باتفاقيات جديدة في إدلب.. هكذا تحاول روسيا تحقيق منافع اقتصادية للأسد

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

عادت محافظة إدلب السورية إلى واجهة المشهد مجددا، بعد أسابيع من حملة عسكرية مشتركة لروسيا وقوات بشار الأسد أسفرت عن وقوع ضحايا، أعقبها تحركات دبلوماسية تركية- روسية مكثفة.

وتسير الأمور وفق تفاهمات جديدة بشأن إدلب (شمال) بين أنقرة وموسكو بدت واضحة خلال لقاء وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في 30 يونيو/حزيران 2021، بولاية أنطاليا جنوب غربي تركيا.

أعقب ذلك بيوم إجراء المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف زيارة مفاجئة إلى العاصمة السورية دمشق مطلع يوليو/تموز 2021، التقى خلالها الأسد بعد أقل من 3 أشهر على زيارة مماثلة.

لكن ما كان لافتا خلال مؤتمر أنطاليا، هو تأكيد وزير الخارجية التركي في سياق حديثه عن مخرجات محادثات "أستانا" القادمة على أنه "يجري العمل حاليا على التوصل لاتفاقيات جديدة حول إدلب"، مردفا بالقول: "يجب على النظام السوري الموافقة على المرحلة المقبلة".

منفعة اقتصادية

وتنعقد جولة محادثات "أستانا" بنسختها الـ16 يومي 7 و8 يوليو/تموز 2021 في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بين وفدي النظام السوري والمعارضة، برعاية الدول الضامنة (روسيا، تركيا، إيران)، وحضور ممثلين رفيعي المستوى من الأمم المتحدة والأردن ولبنان والعراق بدور مراقب.

ويحكم إدلب اليوم اتفاق لوقف إطلاق النار منذ 5 مارس/آذار 2020، الموقع بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، على خط التماس العسكري بين قوات الأسد وفصائل المعارضة الذي أنشئ كملحق إضافي لمذكرة سوتشي عام 2018 وقبلها مذكرة "خفض التصعيد" عام 2017.

وقضى الاتفاق على إنشاء ممر آمن بطول ستة كيلومترات إلى الشمال والجنوب من الطريق الدولي حلب - اللاذقية والمسمى بـ (m4) في سوريا، وتسيير دوريات تركية - روسية على امتداده.

ولعل جزئية "الممر الآمن" من الاتفاق والذي لم ينفذ بعد منذ الاتفاق عليه عام 2020، هو ما بدأت روسيا بمحاولة تفعيله وتحريكه من جديد، كونه يخدم بشكل أساسي مصالح النظام السوري الاقتصادية.

كما أن وزير الخارجية الروسي أعاد التذكير بهذه الفقرة خلال اللقاء مع نظيره التركي في أنطاليا بقوله: "ركزنا على ضرورة تنفيذ البروتوكول الروسي التركي المشترك الذي تم الاتفاق عليه في مارس/آذار 2020، الذي ينص على تشكيل منطقة منزوعة السلاح".

لكن حديث وزير الخارجية التركي حول "الاتفاق الجديد" الذي يجري إعداده حول إدلب، أثار الاهتمام، حيث ذهب البعض إلى اعتبار أن الاتفاق المتوقع أن تقره جولة (أستانا 16) يحمل في طياته تحريك عجلة التجارة وخاصة على الطريق (m4).

ولذلك يبدو واضحا سعي روسيا لتحقيق المنفعة الاقتصادية للنظام السوري وعودتها بأقرب وقت، نظرا لأهمية الطريق (m4) الذي يربط مناطق شمال شرقي سوريا بغربها على الساحل حيث ثقل النفوذ الروسي.

كما يربط الطريق جميع هذه المناطق مع وسط وجنوبي سوريا عند سراقب شرق إدلب، التي تملك عقدة ربط بين طريقي (m4) و(M5)، حيث يمتد الطريق الأخير من سراقب التي يسيطر عليها النظام السوري إلى حماة وحمص ودمشق وريفها ودرعا في الجنوب السوري.

هذا فضلا عن ارتباط طريق (M5) بفرع يمتد بين ولاية غازي عنتاب التركية ومحافظة حلب عبر مدينة إعزاز ومعبر باب "السلامة" الحدودي مع تركيا.

ابتزاز روسي

الاتفاق الروسي التركي المرتقب حول إدلب يحمل، كما يرى مراقبون، في طياته قبولا روسيا لتمديد التفويض الممنوح لآلية المساعدات الإنسانية عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، مقابل حصول موسكو على ضمانات لاستكمال جهود تأمين الطريق الدولي الاقتصادي (m4) في إدلب.

وهذا ما لفت إليه الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، بقوله: إن "موضوع إدخال المساعدات الإنسانية خلال الأعوام الماضية إلى مناطق خارج سيطرة نظام الأسد أصبح ورقة ابتزاز سياسي واضحة بيد موسكو".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "موسكو تحاول في كل مرة التلويح بالفيتو في مجلس الأمن فيما يرتبط بقرار إدخال المساعدات لتثبيت مكاسبها السياسية والاقتصادية في سوريا غير آبهة بأي أزمة إنسانية حال تم إغلاق هذه المعابر بشكل كامل".

ورأى الباحث أنه "لا يمكن النظر فقط إلى التوافق الروسي التركي في حال تم من أجل تفادي إغلاق معبر باب الهوى، بل هناك رغبة روسية واضحة مؤخرا لفتح المعابر الداخلية كمحاولة لإنقاذ نظام الأسد من تداعيات انهيار اقتصادي محتمل جراء العقوبات الدولية وتأزم الوضع المعيشي في مناطقه".

وتابع: "كذلك محاولة موسكو الحصول على ضمانات لاستكمال جهود تأمين الطريق الدولي M4، إلا أنني أعتقد أن الطموح الروسي هو أكبر من ذلك".

وأشار العبد الله إلى أن "الاتفاق بين موسكو وأنقرة تضمن الححديث عن  منطقة خالية من السلاح، وقد يحمل هذا في طياته مؤشرا لتقدم عسكري محتمل وقضم مساحة جديدة من مناطق سيطرة المعارضة بمحافظة إدلب في سيناريو شبيه للسنوات السابقة".

وتتجه الأنظار إلى نجاح تجديد التفويض لدخول المساعدات الدولية عبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، لنحو 5 ملايين سوري في الشمال السوري الخارج عن سيطرة نفوذ نظام الأسد.

والمقلق أن فترة السماح بدخول المساعدات عبر "باب الهوى" تنتهي في 10 يوليو/تموز 2021، وسط تهديد روسي بعدم التجديد إلا بشروط معينة.

وحول هذه النقطة شرح الباحث في مركز "عمران" العبد الله، تداخل الملفات في إدلب بقوله: "تدرك أنقرة أنه في حال معارضتها لهذا الاتفاق مع موسكو فإنها لن تكون قادرة على تحمل تبعات إغلاق المعبر الإنساني، نظرا لتداعيات زيادة الاحتياجات الإنسانية في مناطق نفوذ تركيا في الشمال السوري وهو ما يمثل عائقا في تحقيق الاستقرار".

أيضا وجود عوائق قانونية ولوجستية وأمنية لدى المنظمات غير الأممية داخل الأراضي التركية "إذا ما أرادت أن تحل محل المنظمات الأممية لإيصال المساعدات الإنسانية في حال اتخذ قرار إغلاق معبر باب الهوى".

الأمر الذي قد يدفع، حسب العبد الله، تلك المنظمات إلى "الإحجام عن إرسال المساعدات حتى لو قامت المنظمات الأممية بتحويل التمويل المرصود للشمال السوري إليها".

خلافات خفية

رغم المحاولات التركية الروسية لضبط المشهد في إدلب، كل وفق أجنداته؛ إلا أن "خلافا خفيا" لم يظهر للعلن بين الطرفين كشفته حالة التباطؤ في تنفيذ أهم بنود اتفاقية عام 2020.

وهذا ما بدا جليا بعد ضغط موسكو على أنقرة من خلال عودة التصعيد العسكري على ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب بحماة منذ مطلع يونيو/حزيران 2021 والذي خلف أكثر من 50 قتيلا مدنيا وأكثر من 300 خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، وفق ما وثقه فريق "منسقو استجابة سوريا" (أهلية).

وعلى ذات الجبهة، وهي جبل الزاوية الواقعة جنوب إدلب، دفع الجيش التركي بتعزيزات عسكرية إلى المنطقة التي شهدت أيضا زج النظام السوري بتشكيلات عسكرية نحوها.

ويرى الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، رشيد حوراني، أن حديث وزير الخارجية الروسي عن إقامة منطقة خالية من الوجود العسكري في إدلب هو "من باب البروباغندا الإعلامية".

واعتبر في حديث لـ"الاستقلال أن "ما يجري التوصل له هو ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين في سوتشي بآليات جديدة، مع مراعاة التطورات التي حصلت".

وأهمها وفق حوراني هو: "تنامي القدرة العسكرية التركية في المنطقة المذكورة والتي وضعت روسيا مكتوفة اليد بعد المعارك التي اندلعت مطلع 2020 بسبب مشاركة الطائرات المسيرة التركية في المعركة".

وأردف: "ولهذا الأمر أتت موسكو بالقاذفة توبولوف (TU-22M3) التي تتمتع بميزات قتالية عالية منها التحليق على علو منخفض، واستهداف أهداف في عمق أراضي الخصم دون الدخول لمجاله الجوي، وكل ذلك في سبيل تفادي تأثير المسيرات التركية في المعركة إذا ما نشبت".

مناورة روسية

وحدد الباحث حوراني الأهداف الروسية الرئيسة من إنشاء منطقة آمنة وخالية من الوجود العسكري في إدلب، ومدى انعكاس ذلك على مناطق المعارضة.

واعتبر أولا، أن "هناك مناورة من روسيا لإضعاف المنطقة عسكريا إذا ما تم سحب الفصائل الثورية منها، إلى جانب استمرارها بإضعاف المنطقة من خلال القصف المستمر خاصة أنها لم تلتزم بالاتفاقيات واستمرت إلى جانب النظام بخروقاتها وقصفها للمنطقة".

وثانيا، "المنطقة المعزولة ستكون تحت إشراف عسكري تركي روسي على غرار الدوريات التي تم الاتفاق عليها وتسييرها بشكل مشترك بين الجانبين على طريق (m4)، لكن ما جرى ملاحظته هو أن تركيا لم تسمح لروسيا بتجاوزها في تلك الدوريات حتى وصل الأمر لقيامها بالدوريات بشكل منفرد".

وفي معرض حديثه على المنطقة منزوعة السلاح في حال قبلت تركيا بتنفيذها/ قال حوراني: "بناء على السيناريو الثاني ستقبل تركيا بالمنطقة المنزوعة السلاح مع إبقائها على جاهزية تطور الموقف، وذلك من خلال قواعدها العسكرية في المنطقة التي صعدت في قصفها لأهداف النظام أو من خلال الفصائل السورية التي ارتفع مستوى أدائها العسكري بشكل ملحوظ".

وشدد على أن "روسيا لن تتخلى عن المناورة العسكرية والضغط على فصائل المعارضة السورية في إدلب؛ بهدف إضعاف قدرتها الدفاعية وتحقيق أي اختراق يوسع من رقعة سيطرة النظام هناك".

وختم حوراني حديثه بالقول: "تبقى المؤشرات غير واضحة لعنوان المرحلة المقبلة لمحافظة إدلب سواء باستمرار التصعيد الروسي أو توقفه، لا سيما مع إصرار النظام السوري على استعادة إدلب عسكريا وإيمانه باستحالة التوصل إلى صفقة مرضية مع تركيا حول إدلب".