"فاق أستاذه".. أكاديمي تركي يرصد علامات انهيار تحالف ابن زايد وابن سلمان
لم يكن أشد خبراء السياسة الدولية والعلاقات الخارجية والخليجية خبرة ليتوقع أن ينقلب التلميذ، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أستاذه ومعاونه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ليعاني الأخير من آثار مماثلة لما أجرمه من انقلاب دعمه في مصر وليبيا واليمن.
"وكالة الأناضول" التركية، فتحت ملف الخلافات القائمة بين السعودية والإمارات أخيرا، عبر مقال لرئيس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ماردين أرتوكلو "نجم الدين أجر".
الأكاديمي التركي، لفت إلى أن يوليو/ تموز 2021، شهد أوج التضارب في المصالح الإماراتية السعودية، عندما أعلن ابن سلمان، مطلع الشهر نفسه، إطلاق شركة طيران جديدة لتحدي قوة الإمارات في الجو.
مؤشر آخر على تردي علاقات الحليفتين الخليجيتين، بدا في كيلومترات من طوابير الشاحنات على حدود البلدين، مع بدء تطبيق قرار سعودي خاص بالجمارك على البضائع الإماراتية.
خلفية التحالف
الوكالة تحدثت عن ظروف نشأة التحالف بين الجارتين الخليجيتين، مبينة أنه ظهر لقمع مطالب الشارع العربي بالتغيير وتثبيت عروش الأنظمة الاستبدادية في المنطقة خلال الربيع العربي الذي بدأ نهاية عام 2010.
بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2015، وصعود الملك سلمان إلى العرش السعودي واستلام ابنه محمد، الحكم الفعلي للبلاد، قويت روابط التحالف الإماراتي السعودي، وفق المقال.
وأكد أن ذلك التحالف حقق هدفه الأول في العقد الأول من القرن الـ21، بحماية الأنظمة الاستبدادية في البحرين ومصر واليمن.
عام 2011، جرى إنقاذ نظام آل خليفة بالمنامة من السقوط بدعم عسكري إماراتي سعودي.
وبالعام 2013، قدم التحالف دعما ماليا ودبلوماسيا كبيرا لانقلاب السيسي والإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين في مصر.
كذلك شن التحالف حربا ضد اليمن في عام 2015.
ولفتت الوكالة إلى أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مهد الطريق أمام بن سلمان لتولي عرش السعودية بدعمه التغييرات الجذرية في نظام الخلافة السعودية مستخدما علاقاته القوية مع الغرب.
وأوضح أن ذلك أدى إلى نشوء علاقة خاصة بين وليي العهد.
ومع أن الأقاويل كانت تدور مؤخرا حول كون بن زايد معلم ومرشد بن سلمان، إلا أن التغيير الكبير في السياسة الأميركية أضعف هذه العلاقة الخاصة كثيرا.
ولفت إلى أنه في الآونة الأخيرة، "شهدنا العديد من التطورات التي برزت فيها الخلافات بين تحالف الإمارات والسعودية".
التحالف الإقليمي الأهم كانت الحرب اليمنية المستمرة منذ أكثر من 6سنوات، بمثابة المختبر الذي كشف عن هشاشته.
وشرح ذلك بالقول: "إذ تضرر التحالف بشدة عندما بدأت الإمارات في متابعة أجندتها الخاصة في اليمن متجاهلة المخاوف الأمنية لحليفتها، وتركت السعودية وحدها في المناطق التي اشتدت فيها وطأة الحرب".
التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، وفق الأكاديمي التركي، "عمق الشرخ أكثر فأكثر"، الذي يرى أن "نفوذ بن زايد في الرياض قد تضاءل في المرحلة الحالية".
تغير الظروف
واستطرد أجر: "جاء العقد الأول من القرن الـ21، بتغييرات كبيرة في الظروف التي أدت إلى تحالف البلدين.
وأشار إلى تباين مصالح الطرفين في ملفات مختلفة مثل العلاقات مع إيران، وسياسات الاقتصاد والنفط، معتبرا أنها "أهم أسباب اهتزاز التحالف".
وحاليا، بدأت إدارة الرياض في استهداف النجاح الاقتصادي لدولة الإمارات، باتخاذ بعض القرارات.
وتابع: "بينما يمثل الصراع مع إيران صراعا جيوسياسيا بالنسبة للإمارات، فهو طائفي أو أيديولوجي بالنسبة للسعودية".
كما أن هناك اختلافات مهمة في المقاربة بين أبو ظبي ودبي فيما يتعلق بإيران، وفق الوكالة.
وأضافت: في حين تعتبر إيران منافسة أبوظبي الغنية بالنفط، تعد طهران شريكا محتملا مهما بالنسبة لدبي التي تدين بثروتها للتجارة والسياحة.
ويبرز الاقتصاد حقلا يتجلى فيه التنافس الإماراتي السعودي، حيث دأب البلدان على إعداد وثائق "الرؤية" لسنوات عديدة قادمة في سبيل إنقاذ اقتصاداتهما من الاعتماد على النفط وإنتاج ذي قيمة مضافة عالية.
وعلى الرغم من أن السعودية تبذل جهودا كبيرة في هذا الصدد، إلا أنه يبدو من الصعب عليها مواكبة الإمارات التي تمتلك سنوات طويلة من الخبرة في مجال الاقتصاد والتجارة. بحسب ما يراه الكاتب التركي.
وأردف: "المنافسة الأخيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بإدراك الحكومة السعودية أنها لن تتمكن من تطوير الرياض اقتصاديا دون تحدي أبوظبي في الاقتصاد والتمويل والتجارة والسياحة.
لذا قام بن سلمان بإطلاق مبادرة تسمى "برنامج المقر الرئيسي للشركات العالمية" في فبراير/ شباط 2021، تنهي مكانة الإمارات كمركز إقليمي للشركات العالمية.
وتابع: استبعاد الشركات العالمية التي لا تنقل مقراتها إلى السعودية من المناقصات العامة السعودية، مثل التحدي الأكبر للإمارات.
ولذلك، فإن إدارة دبي قلقة من احتمال مغادرة الشركات العالمية، التي تتلهف للحصول على حصة من الميزانيات الاستثمارية الضخمة التي أعلنها بن سلمان أخيرا.
ونوه قائلا: من ناحية أخرى، تعتبر السياحة مجالا آخر يخضع للتنافس الإماراتي السعودي بما أنها تعد أهم حقل استثماري للحكومة السعودية للتوقف عن الاعتماد على النفط.
وفي هذا، تهدف السعودية إلى أن تجعل بأراضيها أكبر مركز سياحي في المنطقة بمشروع مدينة "نيوم"، التي بدأت الدولة في بنائها على ساحل البحر الأحمر بميزانية استثمارية تبلغ 500 مليار دولار.
ومع أن السياحة من القطاعات التي لها الفضل الأكبر في التنمية الاقتصادية للإمارات، إلا أنه لن يكون من السهل عليها المنافسة في ظل الاستثمارات الضخمة التي قامت بها السعودية في هذا المجال.
ويكشف إعلان السعوديين عن تأسيس شركة طيران جديدة 1 يوليو/ تموز 2021، عن مدى حدة المنافسة في قطاع السياحة. بحسب الكاتب.
وأضاف: أخيرا، فإن قرار السعوديين بفرض رسوم جمركية على البضائع القادمة من الإمارات كان بمثابة ضربة قاضية للإمارات، ثاني أكبر شريك تجاري للسعودية بعد الصين.
وما يلفت النظر هنا، استهداف "المناطق الحرة" بشكل خاص، إذ إن المناطق التي أنشأتها الإمارات وفرت مزايا كبيرة للمستثمرين الأجانب، وخلقت فرص عمل وإنتاج جديدة.
وأوضح ذلك قائلا: فبينما توفر المنطقة الحرة في "جبل علي" وحدها فرص عمل لـ 135 ألف شخص، فإنها تغطي حوالي 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي.
ومع آخر قرار ضريبي جمركي، ستواجه الشركات التي تقوم بالإنتاج خارج الأراضي السعودية ولا تستخدم العمال المحليين، تكاليف باهظة في السوق السعودية.
أوبك خط أحمر
التركي أجر، يرى أنه لا شك في أن التنافس بين الإمارات والسعودية احتدم عند صراع السيطرة على أسواق الطاقة.
إذ يبدو أن السعودية اشتعلت غضبا عندما طالبت الإمارات بتغيير حصتها في اجتماع "أوبك" الأخير مشكلة بذلك "قدوة سيئة" لأعضاء أوبك الآخرين المنتجين للنفط.
وقال: السعودية تقود "أوبك"، ويشكل تحدي هذه القيادة خطا أحمر بالنسبة للسعودية، ولذلك عاقبت الرياض الجهات التي تحدت القيادة السعودية في أوبك في الماضي تماما كما تفعل اليوم.
وكانت المواجهة بين الرئيس الروسي بوتين وبن سلمان في مارس/ آذار 2020، مرتبطة ارتباطا وثيقا بمسألة قيادة أسواق النفط.
وأردف: لقد تحدى كل من شاه إيران رضا بهلوي، ورئيس العراق صدام حسين، القيادة السعودية في منظمة أوبك، وتلقى الزعيمان ردا قاسيا من السعودية.
إذ طالبت إيران بزيادة أسعار النفط بنسبة 15 بالمئة باجتماع أوبك عام 1977، لكن السعودية رفضت الاقتراح بحجة أن زيادة أسعار النفط لن تكون لصالح الدول المنتجة.
وتابع قائلا: لم يتخل الشاه عن إصراره ونجح أخيرا في إقناع جميع أعضاء أوبك بزيادة السعر.
الأمر الذي أزعج السعودية ودفعها للرد بقسوة؛ فلم تعترف بنظام الأسعار الذي عرضته إيران وضخت النفط بشكل كبير للأسواق لإفشال خطة إيران، حتى أنها أعلنت أنها ستقدم خصومات لعملائها زيادة.
إيران، دفعت ثمن ذلك بمليارات الدولارات واضطرت إلى التفاوض مع الدائنين الأجانب واتخاذ تدابير تقشفية في نفقاتها للحفاظ على اقتصاد البلاد من الانهيار.
وكان هذا الاختناق الاقتصادي أحد العوامل التي أدت إلى الثورة في عام 1979. وفقا للكاتب التركي.
وأضاف: بالمثل كان صدام في حاجة ماسة إلى عائدات النفط لمداواة الجراح التي خلفتها الحرب العراقية الإيرانية عام 1990، وضغط على أعضاء أوبك وخاصة الكويت والإمارات، لرفع سعر النفط من 12 دولار إلى 18 دولار.
وقال أجر: لقد اعتبرت السعودية غزو صدام للكويت وسيطرته على النفط الكويتي تحديا لقيادتهم في منظمة أوبك.
وأوضح أنه لو تم الاعتراف بهذا الغزو، لكان صدام سيسيطر بمفرده على خمس احتياطيات النفط العالمية.
لذلك، لم تتردد السعودية في تقديم دعم قوي للتحالف الذي تم تشكيله للإطاحة بصدام، مع أنها كانت من أكبر مؤيدي صدام خلال الحرب العراقية الإيرانية.
الإسلام والنفط
وأردف: بالنظر إلى النظام السعودي عن كثب، يمكننا ملاحظة أن النظام وجد الاستقرار على ركيزتين مهمتين: الإسلام والنفط.
لذلك، فإن النظام شديد الحساسية للتهديدات الأيديولوجية والاقتصادية.
ويعتقد أنه هكذا أصبحت الإمارات أهم منافس للسعودية في مجال الاقتصاد، مع السياسات التي اتبعتها الرياض أخيرا.
وختم أجر مقاله قائلا: وخلاصة القول، نحن بعيدون عن الظروف التي أوجدت التحالف الإماراتي السعودي الذي نشأ لدعم الأنظمة الاستبدادية خلال موجة الربيع العربي.
ومع أنه من الممكن لهذه الأحداث أن تقارب بين البلدين نسبيا إلا أن هناك شيئا واحدا مؤكدا؛ وهو أن المصالح الإماراتية والسعودية لم تعد تتوافق في الحقول من مثل الاقتصاد والأمن والطاقة.