منذر الشاوي.. فقيه قانوني رفض دستور الاحتلال فمات مغتربا عن العراق

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد رحلة طويلة من العطاء، ودّع العراقيون واحدا من القامات العلمية البارزة، الفقيه القانوني والدستوري، ووزير العدل الأسبق منذر إبراهيم الشاوي، عن عمر ناهز 92 عاما، الذي وافته المنية في 24 فبراير/ شباط 2021، بالعاصمة الأردنية عمّان.

الشاوي سجل اسمه في قافلة العلماء العراقيين الذين قدموا الكثير من الإنجازات على الصعيد المحلي والعربي، إذ تدرّج في المجال الأكاديمي حتى وصل أعلى المراتب العلمية، ثم شغل منصب وزير العدل لمدة 17 عاما، ووزير التعليم العالي لمدة 3 سنوات.

رافد علمي

في 24 فبراير/ شباط 2021، نعت نقابة المحامين العراقيين الشاوي في بيان قالت فيه إن "الشاوي كان أستاذا بارزا، ورافدا علميا مميزا، ترك أثرا طيبا في قلوب طلبته في كلية القانون والمعهد القضائي".

رغم المناصب التي شغلها الشاوي طيلة عقود من الزمن في ظل سلطة حزب البعث العراقي، إلا أنه لم تثر ضده أي قضايا تتعلق بمشاركته في انتهاكات لحقوق الإنسان التي كانت ظاهرة في تلك الحقبة، بل إن أحد أشقائه كان معارضا لنظام صدام حسين.

الشاوي لم يكن مطلوبا لقوات الاحتلال الأميركي من ضمن 55 شخصية، لكنه مع ذلك عاش آخر 15 عاما من حياته مغتربا في العاصمة الأردنية عمان، بعدما خرج من العراق مكرها نتيجة رفضه للدستور الذي كتب بعد عام 2003، حيث كان لا يزال مقيما في بغداد رافضا الخروج من بلده.

وحول هذه الحادثة، يروي الأكاديمي العراقي، سعد ناجي جواد، في مقال بصحيفة "رأي اليوم" في 25 فبراير/ شباط 2021، قائلا: "بعد الاحتلال، وعندما بدأ الحديث عن النية لطرح دستور للعراق مكتوب في الخارج (2005) اتصلت به، كي أتشاور معه في الموضوع".

وأضاف: "اتفقنا على تشكيل لجنة (شعبية) برئاسته من المختصين لمتابعة ومناقشة ما كان يتسرب من أحاديث عن محتويات الدستور الجديد، (حيث أن أغلب بنوده لم يعلن عنها وظلت سرية إلى أن تم التصويت والمصادقة عليه)".

وتابع: "لم أجده غاضبا في حياتي كما وجدته في تلك الفترة، وخاصة عندما كنا نسمع عن محتويات هذا الدستور السيء. واقترحت عليه تنظيم محاضرة عامة حول الموضوع ووافق. وعندما كنا نعد العدة لذلك ونواصل اجتماعاتنا كلجنة مصغرة، تم إلقاء القبض عليه واحتجازه".

ولفت الكاتب إلى أنه "بوساطة وتدخل مباشر من شقيقه، هشام الشاوي، والذي كان من ضمن الجهات المعارضة التي أتت من الخارج بعد الاحتلال، جرى إطلاق سراحه وإجباره على السفر خارج العراق، وأخذ تعهد منه بعدم الخوض في أي نقاشات حول الدستور. وهكذا غادر العراق واستقر في الأردن حتى وافته المنية".

وأكد الأكاديمي العراقي أن "بصمات وانجازات الفقيد الأستاذ الدكتور منذر الشاوي في المجال القانوني والدستوري والدراسات الجامعية، ستظل شاهدة على كفاءته وقدراته وعلمه الغزير، والأهم على حبه للعراق".

آخر حادثة للشاوي مع السلطات العراقية بعد عام 2003، كانت تتمثل في الانتقادات والهجوم العنيف الذي شنه البعض على سفيرة العراق السابقة في الأردن صفية السهيل، والتي قامت بزيارة الشاوي إكراما لسنه ولمكانته العلمية، وتفقدها رمزا من رموز العراق الفكرية والأكاديمية عام 2016.

مسيرة حافلة

ولد منذر إبراهيم أحمد الشاوي العبيدي، في منطقة الأعظمية ببغداد عام 1928، وتخرج من كلية الحقوق ببغداد عام 1951، حاصلا على شهادة البكالوريوس في القانون، ثم درس في جامعة تولوز في فرنسا وأكمل دبلوم القانون - العلوم السياسة عام 1954 وبعدها الدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة نفسها عام 1956.

كذلك حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام في 1957، ثم دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1958، وبعدها حصل على دكتوراه دولة في القانون بدرجة شرف عام 1961، وكان الفائز الأول بجائزة الأطروحات لكلية القانون بجامعة تولوز في ذلك العام.

عمل الشاوي مدرسا وأستاذا مساعدا في القانون الدستوري وفلسفة القانون بجامعة بغداد للفترة من عام 1961 إلى 1973، كذلك عمل محاضرا في القانون الدستوري بكلية الشرطة للفترة من 1964 إلى 1966.

شغل منصب رئيس قسم القانون في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد للفترة 1970 إلى 1973، وحاز على مرتبة الأستاذية من جامعة بغداد عام 1973، كما عمل عضوا في المجمع العلمي العراقي منذ 1979.

عمل أستاذ فلسفة القانون في المعهد القضائي للفترة من 1977 إلى 1988، ثم أستاذ القانون الدستوري والفلسفة في قسم الدراسات العليا بجامعة صدام (النهرين حاليا) للفترة من 1992 إلى 2002.

كذلك شغل منصب وزير العدل مرتين، الأولى من 1974 إلى 1988، حيث خلفه أكرم الدوري، والثانية من 25 يونيو/ حزيران 2000 خلفا لشبيب لازم المالكي حتى احتلال العراق في مارس/ آذار 2003، كما شغل منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي للفترة 1988 إلى 1991.

بعد عام 1974 انتقل الدكتور الشاوي بعد ذلك لكي يرأس اللجنة العلمية الأكاديمية للدراسات الإنسانية الملحقة بمكتب نائب رئيس جمهورية العراق، التي وضعت الخطط لتطوير الدراسات والمناهج الأكاديمية في كل الجامعات، حسبما أفاد به الأكاديمي سعد ناجي جواد.

وأكد الكاتب أن اللجنة برئاسة الشاوي تمكنت من وضع مناهج علمية متطورة ومواكبة للدراسات المشابهة لتلك التي تُدَرس في أغلب الجامعات الأجنبية المتقدمة.

وبسبب هذه الجهود، وجهود الأساتذة الرواد الآخرين قبله وبعده، كانت الشهادة التي تمنحها الجامعات العراقية معترف بها من كل جامعات العالم الرصينة.

أبرز مؤلفاته

وعلى مدار السنوات التي خدم فيها الشاوي المسيرة العلمية والأكاديمية في العراق، صدرت الكثير من المؤلفات وكذلك الإسهامات في تعزيز المكتبة القانونية والدستورية بمصادر مهمة لا تزال معتمدة حتى اليوم.

ومن أبرز مؤلفاته "إسهام في دراسة السلطة المؤسسة، أطروحة دكتوراه دولة 1961 (بالفرنسية)، في الدستور، بغداد 1964، في الدولة، بغداد 1965، القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية العراقية، بغداد 1966".

وكذلك أصدر المؤلفات التالية: "القانون الدستوري (الطبعة الأولى، بغداد 1967 ـ 1970، الطبعة الثانية، منشورات مركز البحوث القانونية، بغداد 1981)، الجزء الأول: نظرية الدولة، الجزء الثاني: نظرية الدستور، القضاء العادل، فـي (حديث إلى القضاء)، بغداد 1979، كتابات جامعية، منشورات دار الحكمة، بغداد 1990، مذاهب القانون، طبعة ثالثة، منشورات دار الحكمة، بغداد 1991".

وأيضا من كتبه: "فلسفة القانون، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، بغداد الطبعة الأولى 1994، الطبعة العاشرة 2011، المدخل لدراسة القانون الوضعي، دائرة الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1996، الدولة الديمقراطية في الفلسفة السياسية والقانونية – الفكرة الديمقراطية".

وصدر عن الشاوي كذلك: "النظرية العامة في القانون الدستوري، تأملات في الثقافة والقانون، فلسفة الدولة، الطبعة الثانية 2013، مدخل في فلسفة القانون، معنى حياتي، وهي الجزء الأول من مذكراته، فلسفة الحياة السياسية، الطبعة الأولى 2015، تأملات في فلسفة حكم البشر، الإنسان والقانون، فلسفة بناء الإنسان".

ساهم الشاوي بكتابة الدستور المؤقت، وقانون الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق (1974)، كما ساهم مع خبراء آخرين في كتابة مسودة دستور دائم للعراق عام (1990)، لكن حرب الخليج الثانية عام 1991 التي أعقبت غزو الكويت، والحصار الذي فرض على العراق في تلك الفترة علق مسألة إقرار ذلك الدستور.

ولعل أهم إنجازاته في المجال القانوني تأسيس المعهد القضائي العالي الذي أخذ على عاتقه تدريس وتدريب وتخريج القضاة.