بالدبلوماسية والجاسوسية.. هكذا تسعى روسيا لتعزيز قوتها الناعمة عالميا
.jpg)
في ظل التنافس المحتدم على توسيع النفوذ، تسعى موسكو لتعزيز قوتها الناعمة عبر نشر مزيد من الأنشطة الثقافية من خلال المؤسسات الروسية المنتشرة في عدد من دول العالم.
في عددها 874، كشف دورية "إنتليجنس أونلاين" الاستخباراتية الفرنسية أن اجتماعا في موسكو ضم الخبراء الإستراتيجيين الروس في 30 مارس/آذار 2021.
الاجتماع ناقش سبل تعزيز أنشطة القوة الناعمة من خلال الوكالة الفيدرالية لشؤون رابطة الدول المستقلة، والمواطنين المقيمين في الخارج، والتعاون الدولي الإنساني، وهي الوكالة المسؤولة عن المراكز الروسية للعلوم والثقافة حول العالم.
وأضافت الدورية الفرنسية في عدد أبريل/نيسان 2021، أن رئيس الوكالة يفغيني بريماكوف، وهو حفيد أول رئيس لجهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، ورئيس الوزراء السابق قد عين قبل أقل من سنة، وتحديدا في يوليو/تموز 2020.
بريماكوف، وفق المجلة، قدم في الاجتماع تقريره حول الأساليب الجديدة للتعاون بين روسيا والدول التي تقع في نطاق اهتمامها، مضيفة أن بريماكوف يسعى منذ ذلك الحين إلى تحسين صورة روسيا، عبر إعادة تنظيم وهيكلة مراكز العلوم والثقافة الروسية، وعلى جداول أعمالها، لجعل عملها أكثر استهدافا ومنهجية.
وتستهدف روسيا بقوتها الناعمة دول الاتحاد السوفيتي سابقا ودول القوقاز وآسيا الوسطى وشرق أوروبا، في ظل تزايد مخاوف روسيا من فقدان تأثيرها في تلك الدول، بالتزامن مع استهدافها من قبل حلف شمال الأطلسي "ناتو"، أو محاولة التأثير عليها واستقطابها من قبل المعسكر الغربي.
مؤسسات وأدوات
تعتمد روسيا في قوتها الناعمة على عدة مؤسسات، أبرزها مؤسسة العالم الروسي، وهي مؤسسة تم إنشاؤها بموجب مرسوم وقعه الرئيس فلاديمير بوتين في 2007، وتهدف إلى جعل اللغة الروسية في مصاف اللغات العالمية، ودعم تعلمها بالخارج.
وحسب الموقع الرسمي لوكالة التعاون الدولي الروسية، فإن روسيا تملك 97 مكتبا تمثيليا في 80 بلدا حول العالم، وتدير 73 مركزا ثقافيا وعلميا في 62 بلدا، وتطلق برامج لاختيار الطلاب الأجانب في روسيا، وبرامج أخرى للعمل مع نحو 500 ألف طالب من خريجي الجامعات والمعاهد السوفييتية والروسية.
وتسعى تلك المراكز الثقافية والعلمية المنتشرة حول البلدان إلى رسم صورة إيجابية من خلال تعميم التاريخ والفلسفة والأدب الروسي في عدة دول، و دعم أعمال ترجمة المؤلفات الناطقة باللغة الروسية إلى لغات مختلفة، ودعم تعليم اللغة الروسية خصوصا في دول الاتحاد السوفييتي سابقا.
من ناحية أخرى، فإن نحو 272 ألف طالب أجنبي يدرسون في المؤسسات التعليمية الروسية، من بينهم نحو 130 ألف طالب أجنبي من طلاب الدراسات العليا يدرسون في جامعات روسيا، منهم نحو 60 ألف طالب على نفقة الحكومة الروسية، ضمن برامج تشمل منحة مالية شهرية وسكنا طلابيا، بحسب وكالة التعاون الدولي.
دبلوماسية وجاسوسية
من بين مؤسسات القوة الناعمة التي تعتمد عليها روسيا صندوق ألكسندر غورشاكوف للدبلوماسية العامة، وهي مؤسسة أنشأت في 2010 بموجب مرسوم من الرئيس السابق ديمتري مدفيديف.
ويعد الصندوق أداة رئيسة للقوة الناعمة حيث يدعم دور المنظمات غير الحكومية داخل روسيا وخارجها، ويتلقى ميزانية سنوية من قبل الحكومة الروسية تقدر بنحو 1.1 مليون دولار.
الوكالة الاتحادية لشؤون منطقة الكومونولث والمواطين بالخارج والتعاون الإنساني والدولي، هي أيضا من أبرز مؤسسات القوة الناعمة، التي نشأت في 2008، وتعد الأداة الرسمية الأقوى في الدبلوماسية العامة الروسية، وتخضع لسلطة وزارة الخارجية الروسية، وتوزاي في مهامها وكالة المساعدات الخارجية الأميركية.
وتهدف هذه الوكالة إلى تنفيذ السياسة الخارجية في مجال المساعدة على التنمية الدولية وتوفير الدعم في مجال التعاون الدولي الإنساني، ووفقا لموقع الوكالة فإنها تهدف إلى تقديم صورة موضوعية عن روسيا الحديثة وإمكاناتها المادية والروحية ومضمون مسارها السياسي الداخلي والخارجي.
سعت روسيا في الأشهر الأخيرة، إلى استغلال أزمة كورونا لتحسين صورتها، فأرسلت فرقا طبية إلى عدة دول من بينها صربيا وإيطاليا وعدد من بلدان آسيا الوسطى.
وظيفة المراكز الثقافية الروسية المنتشرة في عدد من البلدان لا تهدف إلى تعميم اللغة الروسية وتحسين صورة موسكو في مخيلة المتلقين للثقافة الروسية فقط، بل لها هدف آخر يتمثل بتسهيل مهام الجواسيس الروس، عبر اندماجهم في تلك المجتمعات.
وحسب أنتلجنس أونلاين، فإنه في الوقت الذي تعد مهام وكالة التعاون الدولي الروسية مفيدة لعمليات التأثير، فإن المراكز الثقافية تمكن الجواسيس السريين الروس من الاندماج في مجتمعات العمل بسهولة.
وكشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي عام 2013 أن مدير الفرع الأميركي للوكالة يوري سيتسيف متورط بأنشطة استخباراتية لصالح بلاده، وانخراط "جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي" و"وكالة أمن الدولة الفيدرالية (FSB) (جهاز الاستخبارات الداخلية الروسي)" بأعمال فرع وكالة التعاون الدولي الروسي بالولايات المتحدة.
إخفاق وفشل
منذ نحو 3 عقود، تسعى موسكو إلى استعادة التأثير الذي فقدته بانهيار الاتحاد السوفيتي، حيث كانت أثناء الحرب الباردة قد نجحت إلى حد ما في التأثير على بعض البلدان من خلال نشر أيديولوجية الاشتراكية التي عممتها لدى عدد من البلدان.
ومنذ صعود بوتين إلى الرئاسة عام 2000، وهو يكرس اهتمامه بممارسة القوة الناعمة بالتزامن مع التطورات الإقليمية والدولية التي أدت إلى تأزم العلاقة بين روسيا ومحيطها الإقليمي، وسقوط أنظمة موالية لها، والتي كانت هدفا للمعسكر الليبرالي والنموذج الغربي في الحكم والاقتصاد.
ورغم الجهود التي توليها موسكو عبر المؤسسات المختلفة لتعزيز قوتها الناعمة إلا أنها تشعر أن تلك القوة لم تحقق المستوى المطلوب والمرجو، لهذا عقد رئيس وكالة التعاون الدولي يفغيني بريماكوف اجتماعه الهام في 30 مارس/آذار 2021 مع عدد من الخبراء الإستراتيجيين، وطالبهم بمقترحات لإعادة تنظيم وهيكلة مراكز العلوم والثقافة الروسية، وجعلها أكثر استهدافا وأكثر منهجية.
برز ذلك الإخفاق في فشل القوة الناعمة الروسية باحتواء الثورات التي اندلعت في كل من أوكرانيا وجورجيا وقرغيزيا، وهي الثورات التي أطاحت بحلفاء موسكو، وأسست لأنظمة جديدة حليفة للغرب.
في جورجيا، صرحت رئيسة البلاد سالوميه زورابيشفيلي، في 8 أغسطس/آب 2020، أن بلادها لن تخضع لروسيا، في حين أكد رئيس الوزراء جيورجي جاخاريا، أن تبليسي مستعدة بالكامل لعضوية حلف شمال الأطلسي "ناتو".
تجربة أوكرانيا كانت جرس إنذار بالنسبة للروس، ومثالا واضحا على إخفاق القوة الروسية الناعمة في الحيلولة دون تلك الثورات، وفي عدم القدرة على احتوائها.
المعسكر الغربي في أميركا وأوروبا تمكن من استقطاب هذه الدولة التي تقع على الحدود مع روسيا، وفشلت الأخيرة في التأثير عليها وضمها لمعسكرها، حتى قامت في 2014 بضم شبه جزيرة القرم إليها بشكل غير قانوني، وكان التلويح باستخدام "القوة الخشنة" الروسية دليلا على فشل "القوة الناعمة" في أوكرانيا.
تسببت طريقة روسيا "الخشنة" في التعامل مع الأزمات في بلدان ما عرف بالاتحاد السوفييتي بمخاوف لدى دول أخرى من لجوء موسكو إلى استخدام قوتها لفرض رؤيتها وإرادتها وهو الأمر الذي تسبب بتراجع تأثير القوة الناعمة.
علاوة على ذلك، فإن استخدام الأقليات الروسية في تلك البلدان كذريعة للتدخل، أثار حفيظة تلك البلدان، كما هو الحال في أوكرانيا حيث حشدت روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية بحجة حماية الأقلية الروسية هناك.
المصادر
- القوة الناعمة الروسية في منطقة كومنولث الدول المستقلة: المصادر والأدوات
- رئيسة جورجيا: لن نخضع لروسيا
- دراسة حول "القوة الناعمة" التي تفرضها روسيا عبر "المساعدات الإنسانية" في سوريا
- القوى الناعمة الروسية.. نجاح كبير في الشرق الأوسط يهدد النفوذ الأمريكي
- استخدام القوة الناعمة الأمريكية لمواجهة النفوذ الروسي في العراق
- الدين والقوة الناعمة الروسية: دراسة حالتي أوكرانيا ولاتفيا
- الكرملين: الضغط الغربي على موسكو "قوة ناعمة" لها أهداف قاسية
- تحول روسيا من استخدام القوة الصلبة إلى الناعمة مع جيرانها
- Evgeni Primakov Jr renews Russian soft power as head of Rossotrudnichestvo