​​​​​​​دكتوراه بـ125 دولارا.. ماذا تعرف عن الجامعات الوهمية والشهادات المزورة؟

سام أبو المجد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في منشور على "فيسبوك"، نشرت جامعة وأكاديمية تسمي نفسها "سمارت انتل" إعلانا مروجا تعرض فيها الحصول على الدكتوراه الفخرية لقاء مبلغ مالي يبدأ من 125 دولارا.

تقول الأكاديمية المفترضة: إن هذا العرض هو نتاج تفكيرها خارج الصندوق، ورؤيتها المبتكرة، في مكافأة أشخاص بلقب فخري على شاكلة (دكتور، بروفيسور، سفير.. إلخ)، وذلك في أكثر من 60 تخصصا أكاديميا، لغرض الشهرة وتحسين السمعة في قطاع الأعمال.

في واقع الأمر، هذه ليست الجهة الوحيدة، فقد تزايد انتشار مثل هذه الجامعات في الفترات الأخيرة، ومعظمها "وهمية" تسعى للتربح والتكسب المادي عبر منح شهادات لا قيمة لها من الناحية العلمية.

البعض يقع في شباك تلك الجامعات، بسبب الجهل، في حين يعرف آخرون حقيقتها جيدا، لكنهم يبحثون وضع اجتماعي أو مادي أو وجاهة مصطنعة.

ترخيص لا اعتماد

الواقع يقول: إن بعض هذه الجامعات وهمية لا كيان حقيقي وملموس لها، بعضها له مقر وكيان قائم لكن لا اعتراف رسمي به أو اعتماد من قبل مؤسسات التعليم العالي في الدولة المستضيفة، أو من قبل مؤسسات التعليم العالي في البلدان الأخرى.

من حيث الشهادات والدرجات، هناك جامعات وهمية تمنح شهادات فخرية، بدرجة دكتور وسفير، وهناك جامعات لديها نظام تعليمي، بحيث تتعاقد من أشخاص يقومون بتدريس موادها، لكنها لا تحظي بأي اعتماد أو اعتراف رسمي بها كجامعة أو أكاديمية، حسب متابعين.

في هذا الصدد، يجب التنبه إلى أن الجامعات أو الأكاديميات المفترضة قد تحصل على الترخيص لمزاولة المهنة، كمركز تعليمي، وهذا إجراء إداري تحصل عليه الجامعة من المؤسسات الإدارية، من البلدية أو المديرية التابعة لها " النوتر"، لكن هذا لا يعني أنها معتمدة أو معترف بها رسميا.

خبراء التعليم يقولون: إن الاعتماد يجب الحصول عليه من قبل مؤسسات التعليم العالي، التي بدورها تمنح الاعتراف لهذه الجامعات بعد استيفاء شروط معينة، وبعد خضوعها بشكل كامل للإشراف والمراقبة أثناء فترة الاعتراف والاعتماد الرسمي.

تلك الجامعات الوهمية تستغل جهل البعض بمسألة الفرق بين الترخيص والاعتماد، فتعلن أنها جامعة مرخصة، وهو ما يتم فهمه على أنها جامعة معتمدة، في حين تزعم بعض تلك الجامعات أنها معتمدة لكن ادعاءها غير صحيح، وفق متابعين.

الخبراء يرون أنه قد تحصل بعض الجامعات غير المعتمدة على الاعتراف من قبل جامعات في بلدان أخرى، لكنها هي الأخرى جامعات لا تحظى بأي اعتراف رسمي، أو إنها جامعات معتمدة، لكن اعترافها بالجامعات الوهمية لا يمنحها أي اعتماد لدى المؤسسات الرسمية.  

لذا ينصح الخبراء بالدراسة في جامعة تحظى باعتراف رسمي من قبل مؤسسات التعليم العالي في بلدها والبلدان الأخرى، بحيث يمكن معادلة الشهادات ومصادقتها، ويمكن الوصول لهذه المعلومات من خلال مواقع مؤسسات التعليم العالي على الإنترنت.

ضحايا الوهم

في حديث للاستقلال يقول وليد السقاف، وهو عضو لجنة المعادلات في الإدارة العامة للاعتراف والتصديق التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في اليمن: " هناك كثير من الشهادات التي نرفضها لأنها شهادات صادرة عن جامعات غير معتمدة في بلدان عربية وغير عربية، ولا تحوي التصديقات اللازمة للمعادلة".

يضيف السقاف: "هناك كثير من الذين وقعوا ضحايا لجامعات وهمية، لكن معظمهم ليسوا ضحايا في واقع الأمر، فالبعض يستسهل الدراسة في جامعات وهمية، وهو يظن أنها غير وهمية، لأنها توفر عليه عبء الدراسة، ويحصل من خلالها على شهادات من غير أن يكون ملزما بالدراسة".

يتابع السقاف: "تقوم جامعات منتشرة في عدد من الدول بالتدليس على الطلاب، الذين هم في واقع الأمر زبائن لا أكثر، لتخبرهم بأنها مرخصة، فيعتقدون أنها معتمدة، وبعضها تقول لهم إنها معتمدة وهي في الأساس غير معتمدة، ثم يكتشف في نهاية المطاف أنها غير معتمدة، وكان بإمكانه التأكد من كونها معتمدة ومعترفا بها من بداية الأمر".

السقاف أوضح أن "الترخيص للمركز التعليمي لا يعني الاعتراف بها من قبل وزارة التعليم العالي في بلد الدراسة، فهو ترخيص من البلدية فقط، لهذا لكي تكون الوثائق سليمة يجب أن تكون كل الوثائق، وهي في العادة شهادة التخرج وشهادة الدرجة الأكاديمية والسجل الأكاديمي أو كشف الدرجات، يجب أن تكون كلها موثقة من الجامعة التي درس بها الطالب، وتكون موثقة من كاتب العدل في منطقته، وموثقة من وزارة التعليم العالي في بلد الدراسة، وهذا أهم توثيق، ثم من وزارة الخارجية في بلد الدراسة".

وأردف: "إذا كان الطالب يريد أن يعود إلى اليمن على سبيل المثال، فيجب بالإضافة إلى تلك التوثيقات أن يوثقها من القسم القنصلي بالسفارة اليمنية، ثم من الدائرة القنصلية في وزارة الخارجية باليمن، وهذا هو النظام المعمول به في عدة دول".

السقاف أكد أن: "أي نقص في هذه التوثيقات سيتسبب برفض الشهادة وعدم اعتمادها، فالبعض يوثقها من كاتب العدل فقط، أو من القنصلية اليمنية في بلد الدراسة، لكن هذا لا يعني أنها معتمدة، فختم كاتب العدل لا يعني الاعتماد من وزارة التعليم العالي في بلد الدراسة، أما القنصلية اليمنية فختمها يعني المصادقة على ختم كاتب العدل، ولا يعني بأي حال من الأحوال اعتماد تلك الجامعة أو الاعتراف بها".

وفق خبراء، فإن عدة عوامل أسهمت بانتشار هذه الظاهرة، كان أهمها انخفاض مستوى الوعي لدى الناس، حيث لا يستطيع كثيرون التفريق بين الجامعات الحقيقية والوهمية، فيما يبحث البعض عن لقب "دكتور" بأي طريقة.

ويرى الخبراء أن اتجاه المؤسسات التعليمية إلى الدراسة عن بعد بسبب جائحة كوفيد 19 التي ضربت العالم قبل نحو عام، ساهم بشكل كبير في التسويق للجامعات الإلكترونية الوهمية، بحجة أن كبرى الجامعات تنتهج التعليم عن بعد مع طلابها.

من تلك الأسباب أيضا غياب الرقابة الحكومية على المؤسسات التعليمية في بعض الدول، ووجود مساحات استطاع من خلالها المروجون لهذه الجامعات التحرك والتسويق لتلك الدراسات الوهمية والشهادات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والإيقاع بعدد كبير من الضحايا، حسب متابعين.

أيضا، الحروب التي اندلعت في بلدان الربيع العربي، فحرمت كثيرين من استكمال الدراسة، ما جعل بعضهم يلجؤون لشراء شهادات من جامعات وهمية أو التسجيل في جامعات غير معتمدة، ما خلق أيضا بيئة خصبة لمثل هذه الجامعات للتربح ومنحها فرصة للتكسب غير المشروع، وفق مراقبين.

حملة شعبية

في اليمن، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا حملة قادها ناشطون لكشف عدد من تلك الجامعات الوهمية، وفضح بعض الذين حصلوا على تلك الشهادات من المسؤولين اليمنيين الذين تبوؤوا مناصب حكومية أو حصلوا على ترقيات بموجب تلك الشهادات.

دشن تلك الحملة وتزعمها الناشط والكاتب اليمني عبد الواحد العوبلي، ولدى سؤاله عن الحل الأمثل لإيقاف وإغلاق تلك الجامعات الوهمية، قال العوبلي لـ"الاستقلال": "الحل الأمثل، في رأيي، يكون عبر رفع الوعي لدى الناس".

مضيفا": "وفي حال تقصير الدولة في أداء واجبها الرقابي، يجب أن يتم تفعيل الدور الشعبي، أي أن الناس يجب أن يقوموا بدورهم في مساءلة كل المسؤولين الحكوميين عن مؤهلاتهم الدراسية".

وتابع الكاتب اليمني: "بعد ذلك يمكن أن يقوم عدد من المتطوعين بالتحقق من هذه المؤهلات، وفضح المسؤول الذي يحمل شهادة مزورة أو شهادة غير حقيقية، لكن الخطوة الأهم، بطبيعة الحال، تبقى في الضغط على الجهات الحكومية المختصة للقيام بعملها في إصدار تقارير دورية تتضمن أسماء الجامعات المعتمدة".

أما عن الانعكاسات والآثار السلبية التي تتسبب مثل تلك الشهادات، فيقول الباحث العوبلي:" بالتأكيد طالما وأن هناك مسؤولا حصل على شهادته بالتزوير والاحتيال، وهناك أستاذ جامعي يحمل شهادة لا قيمة لها، فإن هذا في النهاية سوف يؤدي إلى فساد وفشل داخل المجتمع بشكل عام، ففساد المُدخلات بالضرورة يقود إلى فساد المخرجات".

وزاد الباحث اليمني المهتم بالشأن الاقتصادي: "في نفس الوقت يسلب هذا الأمر الفرص على أصحاب المؤهلات الحقيقية الذين تعبوا في الحصول عليها، لأنهم بكل بساطة سيكونون فريسة للبطالة، لأن هذه الشهادات تعد القاعدة الأساسية التي يبنى عليها الفساد والاحتيال والفشل داخل منظومة المجتمع بشكل عام".

أما عن الجهود التي يمكن عملها للحد أو لمنع هذه الظاهرة، فيقول العوبلي: "يمكن تنظيم عمل موحد في الدول العربية، خصوصا تلك الدول التي تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي أو تشهد صراعات مسلحة".

وختم كلامه بالقول: "هذه الدول تضعف أو تغيب فيها الرقابة الحكومية على مثل هذه المؤسسات الوهمية التي تقوم بتزوير المؤهلات العلمية بدون رادع أو رقيب، أي أنه إلى جانب تفعيل الدور الحكومي، يجب تفعيل الدور الشعبي من خلال جهود منظمة ومرتبة تعمل على توعية الناس، وتعمل على الحد من انتشار تلك الظاهرة".