السيسي يبني "سور شرم الشيخ العظيم".. لعزل سيناء أم خدمة إسرائيل؟

12

طباعة

مشاركة

أنهت الحكومة المصرية تجميل جدار بنته بارتفاع 6 أمتار وطول 37 كيلومترا، على امتداد مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، من منطقة خليج نبق إلى محمية رأس محمد.

الجدار، الذي بدأ العمل به أول فبراير/شباط 2019، عبارة عن "سور عازل" يفصل المدينة عن مناطق البدو أهالي سيناء، ويحرمهم من دخولها، ليوفر الأمن لسياح إسرائيل.

السور أو "الجدار العازل" يُخرج منطقة الرويسات (التي يسكنها أهالي سيناء) من حدود منتجعات شرم الشيخ ويقيد دخولهم لها ببوابات أمنية كأنها معابر حدودية.

"هدف السور عزل وتأمين المناطق السياحية بشرم الشيخ لجذب السياح بعد الرعب الذي سببه إسقاط تنظيم الدولة طائرة روسية وقتل 224 عام 2015، وتوقف السياحة الروسية والبريطانية"، بحسب "الغارديان" 19 فبراير/ شباط 2019.

سكان شرم الشيخ يؤكدون أن بناء الجدار لن يُحدِث فارقا على المستوى الأمني، ولن يوقف الإرهاب، وعلى العكس سيغطي على جمال شرم الشيخ وجبالها ويعطي رسالة لأهل سيناء البدو إنهم ليسوا جزءا من المجتمع.

جدار أمني

رئيس مدينة شرم الشيخ، اللواء محمود السولية، زعم أن الجدار "مهمته صد النفايات المتطايرة في اتجاه البحر، ومنع عبور الأغنام والماعز في اتجاه خليج نعمة"، لأنها تتسبب في حوادث "ومنظر غير حضاريّ".

لكن فكرة الجدار "أمنية"، وترجع لعام 2005 لمنع عبور أهالي سيناء إلى المدينة، وتأجل تنفيذها بعد اعتراضات شعبية وإعلامية حينئذ لأنه سيعزل البدو والمدينة عن بقية سيناء.

في 22 فبراير/شباط 2014، عقب هجوم استهدف حافلة سياحية متجهة إلى منتجع طابا، جددت "الداخلية" طرح الفكرة لكنها أثارت نفس الغضب بين بدو سيناء ممن يعيشون ويعملون في نطاق المدينة، ثم بدأ تنفيذها عام 2019.

محافظ جنوب سيناء، اللواء خالد فودة (صهر رئيس النظام الانقلابي عبد الفتاح السيسي)، اعترف أن الهدف من وراء الجدار "أمني"، بغرض أن يساعد شرم الشيخ على تعويض عائدات السياحة التي تضررت من "الإرهاب" ومخاوف أن ينتقل من شمال لجنوب سيناء.

قال لموقع "إنفراد" التابع لصحيفة اليوم السابع 21 فبراير/ شباط 2021 "إقامة السور إجراء أمنى مدروس فنيا قبل إقامته".

"فودة" قال لصحيفة المونيتور الأميركية 11 مارس/ آذار 2019 "نستهدف تجميل شرم الشيخ وتأمينها"، مؤكدا بناء أربعة بوابات "جميلة" لدخولها على امتداد الجدار المُشكل من الحواجز الخرسانية العالية وأسلاك.

وأضاف: "هذا سيطمئن السائحين بوجودهم داخل المدينة المحاطة بأسوار عالية تمنع أي هجمات إرهابية من الخارج" حد زعمه.

"على جميع الداخلين إلى المدينة المرور عبر إحدى البوابات الأربع المجهزة بكاميرات وأجهزة مسح" بحسب مراسل الإندبندنت البريطانية 12 فبراير/ شباط 2021.

"الداخلون للمدينة سيخضعون للتفتيش، وتحدد كاميرات المراقبة هوياتهم، وتخضع المركبات للمسح، والوصول إلى المدينة غير ممكن بلا عملية تفتيش شاملة"، حسبما قال المحافظ "فودة" للصحفيين، بحسب الإندبندنت.

"مش هيدخل (لن يدخل) أي حد، وفيه 4 بوابات رئيسة. اللي عاوز (من يريد) يخش (يدخل) يخش من البوابة دي (هذه)، هيخش إزاي (كيف)؟. هيتفتش، الكاميرات هتراقبه، وهو داخل عربيته هتخش سكان (ماسح ضوئي)، مكان كده تتفحص، بيجيلي هنا بقه متعقم"، حسبما نقلت رويترز 7 فبراير/ شباط 2021 و"العربية" عن "فودة" في لقاء مع الصحفيين.

و"يهدف المشروع إلى تعويض الدخل السياحي المفقود منذ سقوط الطائرة الروسية في سيناء"، حسبما تقول الغارديان البريطانية.

وهربت السياحة الروسية والبريطانية من المدينة عقب هجوم على طائرة روسية نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ومقتل 224، وترفض روسيا عودة سياحها حتى الآن. 

وتظهر الصور التي بثتها الحكومة أن السور الخرساني، سيكون مراقَبا بالكاميرات، وستمر بجواره دوريات مكثفة للجيش، خاصة المناطق الملاصقة للجبال.

بدو سيناء

الجدار يأتي ضمن سلسلة خطوات اتخذها نظام السيسي من أجل حماية السياحة والأمن الصهيوني معا، بدأها بتهجير أهالي رفح والشيخ زويد ثم العريش.

عقب بناء السور، لم يعد مسموحا لأهالي سيناء المقيمين في منطقة الرويسات (50 ألف نسمة)، والتي تعد أحد الأحياء السكنية والتجارية التابعة لمدينة شرم الشيخ، بدخول المدينة، سوى من البوابات الأمنية.

أثار السور استهجان الأهالي والسائحين على السواء، لأنه يحجب رؤية الجبال عن السائحين، ويحرم أهالي سيناء من التحرك بحرية وممارسة حياتهم وتجارتهم.

"الغارديان" نقلت في 19 فبراير/ شباط 2019 عن سكان المدينة تخوفهم من عزل الجدار التجمعات البدوية في المنطقة الصحراوية المحيطة.

قالت إن البدو ساعدوا السلطات على محاربة العناصر المسلحة في سيناء، والآن يشعرون - بسبب الجدار- إنهم "ليسوا جزءا من المجتمع"، وأن الحماية للسياح الأجانب فقط داخل السور، بينما هم "لا يستحقون الحماية".

"السيد الشريف" صاحب محل سياحي في شرم الشيخ قال لصحيفة "المونيتور": "هذا السور يشكّل كارثة بيئية وجمالية وسياحية، ويحول مدينتنا الجميلة إلى سجن قبيح"، وتساءل عن كلفة هذا الجدار (20 مليون جنيه) في بلد يعاني من ديون مالية خطيرة.

"محمد حكيم" أحد سكان المدينة قال لـ "المونيتور": "سيغطي على جمال شرم الشيخ المعروفة بجبالها وصحرائها، ولن يحدث فارقا على المستوى الأمنيّ، بل سيزعج الناس بصورة أكبر".

وأضاف: "هذا المشروع لن يوقف أيّ إرهاب وهو إهدار للمال، والسيّاح الأجانب أنفسهم انتقدوا إقامة هذا الجدار، لأنه يحمل طابعا عنصريّا (ضد البدو)".

"الجدار يعطي انطباعين الأول للسياح، حيث سيقلق أي سائح يخرج من المدينة ويجعله يشعر بأنه غير آمن، وهذا سيؤثر على السياحة"، بحسب "حكيم".

"أما الانطباع الثاني فيقول للبدو إنهم ليسوا جزءا من المجتمع، ويرسل رسالة مفادها أنهم لا يستحقون الحماية من الإرهاب أو أنهم الإرهاب ذاته"!.

على مواقع التواصل انتقد مصريون الجدار وقالوا إنه يضر السياحة أكثر ما ينفعها، ويزيد من عزلة أهالي سيناء ويحاصرهم داخل قراهم، ويعزل مدن مصر نفسها دون وجود حرب أو احتلال أو تقسيم.

وتساءلوا: لماذا لم يتم إنفاق ثمن الجدار لتوفير وظائف لأبناء سيناء أو بناء مستشفيات ومدارس بدلا من هدر المبلغ على بناء سور يؤدّي إلى عزلهم؟ وهل سيوقف السور الإرهاب، أم يزيده؟.

أسوار السيسي 

يتبع السيسي نفس السياسات الصهيونية في بناء جدر لحمايته هو ونظامه، وبني لهذا الغرض عدة أسوار في مصر، أشهرها هو سور العاصمة الإدارية بارتفاع 7 أمتار، وتم بناؤه عام 2017 ليحمي منطقته الخضراء الجديدة المحصنة التي سيحكم منها مصر.

اعترفت شركة "العاصمة الجديدة" بـ"إنشاء أسوار داخلية حول محطات الكهرباء والمياه والجهات السيادية" في بيان 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بعد نفي بناء سور حول كل المدينة (170 ألف فدان).

في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، تم بناء سور حول القرية الخاصة بالعاملين برئاسة الجمهورية، ونشرت الجريدة الرسمية القرار الذي أصدره إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء حينئذ، بتخصيص مساحة 83 ألف متر مربع بمدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء لإقامة السور، بحسب جريدة الوطن.

كذلك تم بناء سور حول فيلات المعمورة بالإسكندرية بعدما استولت عليها القوات المسلحة وتم تجديدها، وتكلف السور حولها 30 مليون جنيه بحسب تغريدة للإعلامي المحسوب على نظام السيسي مصطفى بكري 9 سبتمبر/ أيلول 2019.

تم أيضا بناء جدار فولاذي عازل تحت الأرض على طول حدود مصر مع قطاع غزة في مارس/ آذار 2020، ويمتد الجدار بطول 10 كم وارتفاع 8 أمتار فوق سطح الأرض.

عمق الجدار يتراوح من 20 إلى 30 مترا تحت سطح الأرض، ويتكون من صفائح صلبة طول الواحدة 18 مترا وسمكها 50 سم وتكلف بناء الجدار حوالي 2 مليار دولار.

من أجل إسرائيل

عقب سلسلة عمليات مسلحة طالت كل سيناء ومنها شرم الشيخ، التي تعرضت في 23 يوليو/ تموز 2005 لهجوم اتهم الأمن المصري مسلحين من بدو سيناء مع تنظيم القاعدة بتدبيره، زادت هواجس الأجهزة الأمنية تجاه أهالي سيناء.

في هذا الهجوم قُتل 88 شخصا، من بينهم إسرائيلي، وسبقه هجوم آخر في 7 أكتوبر/ تشرين أول 2004، قتل فيه 34 سائحا، بينهم 12 إسرائيليا.

ورغم قيام "مكتب مكافحة الإرهاب" التابع لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي بتحذير الإسرائيليين عدة مرات في السنوات الأخيرة من "تهديد حقيقي بتنفيذ هجمات ضد السياح في سيناء، بمن فيهم الإسرائيليين، لم يلتفت الصهاينة له.

"نذهب لشرم الشيخ وسيناء رغم التحذيرات لأنها رخيصة وقريبة وعدد الإسرائيليين هناك أكبر من عدد المصريين"، حسبما نقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن سائح 22 أبريل/ نيسان 2019، وأكدت دخول 23 ألف إسرائيلي لقضاء عيد الفصح بها.

لهذا تُعتبر الترتيبات الأمنية المكثفة وبناء السور الضخم والبوابات لصالح السياح الإسرائيليين، واستجابة لتحذيرات "مكتب مكافحة الإرهاب" الصهيوني.

يقول خبير سياحي، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"الاستقلال" إن السلطات المصرية تشجع السياحة الإسرائيلية في ظل غياب السياحة الأجنبية الأخرى عقب حادثة الطائرة الروسية 2015، وتراجع السياحة عموما بسبب جائحة كورونا.

يضيف "السياح الصهاينة عادوا للتدفق على شرم الشيخ وجنوب سيناء عقب بناء سور شرم الشيخ، ويؤكدون أن السور وفر لهم مزيدا من الأمان".