عمود باب المندب.. الإندبندنت: بايدن مهتم باليمن لأسباب تتعدى إنهاء الحرب
تساءلت صحيفة الإندبندنت البريطانية، عن سر اهتمام الرئيس الأميركي جو بايدن المبكر باليمن، رغم عدم مرور شهر كامل حتى الآن على دخوله البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021.
وصرح الرئيس بايدن في وقت سابق بأنه سيعطي الأولوية للهياكل المؤسسية، لكن أول عمل له في مجال الشؤون الخارجية سيكون إنهاء الحرب الأهلية في اليمن.
لكن الصحيفة البريطانية، في نسختها التركية، ترى أنه ليس من الممكن شرح هذا الموقف الصادر من أكبر مسؤول في دولة عالمية وإستراتيجية مثل الولايات المتحدة الأميركية بأنها عبارة عن إنهاء حرب أهلية فقط.
وقال الكاتب التركي علي أرسلان في مقال نشرته الصحيفة: "تفسير هذا الموقف بأنه محاولة لكسر النفوذ الإيراني أو بأمور أخرى قد يكون تفسيرا تكتيكيا أو سياسيا لكنه ليس إستراتيجيا بالتأكيد".
وأضاف: لذا سيكون من الضروري معرفة الأهمية الإستراتيجية لذلك البلد لفهم عهد بايدن. فهل تلك الدولة مهمة لأنها اليمن؟ أم لأن مضيق باب المندب يطل على آسيا أم لأنه يشكل باب على البحر الأحمر والمحيط الهندي؟
المناطق الإستراتيجية
ومن وجهة نظره، فمن أجل فهم أفضل للقضية، يبدو ضروريا معرفة أن البحر الأحمر في اليمن يعتبر أحد أعمدة باب المندب.
أما من أجل فهم هدف الرئيس بايدن، فمن الضروري الكشف عن المناطق المستهدفة والمناطق المفتاحية، وتحديد أهمية البحر الأحمر والسويس وباب المندب، يقول الكاتب.
ويستطرد أرسلان: وعلى الرغم من أن الناس يعتبرون أن المناطق التي يعيشون فيها قيمة للغاية، فإن بعض المناطق في العالم أكثر أهمية من غيرها.
فمثلا لم ولن تتناقص قيمة المناطق التي تملك موقعا إستراتيجيا تحتاجه الدول العالمية، والتي تعتبر مستهدفة من قبل جميع القوى الكبرى.
ويضيف: هناك منطقة مفتاحية طبيعية بمثابة باب لكل منطقة من المناطق الإستراتيجية المستهدفة.
ونظرا لأنه من غير الممكن للدول العالمية أن تغزو أو تسيطر على العالم بأسره، يجب عليها اختراق المناطق الإستراتيجية المستهدفة التي تتطلبها المنافسة العالمية.
فبدلا من السيطرة على منطقة بأكملها بشكل مباشر أو غير مباشر، سيكون كافيا للدول الحصول على منطقة أو مناطق مفتاحية لتتحكم في المناطق الإستراتيجية المستهدفة، وتتحكم في الممرات وتغلق المنطقة متى شاءت، وفقا للكاتب.
ويتابع: لهذا، فإن القوى التي ستستولي على مفاتيح المناطق الإستراتيجية المستهدفة في العالم ستملك اليد العليا من حيث تنفيذ إستراتيجياتها العالمية.
وترتبط سيطرة الدول على العالم بسيطرتها على النقاط المفتاحية للمناطق الإستراتيجية المستهدفة بشكل مباشر.
وأوضح ذلك بالقول: إذا تم الاستيلاء على النقاط المفتاحية يصبح من الأسهل بكثير التحكم في المناطق الإستراتيجية المستهدفة.
ووفقا لما قال، هناك 12 منطقة تعتبر من أهم المناطق الإستراتيجية المستهدفة في العالم منذ القدم.
وهذه المناطق هي: مرمرة والبحر الأحمر وجبل طارق وتركستان والملايو وبحر البلطيق وإديل ـ يايك (نهر الأورال) والبصرة وزنجبار والكاريبي وبيرنغ وإفريقيا الوسطى. وتحتوي كل من هذه المناطق على منطقة مفتاحية واحدة على الأقل.
وهكذا ومن أجل فهم خطوة بايدن في اليمن كونها عمودا في المنطقة المفتاحية للبحر الأحمر المستهدف، من الضروري طرح الخلفية التاريخية، بحسب ما يراه الكاتب التركي.
البحر الأحمر عبر التاريخ
ووفقا لأرسلان تعتبر منطقة البحر الأحمر واحدة من أقدم المناطق في تاريخ البشرية إلى جانب كونها محور اهتمام الدول القوية.
فكما أن حوض البحر الأحمر يفصل آسيا وإفريقيا عن بعضهما البعض، يعتبر باب المندب والسويس منطقتان مفتاحيتان مهمتان.
ويستدرك قائلا: فبينما انتشرت الدول القوية التي تأسست في آسيا الصغرى أو شمال شرق إفريقيا باستخدام باب المندب والسويس، كانت الدول العالمية الناشئة في أركان العالم البعيدة تحاول التدخل في منطقة البحر الأحمر المستهدفة بطريقة ما.
وتزداد أهمية منطقة البحر الأحمر أكثر خلال الفترات التي يتم استخدام السويس فيها، حيث تعتبر الأخيرة البوابة الشمالية للبحر، كممر مائي.
وهكذا وعلى الرغم من أن القوى العالمية لا تملك سيطرة مطلقة على منطقة البحر الأحمر، إلا أنها تحاول جاهدة الاستيلاء على باب المندب والسويس، المنطقتان المفتاحيتان.
ويحكي الكاتب كيف كان البحر الأحمر هدفا للدول الكبرى عبر التاريخ. فقد استهدف الفينيقيون السويس في مصر القديمة كما استهدف الآشوريون والبابليون ذلك البحر وسيطروا عليها ليأتي من بعدهم الفرس والمقدونيين.
ثم تبعهم الرومانيون الذين سيطروا على مرمرة أيضا. أما في عهد الخلفاء الراشدين فقد تمت السيطرة على السويس بشكل كامل وباب المندب والبحر الأحمر بشكل جزئي.
وأشار إلى أن الأمويين والعباسيين والفاطميين تبعوهم في ذلك ليسيطروا بالكامل على هذه المناطق ويمتد نفوذهم حتى الصومال.
فيما سار السلاجقة والأيوبيون والمماليك والعثمانيون على إثرهم وأحكموا سيطرتهم على منطقة البحر الأحمر.
حتى أن العثمانيين حاربوا البرتغاليين والفرنسيين والبريطانيين والهولنديين في المحيط الهندي دفاعا عن البحر الأحمر ليستمر حكمهم المطلق فيها حتى نهاية القرن الثامن عشر.
واستدرك: لكن البريطانيين الذين احتلوا عدن عام 1839 بدؤوا سيطرتهم على منطقة باب المندب المفتاحية وركزوا جهودهم للسيطرة على منطقة السويس المفتاحية أيضا.
وبذلك أصبحوا بعدها القوة المهيمنة على مناطق البحر الأحمر والسويس وباب المندب بعد احتلالهم لمصر والسودان بشكل كامل. واستمر هذا الحال حتى الحرب العالمية الثانية.
أما في الفترة التي كانت تسمى بالحرب الباردة بين أميركا وروسيا فقد كانت منطقة البحر الأحمر واحدة من الحملات الإستراتيجية لهذه الدول.
إذ أن إنشاء دولة إسرائيل بدعم الولايات المتحدة جعلت العرب أقرب إلى روسيا السوفييتية. مما جعل مصر تغلق قناة السويس أمام السفن التجارية والعسكرية الإسرائيلية، بحسب الكاتب.
وأردف: لكن الولايات المتحدة التي كانت ترغب في السيطرة على منطقة السويس وفقت بين إسرائيل ومصر باتفاقية كامب ديفيد وأمسكت بطرف الخيط لتنقلب بعدها الموازين بشكل كامل، حيث كانت روسيا السوفييتية تفقد قوتها، الأمر الذي جعل لأميركا اليد العليا في البحر الأحمر.
التنافس الكبير
ويذكر أرسلان أن بروز الولايات المتحدة كقوة وحيدة بعد تفكك روسيا السوفييتية في 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، والتي بدأت تفقد قوتها منذ السبعينيات، أدى إلى ظهور ردود فعل من قبل القوى الجديدة التي كانت تستعد لفترة طويلة.
وبدأت الصين، والاتحاد الأوروبي تحت قيادة ألمانيا، العمل في منطقة البحر الأحمر كلاعبين سياسيين.
وتابع: ومع انتهاء الحرب الباردة، كثفت الولايات المتحدة التي كانت ترغب في الاستقرار في منطقة البحر الأحمر، أنشطتها حول باب المندب الذي كان تأثيرها فيه ضعيفا.
فهذه المنطقة والتي تلتقي فيها القارتان، الآسيوية والإفريقية تشكل ممرا مائيا بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.
من ناحية أخرى كان الاتحاد الأوروبي قد أرسل قوة لحفظ السلام في اليمن من تركيا لكنها لم تنجح. وعلى الرغم من توحيد اليمن في عام 1990، إلا أنه سرعان ما تشكلت أرضية من الاضطرابات بدأت في عام 2004 وتحولت إلى حرب أهلية في 2014.
ويلفت الكاتب إلى أن أهمية منطقة باب المندب المفتاحية وكونها نقطة تنافس مهمة تبدو واضحة من القواعد العسكرية التي تم إنشاؤها فيها.
ففي ذلك الوقت، وبينما كانت لفرنسا واليابان قواعد عسكرية في جيبوتي أسست الولايات المتحدة قاعدة العند الجوية في اليمن إضافة إلى قواعدها العسكرية في جيبوتي وإثيوبيا.
وقد أدت مشاركة السعودية وإيران ـ بشكل غير مباشر ـ في الحرب الأهلية التي بدأت في اليمن لتغير الديناميكيات الموروثة من الفترة الاستعمارية البريطانية، إلى تعمقها محليا. كما أن الصين أيضا بدأت التدخل هنا بشكل مباشر، بعد أن كانت تتدخل عبر إيران من قبل، يقول الكاتب.
ويشرح ذلك قائلا: بدأت الصين في إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي في عام 2015، وهذا أمر مهم للغاية للسيطرة على ممر باب المندب من إفريقيا. وبدأت الصين، التي تعلق أهمية على أن تصبح قوة اقتصادية منذ عام 1978، في إرساء الأساس لتصبح قوة عالمية في السنوات الأخيرة.
ويختم الكاتب مقاله مشيرا إلى أن بكين التي وضعت مشروع "حزام واحد وطريق واحد" على جدول أعمالها، حددت خط "الصين - ملقا – باب المندب - السويس – البندقية" كـ "طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين".
ويضيف: تركز الصين وحلفاؤها على باب المندب المفتاحية، لأن الولايات المتحدة تهيمن على السويس المفتاحية في شمال منطقة البحر. إن افتتاح أول قاعدة عسكرية صينية خارج البلاد في جيبوتي في أغسطس/آب 2017 ليعتبر مؤشرا مهما على ذلك.
وهكذا يسهل علينا أن نفهم لماذا بدأ بايدن سياسته الخارجية من اليمن عند تقييم ذلك البلد كواحد من أعمدة مضيق باب المندب المفتاحية، يقول الكاتب التركي.