رفض لقاح كورونا وتزوير شهادته.. أسباب تزايد الظاهرة بين المصريين

12

طباعة

مشاركة

"الحداية مبترميش كتاكيت" مثل شعبي مصري يقصد به طائر "الحدأة" الجارح الذي يخطف الطيور والحيوانات الصغيرة ليتغذى على لحومها، لن يأتي عليه اليوم الذي يلقي لغيره الكتاكيت (الصيصان) الشهية.

ذلك المثل يرى كثيرون أنه ينطبق على مخاوف المصريين من تلقي لقاحات فيروس "كورونا" التي توفرها الحكومة المصرية لهم بالمجان.

فقد ثبت بالتجربة طوال 8 سنوات أن الحكومة تخطف أقواتهم كالحدأة، وتفرض عليهم قرارات وقوانين تزيد يوميا من معاناتهم المالية والاقتصادية.

مصادر كشفت لـ"الاستقلال" جانبا من جوانب الفساد في ملف لقاحات كورونا بمصر، وأكدت أن مخاوف المصريين الذين يرغبون في السفر للخارج والمقيمين من تلقي اللقاحات دفعتهم لمحاولة الحصول على شهادات رسمية مسجلة بمقابل مالي تثبت تلقيهم اللقاح دون أخذه. 

"باركود" كاذب!

مصدر خاص بـ"الاستقلال"، أكد بيع شهادات "باركود" الخاصة بلقاح فيروس "كورونا" بالمستشفيات المصرية لقاء 5 آلاف جنيه (320 دولارا)، داخل جهات حكومية مصرية للمسافرين والمقيمين، مقابل عدم الحصول فعليا على اللقاح.

المصدر الخاص (أ. ش) وهو شاب ثلاثيني مصري أكد حصوله على شهادة تؤكد أخذه لقاح كورونا، وذلك دون أخذ أي من جرعتي اللقاح المقررة في مصر.

المصدر قال إنه "من المفترض أن أسافر خلال أيام لدولة أوروبية؛ وللحصول على شهادة (باركود) يجب دفع مبلغ 1000 جنيه مصري (64 دولارا) بشكل رسمي لأي مستشفى حكومي لإثبات حصولي على اللقاح، ولكن هناك من حذرني من أخذه في مصر".

وأضاف: "ذهبت لإحدى المستشفيات الحكومية في محافظة الشرقية (شمال القاهرة)، وطلبت الحصول على الشهادة معلنا تخوفي من أخذ اللقاح، فطلب مني أحد العاملين مبلغ 1500 جنيه (95 دولارا) مقابلها على ألا أحصل على الجرعة".

وأكد أن "الموظف (الصغير) طلب مني تصوير جواز السفر وبطاقة الرقم القومي خاصتي، ووضع المبلغ داخل الصور، وأعطاه للموظف (الكبير) المسؤول عن تسجيل الشهادات بسيستم وزارة الصحة، والذي يمكنه اعتماد وختم الشهادة بخاتم الحكومة (النسر)".

المصدر أوضح أنه "بالحديث مع الموظف الصغير خلال جولة تصوير الأوراق خارج المستشفى، أكد لي أن هناك الكثيرين يأتون للحصول على الشهادة تلك دون أخذ اللقاح، ومنهم من يحصل عليها دون أن يأتي من الأساس مقابل دفع مبالغ تصل لـ5 آلاف جنيه (320 دولارا)".

وقال إن هناك أطباء من جامعة عين شمس وأساتذة جامعة وآخرين بينهم صيادلة وأطباء بكل التخصصات وطيارين وموظفين مرموقين، ومن مناطق راقية استخرج لهم (باركود) بوساطة طبيب كبير، رفض الإفصاح عن الحروف الأولى من اسمه ووظيفته، بينهم وبين الموظف الكبير".

وأكد أن "دور الطبيب هو إرسال صور الباسبور والبطاقة لمعارفه ولطالبي الشهادة لنا ويحصل هو من كل فرد على 5 آلاف جنيه، لقاء الشهادة التي نرسلها له بريديا أو يأتي أصحابها لاستلامها".

وأوضح أن "ذلك الطبيب يدفع لي مبلغ 1500 جنيه مع كل صور باسبور، لي منها مبلغ 800 جنيه ويحصل الموظف الكبير بالمستشفى على مبلغ 650 جنيها والـ50 جنيها المتبقية قيمة تصوير الأوراق والإرسال بالبريد".

وأشار الموظف إلى أن "ما دفع تلك الشخصيات العلمية والطبية والمرموقة لذلك هي مخاوفهم من أخذ اللقاح وعدم ثقتهم في توزيع الدولة له بالمجان، وقلقهم الكبير على حياتهم وحياة المصريين من جرعاته".

وختم بالقول: "ولذا فأنا غير نادم على تسهيل حصولهم على الشهادة بمقابل مالي دون الحصول على اللقاح".

ويمكن الحصول على شهادة الـ"باركود" رسميا من مستشفيات وزارة الصحة، بعد تحديد موعد تلقي اللقاح.

إذ يجرى دفع قيمة الشهادة والتي تبلغ لسفر السياحة 1000 جنيه مصري (64 دولارا)، ولغير السياحة 250 جنيها (16 دولارا) بالنسبة للمصريين.

كما يدفع غير المصريين 25 دولارا، مقابل الشهادة، وفقا لتعليمات وزارة الصحة الصادرة في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي أكدت أن اللقاحات مجانية للمواطنين واللاجئين وغير المصريين، وأن قيمة شهادة "باركود" لا تعني عدم مجانية اللقاحات.

وفي السياق، رصدت "الاستقلال" مجموعة من الممرضات في أحد أحياء القاهرة (تم تجهيل الحي حرصا على طاقم التمريض) يقرعن البيوت للحصول على بطاقات السكان الشخصية وتسجيلها في أوراق التسجيل الخاصة بلقاح "كورونا"، وتلقيح من يرغب، وأيضا تسجيل من لا يرغب في اللقاح كونه تلقاه فعليا.

إحدى الممرضات، طلبت عدم ذكر اسمها، أكدت أن "التعليمات الأخيرة التي وصلتهم هي تسديد الخانات وتسليم أكبر كم من الأوراق يوميا التي تؤكد حصول المواطنين على اللقاح بتسجيل أسمائهم وأرقام هواتفهم والحصول على توقيعاتهم، سواء أخذوا اللقاح أم لم يأخذوه". 

وهو ما يؤكد أن النسبة الغالبة من المواطنين الذين تحدثت إليهم الممرضات رفضوا الحصول على اللقاح ولكنهم سجلوا أسماءهم ووقعوا على استمارة تلقي اللقاح".

وكان الوعد الدائم من الممرضات لمن يريد الحصول على شهادة اللقاح أو "باركود"، أنهم يمكنهم استلامها بعد أسبوعين من المستشفى.

لكنهن رفضن تسجيل استمارة لإحدى السيدات كان من المقرر أن تسافر للخارج ونصحنها بالتوجه للمستشفى للدفع والحصول على الشهادة. 

اهتمام مريب

ذلك الحديث يأتي في ظل مخاوف المصريين من الحصول على اللقاح الذي تفرضه الحكومة المصرية على جميع موظفي الدولة وعلى طلاب الجامعات، وأغلبه من اللقاح الصيني "سينوفارم".

وقررت الحكومة المصرية 17 أكتوبر/تشرين الأول 2021 منع دخول الموظفين مقار عملهم والطلاب كلياتهم اعتبارا من 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حال عدم تقليهم اللقاح، كما تسعى لفرضه على طلاب المدارس أيضا.

وبرغم ما شهده العام 2020، وبدايات 2021، من عجز حكومي عن توفير مسحات ولقاحات كورونا إلا أنه مؤخرا جرى توفير اللقاحات بشكل لافت بجميع المستشفيات الحكومية وحتى الوحدات الريفية البسيطة بدون مقابل.

وزارة الصحة أعلنت 17 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن كمية اللقاحات بلغت 63.2 مليون جرعة، مشيرة إلى وجود فائض كبير، وأنها تحاول تسريع وتيرة اللقاح وتستهدف 40 بالمئة من السكان بنهاية 2021.

ذلك الاهتمام الحكومي على غير العادة يجعل الكثير من المصريين في قلق كبير من احتمالات خطورة اللقاحات أو عدم خضوعها للدراسات الكافية، أو كونها لقاحات جاءت لمصر من شركات عالمية وجهات دولية ودول غربية لتجري تجاربها على المصريين.

المخاوف من إصرار الحكومة على تلقيح المصريين بلقاحات كورونا ودون مقابل تتزايد، خاصة مع قولهم إن حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي لا تقدم خدمة بدون مقابل، وأن مبدأها الرئيس في التعامل معهم هو الجباية ورفع أسعار الخدمات الحكومية والسلع.

يعزز مخاوف المصريين من تناول لقاحات كورونا تقرير لمجلة "جون أفريك" الفرنسية تحدث عن أن الكثير من الأفارقة يترددون في اللقاح لمخاوفهم من انتهاء صلاحية اللقاحات التي تصلهم واحتمالات "التعقيم المقنع".

ونقلت المجلة الفرنسية 16 يوليو/تموز 2021 مخاوف منظمات غير حكومية من أن تنتهي صلاحية جرعات التبرعات التي تصل إلى إفريقيا بسرعة كبيرة بحيث لا يكون لدى البلدان الوقت الكافي للقيام بحملة اللقاح.

وهنا يقول المدير السابق بوزارة الصحة مصطفى جاويش، إن "المسؤول عن لقاح كورونا هو رئيس (هيئة الشراء الموحد) اللواء بالجيش بهاء زيدان، حسب تكليف السيسي له في أبريل/نيسان 2020".

جاويش يلفت بحديثه لـ"الاستقلال"، إلى أن "ذلك يجري بناء على القانون (151) لسنة 2019، والذي يفوض (الهيئة) بتوريد جميع الأدوية واللقاحات والمستلزمات والتجهيزات الخاصة بالحكومة".

ويرى أن وجود لواء جيش على رأس تلك الهيئة "هو سر غموض بيان النائب العام (حمادة الصاوي) حول قضية الرشوة الأخيرة بوزارة الصحة المتفجرة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي طالت وقائعها برنامج لقاح كورونا".

وعن واقعة حصول مصريين على شهادات اللقاح دون الحصول عليه، وتسجيل أسماء مواطنين بكشوف وزارة الصحة دون الحصول على اللقاح، يشير إلى واقعة سابقة لها "بإلقاء لقاح (سينوفارم) بالقمامة بجوار ترعة بمحافظة المنيا (الصعيد)، والتي تحقق فيها السلطات".

ويؤكد أن تلك الوقائع "لها تفسير واحد، وهو أن العاملين ببرنامج لقاح كورونا يريدون تحقيق معدلات للقاح مرتفعة للحصول على حوافز حملة (معا نطمئن سجل فورا)، الممولة بـ46 مليون دولار من هيئة المعونة الأميركية".

"ولم يكن لديهم من وسيلة سوى إلقاء اللقاح بالقمامة، وتحرير سجلات وهمية بناء على شهادات اللقاح يجري بيعها لمن يريد مقابل مبالغ مالية خاصة"، يضيف المسؤول السابق بوزارة الصحة.

وعن رفض أطباء وأساتذة جامعات تناول لقاحات كورونا واللجوء إلى باب خلفي لشراء شهادات الحصول على اللقاح بمقابل مالي يرى جاويش بأن "لقاح (سينوفارم) الصيني مرفوض تماما من أغلب المواطنين المصريين".

ويرجع السبب في ذلك إلى "الطريقة المريبة التي دخل بها البلاد بناء على مبادرة من السيسي، وقبل أن يحصل اللقاح على أية موافقات علمية وبالمخالفة الصريحة لتوصيات منظمة الصحة العالمية".

"ما يؤكد على ذلك أن بيان النيابة العامة في واقعة لقاحات المنيا جاء مليئا بالأقوال المتناقضة للمتهمين دون أي تفسير مقبول لتلك التناقضات"، وفق جاويش.

ويشير أيضا إلى أن "تقرير هيئة الرقابة الإدارية بشأن قضية رشوة وزارة الصحة أشار لخيوط القضية التي يتتبعها منذ شهر قبلها، وهذا يعود تلقائيا إلى فترة قضية إلقاء اللقاح بالقمامة".

ويختم جاويش: "كل هذا يؤكد أن شبكة الفساد متشعبة وممتدة من وزارة الصحة لتشمل جميع محافظات مصر". 

فساد "كورونا"

وتفجر ملف "فساد خطير" داخل وزارة الصحة، أطرافه 5 قيادات كبيرة بالوزارة جرى توقيفها 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، من قبل "جهاز الرقابة الإدارية".

من بين الذين جرى توقيفهم مدير "إدارة العلاج الحر" بالوزارة وثلاثة مسؤولين في إدارته، بجانب المسؤول عن لقاحات فيروس "كورونا"، وذلك بتهم تلقي "رشاوى مالية وفساد مالي وإداري والإضرار المتعمد بالمال العام".

ورغم الجدل الكبير في قضية رشوة وزارة الصحة ومع فرض السلطات "التعتيم الإعلامي" خرج بيان من مكتب النائب العام في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ويكشف عن وجود تحقيقات مع بعض المسؤولين دون أن يذكر أسماءهم أو مناصبهم أو علاقة الوزيرة بالقضية أو نوع المخالفات التي ضبطتها "الرقابة الإدارية".

سبق قضية الفساد تلك ملفات أخرى خاصة بلقاحات كورونا 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بالعثور على 40 كرتونة بها أكثر من 13 ألف أمبول (عبوة) للقاح سينوفارم، عثر عليها ملقاة على جانبي ترعة قرية أبشاق بمركز بني مزار محافظة المنيا "صعيد مصر".

وعلى الرغم من أن العديد من الدول طالها فساد بملف كورونا فإنها لم تصمت عليه أو تتجاهله، كما يجري في مصر.

ففي 3 يوليو/تموز 2021 حققت النيابة البرازيلية في اتهامات بفساد ضد الرئيس جايير بولسونارو، للاشتباه بتقصيره في الإبلاغ عن محاولة فساد بوزارة الصحة عند شراء لقاحات مضادة لفيروس كورونا.

وفي جنوب إفريقيا في يونيو/حزيران 2021 أحيل 63 موظفا للمدعي العام، وأدرجت 87 شركة باللائحة السوداء بقضايا فساد لقاحات كورونا. 

وفي فبراير/شباط 2021 استقال وزيرا الصحة والخارجية في البيرو، إذ جرى إعطاء اللقاح لـ487 شخصا بينهم الرئيس السابق مارتن فيزكارا قبل بدء حملة لقاح كورونا بالعاملين الصحيين.

وأصدرت الأرجنتين فبراير/شباط 2021 لائحة تضم 70 شخصا تلقوا اللقاح خارج الأطر النظامية، بينهم وزير الاقتصاد والرئيس السابق إدواردو دوهالدي وزوجته وأبناؤهما.

كذلك في الإكوادور، استقال وزير الصحة خوان كارلوس فبراير/شباط 2021، لضلوعه في إعطاء لقاح لأشخاص لا يحظون بالأولوية بينهم أفراد عائلته. 

وتتهم جهات معارضة ومنظمات دولية رئيس النظام عبدالفتاح السيسي برعاية الفساد والتستر على الفاسدين، بل ومشاركة متهمين بالفساد في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وبينها توقيع "الصندوق السيادي" الذي يخضع لإدارة السيسي المباشرة 20 سبتمبر/أيلول 2021 اتفاقية مع رئيس شركة "بدايات" الوزير الأسبق رشيد محمد رشيد (2004- 2011)؛ لتطوير منطقة بقلعة صلاح الدين بالقاهرة، برغم إدانته بالفساد في ثلاث قضايا إثر ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

سماح السيسي بعودة رشيد من الخارج ومشاركته، سبقها قرار رئيس النظام في 23 يونيو/حزيران 2017 بالإفراج الصحي عن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى من السجن في قضية مقتل اللبنانية سوزان تميم، والعودة لموقعه السابق في عهد مبارك بمجال الاستثمار.

كما تأتي قصة الأكاديمي بكلية الإعلام أيمن ندا، لتؤكد رعاية النظام المصري للفساد.

وطالت وقائع فساد مالي وإداري رئيس جامعة القاهرة عثمان الخشت، تجاهلتها السلطات وجرى القبض على ندا، 19 سبتمبر/أيلول 2021، وحبسه دون التحقيق في ملفات الفساد.

وعلى غرار قضية ندا وتجاهل النظام للفساد، جرى حبس الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة في يونيو/حزيران 2016، بعد تصريحات صحفية عام 2015، أكد فيها أن حجم الفساد المالي في مصر بلغ 67.6 مليار دولار في 4 سنوات.

وزعم السيسي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد 9 ديسمبر/ كانون الأول 2020 "تمسك الدولة بسيادة القانون وترسيخ قيم النزاهة ورفض ممارسات الفساد".

إلا أنه وفي يناير/كانون الثاني 2021 كشف مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية تراجع القاهرة 11 موقعا بترتيب الدول الأكثر فسادا. وبذلك حلت مصر في الرقم 117 من ضمن 179 دولة.