بن قرينة لـ"الاستقلال": حراك الجزائر أنجز مهامه الكبرى ولن يبقى للأبد
تحل الذكرى الثانية للحراك الشعبي في الجزائر 22 فبراير/شباط 2021، الذي أصبح عيدا وطنيا واكبته قرارات تنتصر للحراك بحل مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) المطعون في نزاهته، كذلك الإفراج عن العشرات من معتقلي الحراك وتبني الدعوة لحوار وطني يضم كافة الأطياف السياسية.
وحول اندلاع شرارة الحراك وتحوله إلى ثورة شعبية، ومستقبل الجزائر، وملاحقة فلول العصابة، ووجه الشبه بين ما حدث في مصر وما يحدث في الجزائر، وظاهرة التطبيع في العالم العربي، التقت "الاستقلال" رئيس حركة البناء الوطني بالجزائر المرشح الرئاسي السابق، عبد القادر بن قرينة وأجرت معه هذا الحوار.
شرارة الحراك
-
ما هي الشرارة التي أشعلت الحراك الشعبي يوم 22 فبراير/شباط 2019؟
الحقيقة أن الشعب الجزائري تراكمت عليه ضغوطات عديدة وراودته آمال وطموحات، مهدت للثورة التي فجرها تمسك الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بالسلطة وهو ما عرف بالعهدة الخامسة.
تلاعبت العصابة الحاكمة بنصوص تعديل الدستور، إلى جانب سيطرة الفساد المالي على مؤسسات الدولة الرسمية، ثم بدأ ظهور ما عرف بـ"المجموعات غير الدستورية" للتلاعب بمؤسسة الرئاسة، بالإصرار على ترشح بوتفليقة لـ"العهدة الخامسة" رغم عجزه عن إدارة شؤون الدولة تماما.
الأكثر من ذلك، هو محاولة الاستحواذ على مراكز النفوذ في الدولة سواء كانت عسكرية، أو مالية، أو سياسية، رغم تردي الوضع الاقتصادي وتصدع النسيج المجتمعي، ما جعل لديه قابلية للانفجار كانت واضحة للعيان.
رفضت العصابة العديد من مبادرات الإصلاح السياسي، أو إجراء انتخابات حقيقية للانتقال الديمقراطي للسلطة، على الصعيد الداخلي، كان كل ما سبق يمهد لانطلاق شرارة الحراك، أضف إلى ذلك التحولات الإقليمية، وثورات شعوب الربيع العربي الأمر الذي جعل الشباب الجزائري في حالة غليان وبمجرد أن أعلنت العهدة الخامسة انفجر الشارع غضبا وبدأ الحراك.
-
لكن كيف تحول هذا الحراك إلى ثورة شعبية لإسقاط النظام؟
الشعب الجزائري بطبيعته حساس من التدخل الأجنبي، واعتقد أن هناك أطرافاً من السلطة لجأت إلى أطراف أجنبية وحاولت التلاعب بالمؤسسة العسكرية، لخلق صراع داخلها بما يهدد السيادة والوحدة الوطنية، وهو ما أغضب الشارع الذي رفض الحلول الترقيعية التي بدأت تظهر مع انطلاق الحراك وأجهض محاولات العصابة للالتفاف على الحراك بالتمديد لـ"بوتفليقة".
يضاف إلى ذلك أن الجيش لم يستجب لمحاولات السلطة بدفعه نحو مواجهة الشعب بالسلاح، ومن هنا أصبح شعار "الجيش والشعب خاوه خاوه" قائدا للحراك، وأعطاه نفسا أكبر جعله يتحول إلى ثورة شعبية.
-
ماذا عن ردود الفعل الداخلية والخارجية حيال الحراك منذ انطلاقه؟
كما هو معلوم، فان المحيط الإقليمي للجزائر كانت تكتنفه حالة أنظمة متوجسة وخائفة من ثورات الربيع العربي، وهي الدول الداعمة للثورات المضادة، كما أن الحالة الثورية في تونس جعلت ردود الفعل الشعبية مؤيدة للحراك لدينا، بينما ردود الفعل الرسمية كانت متخوفة أو متوجسة لأن الجزائر دولة محورية، وأية تغيير فيها سيكون له انعكاسات على الساحة الإقليمية.
حصاد عامين
-
برأيك، ماذا حقق الحراك الشعبي خلال عامين؟
الحراك حقق العديد من المكاسب كان أولها إسقاط العهدة الخامسة، رئيسا وبرلمانا ومجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) وحكومة وكامل منظومة العهدة، لأنها لم تكن قاصرة على شخص بوتفليقة في الحكم.
كما أعطى الحراك زخما للإصلاحات الحقيقية، وشرعية للجيش لحماية الأمن القومي، كما أن الحراك ساند منظومة العدالة في معركتها ضد الفساد والفاسدين، وثبت السيادة الوطنية، ومنع استباحة الدولة الجزائرية من طرف أية جهة خارجيه، كما أن الحراك أعاد الحياة للشعب ليسترد روح المقاومة والنضال التي كادت تموت في ظل حكم العصابة.
كما أدخل الحراك الجزائر في مسار إصلاحي، بدءا بالانتخابات الرئاسية تحت إشراف اللجنة المستقلة للانتخابات، ثم حل البرلمان المطعون في نزاهته لإعادة انتخابه، يعقبه مسار انتخابي جديد سيبني مؤسسات الجزائر الجديدة.
علاوة على أن الحراك ساهم في استعادة العديد من الثروات المنهوبة، من قبل العصابة، وكسر شوكة الفساد، وأدخل مسؤولين كبار منهم إلى السجون، سواء كانوا رؤساء حكومات أو وزراء أو ضباطا كبارا ومازالت محاكمتهم مستمرة بفضل الحراك.
-
ما هو المستقبل المنظور للحراك وما انعكاسه على صياغة الدستور الجديد الذي تم الاستفتاء عليه مؤخرا؟
ينبغي أن نقول بأن الحراك قد أنجز المهام الكبرى، حيث إنه حالة ثورية وليس منظمة أو هيئة، وهذه الحالة الثورية غالبا لها أهداف كبرى، من هنا لا نستطيع أن نقول بأن الحراك سيبقى للأبد، لكن ستبقى شرعيته وأهدافه ومخرجاته، حيث تم إلغاء الخلود في السلطة أو توريثها، وتم تحديد فترات الرئاسة، وإعادة مفاهيم المشروع التحرري لثورة وقيم نوفمبر.
لا شك أن الحراك كان حاضرا في الدستور الذي أسس لجزائر جديدة، وحمى الثوابت الوطنية، وحرر الانتخابات من المال الفاسد، وجدد في العلاقات الخارجية، وجعل السلطة متوازنة، وأعطى جرعة كبيرة من الحرية والفاعلية للعدالة والقضاء، وهذا كله مهم جدا في حضور الحراك الشعبي في موضوع ومضمون الدستور.
-
معتقلو الحراك ما هو مصيرهم في ظل تخفيف القبضة على العصابة؟
بداية لابد أن نثمن قرار الرئيس عبدالمجيد تبون بإطلاق سراح العشرات من معتقلي الحراك.. وأنا لا أعتقد بأنه يوجد عاقل يقبل بأن يكون في الجزائر معتقل سياسي واحد، ونحن نرفض اعتقال أي مواطن بسبب موقفه السياسي أو رأيه، بل ونطالب بتحصين وحماية حرية الرأي والتعبير والإعلام، كما نرفض الاعتقال السياسي تماما كما نرفض الاغتيال السياسي.
أما إطلاق بعض رموز العصابة، أولا هنالك من أمضى سنتين في السجن وهنالك من تمت محاكمته مع تطور في الأدلة وهنالك من لا يزال داخل السجن وهنالك ظهور بعض المقاربات لاستيعاب المرحلة القادمة في إطار من المصالحة أو التخفيف من إجراءات المحاكمة.
ربما لحسابات استرداد الأموال، وربما لحسابات الأزمة الاقتصادية والأزمة كوفيد 19 وتهديدات الأمن القومي الإقليمي وهذه كلها ظاهرة للعيان في التطور الحاصل في الساحة السياسية التي تحتاج التخفيف من الخصومات والاختلافات.
الجيش والحكم
-
ما هو دور الجيش بعد وفاة رئيس أركان الجيش السابق القايد صالح؟، وهل ابتعد الجيش عن الحكم؟
لا نستطيع أن نقول بأن العالم الثالث فيه ابتعاد حقيقي للسلطة العسكرية عن الفعل السياسي، خصوصا قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، لكن اليوم نرى تحولات غير تقليدية تفرض مساحة واضحة من الانفصال بين العسكري والمدني في الفعل السياسي في الجزائر.
صحيح أن الفقيد الراحل أحمد قايد صالح -رحمهُ الله- كان له رمزية، وكان له دور مركزي في حماية الحراك، وانطلاق الإصلاحات والعودة إلى المسار الانتخابي، بدليل إدخال عدد من الضباط إلى السجن ومحاكمتهم بمجرد ظهور بعض الإشارات على علاقتهم بالعصابة وتورطهم بالفساد.
-
لكن لماذا انقسم الشارع حول الانتخابات الرئاسية؟
الانتخابات الرئاسية كانت حجر الزاوية في المسار الانتخابي الذي سيأخذ البلاد إلى بر الأمان انطلاقا من الحراك، وما بعد الحراك، وكان هنالك رأي آخر داخل الحراك يطالب بمرحلة انتقالية، وإيقاف المسار الانتخابي والتوافق على تعيين برلمان ومجالس محلية في البلديات والولايات بدون الرجوع إلى الشعب، ولا يزال أصحاب هذين الرأيين موجودين إلى اليوم أحدهما يقول الدستور أولا، والآخر يدعو لمرحله انتقالية أولا، لذلك جاءت الانتخابات الرئاسية لتحسم هذا الجدل.
-
ما المغزى من إعلان 22 فبراير "يوما وطنيا" تقام فيه الاحتفالات ويخلد ذكرى انطلاق الحراك؟
في الحقيقة اليوم الوطني إنما هو يوم للتلاحم بين جميع مكونات المجتمع، من أجل حماية الجبهة الداخلية من التصدع، وعدم السماح بالصراع بين الجيش والشعب كمكونين أساسيين في حماية الدولة واستمرارية بقائها.
مازال هذا اليوم الوطني لم يأخذ بُعده الحقيقي، ومن المفروض أن يكون هناك احتفاء بهذا اليوم على المستوى الفكري ويكون سببا في إنتاج رؤى سياسية وفكرية حقيقية تعبر عن مرجعية الحراك في بناء مستقبل الدولة.
حركة البناء
- كيف تعاطت حركة البناء الوطني مع الحراك منذ ظهوره، وما ذكرياتكم معه؟
نحن جزء من الحراك وما زلنا نقول بأن الحراك قيم مستمرة وأن يوم التلاحم الوطني هو أحد مخرجات الحراك، لحماية الحق في المسيرات والتظاهر الذي أصبح حقا دستوريا، من أجل استعادة الأمة للدولة.
لم يكن حراك الجياع ولا حراك البحث عن الخبز، لكنه كان حراك أحرار يبحث عن السيادة واستعادة القرار الوطني.. كما أن الحراك كان سياسيا بامتياز، وكان أخلاقيا لم يشهد أية تجاوزات، وكان شعاره السلمية المطلقة، واشتهر بأنه "حراك الجمعة" بالروح الإيمانية الوطنية، التي أنتجت مبادرة القوى الوطنية لوضع خارطة الطريق للمستقبل.
-
أحد رموز الحركة وهو سليمان شنين رئيس كتلة "الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء" التحالف البرلماني الذي يضم 3 أحزاب إسلامية معارضة صار رئيسا للبرلمان.. ما دلالة ذلك؟
دلالة ذلك أن حركة البناء الوطني (أحد أركان التحالف الذي تم توقيعه بين قادة أحزاب حركتا النّهضة، والبناء الوطني، وجبهة العدالة والتنمية، لخوض الانتخابات التشريعية 2017) كان دورها بارزا في الحراك منذ اللحظة الأولى، وأن الأستاذ سليمان شنين كان حاضرا في المقدمة وفي الصدارة، وكان في جملة المحاورين بكل الاتجاهات.
وحين كان الشارع يطالب بأسقاط الـ"باءات الثلاثة" والتي كان أحدهم رئيس برلمان بوتفليقة (معاذ بوشارب)، تم التوافق على شخصية تتولى رئاسة البرلمان، وتتمتع بنظافة اليد، والروح الشابة، فكان، شنين، أحد قيادات الحركة، وهذا أمرٌ نفتخر به.
قرارات تبون
-
بمناسبة ذكرى الحراك.. كيف ترى قرارات الرئيس تبون بحل البرلمان وإطلاق سراح معتقلي الحراك؟
لقد تابعنا بكل اهتمام، في حركة البناء الوطني، خطاب رئيس الجمهورية، بالتزامن مع ذكرى اليوم الوطني وعشية إحياء الذكرى الثانية للحراك الشعبي المليوني، كما تلقينا بترحاب شديد قرار الإفراج عن العشرات من معتقلي الحراك بعفو رئاسي، وإشادة الرئيس بالحراك المبارك.
كما نثمن القرارات السياسية الهامة التي أعلنها الرئيس تبون بحل البرلمان بسبب شرعيته المعطوبة بالتزوير، وننتظر حل باقي المجالس المحلية، وقرار التعديل الحكومي، بما يؤكد على إصلاح حقيقي وعميق، فضلا عن تجسيد مضامين الدستور الجديد ولا سيما تنصيب المرصد الوطني للمجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب، بعيدا عن الوصاية والولاء، والمحكمة الدستورية، كما نثمن تأكيده على الموقف الثابت والمشرف للدولة الجزائرية من القضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
-
ماذا دار في اللقاء الذي جمعكم مع الرئيس تبون؟
لقاءاتنا مع الرئيس لم تنقطع منذ انتخابات الرئاسة التي تنافسنا معه فيها، ولكن بعد ظهور النتائج شرعنا في التعاون معه لأجل المصلحة العليا للوطن، وكان مطلبنا الدائم هو استمرار الحوار وتوسيعه.
ولما عاد الرئيس من فترة العلاج استجاب لمطلبي وقرر فتح حوار مع جميع الأحزاب لتمتين تماسك الجبهة الداخلية، ولاستكمال مسار العملية الإصلاحية بعد الدستور والرئاسيات بالانطلاق إلى التحضير للانتخابات البرلمانية، وعبرنا عن اهتمامنا بتعديل قانون الانتخابات عبر توسيع المشاركة الشعبية والحزبية فيها، حرصا على مستقبل البلاد.
مصر والجزائر
-
هل تجد أوجه شبه بين إطلاق سراح رجال بوتفليقة ورجال مبارك في مصر، فيما يمكن أن نطلق عليه عودة الدولة العميقة مرة أخرى للساحة؟
أعتقد بأن ظاهرة الدولة العميقة تحتاج إلى مزيد من النقاش والدراسات فلا يمكن أن نجد دولة ليست فيها ظاهرة الدولة العميقة بشكل أو بآخر حتى نكون واقعيين، وهي ليست قاصرة على دول العالم الثالث فقط، بل حتى في الدول المتقدمة أيضا.
ومع ذلك فإن هناك اختلافا كبيرا بين ما حدث مع رموز العصابة بالجزائر نتيجة الحراك الشعبي من محاسبة شعبية ومؤسسية وجنائية وسجنهم، بينما فلول الرئيس المصري الراحل المخلوع محمد حسني مبارك في مصر لم يتم محاسبتهم كما ينبغي، بل تمكنوا من حياكة انقلاب عسكري دموي على الشرعية بمساعدة الدولة العميقة وقادة المنقلب الجنرال عبد الفتاح السيسي.
فضلا عن أن مؤسسة العدالة في الجزائر تختلف عن القضاء المصري الذي شارك في الانقلاب على الشرعية وتورط في الدماء البريئة.. وأعتقد أن وجه المقارنة بعيد نسبيا بين الحالتين، لأن الحالة المصرية هي حالة انقلاب كامل الأركان على الشرعية التي فازت في خمس انتخابات، أما الجزائر فكان هناك تآمر على الانتخابات الرئاسية ومحاولة لفرض عهدة خامسة أسقطها الشعب.
-
شاهدنا هتافات شعبية في ميادين الحراك بالجزائر، وفي ملاعب كرة القدم ضد السيسي..
الحراك الثوري داعم للشرعية في مصر ضد الانقلابيين، ورافض للانقلاب العسكري الذي يتزعمه السيسي، كما أنه رافض أيضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذه أشياء أصيلة في الجزائر.
ففي الملاعب الجزائرية تجد الشباب يهتفون دائما ضد الانقلاب العسكري، وضد التآمر على الشعوب ويهتفون باسم الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، شهيد الحق والحرية وشهيد الشرعية الذي كان مضربا للمثل في الثبات على المبدأ.
ما فعله السيسي من مجازر بحق الشعب المصري جريمة ضد الإنسانية، ولهذا فإن الشعب الجزائري رفض هذه الجريمة وردد الهتافات المعبرة عن ذلك ضد السيسي وكل الانقلابيين.
صراع ليبيا
-
كيف ترى الحركة طبيعة الصراع الحاصل في ليبيا؟ وما موقفكم من الانقلابي حفتر؟
الصراع في ليبيا هو صراع أجندات إقليمية للأسف الشديد، ونحن دائما ندعو إلى الحل "الليبي - الليبي" والاحتكام إلى الشعب بعيدا عن الصراع المسلح، وعن التدخل الأجنبي، ورفضنا الثورة المضادة في ليبيا وما جلبته من مرتزقة روس وفرنسيين وجنجويد وغيرهم بدعم من دول عربية معروفة.
كما رفضنا عدوان الانقلابي حفتر على الحكومة الشرعية في طرابلس لخدمة أجندات خارجية مشبوهة فقتل آلاف الأبرياء، ودمر البنى التحتية بالبلاد، لذلك نرى أن ما وصلت إليه ليبيا اليوم في اجتماعات جنيف هو نقطة انطلاق نحو تصحيح مسارها، وندعو الثورة الليبية إلى طرد الدخلاء الأجانب على أراضيها من فاغنر وفرنسيس وجنجويد وكافة المرتزقة.
-
كيف ترى طبيعة العلاقة اليوم بين الجزائر وفرنسا بعد اندلاع الحراك؟
العلاقات الجزائرية الفرنسية لا يمكن أن تكون عادية، لأنها موروث استعماري كبير، وهذا الإرث الاستعماري الكبير يجعل العلاقات دائما في حالة قلق واضطراب.
فما بيننا وبين فرنسا تاريخ مُر من الانتهاكات والجرائم بدءا بتجاربها النووية في صحراء الجزائر، وانتهاءا بأرشيفنا المنهوب في فرنسا لحد الآن ولم يسترجع، وعلاوة على حقوقنا وديوننا وغير ذلك من الأشياء المؤلمة في تاريخنا المشترك، والتي ستبقى حاضرة دائما في الذاكرة العامة والرسمية.
لا يخفى على أحد أن مصالح فرنسا المتجددة في مستعمراتها القديمة كلها تجعلها تحرص على حماية هذه المصالح من خلال البحث عن نظام أو حكومة موالية لها، والشعب الجزائري رفض ذلك خلال الحراك الشعبي ونادى بسقوط فرنسا، وأسقط أولياء فرنسا واستمرت هذه الحقيقة بعد الحراك.
هذا الصراع التاريخي بين الجزائر وفرنسا هو صراع بين الاستعمار والحرية، بين الثوابت والاختراقات، بين حماية مصالحها والمساس بسيادة الجزائر، فضلا عن محاولة فرنسا نهب هذه السيادة.
التدخلات الأخيرة من الجانب الفرنسي في الجزائر كانت واضحة، ومازالت مرفوضة ولهذا نستطيع القول بأن الجزائر اليوم تستعيد سيادتها وتحتمي بالشعب المتماسك مع بعضه البعض بفضل الحراك بموقف موحد إلى جانب السلطة معا في وجه فرنسا والمتفرنسين.
قضية التعريب
-
إلى أين وصلت قضية التعريب في الجزائر؟
يجب أن نذكر بأن العلاقات في البحر الأبيض المتوسط يجب أن تكون علاقات هادئة، لأن عمليات الاختراق وصناعة التوترات لا يمكن أن تصب في مصلحة أي جهة، ونحن نعتقد بأن تدخل فرنسا غير إيجابي وغير متزن ولا ينفع المنطقة.
من جانب آخر، نحن نتأسف عندما نرى الرئيس ماكرون يرفض طلب جزء من الشعب الفرنسي بترسيم لغة ثانية من لغات الفئات الفرنسية، ويُصر على أن فرنسا لديها لغة وحيدة رسمية وهي "الفرنسية"، ثم نجد فرنسا الاستعمارية تدعم تعدد اللغات في بلادنا التي كانت تحتلها بل وتمزق وحدة شعوبها تارة من أجل اللغة، وأخرى من أجل العرق.
نرى فرنسا تدعم الفرانكوفونية على حساب اللغة العربية، بل وتصعد من تدخلاتها إلى حد الحرب الثقافية ضد ثوابتنا الإسلامية والعربية، ونحن نقف إلى جانب الشعب الجزائري في مقاومة هذا التدخل الفرنسي البغيض ورفضه، ونرى أنه أحد عوامل التوتر المستمر في العلاقة بين فرنسا والجزائر الحرة.
هرولة التطبيع
-
في ظل الهرولة نحو التطبيع الصهيوني بالمنطقة العربية.. ما موقف حركة البناء الوطني منه؟
الحركة ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني قولا واحدا ونراه فعلا مُجرَّما، ونحن نقف مع الحق الفلسطيني ونرى أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة المركزية وأم القضايا، وبالتالي فالحركة ترفض الهرولة نحو التطبيع، وندين أي توجه للتطبيع من أيا كان.
كما نعتبر أن التطبيع خسارة كبيرة للدول العربية والإسلامية التي تهرول نحوه، لأنها لن تجني من وراء الصهاينة سوى الأوهام والوعود الكاذبة، فهم كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم.
لذلك نرى أن السودان يخسر قضيته، والمغرب لم يربح شيئا، والإمارات وعدها ترامب وأخلف بايدن هذا الوعد، والسعودية استنزفت أموالها، ومصر أدخلت في متاهات بحقوق الإنسان ومتاهات الصراع السياسي وتدمير البنية الديمقراطية وبالتالي لا يوجد أي مردود مفيد للهرولة نحو التطبيع على الإطلاق.
-
الموقف الجزائري يعد الأشد صلابة إلى جانب تونس والكويت في رفض التطبيع ما تفسيركم؟
رفض الوجود الصهيوني في المنطقة هو حالة متأصلة في الجزائر، منذ ثورتها التي كانت مرتبطة مع الشعب الفلسطيني رباط مقدس وداعم للحق الفلسطيني بقوة، وهناك تماهي مع دول داعمة لفلسطين مثل الكويت وتونس رغم كثرة الضغوط عليها.
الجزائر رائدة في هذا الموضوع وتدعم صمود الشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وحقه في تحرير أراضيه المحتلة، لأن الجزائر جربت الاستعمار وتعرف مرارة الاحتلال وبشاعته، ما يجعلنا نعيش معاناة الشعوب في البحث عن الحرية واسترداد كرامتها واستقلالها لاسيما الشعب الفلسطيني.
وتظل محاولات الاختراق الصهيوني للمنطقة قديمة منذ الستينيات، وتستهدف الدول العربية والإفريقية بالضغط على شعوبها، لإجهاض النضال التحرري بشكل عام.