ليست زيادة المعتقلين فقط.. ما أسباب بناء السيسي سجون جديدة في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

في قرار أصبح معتادا ويتكرر كل عام، أمر وزير الداخلية المصري اللواء محمود توفيق بإنشاء 8 سجون مركزية جديدة، ما يشير ضمنا إلى تزايد أعداد المسجونين والمعتقلين وعدم استيعاب السجون الحالية وأماكن الاحتجاز والمعتقلات الفرعية لأعدادهم.

ونشرت جريدة الوقائع المصرية -ملحق الجريدة الرسمية- أربعة قرارات أصدرها الوزير بإنشاء السجون الثمانية في 4 محافظات هي الفيوم وأسوان وكفر الشيخ والغربية.

بهذا القرار يرتفع عدد السجون العامة في مصر إلى 87 منها 43 تم إنشاؤها قبل ثورة 2011، و44 من بعدها وحتى يونيو/ حزيران 2021 لاستيعاب معارضي نظام عبد الفتاح السيسي، بحسب تقارير حقوقية.

عقب ثورة 2011 وما أعقبها من انقلاب عسكري 2013 توسعت السلطات الحاكمة في إنشاء السجون، وأصبح يجري بناء 3 جديدة سنويا تقريبا بحسب منظمات حقوقية.

سجون جديدة

وتساءل حقوقيون وناشطون: لماذا يبني السيسي سجونا جديدة ولا يبني مصانع أو مدارس ومستشفيات؟.

كما تساءلوا: هل زيادة إنشاء السجون مؤشر حقوقي على تزايد المعتقلين المستمر؟ أم مؤشر سياسي على فترة احتقان وغضب شعبي تستعد لها السلطات؟

أم هي استعدادات من جانب السلطة تحسبا لأزمات معيشية وأخرى وجودية مثل شح المياه بعد ملء سد النهضة، ببناء المزيد من السجون لاستيعاب المصريين الغاضبين؟

حددت المادة الأولى من قانون السجون رقم 396 لسنة 1956، 4 أنواع من السجون بمصر هي: الليمانات (للمحكوم عليهم بالمؤبد المشدد)، والسجون العمومية (لمن يبدأ سجنهم من ثلاثة أشهر حتى المؤبد 25 عاما).

إضافة إلى السجون المركزية (للمحبوسين احتياطيا) والسجون الخاصة (لفئات معينة مثل الضباط والقضاة المحبوسين لتمييزهم عن غيرهم).

بشكل عام يقدر عدد أماكن الاحتجاز في مصر بـ 504 مقرات، و122 سجنا مركزيا في المحافظات (عدا القاهرة)، و320 في أقسام الشرطة، بخلاف مئات مقار الاحتجاز الأخرى بمعسكرات الأمن وجهات التحقيق.

بعدما كان السجن الواحد يستوعب قرابة 3 آلاف سجين في الماضي، جرى التوسع في السجون الجديدة كي تستوعب 15 ألف سجين، مثل سجني جمصة والمنيا، بحسب "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" 5 سبتمبر/ أيلول 2016.

رصد تقريران لـ "الشبكة العربية" الزيادة في عدد السجون العمومية، الأول من بعد ثورة 2011 حتى 2016، والثاني من 2016 حتى أبريل/ نيسان 2021.

أوضح تقرير "هناك متسع للجميع … سجون مصر قبل وبعد ثورة يناير"، الصادر في 5 سبتمبر/ أيلول 2016 أن عدد السجون الرئيسة كان 43 سجنا قبل الثورة، ارتفعت إلى 62 بعدها لبناء 19 في نفس العام.

أوضح أن هذه السجون الـ 19 الجديدة بني منها سجن واحد خلال حكم المجلس العسكري، واثنان خلال حكم الرئيس محمد مرسي، و16 سجنا في عهد السيسي حتى سبتمبر/ أيلول 2016.

وأشار التقرير الثاني الذي جاء بعنوان: "في انتظارك: 78 سجنا، بينهم 35 بعد ثورة يناير: عن الأوضاع  الصعبة للسجناء والسجون في مصر"، 11 أبريل/ نيسان 2021 لبناء السيسي 17 سجنا جديدا من 2016 وحتى مارس/آذار 2021.

وفق هذه المعلومات، يكون قد بني منذ 2011 وحتى أبريل/نيسان 2021، 35 سجنا جديدا.

أضيف لها سجن واحد بمدينة المنيا جنوب مصر، في 8 أبريل/نيسان 2021، بقرار من وزارة الداخلية ليرتفع العدد إلى 36 سجنا.

وفي 6 يونيو/ حزيران 2021 قرر وزير الداخلية بناء سجنين جديدين بمحافظة قنا جنوب مصر، ليرتفع العدد إلى 38.

جاء قرار وزير الداخلية الأخير 23 يونيو/حزيران 2021 ببناء ستة سجون جديدة ليرفع عدد السجون الجديدة بعد ثورة 2011، إلى 44 سجنا، أي بإجمالي قدره 87 (قبل وبعد الثورة).

تكدس واختناق

في تقريرها 11 أبريل/ نيسان 2021، قدرت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية مارس 2021 بنحو 120 ألف سجين.

قالت إن "بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، وحوالي 54 ألف سجين ومحبوس جنائي، ونحو ألف محتجز لم نتوصل لمعرفة أسباب احتجازهم".

في بيان حول المخاوف من انتشار كورونا في السجون المصرية المكتظة قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، 3 أبريل/ نيسان 2020 إنهم "أكثر من 114000 سجين في البلاد".

وأوضح أن السجون ومراكز الاعتقال في مصر غالبا ما تكون مكتظة وغير صحية وتعاني من نقص الموارد، حيث يمنع المعتقلون بشكل روتيني من الحصول على رعاية طبية وعلاج ملائمين.

ويقول "جمال عيد" مدير الشبكة العربية أنه "في حين توفر وزارة الداخلية عبر إدارة السجون وسائل رعاية وترفيه وخدمات لمتهمين بالانتماء للنظام السابق أو متهمين في قضايا مالية وفساد، يجري التنكيل بالسجناء السياسيين المعارضين أو المنتقدين المنتمين لثورة يناير".

يوضح لـ "الاستقلال" إنه "ينالهم التنكيل والقمع والحرمان من العديد من الحقوق التي كفلها لهم الدستور والقانون، مثل الزيارة أو الأطعمة او المكالمة التليفونية والرعاية الصحية، وحرمانهم من حضور جلسات تجديد حبسهم".

في مؤتمر عقده المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) 3 يوليو/ تموز 2016 لإعلان "التقرير السنوي 2015/2016 عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر"، ذكر إن نسبة التكدس بالسجون تصل إلى 150 بالمئة.

وأكد أنها تتجاوز الـ 300 بالمئة في أماكن الاحتجاز الأولية (أقسام شرطة ومديريات أمن).

لكن تقريرا لـ "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، عن الفترة من يناير/كانون الثاني 2015 حتى مايو/ أيار 2016 ذكر أن وزارة الداخلية أعلنت أن "التكدس في أماكن الاحتجاز وصل إلى نسبة 400 بالمئة".

تقارير حقوقية عديدة أخرى أشارت لظاهرة التكدس في السجون وأقسام الشرطة، مؤكدة أنها ظاهرة معتادة وقديمة لكنها تزايدت بقسوة بفعل الاعتقالات العشوائية منذ انقلاب 2013 وحتى الآن.

تضليل وبيزنس

يوم 27 يناير/ كانون الثاني 2018 أصدر عبد الفتاح السيسي قرارا بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956، تضمن عدة امتيازات كما قالت الصحف، ما دعا إعلام السلطة للحديث منذ ذلك الحين عن "سجون 5 نجوم". 

هذه التعديلات ظاهرها مراعاة صالح المسجونين، لكنها لم تطبق فعليا إلا على فئة معينة وحرم منها غالبية المعتقلين الممنوعين أصلا من حقوقهم التي ينص عليها قانون السجون العادي.

بحسب تعديلات السيسي التي يراها كثيرون شكلية: "التصريح للمحبوس احتياطيا بالإقامة في غرفة مؤثثة مقابل مبلغ يحدده مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون لا يقل عن 15 جنيها يوميا وفقا للإجراءات والقواعد التي تحددها اللائحة الداخلية".

و"حق المحكوم في التراسل والاتصال التليفوني بمقابل مادي، وزيارة ذويه له مرتين شهريا"، و"إحاطة المسجون علما فور دخوله السجن بحقوقه وواجباته وجزاءاته".

بعض التعديلات أجازت لقوات السجن "استعمال القوة مع المسجون دفاعا عن أنفسهم أو في حالة محاولة الفرار أو المقاومة الجسدية بالقوة أو الامتناع عن تنفيذ أمر يستند إلى القانون أو لوائح السجن".

وانتقد حقوقيون إلى المادة التي تسمح باستخدام القوة مع المساجين واعتبروا أن السماح بضرب المساجين في تعديلات على قانون السجون يقنن التعذيب.

لكن أيا من هذه الحقوق وغيرها لم تطبق، وجرى إخفاء المحبوسين احتياطيا قسريا ومنعهم من التواصل مع أهلهم أو محامين، وتزايد التعذيب الذي أفضى لاعترافات وليدة الإكراه استغلتها المحاكم في إصدار أحكام بالإعدام.

رتبت وزارة الداخلية عدة زيارات لنواب في البرلمان وصحفيين حكوميين وبعض المراسلين الأجانب المختارين بعناية، لنشر تقارير عن الرفاهية في السجون والعلاج والأكل الفاخر مثل الكباب والكفتة، ما أثار سخرية مواقع التواصل.

مساعد وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون اللواء حسن السوهاجي قال في مقابلة مع موقع "اليوم السابع" في الثاني من أبريل/ نيسان 2016 إن الوضع في السجون المصرية "يشبه المنتجعات السياحية العالمية، وإن علاج المسجونين في مراكزها الطبية لا يختلف عن المراكز العالمية".

وأوضح أن حالة السجون دفعت السجناء لرفض الخروج من "السجون السياحية ذات الخمسة نجوم" على حد وصفه.

ومع تزايد أعداد المعتقلين والمسجونين، انتعش "بيزنس السجون" الذي يتربح منه ضباط الشرطة باعتبار أن لهم نسبة من أرباح "كانتين" السجن، واشتكى سجناء وحقوقيون من بيع السلع للمسجونين بثلاثة أضعاف سعرها في السوق.

سلطات السجون تمارس الاستغلال الاقتصادي للمساجين فيرفضون الأكل الذي تحضره الأسر ويجبرونهم على الشراء من الكانتين الذي يعتبر أحد وسائل بيزنس الشرطة، بحسب "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" 28 سبتمبر/ أيلول 2018.

التقرير الذي جاء بعنوان" البيع في الكانتين: الإفقار العمدي في السجون المصرية -سجن العقرب نموذجا"، يؤكد أن شرطة السجون تبيع السلع للمسجونين بأسعار خرافية تزيد على 300 بالمئة عن الخارج.

"حاجات المساجين اﻷساسية التي يشترط القانون توفيرها في السجون، تباع لهم بأسعار باهظة لصالح أرباح الكانتين ما حول السجون إلى مراكز لجني الأرباح من المعتقلين وأسرهم وتحولت إلى نمط سجن يحقق أرباحا"، بحسب التقرير.

إدارة السجون تتعسف في إدخال الأطعمة للسجناء والمحبوسين احتياطيا وتحرمهم من الحصول على احتياجاتهم من الطعام وأدوات النظافة والمستلزمات الشخصية، للتربح من التجارة مع السجناء، بحسب "الشبكة العربية" 11 أبريل/ نيسان 2021.

تضيف: "الداخلية انحدرت للدرج الأسفل، منعهم الطعام من أسر المساجين هدفه التربح والاستغلال، حيث يبيع "الكانتين" هذه الأطعمة والسلع والأدوات، بأسعار أغلى من مثيلاتها بالخارج".