رفضوا الشمال السوري.. أسباب اختيار أهالي درعا التهجير لتركيا والأردن
.jpg)
عاد كل شيء إلى نقطة الصفر بعد انقلاب النظام السوري بدعم من مليشيات إيران على اتفاق وقف إطلاق النار في أحياء "درعا البلد" المحاصرة، ما وضع آلاف الأهالي أمام خيار التهجير أو الموت البطيء قصفا وجوعا.
شكل التوصل للاتفاق المذكور بين لجنة أهالي درعا عن الأحياء المحاصرة مع النظام السوري برعاية روسية في مطلع سبتمبر/أيلول 2021 نقطة فارقة رأى فيها المفاوضون "نصرا لدرعا" لطالما جاءت بشروط توافقية لا تهجير فيها.
لكن ودون أي مقدمات انقلب النظام السوري في 3 سبتمبر/ أيلول 2021 على الاتفاق الساري، وتقدم بمطالب جديدة، وهو ما دفع لجنة التفاوض عن درعا لإعلان انهيار الاتفاق.
الأردن أفضلية
أكد عضو اللجنة المفاوضة عن أهالي درعا البلد المحامي عدنان المسالمة أن "التيار الإيراني" هو من أفشل الاتفاق، مشيرا إلى أنهم اختاروا خيار التهجير، على القبول بالعيش داخل ثكنة عسكرية أو خوض حرب تدمر فيها البيوت ويقتل فيها الأبناء، حسبما صرح لشبكة "تجمع أحرار حوران" المحلية، 3 سبتمبر/أيلول 2021.
وما كان لافتا هو مطالبة أهالي درعا، بتهجيرهم إلى مكان آمن، وهو حسب اختيارهم إما إلى المملكة الأردنية القريبة، أو إلى تركيا، الأمر الذي وافقت عليه روسيا.
وتقع محافظة درعا جنوب سوريا، وهي ملاصقة للحدود الأردنية - السورية، وتبعد عن العاصمة دمشق 120 كم إلى الجنوب منها.
وجاء ذلك الخيار بعدما أطبقت قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية حصارا خانقا على 50 ألف مدني داخل أحياء "درعا البلد"، منذ 25 يونيو/حزيران 2021، نتيجة رفضهم الاستسلام والخضوع الكامل لسلطة الأسد، وسط ظروف مأساوية ووضع مزر بسبب نقص الطعام والشراب والأدوية والكهرباء والمحروقات.
إلا أن تفضيل أهالي درعا الأردن وتركيا كوجهة نهائية للتهجير وليس الشمال السوري، أثار تساؤلات عديدة، أولها من ناحية رفضهم لمنطقة تغيب عنها سلطة رئيس النظام بشار الأسد، وثانيا مدى قبول كل من عمان وأنقرة بهذا المقترح.
فالأردن الذي تربطه صلات عشائرية متداخلة مع أهالي درعا يحتضن اليوم 1.3 مليون سوري نصفهم يحملون صفة لاجئ ممن فروا من بطش وقصف نظام الأسد على مدنهم وبلداتهم، مما أرخى ذلك بظلاله على تفاقم التحديات السياسية والاقتصادية لعمان.
أما تركيا فيعيش على أراضيها حاليا أكثر من 3 ملايين ونصف سوري يحملون بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) التي تصدرها الولايات التركية، وتعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه لن يلقي بهؤلاء في "أحضان القتلة"، حسب تعبيره.
بينما الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام السوري والواقع على الحدود السورية التركية، فيعيش فيه 5 ملايين نازح سوري من مختلف المحافظات.
ورغم أن الشمال المحرر تحكمه اتفاقية وقف إطلاق النار المبرم بين روسيا وتركيا منذ مارس/آذار 2020؛ إلا أنه يشهد انتهاكات من قبل مدفعية وطائرات النظام وروسيا الحربية، إذ وثق فريق "منسقو الاستجابة" فقط خلال أغسطس/آب 2021، 711 خرقا أسفر عن مقتل عشرات المدنيين.
الخروج الآمن
وأكد عضو لجنة التفاوض عن أهالي أحياء "درعا البلد" أبو علي محاميد، أنهم لن يقبلوا بتهجيرهم إلى الشمال السوري، "لأننا لا نستطيع العيش بمكان ذي كثافة سكانية عالية ويتعرض للاعتداء والقصف عليه كل يوم، لذا نحن نريد أن نخرج لمكان آمن على دولة من دول الجوار وهذا ما وافق عليه الروس".
وقال محاميد لـ"الاستقلال": إن الأعداد التي تريد الخروج من الأحياء المحاصرة هم "بالحد الأدنى يبلغون 30 ألف شخص".
وبما أن روسيا أبدت موافقة من طرفها لتأمين خروج أهالي درعا إلى وجهتهم المنشودة، فإن موسكو لم تحصل على موافقة كل من عمان وأنقرة.
وفي هذا السياق، أكد محاميد عدم تواصلهم مع تركيا والأردن، معتبرا أن هذا الأمر "منوط بروسيا وليس بهم".
ونوه عضو لجنة التفاوض عن أهالي درعا إلى أنهم "تحدثوا فقط مع بعض الأشخاص الذين تواصلوا مع الخارجية التركية"، مشيرا إلى أنهم أبلغوا "بعدم وجود أي تنسيق بين الأتراك والروس حول هذا الموضوع، وتركيا لا تقبل دخول أي لاجئ إلى أراضيها" على حد قوله.
وهذه المعطيات الجديدة فرضها تسارع الأوضاع في أحياء "درعا البلد" ذات الأهمية الإستراتيجية الخاصة، كونها تقع في مثلث حدودي تطل من خلاله على الأردن وإسرائيل، وذلك عقب نسف روسيا لاتفاقية التسوية المبرمة في يوليو/تموز عام 2018 بين فصائل المعارضة السورية وروسيا.
وكانت الاتفاقية المذكورة تنص على منع أي عمل عسكري أو وجود مليشيات إيرانية مسافة 80 كم قرب الحدود السورية - الأردنية.
وبعدها بدأت قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية مدعومة بالدبابات والمدرعات بحملة قصف ومحاولات اقتحام لأحياء "درعا البلد" منذ 28 يوليو/تموز 2021.
وهذا ما دفع أحد الضباط الروس ممن حضر توقيع الاتفاق الأخير المنهار للقول لوجهاء درعا الذين ذكروه بانقلاب بلاده على اتفاق التسوية المذكور، للقول: إن "الظروف الآن تغيرت عما كانت عليه عام 2018"، وهذا ما أعطى دلالة واضحة على القبول الضمني الروسي برسم ملامح جديدة في الجنوب السوري.
عقبات داخلية
وتبقى مسألة قبول الأردن وتركيا، بما طرحه أهالي درعا، محكومة بعوامل داخلية وخارجية كثيرة.
ولعل الصحفي الأردني حمودة مكاوي وضع يده عليها في تصريحات صحفية 4 سبتمبر/أيلول 2021، بقوله: إن "المملكة الأردنية لن تقبل بتهجير أهالي درعا إليها لكونها تمر في وضع اقتصادي حرج، إضافة لتداعيات جائحة فيروس كورونا".
وأضاف: "لا يوجد أي مؤشر إيجابي لقدرة عمان على إدخال لاجئ واحد في الوقت الراهن، وخاصة أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تمر بشح في الأموال وعدم مقدرتها على مساعدة اللاجئين السوريين داخل الأردن".
واعتبر مكاوي أن "تركيا أيضا لا يمكنها استقبال مزيد من اللاجئين حاليا، خاصة أنها على الدوام كانت تؤكد أن حدودها مع سوريا مغلقة ولم يدخل إلى أراضيها أي لاجئ منذ سنوات".
وذهب الصحفي للقول: "إن خروج المهجرين من درعا لخارج الحدود السورية لن يحدث، وأن الوضع الحالي في سوريا سيبقى كما هو عليه".
ويرى الكثير من المراقبين أن اختيار أهالي درعا، الأردن المجاور كوجهة للتهجير، له أبعاد ورسائل سياسية، أراد هؤلاء إيصالها لعمان، أكثر من تلك الموجهة لتركيا.
ووسط أزمة الكهرباء الحادة التي يعاني منها لبنان، والتي تسببت بخلق أزمات اقتصادية كبيرة، أبدت الإدارة الأميركية توجها لمساعدة بيروت لاستجلاب الكهرباء من الأردن عبر سوريا.
إضافة إلى تسهيل نقل الغاز المصري إلى الأردن وسوريا وصولا إلى لبنان، وفق ما أعلنت الرئاسة اللبنانية في 19 أغسطس/ آب 2021.
وتلك الأزمة لها علاقة بجغرافية درعا، وهذا ما ألمح إليه القيادي في المعارضة السورية أيمن العاسمي، بقوله: إن طلب أهالي درعا تهجيرهم إلى الأردن هي "ردة فعل طبيعة".
وأوضح العاسمي في مداخلة تلفزيونية في 4 سبتمبر/أيلول 2021، أن أهالي درعا وجهوا رسالة لـ عمان "بعدما تسرب من اتفاق أردني روسي بإدخال الكهرباء عن طريق الغاز المصري إلى لبنان مرورا بدرعا".
وأوضح أن الرسالة مفادها: "أنه إذا أرادت الأردن تغذية لبنان بالكهرباء فيجب أن يتحملوا أهالي درعا داخل أراضي المملكة، لأن هذا نتيجة الانصياع للنظام والمليشيات الإيرانية".
وأشار القيادي في المعارضة إلى أن مسألة تهجير أهالي درعا "يجب أن يتم تحويلها إلى جهة لها علاقات دولية ومع الأمم المتحدة أيضا، لأن روسيا لن تلتزم بأي اتفاق ما لم يتدخل طرف ثالث".
حماية دولية
وينظر الشارع السوري إلى أهالي أحياء درعا البلد على أنهم الشعلة الأخيرة المتبقية لمهد الثورة السورية التي انطلقت منها في 18 مارس/ آذار 2011.
لذلك بدأت تتصاعد الأصوات التي تشير إلى أن النظام ومن ورائه روسيا وإيران يريدون استغلال موقف أهالي درعا، وربما التنكيل بهم لكي يرهبوا سكان الشمال المحرر.
ومن هنا كانت الأصوات تطالب بمنع تهجير هؤلاء وتركهم يواجهون مصيرهم بعيدا عن أي دعم عسكري أو إنساني، وخاصة أن المنظمات الإنسانية بقيت عاجزة عن إدخال ذرة طحين إلى أحياء "درعا البلد" على مدى 75 يوما من الحصار.
وهذا ما ركز عليه المحلل السوري العسكري، العميد عبد الله الأسعد بقوله لـ "الاستقلال": إن "الكتلة البشرية التي يريد أن يهجرها النظام السوري بالتعاون مع الروس والبالغة قرابة 40 ألفا لا يتحملها الشمال السوري، لكون الأخير بحاجة لتحضيرات لوجستية كبيرة من أجل استقبال هؤلاء المهجرين الذين يحتاجون إلى مخيم كبير جدا".
وشدد العميد على أن أهالي درعا "استغنوا عن بيوتهم وتاريخهم وأراضيهم مقابل ألا يبقوا تحت حكم بشار الأسد، وتعرضهم مجددا للإذلال.
وخاصة أن النظام يريد وضع حواجز داخل الأحياء السكنية التي إذا أراد الشخص الخروج من منزله فعليه أن يمر بثلاث حواجز أمنية، ولا سيما أن هؤلاء يدركون مدى حقد تلك الحواجز عليهم والتي يوجد عليها مليشيات طائفية وعصابات مجنسة، وفق قوله.
وقدم الأسعد عدة أسباب تصب أيضا في جملة الأهداف التي دفعت أهالي درعا لاختيار وجهتي تهجير خارجيتين وليست ضمن حدود سوريا، وهذه سابقة لم تطلب في عمليات التهجير التي قام بها النظام السوري وروسيا في باقي المحافظات من قبل.
ويتابع أن "أبناء درعا لا يثقون في النظام السوري، لذلك هم طلبوا تهجيرهم إلى الأردن أو تركيا حصرا، ليكون لهم حماية دولية، وخاصة أنهم يخشون من تعرضهم للاعتداء أو القتل لهم ولعائلاتهم إذا ما جرى تهجيرهم نحو الشمال".
ويضيف: "هم يخشون من أن يعمد النظام إلى حصرهم في معسرات إيواء في البادية السورية أو أي مكان آخر، لذا جرى اختيار دول لكي يكون هناك لجان ترعى هذا الاتفاق".