تدهور مستمر.. لماذا لم تهدأ الخلافات بين الجزائر وفرنسا منذ 60 عاما؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال العلاقات بين كل من فرنسا والجزائر متوترة للغاية منذ عقود، لكنها تصاعدت مؤخرا بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وصب إيمانويل ماكرون، عشية الاحتفال بالذكرى السنوية الستين لاستقلال الجزائر في 5 يوليو/ تموز 1962، الزيت على النار بتصريحاته، تقول صحيفة لونوفيل أوبسرفتير الفرنسية.

فخلال مأدبة غداء جمعته مع أحفاد "أبطال الحرب" الجزائرية (1954-1962)، نقلتها صحيفة "لوموند" الفرنسية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021، اتهم ماكرون النظام "السياسي العسكري" الجزائري بالحفاظ على "ريع تذكاري" فيما يتعلق بالصراع وأنه يبث لشعبه "تاريخا رسميا لا يقوم على حقائق".

تدهور العلاقات

تقول "لونوفيل أوبسرفتير" إن الأسوأ من ذلك أن ماكرون، ذكر أنه لم تكن هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار، مبينا أنه بعد استقلالها فقط، أصبح لها تاريخ "أعيد كتابته بالكامل"، ولكن الرئيس الفرنسي في الحقيقة يطور "خطابا يقوم على كراهية فرنسا".

ومما جاء في تصريحات ماكرون اتهامه السلطات الجزائرية بأنها "تكن ضغينة لفرنسا".

وردا على ذلك، شددت الجزائر نبرتها في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2021 باستدعاء سفيرها في فرنسا (محمد عنتر داود)، وأصبحت عودته الآن مشروطة، باحترام باريس الكامل للدولة الجزائرية بحسب ما صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

وقالت الرئاسة في بيان الاستدعاء إن التصريحات الفرنسية "مسيئة" وتمثل "مساسا غير مقبول" بذاكرة أكثر من 5 ملايين مقاوم قتلهم الاستعمار الفرنسي.

وأضافت أن "جرائم فرنسا الاستعمارية، التي لا تعد ولا تحصى، هي إبادة ضد الشعب الجزائري، وهي غير معترف بها (من قبل فرنسا)، ولا يمكن أن تكون محل مناورات مسيئة".

كما أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية العاملة ضمن عملية "برخان" في منطقة الساحل الإفريقي. لكن لماذا لم تنحسر التوترات لسنوات عديدة؟ 

ووصفت صحيفة "الشروق" الجزائرية تصريحات ماكرون بـ"المستفزة"، قائلة إنها "تعيد العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مربع البداية"، وتكشف "مدى هشاشة العلاقات الثنائية الموبوءة بالعديد من الملفات المسمومة".

ومنذ فترة، تشهد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الجزائر وباريس توترا وفتورا رافقها نزيف اقتصادي لدى شركات فرنسية غادرت البلاد ولم تجدد السلطات الجزائرية عقودها.

يقول قادر عبد الرحيم، الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس) والمتخصص في المنطقة المغاربية إنه "منذ اندلاع هذه التوترات الجديدة، أشاد ماكرون بعلاقاته الجيدة مع نظيره الجزائري تبون، لكن هذه الأزمة الدبلوماسية العميقة أدت إلى تدهور العلاقات بين البلدين منذ عقود". 

وسبق أن تناول الرئيس الفرنسي عام 2020، في مقابلة مطولة مع صحيفة "جون أفريك" الأسبوعية، القضية الشائكة للذاكرة المشتركة، وهي نقطة تصادم لا نهاية لها بين البلدين.

تقرير الذاكرة

ما يطرح مشكلة بالنسبة إلى قادر عبد الرحيم هو أن تقرير الذاكرة قائم على عمل مؤرخ (بنيامين ستورا): "يمكن أن يكون له رأي مثل أي شخص آخر".

ويوضح أن هذا المؤرخ لديه كل الحق في القيام بذلك، "لكن ليس له أن يروي القصة"، لأن ذلك حسب عبد الرحيم "يضر بمقاربته". 

في يوليو/تموز 2020، عينت كل من باريس والجزائر العاصمة مؤرخا للعمل على التوفيق بين ذكريات الاستعمار.

على الجانب الفرنسي، تم تعيين بنيامين ستورا لهذه المهمة وقد قدم تقريره إلى الرئيس ماكرون في 20 يناير/كانون الثاني 2021، وفي الجزائر، عين عبد المجيد شيخي لذات المهمة.

اعتبر مؤرخون جزائريون أن تقرير الفرنسي ستورا، الذي نشرته الرئاسة في باريس حول حقبة استعمار بلادهم، يمثل موقف اليمين المتطرف، وأنه بمثابة حملة مسبقة للرئيس إيمانويل ماكرون في الانتخابات المقبلة.

تضمن تقرير ستورا مقترحات لإخراج العلاقة بين البلدين من حالة الشلل التي تسببت بها قضايا ذاكرة الاستعمار العالقة بينهما.

وأوصى ستورا في تقريره المكون من 150 صحيفة، بأن "يتمكن الجزائريون الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا (الحركي) خلال حرب الاستقلال الجزائرية من التنقل بسهولة بين البلدين".

كما أوصى بتشكيل لجنة تسمى "الذاكرة والحقيقة"، وتوثيق شهادات الناجين من حرب الاستقلال وضرورة زيادة التعاون بين فرنسا والجزائر.

واقترح التقرير إنشاء أرشيف مشترك بين البلدين، مشددا على ضرورة تقديم منح دراسية للطلاب الجزائريين لإجراء دراسات في الأرشيف الفرنسي، على أن يتم الشيء نفسه أيضا لنظرائهم الفرنسيين.

ودعم كذلك تنظيم أنشطة تذكارية بشأن حرب الاستقلال الجزائرية، وأن يتم إعلان 25 سبتمبر/ أيلول يوما لإحياء ذكرى "الحركي"، و17 أكتوبر/ تشرين الأول لذكرى "مذبحة باريس 1961"، و19 مارس/ آذار لإحياء ذكرى نهاية الحرب.

ووصف وزير الإعلام الجزائري عمار بلحيمر‎، تقرير ستورا بأنه "ليس موضوعيا لأنه يساوي بين الضحية والجلاد، وينكر مجمل الحقائق التاريخية".

وقال بلحيمر في حوار مع موقع "الجزائر الآن" (خاص) 16 فبراير/ شباط 2021، إن التقرير "يتجاهل المطالب المشروعة للجزائر، وفي مقدمتها اعتراف فرنسا رسميا بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، التي اقترفتها خلال احتلالها للجزائر لمدة قرن و32 سنة".‎

أزمات متعددة

ويقول عبد الرحيم: "الجزائر في أزمة اقتصادية واجتماعية ودبلوماسية وسياسية أيضا".

ويتابع أنه "في مأزق سياسي لا سيما بسبب الحراك، هذا الخلاف الداخلي الذي دفع لمدة عامين ونصف الملايين من الجزائريين إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد، كل يوم جمعة، لمحاولة الحصول على بديل سياسي".

ويتابع الباحث أن "الجزائر وجدت نفسها معزولة دبلوماسيا بسبب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي توفي في 17 سبتمبر/أيلول (2021) والذي أوقف كل نشاطه، بما في ذلك التمثيل في المحافل الدولية الكبرى في بلده"، مضيفا أن "ذلك لم يساعد في استئناف الحوار ".

يبقى أن نرى ما إذا كانت العلاقات بين البلدين ستهدأ في السنوات القادمة، تقول الصحيفة.

بالنسبة إلى قادر عبد الرحيم، لن يحدث شيء حتى تظهر نتيجة الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022.

ويقول في هذا السياق: "ستعود العلاقات لمجراها عندما نعرف ما إذا كان إيمانويل ماكرون سيعاد انتخابه في عام 2022  أم لا".

ويتابع: "يبقى أن نرى أيضا ما إذا كانت الجزائر ستقترب من الصين في ذلك الوقت، أو إذا قررت زيادة سعر بيع غازها إلى فرنسا، وبالتالي التنديد بالاتفاقيات السياسية القائمة منذ أربعين عاما".

على المستوى الإستراتيجي، ماذا سيحدث في منطقة الساحل والصحراء الغربية؟ هل تتدخل الجزائر من أجل استقرار الوضع؟، "هذه كلها أسئلة ستؤثر في ميزان العلاقات مع فرنسا"، يخلص الباحث.