سلمان العودة.. داعية سعودي فقد نصف حواسه داخل سجون ولي العهد

12

طباعة

مشاركة

في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، تحل الذكرى الرابعة والستون لميلاد الداعية السعودي الدكتور سلمان العودة وهو لا يزال قابعا في سجون ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ 10 سبتمبر/أيلول 2017.

العودة الذي ولد عام 1956، يعاني الآن من حالة صحية ونفسية خطيرة للغاية، "حيث فقد نصف سمعه ونصف بصره"، حسب إفادة حديثه لنجله الدكتور عبد الله العودة.

وعلاوة على ظروف الاعتقال القاسية، وحرمانه من زيارة أقاربه، ومن تلقي الرعاية الطبية اللازمة فإن العودة يواجه أحكاما جائرة بالإعدام، حيث طالبت النيابة العامة السعودية بإعدامه لاتهامات لم يعترف بها العودة ولم تسمح المحكمة لأي جهة محايدة بالتحقق من صحتها.

تهم ملفقة

مطالبة النيابة السعودية بإعدام العودة، تأتي إثر توجيه 37 تهمة له، من بينها تهم بانتقاده السلطة السعودية عبر تغريدات بحسابه على تويتر الذي يتابعه أكثر من 15 مليونا، والتحريض ضد النظام الحاكم، وهي التهم التي ينفيها العودة.

ورغم حديث الرياض عن تحريض العودة على النظام الملكي، إلا أن متابعين يرون أن الحملة التي شنتها السعودية نهاية 2017، اعتقلت خلالها عددا من العلماء، بينهم العودة، كان الغرض منها إسكات الأصوات التي يحتمل أن تعارض قرار المملكة بالموافقة على "صفقة القرن" الأميركية، ثم قرارها بالتطبيع مع إسرائيل، وهو ما يرفضه العودة ولم يكن ليسكت عنه.

لا يسمح لعائلة العودة بحضور جلسات محاكمته، ولا يسمح بحضور أي منظمات حقوقية دولية أو جهات رقابية مستقلة، بل تتم المحاكمة في ظروف سرية، لا تضمن للمتهم حق الدفاع عن نفسه ولا ضمان براءته.

وعادة ما تماطل المحكمة الجزائية التي تتولى محاكمة العودة، وتؤجل جلساتها في كل مرة، في مسعى منها لإطالة مدة اعتقاله، وفق محامين.

يعاني العودة إهمالا طبيا، وانتشرت شائعات في 18 يناير/كانون الثاني 2018، عن وفاته في معتقله، لكن نجله الأكبر سرعان ما نفى الشائعة مؤكدا أنه تم إسعاف والده للمشفى بعد تدهور حالته الصحية.

التغريدة الأخيرة

اعتقال العودة سبقه سلسلة تغريدات كتبها على حسابه بـ(تويتر)، لكنها لم تعجب النظام الحاكم، إلا أن تغريدته الأخيرة مثلت القَشة التي قصمت ظهر البعير.

بعد الأزمة التي اندلعت بين قطر ودول الحصار في يونيو/حزيران 2017، وقبيل ساعات من توقيفه، غرد العودة، داعيا إلى تأليف القلوب بين الأنظمة الخليجية، قائلا: "اللهم وفق بينهم لما فيه خير شعوبهم"، وهو ما اعتبرته السلطات السعودية تعاطفا مع دولة قطر.

بعدها انطلقت مطالبات واسعة تنادي بإطلاق سراح الشيخ الجليل، ودشنت حملات إلكترونية تحت عدة هاشتاجات، من بينها #سننقد_سلمان_العودة ، وهاشتاج #سلمان_العودة_ليس_إرهابيا، وهاشتاج #غدا_تطير_العصافير، وهي ذات العبارة التي رثى بها العودة زوجته التي توفيت في حادث سير أليم في المملكة، وشهدت تفاعلا كبيرا ومطالبات واسعة بإطلاق سراح العودة.


تنبؤ واستشراف

عرف عن العودة قدرته على قراءة الأحداث ووضعها في سياقاتها السليمة، حتى أن البعض عدّ ذلك نبوءة من الرجل، فقد غرد عقب سقوط مدينة عمران اليمنية، قائلا: "سقوط عمران مؤذن بفترة خراب ليمن الحكمة والإيمان".

العودة سبق بتغريدته الجميع في التنبؤ بخطورة الوضع في اليمن، مستشرفا مستقبل البلاد ودخوله لمنعطف خطير، في وقت كان الكثيرون يظنون أن الأمر لا يعدو كونه مواجهات بين الحوثيين وجماعة من حزب الإصلاح (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين).

وعندما أقدم النظام الانقلابي في مصر بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي على فض اعتصامي رابعة العدوية (شرقا) والنهضة (وسطا) بالقاهرة في 14 أغسطس/آب 2013، مخلفا مئات القتلى والمصابين، تنبأ العودة بغمة يطول أمدها على سماء مصر.

وقتها غرد العودة قائلا: "ألا أيها المستبشرون بقتلهم.. أطلت عليكم غُمّة لا تفرج"، وجاءت التغريدة مناهضة للموقف الرسمي السعودي الداعم للسيسي وفض الاعتصام.

تجربة الصّحوة

يعد سلمان العودة من أبرز مشايخ تيار الصحوة الذي برز فترة الثمانينيات والتسعينيات، وقد كان أحد الموقعين على البيان الذي طالب النظام الملكي في  السعودية، بإصلاحات قانونية وإدارية واجتماعية ضمن إطار إسلامي.

كان العودة أحد الذين عارضوا التعاون السعودي الأميركي في حرب الخليج الثانية (من 7 أغسطس/آب 1990 وحتى 17 يناير/كانون الثاني 1991)، وجراء ذلك فرضت عدة قيود على العودة، منها منعه من إلقاء الخطب والمحاضرات، ثم منعه من السفر.

وفي أغسطس/آب 1994 اعتقلته السلطات السعودية، ثم أطلقت سراحه في أبريل/نيسان 1999، أي بعد 5 سنوات قاسية قضاها في السجن برفقة عدد من مشايخ الصحوة، من بينهم الشيخان سفر الحوالي وناصر العمر.

وفي 5 مارس/آذار 2013، وجه العودة خطابا مفتوحا للحكومة السعودية، ولوزارة الداخلية على وجه الخصوص، طالب فيه بإطلاق سراح معتقلي الرأي، وامتصاص الغضب الشعبي المتعاظم فيما يتعلق بملف المعتقلين، درءا لخطر الفتنة.

مرهف الحس

ولد الشيخ سلمان بن فهد بن عبدالله العودة، في قرية البصر التابعة لمدينة بريدة بمنطقة القصيم (وسطا)، ودرس مراحله الأولى والمتوسط والثانوية في بريدة.

التحق بعدها بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود في القصيم، وبعد تخرجه تم تعيينه مدرسا في المعهد العلمي لمدة 4 سنوات، ثم عين معيدا في ذات الجامعة، وحصل منها على الماجستير من قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين، ثم نال شهادة الدكتوراه في الشريعة.

ألف الشيخ الدكتور العودة أكثر من 50 مؤلفا، ترجم عدد منها إلى اللغة الإنجليزية وإلى لغات أخرى، وقدم أكثر من 9 برامج تلفزيونية، وتم استضافته من قبل عشرات القنوات الفضائية، بالإضافة إلى نشاطه على السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي.

تولى العودة عضوية مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومجلس الإفتاء الأوروبي، وعدد من المؤسسات العلمية والخيرية في العالم الإسلامي، كما أسس شبكة "الإسلام اليوم" الإلكترونية وأشرف عليها لنحو 10 سنوات.

عقب فقدانه لزوجته السيدة "هيا السياري" وابنه هشام في حادث سير في يناير /كانون الثاني 2017، كتب العودة مرثيات في زوجته وبكاها بقصائده المنثورة، وكتب لها اعتذارات جلد فيها ذاته، من بينها عبارته الشهيرة:"حين رحلت.. أدركت أني لم أكن أستحقك".