مؤتمر غلاسكو للمناخ.. كيف انتصر للدول الغنية على حساب الفقيرة؟

3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد أسبوعين من المساومات والمداولات المغلقة، توصل المجتمعون في مؤتمر المناخ إلى اتفاق وصفه المنظمون بأنه ناجح، إلا أن معظمهم قال إنه كان مخففا وغير واضح المعالم، ولم يتطرق إلى الكثير من القضايا والالتزامات الخاصة بالتمويل وتخفيف العبء عن الدول الفقيرة.

وخلال مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في مدينة غلاسكو الإسكتلندية في الفترة بين 31 أكتوبر/تشرين الأول و13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 اتفق قادة العالم على إبقاء الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين، و1.5 درجة مئوية بشكل مثالي.

لكنهم فشلوا في اتباع سياسات من شأنها تحقيق هذا الهدف حسبما ذكرت الأمم المتحدة. 

وانعقدت القمة وسط تخوفات من اتجاه درجات الحرارة حول العالم إلى الارتفاع بين 2.4 و2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الجاري.

وهو الأمر الذي ينبئ بعالم تزداد فيه موجات الحرارة والجفاف والفيضانات الساحلية والأعاصير المدارية التي يصعب التكيف معها بحسب الخبراء.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال كلمته في ختام القمة أن الطموح البالغ 1.5 درجة لا يزال حيا لكنه "على أجهزة دعم الحياة". 

أسوأ من المتوقع

ونقلت شبكة سيدني مورنينغ هيرالد الأسترالية عن مجموعة أبحاث تعقب العمل المناخي في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 قولها إنه إذا تحققت جميع التعهدات والالتزامات التي جرى التعهد بها في الفترة التي تسبق القمة وعلى هامشها، فقد يكون العالم على طريق ارتفاع درجة حرارة 1.8 درجة.

وأشارت الشبكة بأنه ليس بالخبر السار كما يبدو حيث حذر الرئيس التنفيذي لتحليلات المناخ بيل هير، من الوصول إلى هذه الدرجة، مرجعا ذلك إلى أن العديد من الالتزامات حتى الآن لم يتم دعمها بسياسة حكومية رسمية.

وأضاف هير في تصريحاته للشبكة الأسترالية: "من الجيد جدا أن يدعي القادة أن لديهم هدفا صافيا للصفر، ولكن إذا لم يكن لديهم خطط حول كيفية تحقيق ذلك، وكانت أهدافهم لعام 2030 منخفضة مثل العديد منهم، فبصراحة هذه الأهداف هي مجرد كلام شفهي عن العمل المناخي الحقيقي، غلاسكو لديها فجوة خطيرة في المصداقية".

وأشارت صحيفة الإندبندنت البريطانية إلى تحليل لمجموعة البحث عن العمل المناخي (CAT) أكد أن خطط الدول لخفض الانبعاثات بحلول نهاية هذا العقد ستؤدي إلى ارتفاع 2.4 درجة مئوية بحلول عام 2100.

وحذر التحليل من أنه بناء على السياسات العملية للدول وحدها، يمكن أن ترتفع الحرارة إلى 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100.

ورغم أن توقعاته كانت منخفضة لما سيحدث على الجانب الرسمي، عبر البروفيسور روبرت ريد من جامعة إيست أنجليا بالمملكة المتحدة عن أن الأمور خلال القمة سارت أسوأ مما كان يخشى. 

وأضاف لصحيفة الإندبندنت: إن "الحقيقة المروعة هي أننا نتجه الآن إلى ارتفاع 2.7 درجة مئوية. هذا هو نفسه كما كان من قبل، يتم الآن التخلي عن هدف 1.5 درجة مئوية، ولن يعترفوا بذلك". 

وأشار إلى أن العالم بحاجة إلى تعبئة أكبر بكثير وأن يكون الناس خائفين وغاضبين وأن ينهضوا على الفور ردا على هذا الفشل. 

في الوقت الذي انعقدت فيه قمة غلاسكو لبحث تغير المناخ كان هناك المئات من الأكاديميين والعلماء يبحثون في أسباب الأزمة. 

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وقع أكثر من 200 أكاديمي على رسالة مفتوحة وصفت فيها قمة المناخ COP26 التابعة للأمم المتحدة التي عقدت في غلاسكو بأنها "فاشلة" بعد تمثيل مصالح الشركات في القمة بشكل مفرط. 

ووقع على الرسالة أطباء وأساتذة من عشرات البلدان ومؤسسات مثل جامعات هارفارد وإدنبرة وبوردو وبرشلونة وأوكلاند وغيرها من الجامعات العالمية الشهيرة.

ودعت الرسالة إلى "ثورة خضراء حقيقية" لوقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتجديد الطبيعة، والتكيف مع حقائق أزمة المناخ المتفاقمة.

وقالوا في رسالتهم: "نحن مئات العلماء من عشرات البلدان، نحزن على الوضع لكننا مصممون على عدم تجاهله، نعتقد أن سيطرة الشركات على Cop26 وفشلها يظهران بوضوح أن الناس في المجتمعات والمنظمات يجب أن يقودوا الآن استجابتنا للطوارئ".

الهند ثالث أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، كانت هي المعترض الأبرز على صياغة "الإلغاء التدريجي" لاستخدام الفحم في البيان الختامي للقمة وحظيت بدعم كبير من بكين في ذلك. 

وأدخلت الهند تعديلها على جملة "التخلص التدريجي من الفحم" وحولتها إلى "الخفض التدريجي" وهو ما جعل الحاجة الملحة إلى التحول بعيدا عن الفحم أصعب. 

وبحسب مجلة ذي كونفيرسيشن الأسترالية، تعتمد الهند بشكل كبير على الفحم، ومن المتوقع أن ينمو توليد الطاقة منه بنسبة 4.6 بالمئة كل عام حتى سنة 2024 في البلاد.

وفي تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية سلط الضوء على مخرجات مؤتمر غلاسكو قال البروفيسور جيم بينديل، الباحث في الاستدامة بجامعة كمبريا في المملكة المتحدة إنه "يتعين على زملائي في مجال استدامة الشركات أن يقولوا علنا ما يعرفونه بشكل خاص".

وهو أن "نظامنا الاقتصادي هو المسؤول عن أزمة المناخ والبيئة، وفي حين أن الاستجابات التطوعية لن تعمل بشكل كاف، فإنها يمكن أن تشتت الانتباه لنا من قوة التحدي"، وفق قوله.

بينديل أحد الموقعين على الرسالة، طالب زملاءه في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بعدم التورط في الكذبة القائلة إن البقاء خلال الإصلاح أمر ممكن، مشيرا إلى أن المديرين التنفيذيين يمكنهم الاستمرار في تحسين مؤسساتهم ولكن ليس التظاهر بأن هذا هو الحل للمشكلة. 

من يتحمل الفاتورة؟ 

كانت قضية من سيتحمل فاتورة ظاهرة التغير المناخي إحدى القضايا الشائكة الرئيسية في المفاوضات خلال قمة المناخ.

واعتبر الكثير من العلماء والمتخصصين أن المؤتمر فشل في تحقيق آمال مئات الملايين من الفقراء حول العالم الذين هم أكثر تضررا من التطرف المناخي.

ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن الأموال التي ستحتاج إليها الدول النامية للاستعداد لعواقب تغير المناخ هي ما بين خمسة إلى عشرة أضعاف التمويل العام المتاح حاليا.

وتوقع التقرير الصادر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بالتزامن مع انطلاق المؤتمر، أن تتضخم التكلفة لترتفع لأكثر من ذلك بكثير وأن ثمن تكيف البلدان النامية مع تغير المناخ قد يصل إلى 300 مليار دولار سنويا بحلول نهاية العقد الحالي. 

الصحفي الألماني المتخصص في تغير المناخ فرانك جوردان اعتبر أن الاتفاق النهائي لقمة غلاسكو عبر عن "الأسف العميق" بعد فشله في توفير التمويل أو حث الدول الغنية على تقديم الأموال في أسرع وقت ممكن. 

وقبل 12 عاما اتفقت الدول الكبرى في مؤتمر مناخي آخر في كوبنهاغن على أنه بحلول عام 2020، سيحولون 100 مليار دولار سنويا للعمل المناخي في الدول النامية، لكنها فشلت في تحقيقه.

وأضاف جوردان في تقرير بوكالة أسوشيتد برس الأميركية في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني: "كان هناك دماء سيئة في الاجتماع لأن الدول الغنية فشلت في الوفاء بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار كل عام بحلول عام 2020 لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع تغير المناخ".

وقال إن الإخفاقات تواصلت خلال القمة برفض الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي مطالب إنشاء صندوق لتعويض الدول الفقيرة عن الدمار الذي أحدثه تغير المناخ، والذي تتحمل الدول المتقدمة مسؤولية كبيرة عنه بسبب انبعاثاتها السابقة.

وهو ما أثار غضب العديد من الدول الضعيفة، لكنها مع ذلك أيدت الاتفاقية على أمل إحراز تقدم في قضية "الخسائر والأضرار" في القمة المقبلة المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 في مصر بحسب جوردان.

ويوضح تقرير شبكة سيدني مورنينغ هيرالد الأسترالية أن أحد أكثر المجالات إثارة للجدل خلال محادثات غلاسكو هو دعوة الدول النامية لإنشاء آلية مالية للدول الغنية لدفع ثمن الخسائر والأضرار التي يسببها تغير المناخ في الدول النامية المعرضة لهذه الأزمة بشكل أكبر.

وقالت الشبكة في اليوم التالي لانتهاء المؤتمر إنه "لطالما عارضت الدول الثرية مثل هذه الآلية التي تخشى أنها قد توحي بالذنب وتضعها في مواجهة التكاليف الباهظة المستمرة".

أما هارجيت سينغ، كبير مستشاري التأثيرات المناخية في شبكة العمل المناخي الدولية، وهي مجموعة تضم أكثر من 1500 منظمة غير حكومية في جميع أنحاء العالم فاعتبر أن مخرجات القمة تمثل خذلانا للأشخاص الذين كانوا يتوقعون الكثير من قادتهم.

وقال إن "ما نعاني منه في جميع أنحاء العالم هو بسبب 30 عاما من التقاعس عن العمل".

وأشار سينغ في تصريحاته لشبكة ذي فيرجي الإخبارية الأميركية المتخصصة في التكنولوجيا والإعلام في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى أن الهدف الكبير من الذهاب إلى قمة غلاسكو، كان جعل الدول الغنية تفي بوعدها القديم. 

وأضاف سينغ: "بدلا من ذلك، يمكننا توحيد الجهود نحو ثورة خضراء حقيقية، ومن ثم الانفتاح على تعلم ما جعلنا نتوخى الحذر لفترة طويلة، والتعلم من الأشخاص والمعرفة التي تجاهلناها سابقا".

ويشير تقرير ذي فيرجي إلى أن البلدان النامية تدفع ثمن مشكلة انتقلت إليها في الغالب، من الدول الأكثر ثراء. 

وأوضح التقرير أن الصين حاليا هي أكبر ملوث للمناخ، بعد أن كانت الولايات المتحدة في تلك المرتبة.

وأظهر التقرير كيف أن الدول النامية الصغيرة التي تقف على الخطوط الأمامية لتغير المناخ مسؤولة عن شريحة أصغر بكثير من الانبعاثات.

ودللت على ذلك من خلال حساب نصيب الفرد في عام 2018 حيث قالت إن المواطن الأميركي العادي كان مسؤولا عما يقرب من 10 أضعاف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تسبب الاحتباس الحراري مقارنة بشخص يعيش في دولة جزرية صغيرة في المحيط الهادئ.