حسام لوقا.. لواء سوري ارتكب "مجازر حماة" وأخضع درعا لنفوذ الأسد
بشكل مفاجئ عزل النظام السوري رئيس اللجنة الأمنية المكلفة بالتفاوض مع أهالي "أحياء درعا" (جنوب) اللواء حسام لوقا، الذي نجح عبر المراوغة في جلسات التفاوض لإخضاع المحافظة مجددا لنفوذ النظام.
وانتزع لوقا بـ"خبثه الاستخباراتي" عبر التهديد والتهجير، اتفاقا من الأهالي قضى بعودة النظام لمناطق كانت خارج نفوذه منذ 9 سنوات، وفتح بذلك عهدا جديدا من التسويات مع النظام أواخر أغسطس/آب 2021، أجبرت غالبية شباب المحافظة للدخول فيها.
وبدون مقدمات عين نظام بشار الأسد، اللواء الركن مفيد حسن، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، رئيسا للجنة الأمنية والعسكرية في محافظة درعا، بدعم من الجانب الروسي، بدلا من لوقا المقرب من موسكو الذي تسلم المحافظة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
النشأة الأمنية
وتمكن لوقا عبر اللجنة الأمنية وبإشراف مباشر منه على سحب آلاف قطع السلاح الخفيف من المقاتلين بداية من درعا البلد ثم امتدت إلى أرياف المحافظة الغربية والشمالية والشرقية، وتوقفت عند معقل رجل روسيا الأول أحمد العودة قائد "اللواء الثامن"، لكن لم تسلم عناصره في الأرياف المذكورة من اتفاق التسوية الجديدة.
وتعامل لوقا بشدة مع أهالي درعا، لدرجة أنه هدد في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وجهاء منطقة حوض اليرموك غرب درعا بتدمير عدد من منازل الأهالي في حال لم يتم ترميم مبنى "أمن الدولة" على نفقتهم، حتى لو اضطر هؤلاء الوجهاء إلى بيع منازلهم وممتلكاتهم العقارية لإعادة تأهيله.
وكان لوقا يعتمد على منطق القوة والتهديد لدفع مقاتلي المعارضة للدخول في "التسويات الجديدة"، لا سيما أن وسائل إعلام النظام ذكرت أنه تمت تسوية أوضاع حوالي 14 ألف شخص، بينهم 10 آلاف مدني وأربعة آلاف عسكري وتسليم آلاف قطع الأسلحة منذ مطلع سبتمبر/أيلول حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وينحدر حسام بن محمد نوري آنية لوقا (في الستينيات من عمره) من بلدة خناصر بريف حلب الشرقي، وهو شركسي، تخرج من الكلية الحربية عام 1984، ثم انتدب عام 1987 إلى وزارة الداخلية، وكان وقتها برتبة ملازم حيث جرى تعيينه بقسم شرطة حي الشعار بمدينة حلب.
وتدرج في الرتب والمناصب حتى تولى رئاسة قسم الشعار وهو برتبة مقدم، وجرى انتدابه إلى شعبة الأمن السياسي واستلم رئاسة قسم أمن الشرطة في فرع حلب، ونقل بعد ذلك إلى قسم الأمن السياسي في عفرين بريف حلب.
وفي عام 2004 تسلم لوقا رئاسة فرع حمص وبقي في المنصب حتى 2009، وجرى نقله إلى مركز الشعبة بدمشق بتهمة "هدر المال العام واختلاس أموال الدولة"، بعدما قام ببناء منزل مخصص لرئيس الفرع كلف خزينة الدولة عشرات الملايين من الليرات السورية، وتمت آنذاك إحالته إلى لجنة التحقيق، لكن تخلص من ورطته بمساعدة من أحد المسؤولين الأمنيين.
تولى عام 2011 رئاسة فرع الأمن السياسي في حماة، ثم نقل بنفس العام لتولي رئاسة الفرع نفسه في حمص، وفي عام 2016 أصبح معاون مدير إدارة المخابرات العامة، إلى أن عين عام 2018 رئيسا لشعبة الأمن السياسي في سوريا، وتدرج سريعا ليصبح مدير إدارة المخابرات العامة السورية عام 2019.
خبير التهجير
يعد لوقا مسؤولا عن مجازر ارتكبت بأوامر منه في مدينة حماة عام 2011 لقمع المظاهرات حينما كان رئيسا لفرع الأمن السياسي فيها، وفق ما ورد في كتاب "القائمة السوداء" الذي نشرته منظمة "مع العدالة" عن أسماء ضباط الأسد المتورطين بدماء الشعب السوري وقتلهم عقب اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011.
ويعتبر لوقا ذا باع طويل في عمليات تهجير السوريين، إذ تولى مهمة التفاوض مع مقاتلي المعارضة للخروج من أحياء حمص القديمة في مايو/أيار 2014، واعتبرت "فاتحة التهجير الأولى" للمدنيين نحو الشمال، واقتلاعهم من بيوتهم بعدما صمدوا في حصار خانق استمر لعامين، وصل فيها المحاصرون لحد "الموت جوعا".
ولعل هذا ما جعل من لوقا أحد ضباط النظام الذين جرى تعيينهم كمسؤول للجنة الأمنية في درعا، بهدف العمل على إخضاعها لنفوذ الأسد عبر خبرة لوقا في ملف التهجير.
ووفقا لمنصة "تجمع أحرار حوران" فإن لوقا يعتبر مسؤولا عن "انتهاكات كثيرة بحق أهالي درعا، نتيجة تجنيده مليشيات محلية تعمل على تنفيذ عمليات اغتيال وخطف بحق معارضين للنظام".
وكان أهالي درعا يعبرون عن احتجاجهم عن الوضع الأمني في درعا، ولا يترددون من ذكر اسم "لوقا" بصفته المسؤول الأول عن جرائم الخطف والقتل والاعتقال، عبر لافتات ورقية ترفع أمام عدسات الكاميرات.
ويعد لوقا أحد المسؤولين عن حصار أحياء درعا البلد وطريق السد والمخيمات في مدينة درعا منذ 24 يونيو/حزيران 2021 حتى توقيع الاتفاق أواخر أغسطس/آب 2021، إذ إن لوقا هو من كان يعطي الأوامر بعدم إدخال الطحين إلى الأحياء المحاصرة آنذاك، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية خلال تلك الفترة للضغط على لجنة الأهالي المفاوضة.
ومن المفارقات أن لوقا يبدو أنه كان على علم بأنه سيتم عزله من اللجنة الأمنية، إذ عمد قبل شهرين من القرار إلى فرض إتاوات مالية على عشائر مدن وبلدات محافظة درعا، خلال عملية إجبار أبنائهم على تسليم السلاح.
مجرم حرب
ويعد لوقا مسؤولا عن "مجزرة العيد الأسود" في حي "الوعر" بحمص في 26 سبتمبر/أيلول 2015، والتي أدت إلى مقتل 19 شخصا بينهم 14 طفلا، إلى جانب اتهامات بتعذيب معتقلين في سجون النظام.
وبقي يمارس ضغطا كبيرا على أهالي حي "الوعر" ومقاتليه من المعارضة حتى تمكن من تهجير أكثر من 20 ألفا نحو الشمال السوري في مايو/أيار 2017.
وساعد لوقا في تكليفه بملف التهجير في حمص خبرته السابقة كرئيس فرع الأمن السياسي في حمص منذ عام 2012، والذي عرف بإطلاق يد عناصره في قمع المظاهرات السلمية الأولى التي تفجرت في المحافظة الواقعة وسط البلاد.
وشكل الضغط على أهالي حي "الوعر" وتهجيرهم بداية للفت أنظار الروس إلى لوقا في ملفات التهجير التي رعتها بعد سنتين من تدخلها العسكري إلى جانب نظام الأسد في سبتمبر/أيلول 2015.
وورد اسم لوقا ضمن عقوبات قانون "قيصر" الأميركي المخصص لمحاسبة النظام السوري، أواخر سبتمبر/أيلول 2020، حينما كان مديرا لإدارة المخابرات العامة وما يعرف بجهاز "أمن الدولة" والذي عينه الأسد في ذلك المنصب منذ يوليو/تموز 2019.
وشمل اسم لوقا كذلك ضمن "القائمة السوداء" التي أعدها رئيس الوزراء السوري المنشق عن النظام رياض حجاب، عام 2019 بالتعاون مع محامين وضباط منشقين عن النظام ارتكبت جرائم بحق السوريين.
وتقدم الائتلاف السوري المعارض حينئذ بطلب لرفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وأرسل للمحكمة ملفا يتضمن لائحة بجرائم ضباط وأزلام النظام، بينهم اللواء حسام لوقا الذي ورد اسمه بتسلسل القائمة في الرقم 23.
وفي مطلع 2019 كلفت روسيا لوقا الذي كان يشغل رئيسا للمخابرات العامة السورية الإشراف على خلية استخباراتية، تنحصر مهمتها في مراقبة قواعد وقوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن وتحركاتهم وانتشارهم في قاعدة "التنف" العسكرية الواقعة بالجنوب السوري، وتحديدا قرب المثلث الحدودي مع العراق والأردن.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي أدرج عام 2012 اللواء لوقا على قائمة العقوبات، بسبب مشاركته في "تعذيب المتظاهرين والسكان المدنيين".