرعي والعلوم، ورئيسا لقسم تكنولوجيا المعلومات في إدارة الاتصالات، قبل أن يدير قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو المسار الذي أهله ليلعب أدوارا متقدمة فيما بعد. 

وخلال سنوات طويلة استطاع الريسي أن يحوز ثقة حكام الإمارات، ويتقلد مناصب رفيعة داخل الدولة، فبعد التجربة الطويلة وتحديدا عام 2005، عين مديرا عاما للعمليات المركزية، بالقيادة العامة لشرطة أبوظبي، إلى جانب إدارته للخدمات الإلكترونية، بوزارة الداخلية الإماراتية.

وإضافة إلى ذلك انتهج اللواء الإماراتي المسار الأكاديمي، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الشرطة والأمن وسلامة المجتمع، من جامعة لندن متروبوليتان بالمملكة المتحدة.

وفي عام 2015 تقلد الريسي منصب المفتش العام في وزارة الداخلية الإماراتية برتبة لواء، وكلف في الوقت ذاته بإدارة سائر القوات الأمنية في البلاد. 

ورغم هذه المسيرة والمناصب المهمة التي ترأسها، لم يورد موقع الإنتربول ولا وزارة الداخلية الإماراتية بيانات عن سن الريسي، لكن صفحة محررة حديثا في ويكيبيديا ذكرت أنه من مواليد 1961.

ودفع صعود الريسي وقربه من قصر الحكم في أبوظبي للوجود دوليا كرئيس للإنتربول، هذه الميزة الظاهرية سلطت الضوء على السجل الأسود للرجل المتهم بانتهاكات مروعة ضد حقوق الإنسان.

حيث جاء فوزه بعد فترة من الجدل والانتقادات الحادة التي وجهت للمنظمة نفسها، بسبب السجل الحقوقي السيء للضابط الإماراتي.

ووصل الأمر إلى أن منظمات دولية عديدة تقدمت بشكوى تتهم فيها الريسي بالتورط في عمليات تعذيب وإخفاء قسري داخل سجون الإمارات، بل ومطاردة معارضين في الخارج. 

انتقادات عالمية

مع بداية طرح اسم الريسي كمرشح لرئاسة الإنتربول واجه اعتراضات فائقة، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2020 عبرت 19 منظمة حقوقية غير حكومية بينها "هيومن رايتس ووتش" عن قلقها من احتمال اختيار الريسي، وقالت إنه "عضو في آلة أمنية تستهدف المعارضة السلمية بشكل ممنهج".

وكان من بين المنظمات الحقوقية المعترضة مركز "الخليج لحقوق الإنسان"، وأورد في دعواه أن "الريسي متهم بارتكاب أعمال تعذيب وحشية ضد المعارض أحمد منصور المعتقل منذ 2017 في زنزانة مساحتها 4 أمتار مربعة بدون أن تكون مجهزة بفراش أو حماية من البرد،  ولا إمكانية الوصول إلى طبيب أو مرافق النظافة والمياه والمنشآت الصحية" بحسب المركز. 

وجاءت النقطة الأكثر حرجا للريسي والإمارات في أكتوبر/ تشرين الأول 2021،  حيث قدم مدعيان بريطانيان شكوى أمام المحكمة المتخصصة في مكافحة الجرائم ضد الإنسانية لدى نيابة باريس، اتهما فيها الريسي بتعذيبهما.

وأعلن أحد المدعين البريطانيين، يدعى ماثيو هيدجز، في مؤتمر صحفي بباريس أنه "احتجز وتعرض للتعذيب في الإمارات بمعرفة الريسي، بين مايو/ أيار، ونوفمبر/ تشرين الثاني 2018"، مؤكدا "أنه اتهم بالتجسس أثناء زيارة دراسية". 

وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أصدر 3 أعضاء في البرلمان الألماني بيانا مشتركا أعربوا فيه عن قلقهم من ترشيح الريسي لرئاسة الإنتربول، وذكروا أن هناك "شكوكا أساسية في انتهاكات لحقوق الإنسان" بحق المرشح القادم من أبوظبي. 

وذكر البيان أن "انتخاب مرشح الإمارات لهذا المنصب الرفيع سيؤثر على ثقافة سيادة القانون في الإنتربول، وقالوا "بالنظر إلى الميزان المريع لحقوق الإنسان في الإمارات، فإن تسمية الريسي لمنصب الرئاسة سيتعارض بشكل فاضح مع الإعلان العام لحقوق الإنسان ومع الهدف الأساسي للمنظمة وهذا سيجازف بسمعة الإنتربول".

سجل أسود 

المثير أن رئاسة الريسي للإنتربول لم تكن هي الجدلية الوحيدة في المنظمة التي تعاني من مواقف سابقة، وشكوك حول مدى نزاهتها المطلقة، فالرئيس السابق للإنتربول الصيني "مينغ هونغواي" موقوف بتهم فساد ورشوة. 

وفي 18 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020 نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية تقريرا عن إمكانية تولي الإماراتي الريسي رئاسة الإنتربول.

وذكر التقرير أن "هناك مخاوف لدى البرلمانيين من إمكانية تعرض المنظمة الدولية للتلاعب من دول مثل روسيا والصين والإمارات". 

وأوردت الصحيفة البريطانية على لسان النائب الإنجليزي "بيل باودر" أن "بريطانيا يمكنها بذل المزيد من الجهود لمواجهة ما يصفه بـ (الدول المجرمة)".

وذكرت أن بريطانيا تساهم بنسبة 5.6 بالمئة من ميزانية الإنتربول، ويجب أن تستخدم النفوذ، وتطالب بتطبيق قواعد معينة فيما يتعلق بالأوامر التي تنتهك حقوق المواطنين.

ولا يخفى السجل الأسود للإمارات فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان داخل وخارج أراضيها، وهو أمر يسقط بالتبعية على الريسي، أحد أقطاب نظام الإمارات، ومن أبرز رجال الأمن بالدولة. 

وعلى سبيل المثال يقبع على الأراضي الإماراتية، سجن الرزين، وقد صنفه المركز الدولي لدراسات السجون، في تقريره للعام 2020، ضمن أسوأ 10 معتقلات سيئة السمعة في العالم.

الوجه الآخر من جحيم السجون الإماراتية ظهر في سجن "الوثبة" على بعد 40 كيلومترا شرق أبو ظبي، فالمعتقل الذي افتتح عام 1982، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي" للعام 2020، تقع بداخله انتهاكات جسيمة.

في مقدمتها المعاملة القاسية للسجناء، والعقوبات الجماعية، والتعذيب المروع، والإهمال الطبي للمرضى، وعدم توفر الظروف الملائمة للحياة مثل المياه، بالإضافة إلى درجات حرارة مرتفعة للغاية لا تحتمل. 

وعلى المستوى الخارجي وهو ما يقلق المنظمات الحقوقية، ويثير الحفيظة على وجود اللواء الريسي من الأساس كرئيس للإنتربول، هو انتشار الإمارات السلبي في النقاط الساخنة من العالم.

وقد تورطت أبوظبي بشكل مباشر في مأساة أقلية الإيغور المسلمة في الصين، التي تتعرض لسحق كامل من حكومة بكين، عبر معسكرات اعتقال شاسعة، وانتهاكات مفزعة، امتدت من تركستان الشرقية إلى دبي.

الصادم ما كشفته وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية في 16 أغسطس/ آب 2021، أن سلطات بكين تدير سجنا سريا في دبي تحتجز فيه الإيغور، وهذا أول دليل على أن الصين تدير ما يسمى بـ"الموقع الأسود" خارج حدودها. 

وذكرت الوكالة على لسان شابة صينية قالت إنها احتجزت مع اثنين على الأقل من الإيغور لمدة 8 أيام في مرفق احتجاز سري تديره الصين في دبي. 

وفي 23 يونيو/حزيران 2017 أصدرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" طلبا عاجلا إلى الأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي عاجل، حول دور الإمارات بتأسيس شبكات تعذيب في اليمن.

وتم توثيق أكثر من 18 سجنا سريا في جنوب اليمن تحت إدارة الإماراتيين، أو قوات يمنية دربتها الإمارات، التي ذكرت منظمة العفو الدولية أنها جمعت المعلومات عن السجون من معتقلين سابقين، وعائلات السجناء، ومحامين وحقوقيين، ومسؤولين عسكريين يمنيين.

وأعلنت حينها لجنة البحوث في المنظمة أنه يجب تشكيل لجنة تحقيق تقودها الأمم المتحدة فورا للتحقيق في دور الإمارات في هذه "الشبكة المرعبة" للتعذيب.

ويصعب تجاهل تلك الحقائق وإغفال هذه الملفات في ظل وجود الريسي على رأس المنظمة الدولية الأمنية الأكثر نفوذا "الإنتربول"، وهو ما يضع تساؤلات في جميع الأحوال عن مدى استقلاليتها ونزاهتها.