رغم "قلقها الشديد".. لهذا قد تسمح الإمارات بتطوير السيسي موانئ مصرية

12

طباعة

مشاركة

أثار افتتاح رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي أعمال تطوير "ميناء الإسكندرية" شمال البلاد، بالتزامن مع الإعلان عن تطوير ميناء "العين السخنة" قرب المدخل الجنوبي لقناة السويس؛ تكهنات عديدة بشأن احتمالات حدوث صدام بين القاهرة وأبوظبي بشأن كعكة النقل البحري.

السيسي افتتح 7 سبتمبر/ أيلول 2021، أعمال تطوير ميناء الإسكندرية، الذي يستقبل 60 بالمئة من تجارة مصر، ليضم 87 رصيفا، بإجمالي أطوال 24.9 كم، وبأعماق تتراوح بين 8.5 و20 مترا، وتكلفة 400 مليون جنيه (25.64 مليون دولار).

وقال السيسي، خلال الافتتاح إن الدولة تنفذ مشاريعها بنفسها، وتعتمد على التمويل الذاتي في تطوير وتحديث موانئها البحرية، وأن ميناء الإسكندرية الذي يحتل الصدارة من موانئ الجيل الثالث، وفي طريقه ليضاهي أحدث الموانئ البحرية العالمية.

خطط قادمة

وتأكيدا لحديث السيسي، قال وزير النقل المصري كامل الوزير، في مداخلة هاتفية على قناة "صدى البلد" مع الإعلامي أحمد موسى: إن مصر في طريقها لتصبح مركزا للتجارة العالمية، واللوجستيات عام 2024، مستفيدة من موقعها الجغرافي والإستراتيجي وإمكانياتها البشرية.

ودون مناسبة، شدد الوزير على أن "مصر تمتلك قرارها، وأنها يجب أن تتبوأ مكانها الطبيعي"، وكأنه يرد على من يقول إن "مصر دولة تابعة"، لكنه لم يوضح إلى من يوجه حديثه.

وتابع: تعليمات السيسي في هذا الإطار هي تطوير الموانئ المصرية من دمياط إلى الإسكندرية بالبحر المتوسط، وبشكل خاص العين السخنة بخليج السويس بتحويله من عمق 3 كيلو متر فقط إلى 12 كيلو مترا، ومضاعفة قدرته 4 مرات.

وقال إن تعليمات السيسي تتضمن أيضا تغيير وضع الموانئ المصرية وخاصة "السخنة" من استقبال الصادرات والواردات المصرية إلى مناطق تخزين وأعمال لوجيستية عالمية لاستقبال البضائع العالمية وتخزينها ثم إعادة تصديرها.

وخلال حديثه ألمح الوزير إلى الإمارات عدة مرات، وقال: "مصر مش أقل من دول كثيرة (لم يوضحها)، كلهم أصدقاؤنا ويتعاونون معنا، وهناك دولة قائمة على ميناء واحد، وعندنا 15 ميناء".

وردا على سؤال أحمد موسى، عن مكاسب مصر من تطوير السخنة مقارنة بما كانت تحصل عليه من (شركة) موانئ دبي، قال الوزير: "كنا نأخذ حدا أدنى".

وقال: "بلاش نتكلم علشان دول أصحابنا وأشقاؤنا، نأخذ حد أدنى، وبلاش تدخلني في هذا نحن أشقاء وأصدقاء"، في إشارة إلى الإمارات، وفق ما اعتبر متتبعون لهذا الشأن.

وأشار إلى أننا تأخرنا كثيرا في تطوير ميناء "السخنة"، لافتا إلى أن هناك دولا لم يسمها "كانت السبب في عدم تطويره، وحان الآن وقت تطويره ورفع كفاءته الذي تعمل به 12 شركة مصرية و52 ألف عامل".

ميناء "العين السخنة"، بالساحل الغربي لخليج السويس بمساحة 22.3 كيلومتر مربع، ونحو 43 كم من مدينة السويس، ويستوعب 350 ألف حاوية، وتديره شركة "موانئ دبي العالمية" منذ 2008، وسط أزمات مع العاملين آخرها يناير/ كانون الثاني 2013.

في يونيو/حزيران 2021، بدأت وزارة النقل المصرية بالفعل تنفيذ المرحلة الأولى من أعمال تطوير الميناء بتكلفة تصل إلى 20 مليار جنيه (1.27 مليار دولار).

التطوير يشمل إنشاء أرصفة جديدة بأطوال 12 كيلومترا طوليا، وبعمق 18 مترا، وساحات تداول بمسطح 5.6 مليون م2، ومناطق تجارية ولوجستية بمساحة 5.3 كم2.

وتخدم الميناء شبكة خطوط سكك حديدية بطول 10 كم متصلة بالقطار الكهربائي السريع، (العين السخنة/العلمين الجديدة)؛ لنقل البضائع والحاويات لكافة أنحاء الجمهورية.

ملامح صدام

يعتقد مراقبون أن طموح السيسي في مجال الموانئ، ربما يقود إلى صدام محتمل بين القاهرة وأبوظبي الحليفين السياسيين والعسكريين القويين في منطقة الشرق الأوسط، لأسباب ثلاثة.

أولها: سيطرة "موانئ دبي" على "العين السخنة"، ووقف الشركة الإماراتية أعمال تطوير الميناء منذ 2008 ولأكثر من 13 سنة، بل وتقليص أعمال الشحن والتفريغ والتخزين، وتقليل أعداد العمالة، وذلك حرصا على منطقة "جبل علي" في دبي.

وهو ما عبر عنه الإعلامي القطري جابر الحرمي، في تغريدة قديمة 18 مارس/آذار 2019، أشار فيها إلى طرد دبي من إدارة موانئ الصومال، وجيبوتي، واتهامها بممارسات منافية للمنافسة في ميناء مومباي وموانئ إفريقية أخرى.

وقال: إنه وبرغم ذلك، "تحكم أبوظبي سيطرتها على قناة السويس لتحييدها وإخراجها من منافسة موانئ الإمارات لتتحكم أبوظبي في القرار المصري في عهد السيسي".

وثانيا، أن جزءا كبيرا من أزمة الإمارات مع نظام الرئيس الراحل محمد مرسي، هي توجهه لتطوير "محور قناة السويس" وتحويله لمنطقة جذب عالمية، ما أثار مخاوف أبوظبي على مستقبل "جبل علي" وإمارة دبي القائمة على مينائها بشكل أساسي.

تقرير لموقع "نون بوست" نشر 15 مايو/ أيار 2016، أكد أن الإجراءات الاقتصادية التي وعد بها مرسي وتطوير قناة السويس، "جعلت الإمارات تتخوف مما سيشكله هكذا مشروع بهذا الموقع الجيبولتيكي المميز على المدى المنظور على منطقة جبل علي".

ثالثا، توجه الإمارات للسيطرة على عدد كبير من الموانئ في البحر الأحمر، بينها 4 موانئ يمنية إلى جانب استئجار موانئ في جيبوتي والصومال وإريتريا بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ما يجعل من ميناء السخنة منافسا قويا لدبي واستثمارها بتلك الموانئ.

الإمارات، الدولة الحديثة العهد منذ العام 1970، أدركت مبكرا القيمة الاقتصادية والأهمية الإستراتيجية للموانئ البحرية، فكان ميناء دبي الأكثر أهمية من غيره الأقدم في مصر والسعودية وغيرهما، كما دشنت شركة "موانئ دبي العالمية" عام 1999.

وتدير وتستثمر "موانئ دبي" عددا كبيرا من الموانئ والمنشآت البحرية تبلغ بحسب موقع الشركة عبر الإنترنت 78 ميناء ومحطة بحرية في 40 دولة بمعظم قارات العالم.

في منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية حيث مضيق "باب المندب" معبر التجارة العالمية بين الشرق والغرب من جنوب شرق آسيا خلال قناة السويس المصرية إلى أوروبا، تستحوذ الإمارات على سبعة موانئ.

 هي "الحديدة" و"المخا" اليمنيان بمدخل باب المندب على الجانب الشرقي للبحر الأحمر، ومينائا "عدن" و"المكلا" اليمنيان في خليج عدن.

كما استأجرت الإمارات جزرا وأنشأت ميناء عسكريا في منطقة "عصب" إلى جانب استثمارات كبيرة بميناء "مصوع" الإريتريين، مع ميناء في دولة "جيبوتي"، و"بربرة" بإقليم أرض الصومال، على الجانب الغربي للبحر الأحمر.

وفي مصر تواصل "دبي العالمية" استحواذها على مشروعات هامة بمحور قناة السويس، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019،  حصلت على أرض صناعية بالمنطقة الصناعية هناك بمساحة 35 كيلومترا.

هكذا تتضرر الإمارات

وفي حوار لوزير النقل كامل الوزير مع الإعلامي نشأت الديهي 7 سبتمبر/ أيلول 2021، كشف فيه عن حلم مصر بأن يكون لديها موانئ أفضل من جبل علي.

وقال: "عندي حلم أن تصبح كل الموانئ المصرية وبخاصة العين السخنة والإسكندرية أفضل من جبل علي؛ لأننا مصر ونملك شواطئ بالبحر الأحمر والمتوسط".

حديث الوزير، يدفع للتساؤل عن مدى تأثير مشروعي تطوير السخنة والإسكندرية على ميناء جبل علي.

وهنا يقول الخبير الاقتصادي المصري رضا عيسى لـ"الاستقلال": "إن كل خدمة جديدة تضاف إلى الموانئ المصرية البحرية والجافة والمناطق والخدمات اللوجيستية والفنية مع ميناء ذكي متطور؛ كلها تسرق من حظوظ جبل علي".

ويوضح أن "سفن جنوب شرق آسيا تقطع مسافات طويلة وتضطر لدخول الخليج العربي حيث جبل علي للتزود بالوقود والخدمات الفنية والتقنية، وغيرها من الخدمات التي لو توافرت بشكل أفضل بموانئ السخنة لقلت بشكل ما حاجة الناقلات لميناء دبي".

ويلفت إلى أنه "وعلى الجانب الآخر؛ فإن السفن القادمة عبر البحر المتوسط من أميركا وأوروبا للمرور بقناة السويس، يمكنها التزود بتلك الخدمات من ميناء الإسكندرية والسخنة إذا وفرتاها كما يوفرها جبل علي، ما يخصم من رصيد الميناء الإماراتي".

ويؤكد أن "هذا ما تحرص الإمارات وبشدة على عدم حدوثه، منذ طرح الرئيس الراحل محمد مرسي فكرة تطوير محور القناة عام 2012".

سياسي مصري وخبيران اقتصاديان تحدثا لـ"الاستقلال"، عن توجه السيسي لتطوير موانئ مصر وإعادة أدوراها في التجارة الدولية، مؤكدين أن الأمر يقلق الإمارات بشدة، لكنهم اختلفوا بشأن احتمالات صدام النظامين في هذا الملف.

يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل، أن "ما يجري في مصر من تطوير للموانئ مسموح به للسيسي بقدر محدد ومعلوم، على الرغم من عدم السماح به لمرسي".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، يعتقد الأشعل بأن "القاهرة وأبوظبي لن تصطدما سياسيا بسبب ذلك التطوير؛ لأن ما بينهما من مشتركات أكبر بكثير".

ويعتقد أنه "اقتصاديا يجرى التنسيق والترتيب لما يرضي كل الأطراف، ولذا أستبعد تماما الصدام؛ لأن هذه فرضيات أساسية، خاصة وأن الإمارات دفعت الكثير من المال والدعم لدولة (30 يونيو)".

وفي تقييمه لتوجه السيسي في التجارة الدولية، يعتقد الخبير الاقتصادي المصري عبدالنبي عبدالمطلب، أن "تطوير الموانئ المصرية يأتى فى إطار خطة شاملة لإعادة اكتشاف موارد البلاد الطبيعية والجغرافية".

ويضيف لـ"الاستقلال": أن "زيارة السيسي لجيبوتي 27 مايو/ أيار 2021، وما لمسه من دور لقطاع الموانئ بدخلها القومي، وتحقيقها معدلات نمو هي الأعلى بإفريقيا؛ كان له أكبر الأثر في توجيه اهتمامه لهذه النقطة الهامة".

ولا يعتقد عبدالمطلب، أن "يضر توجه السيسي بشكل خاص في تطوير ميناء السخنة ومضاعفة قدراته 4 مرات؛ بموانئ دبي والإمارات عموما بالبحر الأحمر".

ويوضح أن "الهدف من تطوير الموانئ المصرية ورفع قدرتها هو التوجه نحو إفريقيا عبر مضيق باب المندب، ومنه للقرن الإفريقي عبر المحيط الهندي".

ويلفت إلى أن "هناك احتمالات كبيرة أن يكون الهدف من خطوات السيسي هو تلبية احتياجات الدول الإفريقية الحبيسة من خلال الطرق البرية والسكك الحديدية المزمع إنشاؤها مع السودان".

مخاوف أخرى

لكن الخبير المصري في المقابل يعتقد أن احتمالات اصطدام طموحات السيسي في تطوير موانئ مصر بمخاوف الإمارات من نهاية بريق شركة موانئ دبي العالمية "واردة".

ويوضح أن "مصر من خلال موقعها المتميز يمكن أن تؤثر على كافة المناطق اللوجستية في العالم، كما أنها أيضا ربما تكون رسالة لكل دولة تسول لها نفسها التحالف مع إسرائيل أو غيرها للإضرار بمصالح القاهرة".

ويرى أن تلك الخطوات لا تقلل من المخاوف على مستقبل قناة السويس، وخاصة مع طريق "الأرز الروسي" الذي تتبناه موسكو بديلا عن طريق الحرير الصيني، ويؤثر على القناة، بجانب مشروعات إسرائيل بهذا الإطار.

ويختم عبد المطلب بالتأكيد على أنه "لا تقلل تلك الخطوات من المخاوف على قناة السويس؛ لكنها على الأقل تقلل من تأثيرها السلبي المحتمل على قطاع نقل التجارة العالمية في مصر، وخاصة ممر القناة".

من جانبه، ينتقد الخبير الاقتصادي عيسى، منح مصر موانئ دبي ميناء العين السخنة حتى الآن، ويؤكد أن تطوير الأخير وباقي موانئ الدولة "حلم كبير تمنينا أن يحدث كذلك في ميناء دمياط".

لكن عيسى يقول لـ"الاستقلال"، إن الإمارات لن تسمح لمصر بذلك، ورد الفعل المتوقع منها إزاء أي تحرك مصري يهدد موانئ دبي هو الإسراع في إنشاء قناة "بن غوريون" لضرب قناة السويس.

يشير إلى أنه رغم استحواذ موانئ الإمارة الإماراتية على 7 موانئ بمدخل البحر الأحمر الجنوبي وميناء السخنة فإنها لن تسمح لمصر بأخذ جزء من الكعكة، خاصة مع قرب نهاية عصر البترول، ودبي هي الأمل الباقي لها.

ويلفت إلى أن "الوزير المصري السابق حسب الله الكفراوي، دشن في ثمانينيات القرن الـ20 مشروع تنمية شمال غرب خليج السويس، ليعمل به 900 ألف عامل، وبه جزء سياحي وآخر استثماري".

ويتابع: "أراد الكفراوي تلك المنطقة مثل هونغ كونغ الصينية، وأفضل من جبل علي؛ لكن للأسف الشديد جرى تقسيم الأرض بين رجال الأعمال نجيب ساويريس ومحمد أبو العينين وفريد خميس، وماتت الفكرة".

ولهذا يعتقد الخبير أن "ما يصرف الآن على تطوير الموانئ المصرية لن يعود بالمردود المتوقع، من ناحية أنه لا يمكن لمصر القدرة على منافسة موانئ دبي".

ويختم بالقول: "علينا إما الدخول في منظومة الإمارات، وإما توفير أموال تلك التطويرات لأنهم يعملون منذ عقود في إدارة الموانئ العالمية، ولنعترف أنها في الإدارة أفضل من مصر بكثير".

 رؤية عيسى أيدها ناشطون عبر موقع "تويتر" مؤكدين أن "العين السخنة كان المنافس الحقيقي لجبل علي، ولن تسمح الإمارات بأن يتفوق عليها، وأن هذه سياستها في موانئ البحر الأحمر، ولهذا جرى طردها من موانئ إفريقية لأنهم فهموا أن هدفها التجميد".