حفر قبره بيده.. كيف دفع بنيامين نتنياهو خصومه للاتحاد ضده والإيقاع به؟
يبدو أن الماراثون الانتخابي، الذي وضع بصمته على السياسة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، وصل إلى نهايته، بحصول الحكومة الجديدة على الثقة، لينتهي بذلك عهد بنيامين نتنياهو الذي استمرت رئاسته للحكومة لمدة 12 عاما متواصلة.
عن هذا تقول وكالة الأناضول التركية: استطاع يائير لابيد، رئيس حزب "هناك مستقبل"، الذي حصل على تفويض من الرئيس رؤوفين ريفلين في 5 مايو/أيار، تشكيل الحكومة قبل ساعات من الموعد النهائي.
ووفق الوكالة التركية الرسمية، فإنه لأول مرة في السياسة الإسرائيلية، أصبح هناك حزب عربي يشكل جزءا من الائتلاف الحاكم.
الاختلافات الأيديولوجية
ستبدأ الحكومة الائتلافية، التي حصلت على الثقة في جلسة البرلمان في 13 يونيو/حزيران 2021 حقبة جديدة في ظل رئاسة الوزراء لرئيس حزب "يمينا"، نفتالي بينيت، الذي سيترك مقعده لـ"لابيد" بعد عامين كجزء من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الائتلاف.
ويرسم ائتلاف بينيت- لابيد صورة ميثاق سياسي يضم 62 نائبا، من أحزاب مختلفة من اليمين واليسار والوسط. لكن ما الذي جمع هذه الأحزاب معا؟، يتساءل الكاتب أمرة كاراجا.
وأردف: لطالما أظهر المناخ السياسي في إسرائيل بانوراما سياسية منقسمة إلى قسمين.
ولا شك أن بنيامين نتنياهو الذي أجج المشاعر المتضادة بين الطرفين، كان السبب الرئيس خلف هذا الانقسام السياسي إلى جانب الاختلافات الاجتماعية داخل الدولة، والتوترات الهيكلية مثل الصراعات بين الشرائح الدينية والعلمانية.
وأضاف قائلا: أما العامل الرئيس الذي يثير الجدل حول نتنياهو، فهو مزاعم الفساد الموجهة إليه؛ إذ رفعت عليه ثلاث قضايا فساد منفصلة، بينما أصبح أول رئيس وزراء في تاريخ البلاد يحاكم أثناء توليه منصبه.
لهذا كانت هذه العملية القضائية أهم موضوع اعتلى جدول أعمال السياسة الداخلية في السنوات الأخيرة.
ولفت الكاتب: كان دخول بينيت في دائرة التحالف، هو التطور الرئيس الذي مهد الطريق أمام احتمال تشكيل ائتلاف بعد أشهر مليئة بالاضطراب.
إذ إن اختيار بينيت لطرف لابيد الذي يمثل أيديولوجية معاكسة له، كانت خطوة غيرت جميع الموازين. وفي هذا السياق، تتهم بعض شرائح اليمين الإسرائيلي بينيت بأنه "خائن".
وأضاف: ومع أن بينيت ـ الذي بدأ حياته السياسية في حزب نتنياهو ـ توجه لاحقا إلى تيارات سياسية مختلفة، إلا أنه عمل وزيرا في حكومات الأخير بين عامي 2013 و2019.
والآن تمكن من إيجاد مكان في البرلمان بتشكيل جديد في الانتخابات المبكرة المتكررة، بعد أن كان قد وجد نفسه خارج البرلمان في عام 2019.
وتابع: أما الانتخابات التي أجريت في 23 مارس/آذار والتي فاز فيها بسبع مقاعد في البرلمان، فقد أعطت بينيت دور "صانع الملوك" ولقب رئيس الوزراء.
وفي هذا، يعتبر بينيت شخصية متطرفة في المشهد السياسي العام، متمركزا على يمين نتنياهو، معروفا بمعارضته الشديدة لإقامة دولة فلسطينية، ومدافعا قويا عن الوجود اليهودي غير الشرعي في الأراضي المحتلة. كما أن له تصريحات من شأنها أن تعتبر مهينة للمجتمع العربي.
ولهذا كان لاتخاذه مكانا في صف حزب عربي رغم سجله الحافل، خطوة حطمت كل الأصنام التي قبلها، خاصة وأن بينيت كان يقف باختياره هذا، سدا مانعا أمام انتخابات جديدة محتملة، في ظل جلسات اللعنة التي نظمها اليهود الصهاينة من اليمين المتطرف والتهديدات بالقتل، يقول الكاتب التركي.
واستدرك قائلا: على الناحية الأخرى، كانت تحفظات جميع الأطراف الجالسة على الطاولة وعداؤهم تجاه بعضهم البعض، من بين العوامل الرئيسة التي تسببت في تعقيد السياسة الإسرائيلية.
فمثلا يختلف أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب إسرائيل بيتنا، وأحد ممثلي الجناح العلماني، مع الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة (الحريديم). وبالمثل، تعيق عداوة جدعون ساعر، رئيس حزب الأمل الجديد، مع نتنياهو تشكيل ائتلاف بينهما.
ونوه إلى أنه في الفترة المقبلة يمكن أن تبدأ الكتلة اليمينية على جناح المعارضة برفع أصواتها بدعايات مضادة حول "التنازلات المقدمة للعرب" لافتة الانتباه إلى مشاكل الأمن القومي في كل فرصة.
خاصة وأن نتنياهو دعا إلى "انضباط صارم" لكتلة المعارضة التي يرأسها فعليا الآن، زاعما بأن الحكومة المشكلة حديثا، ستنحل سريعا.
سقوط في الوحل
ويشير كاراجا إلى أن بنيامين نتنياهو كان بارزا باعتباره قائد اليمين، والذي كان القوة المهيمنة في السياسة الإسرائيلية منذ انتخابات عام 1977.
وعلى الرغم من أن نتنياهو نجح بطريقة ما في الصمود في الدوامة الانتخابية التي ثارت آخر عامين، إلا أنه خسر أمام الحسابات البرلمانية في الجولة الأخيرة.
ويقول: كانت التقييمات تقول بأن الهجوم الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة واستمر 11 يوما، وأودى بحياة 254 فلسطينيا، كانت آخر رصاصات نتنياهو.
لكن لم يمنع لعب نتنياهو بورقة "الأمن القومي" ـ الميناء الذي يلجأ إليه العديد من رؤساء الدول ـ المجموعات المختلفة فكريا من تشكيل الحكومة.
أما الحزب الأبرز في الحكومة الجديدة والتي تتكون من ثمانية أحزاب فهو حزب "راعم" الإسلامي. ويمكن اعتبار انضمام حزب عربي إلى الائتلاف خطوة راديكالية بالنسبة للأحزاب السياسية العربية، التي تتخذ مكانها على جناح اليسار دائما في السياسة الإسرائيلية، بحسب الكاتب.
ويضيف: من المفارقات أن نتنياهو كان أحد الفاعلين الذين مهدوا الأرضية أمام اجتماع هذه الأطراف السياسية المختلفة.
فقبل الانتخابات الأخيرة (23 مارس/آذار)، فتح نتنياهو فرصة للناخبين العرب، وأجرى زيارات مختلفة، وادعى أن تصريحاته التي استهدفت الفلسطينيين سابقا قد أسيء فهمها.
بالطبع كان الدافع الرئيس خلف هذه المناورات السياسية، تطوير طريقة للوصول إلى 61 نائبا لتشكيل الحكومة.
وتابع: أراد نتنياهو كتابة قصة تظهر أن خياراته هي الأفضل بالنسبة للوطن من خلال الارتقاء بنفسه إلى موضع فوق حزبي.
فتم تقييم الاحتمالات من أجل دعم "راعم"، وأظهر أنه بطريقة ما، يمكنه الجلوس مع الحزب الإسلامي على نفس الطاولة.
لكن مساعي نتنياهو أحبطت بعد أن واجه معارضة شديدة من قبل حلفائه الصهاينة المتدينين.
وهكذا أصبح منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة جزءا من حكومة دخلت التاريخ بواسطة تحركات نتنياهو السياسية التي تضفي عليه الشرعية بالفعل.
لكن عباس انفصل عن القائمة العربية المشتركة التي شكلها الفلسطينيون من سكان الأراضي المحتلة عام 1948 قبل الانتخابات الأخيرة. وفقا للكاتب التركي.
وأوضح قائلا: وكانت الاختلافات في الرأي أحد أسباب هذا الانفصال في الكتلة العربية التي يهيمن عليها النسيج العلماني.
ومثال ذلك الاختلاف الذي ظهر على مشروع قانون بشأن أفراد مجتمع الميم (المثلية الجنسية).
ويشكل ما وصل إليه عباس حاليا، والذي كان تجاوزه للعتبة في الانتخابات مفاجئا، أكبر دليل على عدد المفاجآت التي يمكن أن تحتويها السياسة.
ويختم كاراجا مقاله قائلا: في النهاية، يبدو في الوقت الحالي أن طاولة الائتلاف السياسي الجديد قد تنقلب عند أول أزمة.
فالسؤال هو: هل يمكن للأجنحة الراديكالية التي هي جزء من السلطة التنفيذية أن تتنازل عن أولوياتها؟
أما على الجانب الفلسطيني، فلا يتوقع أن يؤدي تغير الأسماء في السلطة إلى أي تغيير. كما لا يبدو أنه من الممكن أن يحدث أي تطور إيجابي في حل أي مشكلة وقضية تتعلق بفلسطين.