تفاقم الدين العام.. كيف يتغلب الأردن على "النظرة السلبية" لمستقبل اقتصاده؟

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ارتفعت معدلات الدين الحكومي في الأردن خلال عام 2020 بنحو 10 بالمئة لتصل إلى 91 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يضع البلاد أمام تحديات اقتصادية صعبة، في وقت يصعب فيه الرهان على مدى قدرة تعافي الاقتصاد المحلي سريعا.

وذكرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن الاقتصاد الأردني على المدى الطويل سيقف عند درجة "BB" مع نظرة مستقبلية "سلبية"، ما يؤكد التحديات التي تواجه المالية العامة للمملكة.

وأوضحت أن "التوقعات السلبية تعكس خطر زيادة تدهور الدين الحكومي، وسط تعاف غير مؤكد وسياق اجتماعي صعب في أعقاب جائحة كورونا". 

وهذا ما أكد عليه البنك الدولي بقوله: إنه "في الوقت الذي حافظ فيه الأردن على تحقيق توازن هش على الرغم من الضغوط الإقليمية والمحلية المتزايدة خلال فترة إطار الشراكة الإستراتيجية، فقد تضرر اقتصاده بشدة من جراء جائحة كورونا".

وأشار البنك إلى أن تلك المعطيات جاءت "وسط نمو منخفض بالفعل، وارتفاع في معدل البطالة بين مواطنيه، فضلا عن تزايد الدين العام".

ووفقا لتحليلات البنك الدولي، فقد ارتفع معدل البطالة ليصل إلى 24.7 بالمئة في الربع الأخير من عام 2020.

ووصلت المعدلات بين شباب الأردن إلى نسبة غير مسبوقة بلغت 50 بالمئة.

وبحسب آخر أرقام وزارة المالية الأردنية، فإن رصيد الدين العام المستحق على المملكة حتى نهاية فبراير/شباط 2021، وصل إلى 26.7 مليار دينار (37.6 مليار دولار) مقارنة مع 26.49 مليار نهاية 2020.

وبلغ الدين العام الأردني في يوليو/أيلول 2021 حوالي 47.7 مليار دولار، بارتفاع مقداره 565 مليون دولار بالمقارنة مع حجمه مع نهاية عام 2020، ليشكل ما نسبته 107.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. 

نقص الإيرادات 

ويرجع هذا التفاقم المزمن في الدين، وفق الخبير الاقتصادي حسام عايش، إلى أن النموذج الاقتصادي الأردني يستدعي زيادة الديون ومعها زيادة الضرائب، "فالديون هي ضرائب مؤجلة في حقيقتها النهائية".

وأشار في حديث لـ"الاستقلال" إلى أنه عندما تسجل الموازنة عجزا مستمرا فإن ترجمة ذلك يكون بالحصول إما على مزيد من الديون أو فرض المزيد من الضرائب أو تقليص الإنفاق.

وأضاف عايش، أن الإيرادات العامه للمملكة بالأصل قليلة والإنفاق يذهب في معظمه حوالي 83 أو 85 بالمئة كإنفاق جاري.

ولفت إلى أن القدرة على تقليص الإنفاق تظل محدودة. لذلك يأتي الدين كأحد المخارج المهمة لتعويض النقص في الإيرادات ولتغطية النفقات، وبالتالي أصبحت هذه مسألة مستمرة ومزمنة.

وتقدر "فيتش" العجز العام للحكومة الأردنية بأنه ارتفع إلى 5.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 من 1.4 بالمئة في 2019.

 وتتوقع أن ينخفض العجز العام للحكومة في الأردن إلى 4.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 و2.7 بالمئة في عام 2022.

من جانبه، يرى رئيس الوزراء الأردني للشؤون الاقتصادية سابقا، جواد العناني، أن أحد أهم أسباب تفاقم الدين هو تراجع الدخل الحكومي نتيجة ثلاثة أمور.

هذه الأمور نابعة من أزمة كورونا التي أدت إلى تراجع الإيرادات العامة وبخاصة الضريبية بسبب تراجع الواردات وانتقال المواطنين من شراء الملابس التي يتم فرض ضريبة عليها إلى الطعام والشراب.

وأضاف العناني، لـ"الاستقلال"، أن الأمر الثاني هو تراجع ضريبة المحروقات التي تمثل نسبة عالية من كلفة هذه المادة.

فمع تباطؤ النشاط الاقتصادي وحركة السير انخفض استهلاك الأردن وهبطت أسعار النفط عالميا مما أثر على نسبة الضريبة المفروضة التي تفرض بشكل نسبي.

وتراجعت قيمة الواردات في الأردن خلال عام 2020 بنسبة 11.3 بالمئة إلى 12.07 مليار دينار (17 مليار دولار)، وسجلت الفاتورة النفطية تراجعا بنسبة 47.3 بالمئة إلى 1.2 مليار دينار (1.7 مليار دولار).

وأوضح العناني، أن الأمر الثالث هو تراجع الضريبة العقارية (حوالي 9 بالمئة من كل صفقة عقارية) الذي أدى بدوره أيضا إلى تراجع الإيرادات الحكومية.

بالإضافة إلى هذه الأمور، رفعت الحكومة بعض أوجه الإنفاق مثل الأجور ولقاحات كورونا التي تقدمها للمواطنين مجانا.

بالتالي فإن كل هذه الأمور جعلت النفقات عالية نسبيا مقارنة بالإيرادات، لذلك زاد العجز الحكومي الذي يتم سداده من خلال القروض نظرا لأن المساعدات التي تأتي لدعم الموازنة قليلة جدا، لذلك وجدت الحكومة نفسها تستدين أكثر، وفق تعبير العناني. 

وسجلت الإيرادات العامة انخفاضا بنسبة 9.3 بالمئة في موازنة عام 2020، لتسجل 7.029 مليارات دينار (9.84 مليارات دولار)، بينما بلغ العجز المالي في الموازنة العامة خلال العام 2020 نسبة 106 بالمئة، ليسجل 2.182 مليار دينار (3.05 مليارات دولار).

وارتفع الإنفاق العام بنسبة 4.5 بالمئة في 2020 ليسجل 9.211 مليارات دينار (13 مليار دولار)، وسجلت المنح الخارجية نحو 791 مليون دينار (1.1 مليار دولار)، وفق الحساب الختامي لعام 2020.

وفي مارس/آذار 2021، أقر الأردن مشروع الموازنة العامة لعام 2021، بإجمالي نفقات 9.93 مليارات دينار (14 مليار دولار)، وعجز بمقدار 2.05 مليار دينار (2.89 مليار دولار) بعد المنح الخارجية.

وأكد العناني أن تلك المعطيات أدت إلى تداعيات واضحة جدا، وأن المواطنين يعيشون حالة من الارتباك فكثير من المحلات التجارية تغلق أبوابها ومحلات الأثاث وغيرها، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة، مما له انعكاسات سلبية على المجتمع تؤدي إلى احتقان ومظاهر اجتماعية غير مرغوبة.

ويأتي ذلك نتيجة تزايد حجم القروض مع انخفاض حجم الإيرادات وزيادة حجم الإنفاق. وبالتالي أصبحت المملكة مرغمة على التخلي عن بعض الأدوار الخدمية والدعم لسداد القروض المستحقة على المملكة.

القروض والديون

ولكن في ظل ما يشهده الاقتصاد الأردني من ارتباك حالي نتيجة تزايد قروضه، فإن الخبراء الاقتصاديين يتوقعون مزيدا من الارتفاع، وبخاصة مع ارتفاع رصيد الدين العام المستحق على الأردن في أول شهرين من العام الحالي 2021 بنحو 0.8 بالمئة.

ويعتزم الأردن اقتراض نحو 9.8 مليارات دولار خلال العام الحالي 2021، إذ جرى إدراج ذلك في الموازنة العامة، وسيكون حوالي 1.15 مليار دولار من القروض على شكل سندات دولية لتسديد عجز الموازنة العامة وأقساط القروض الخارجية والداخلية المستحقة.

ويتوقع عايش أن ترتفع مديونية المملكة إلى 36 مليار دينار (50.7 مليار دولار) ليصل إلى 114 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وهو ما يعني مزيدا من الأعباء الاقتصادية، في مجتمع يعاني مشكلات اجتماعية وسياسية تحول دون فرض مزيد من الضرائب، وبالتالي تعد الاستدانة هي الحل الوحيد. 

وأوضح أن موازنة الأردن لعام 2021 رصدت لهذه الديون نحو مليار و450 مليون دينار (2.04 مليار دولار) من الفوائض، مشيرا إلى أن هذا الحجم من المخصصات يفوق مخصصات أي وزارة، مما يخلق تشوها أساسيا في العملية الاقتصادية. 

وأشار إلى أن بعض هذه القروض يتم سدادها عبر أخرى جديدة بفائدة أقل من الدين القديم، ولكن يتم سداده على أمد طويل تفوق أحيانا سنوات الدين المسدد.

 وبالتالي، في نهاية المطاف يصبح إجمالي فائدة القرض الجديد يفوق القرض القديم، "وكأننا لم نحقق نتيجة إيجابية من عمليات الاستبدال بين القروض الجديدة والقديمة".

 تفرض هذه المعطيات العمل على تقليص معدلات الدين والبحث عن سبل تعزيز الاستثمار داخل المملكة لخلق فرص عمل وتحفيز الاقتصاد المحلي، مما يمكنها من توجيه أكبر قدر ممكن من الإيرادات للمواطن.

 وبخاصة أن البنك الدولي توقع أن جائحة كورونا تسبب في ارتفاع معدل الفقر في المملكة بنحو 11 بالمئة إضافية.

ويرى عايش، أن تقليص الدين يمكن أن يحدث من خلال منع التهرب الضريبي مما يزيد من إيرادات الدولة ودمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.

فضلا عن تقليل الهدر في الموازنة عبر مراعاة كافة البنود المتعلقة بالإنفاق للتخلص من كل ما يشكل عبئا على الموازنة، إضافة إلى مواجهة الفساد.

وكذلك يرى أهمية مراقبة الإنفاق العام الذي يتجاوز في كل مرة نسبة نمو الإيرادات ما يعني أنه مع كل نمو إيجابي في الإيرادات يكون هناك نمو سلبي أكبر في النفقات، وبالتالي هذا العجز يبقى مستمرا.

 فعلى سبيل المثال هناك الكثير من المؤسسات تحت مسمى "مستقلة" تستنزف جزءا رئيسا من نفقات الدولة الأردنيه وتحملها أعباء دون عائد، وفق عايش.

ووفق بعض التقديرات فإن حجم الاقتصاد غير الرسمي في الأردن تتراوح نسبته على مدى السنوات الماضية حول ما يعادل 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

 وبالمقارنة مع الدول العربية، تعتبر نسبة القطاع غير الرسمي في الأردن هي الأقل عربيا.

وأشار إلى ضرورة توجيه الأردن إلى الاقتصاد الحقيقي عبر إعطاء الأولوية للقطاعات الإنتاجية التي تخلق قيمة مضافة للاقتصاد المحلي مثل قطاع الزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات، مما يحفز الصادرات ويخلق فرص عمل جديدة ويعمل على زيادة مهارات القوى البشرية.

من جهته، أكد العناني أن تقليص الديون يأتي من خلال تنشيط الاقتصاد ووجود قطاع خاص قوي.

 لذلك، طالب بضرورة تشجيع الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص عبر خفض الضرائب بأنواعها وأسعار الفائدة، وزيادة الإنفاق على المشروعات الاستثمارية ودعمها وبخاصة في ظل التضخم العالمي الحاصل. 

وأوضح أنه لا يوجد مشكلة في الاقتراض من قبل المملكة في سبيل توجيه للاستثمار بهدف تحسين المناخ الاستثماري وبيئته داخل الأردن وتحفيزه لإعادة الثقة للمستثمرين في الاقتصاد المحلي.