تعد سعودي وإماراتي.. فنانون خليجيون يسرقون أغان وألحان تراثية يمنية
ليست الأراضي أو الثروات هي التي تكون عرضة للسرقة فقط، بل التراث الفني والألحان يمكن أن يطالهما السطو ويستولي عليهما أطراف يدّعون ملكيتهما وينسبونهما إليهم.
في اليمن، تعرّض عدد من الأغاني للسطو من قبل فنانين خليجيين، ورغم كون بعضها معروفة ومشهورة، إلا أنها تعرضت للسطو والانتحال من قبل أفراد وجهات فنية أو إعلامية.
في لقاء مع الفنان السعودي محمد عمر ببرنامج "فنان في ذاكرتك" الذي يقدمه الإعلامي داوود الشريان على قناة "إم بي سي"، ادعى عمر في الدقيقة 29 أن أغنية (خطر غصن القنا) أغنية شعبية شهيرة عرّفته عند كثير من الناس، وأنه يشتغل على تطويرها.
معروف أن الأغنية من أشهر أغاني التراث اليمني، وليست أغنية شعبية سعودية، وهي من كلمات الشاعر اليمني المعروف مطهر الإرياني وغناها الفنان اليمني الشهير علي بن علي الآنسي الذي توفي في 17 أبريل/نيسان 1981، أي قبل نحو 40 عاما، وغناها في مطلع سبعينيات القرن الماضي.
ذلك السطو والانتحال مارسته جهات إعلامية أيضا، فقد بثت قناة "إم بي سي" في وقت سابق أغنية (يا منيتي.. يا سلا خاطري) في برنامج "ذا فويس"، مشيرة أنها أغنية للفنان الكويتي عبد المحسن المهنا، وصرحت الفنانة الإماراتية أحلام الشامسي بكونها من أفضل أغاني المهنا.
غير أن الأغنية تعد أغنية يمنية شهيرة وقديمة، ألفها وكتب ألحانها الأمير والفنان أحمد فضل القمندان، وغناها فضل اللحجي، وسجلها على أسطوانات التاج العدني عام 1939.
البيت اليمني
رئيس البيت اليمني للموسيقى فؤاد الشرجبي قال لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ" إن الأغنية يمنية ولحجية (نسبة إلى محافظة لحج جنوب غربي اليمن) على وجه الخصوص، معبرا عن استيائه من تصرف القناة بهذا الشكل وتجاهلها للحقوق الفكرية والفنية للأغاني اليمنية التي كان لها الدور في تأسيس الأغنية الخليجية.
الأغنية من كلمات وألحان الأمير والفنان اليمني الشهير أحمد فضل القمندان، غناها منتصف القرن الماضي، ثم غناها يمنيون بعده في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من بينهم الفنان الكبير طه فارع والفنان عبد القادر با مخرمة والفنانة رجاء باسودان.
ووفق ما نشرته وكالة (سبأ)، سبق للبيت اليمني للموسيقى أن استنكر ما وصفه بـ"التعدي الصارخ واللامسؤول" من قبل الفنان اللبناني راغب علامة على حقوق الملكية الفكرية لأغنية "سر حبي فيك غامض" التي نسبها راغب للتراث الخليجي.
حقيقة الأمر أن الأغنية يمنية شهيرة ألفها الشاعر محمد المحضار، ولحنها الفنان اليمني الشهير أبوبكر سالم بلفقيه، قبل أن يعود راغب علامة ويعتذر عن هذا الخطأ غير المقصود حد قوله.
الأمر تكرر مع الفنان الإماراتي حسين الجسمي حين قال إن ألحان أغنية (حبيتها) من التراث الإماراتي، غير أن حملة شعبية يمنية انتقدت هذا الانتحال موضحة أن الأغنية من ألحان الفنان اليمني سامي الكاف، واعتذر الجسمي أيضا في نهاية المطاف.
يضطر حسين الجسمي بعد الضغط الإعلامي لوضع اسم الأغنية مع كاتبها وملحنها.. وهذا مانريده..
— غمدان اليوسفي (@GhamdanAlyosifi) October 10, 2018
معظم فناني الخليج سرقوا أغاني يمنية وكانوا يستنكفون ذكر الشاعر والملحن، والطيب فيهم يكتب (تراث)..
لندافع عن حقنا وننبش وراء كل هذا النهب..
النهب يطال كل شيء، لكن سنستعيد كل شيء بوعينا ويقظتنا https://t.co/6HqGiIMpQ7
سرقة مختلفة
في حواره مع قناة الجزيرة، تحدث الفنان اليمني الراحل محمد مرشد ناجي قائلا: أود الإشارة والتنبيه إلى أن هناك نمطا من السرقة، وهو نمط مغاير وحاذق من السرقات الغنائية التي طالت التراث اليمني".
مضيفا: "السرقة لا تعتمد إلى تبني الأغنية بكاملها كلمة ولحنا ونسبها لغير مبدعيها الأصليين، بل سطو يقوم على التقاط اللحن وتركيب كلمات أخرى لا تختلف كثيرا عن مضمون وأجواء الكلمات الأصلية، فيما يكتفي الفنان بالإشارة للحن بوصفه فلكلورا مع أن ملحن الأغنية معروف".
يضيف الفنان ناجي: مثلا أغنية "يقولوا لي قنع منك.. وفي الآخر رماك" للفنان السعودي طلال مداح، لحنها مأخوذ كليا من لحن أغنية "يقولوا لي نسي حبك وليه تجري وراه" التي غناها الفنان اليمني أحمد يوسف الزبيدي وغنتها الفنانة اليمنية أمل كعدل أيضا".
وتابع: كلمات الأغنية الأصلية للأمير صالح مهدي العبدلي، ولحنها للأمير محسن بن أحمد مهدي العبدلي، والكلمات التي قام طلال مداح بتركيبها على اللحن كتبها: لطفي زيني وأجواءها لا تبتعد كثيرا عن أجواء كلمات الأغنية الأصلية أما اللحن فهو اللحن ذاته.
وفي تقرير بعنوان "تغريبة الأغنية اليمنية" في مجلة "صنعاء"، قال الناشط الفني عمرو العامري: أغنية "كلمة ولو جبر خاطر"، قام بسرقتها الفنان عبادي الجوهر وتمت نسبتها للأمير السعودي عبد الرحمن بن سعود.
وأضاف: "ذلك ناتج عن تجهيل وطمس التراث اليمني، وهي أغنية تم توثيقها في ديوان مطبوع للفنان محمد سعد عبدالله بعنوان (لهيب الشوق)، وسجلت الأغنية في بيروت، منتصف الستينات، ومعروفٌ للجميع أن الأغنية والقصيدة هي لمحمد سعد عبدالله، شعرا ولحنا.
وأوضح العامري أن الفنان البحريني خالد الشيخ لم يكتف بالسطو على كلمات الأغنية التراثية اليمنية "اللون الصنعاني" وإنما أخرج مسخا لا ملامح له في أغنية بعنوان: "نعم نعم هذه سنة المحبيّن".
الشيخ، وفق العامري، مزج بين أغنيتين يمنيتين مقتبسا ودون حياء أو خجل أبياتا من قصيدة "الناس عليك يا ريم أقلقوني" للشاعر الفقيه بن مهير، وأربعة أبيات أخرى من قصيدة "عليك سموني وسمسموني" لابن شرف الدين.
إهمال رسمي
في واقع الأمر، فإن اليمن غني بالتراث الفني، وهو تراث قديم توارثته الأجيال وكوّن تراكما فنيا هائلا عبر التاريخ، حيث شهد اليمن طفرة فنية منذ القدم، كنتيجة للتقدم الحضاري الذي عاشه قديما، منذ نحو 2000 عام قبل الميلاد، أي منذ حضارة سبأ التي كانت مساكنهم آية، وحضارة إرم ذات العماد (التي لم يخلق مثلها في البلاد)، حسب النص القرآني.
الكاتب التونسي محمد الصادق الرزقي أشار في كتابه "الأغاني التونسية" لهذا الأمر قائلا: "إننا أردنا مقايسة اللغة للأغاني بما سواها من اللغات رجعنا بها إلى أحقاب بالية وعصور خالية، ونظرنا إلى عاد وثمود وآل تبع ويعرب وطسم وكديس".
الرزقي أضاف: "نظرنا إلى تلك المدنية العربية والحضارة الحميرية التي بقيت لنا أطلالها تنشد على نغماتهم الشعرية، فإننا بتلك الأشعار تتبعنا آثار العمران القديم، فاهتدينا إلى أن تلك الحضارة لا تخلو من كمالات في ظروفها وضروبها، ومن البديهي أن الغناء والطرب من ألزم الضروريات".
وتابع الرزقي: "وإذا علمنا أن العرب سكان اليمن والحيرة وحضرموت وسبأ وغيرها قد أتوا من الذلاقة وصفاء الصوت وحسنه درجة سامية – وعرفنا منزلة هؤلاء من الشعر وتقاسيمه، أيقنا أن العبريين على قدمهم – وهم الذين ضارعوا العرب في الأعصر القديمة – لم يتقدموهم في صوغ الألحان والتغنيّ بها".
الرزقي قال: "لذلك في جميع المصادر التاريخية كُتب حول عراقة وحضارة اليمن في الغناء، أي فيما قبل التاريخ، إلى عصر الإسلام، فاليمن كانت موجودة بغنائها من خلال أمرائها: ابن اليشرح، وعلس بن زيد وكثير من الأسماء التي تغنت الغناء اليمني على مدى التاريخ".
مضيفا: "وليس هذا من الزهو أو المبالغة إطلاقا، وإنما التاريخ لا يذكر لنا أي غناء، أو اسم أي مغني من أي بلد عربي كان إلا في صدر الإسلام، لذلك عندما نأتي إلى أي كتاب يتحدث عن الموسيقى نجد اليمن في مقدمة الجميع".
وفق مراقبين، فإن تلك الوفرة في التراث الفني قابلها إهمال من قبل المؤسسات اليمنية المختصة، ووزارة الثقافة على وجه الخصوص، فمن ناحية لم تقم الوزارة بدورها في الحفاظ الموروث الفني القديم والمعاصر، ومن ناحية أخرى لم تقم بمقاضاة الأطراف التي أقدمت على سرقة الحقوق الفكرية والأدبية والفنية للتراث الفني اليمني.