مصطفى بن بولعيد.. تاجر جزائري قاد الثورة ضد فرنسا فاغتاله الخونة
1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تحل الذكرى 66 للثورة الجزائرية التي بدأت شرارتها عام 1954، واستمرت إلى مارس/ آذار 1962، بمشاركة حوالي 1200 مجاهد كان بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضع قنابل تقليدية.
إثر اندلاع الثورة، أعلن حلف شمال الأطلسي "ناتو" مساندته للحكومة الفرنسية في حربها ضد الجزائر، كما صادق البرلمان الفرنسي في 30 مارس/ آذار 1955 على قانون حالة الطوارئ بالجزائر، ليفرض في اليوم التالي على منطقة الأوراس والقبائل.
ما بين 18 - 24 أبريل/ نيسان 1955 شاركت جبهة التحرير الوطني الجزائرية في "مؤتمر باندونغ"، بإندونيسيا وحضرته وفود 29 دولة إفريقية وآسيوية، واستمر 6 أيام، وكان النواة الأولى لنشأة حركة عدم الانحياز، وهو ما اعتبر أول انتصار دبلوماسي تحققه الثورة الجزائرية.
وأمام ضربات جيش التحرير الجزائري بجبال الأوراس، وفي 5 فبراير/ شباط 1955، اعتقلت الحكومة الفرنسية، مصطفى بن بولعيد بتونس أثناء تنقله إلى ليبيا لتزويد الثورة بالسلاح.
كان من السباقين إلى التفكير في النضال ضد المستعمر لاقتلاعه نهائيا من الجزائر، ولم يكتف بالتفكير فقط بل خطط للثورة ومولها بماله، فلقبه الجزائريون بـ"أب الثورة".
رئيس التجار
ولد ابن بولعيد سنة 1917 بقرية إينركب بولاية باتنة، وكان واحدا من مجموعتي الـ22 والـ6 اللتين فجرتا الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي.
تلقى تعليمه بمسقط رأسه، وعندما صار شابا انضم إلى "حزب الشعب الجزائري"، وقبل انطلاق الثورة عُين قائدا للولاية التاريخية الأولى "الأوراس".
يعرف بولعيد بشخصيته الثورية، إذ كان قائدا عسكريا ويعد أحد رموز الثورة وجبهة التحرير الوطني، ولقب أيضا بـ"أسد الأوراس"، كان له دور مهم كقائد عسكري في مواجهة الاستعمار الفرنسي.
كان أيضا قائدا سياسيا يحسن التخطيط والتنظيم والتعبئة كما امتلك رؤية واضحة لأهدافه ولأبعاد قضيته وعدالتها، وكان يتحلى بإنسانية إلى جانب تمرسه في القيادة العسكرية والسياسية.
مع نهاية سنة 1936 شد ابن بولعيد رحاله إلى فرنسا واستقر فيها للعمل بالتجارة، وهناك اندمج مع المهاجرين الذين انتخبوه رئيسا لنقابة العمال، لكنه مكث سنة قبل أن يعود إلى مسقط رأسه وإلى نشاطه الأول، الفلاحة والتجارة.
في بداية 1939 استُدعي لأداء الخدمة العسكرية بثكنة "بجاية" فأظهر تفوقا عسكريا ومجهودا كبيرا، وأنهى الخدمة العسكرية بشهادة شرفية كمقاتل مقدام بالثكنة العسكرية لسطيف سنة 1942، ليعود بعدها إلى مسقط رأسه ويستأنف عمله ويتزوج من عائلة ابن مناع وينجب على مر السنين 6 ذكور وفتاة.
عام 1943، تم استدعاؤه مجددا للخدمة العسكرية كاحتياطي في قالمة، إثر دخول القوات الأميركية للجزائر، حيث لقي أنواع التنكيل والتعذيب لأنه قام بحركة تمرد داخل الثكنة، قبل أن يتم العفو عنه، وعاد مجددا إلى ولاية باتنة وواصل نشاطه التجاري وعمله كرئيس لنقابة التجار.
فكر ثوري
منذ دراسته في المدرسة لاحظ ابن بولعيد سياسة التفرقة والتمييز التي تمارسها الإدارة الاستعمارية بين الأطفال الجزائريين وأقرانهم من أبناء المعمرين (سكان الجزائر الأصليين)، كما لاحظ أن تصرفات المعمرين بعيدة كل البعد عن عادات وأخلاق الشعب الجزائري.
كان أول نشاط له هو الانضمام إلى نادي آريس وظل يناضل به حتى سفره إلى فرنسا أواخر 1936 حيث انتخب رئيسا لنقابة العمال الجزائريين هناك، وبمرور الوقت أدرك أن معاملة الفرد الجزائري وقيمته سواء في فرنسا أو الجزائر معاملة استغلال.
عاد إلى الجزائر بعد عام ليسكن في أحد أحياء نادي آريس ليقود نقاشا حول الإصلاح والقضية الوطنية مع رفاقه في النادي، وأثناء أدائه للخدمة العسكرية أظهر اجتهادا كبيرا الغاية من ورائه التدرب على استعمال القنابل والأسلحة الحديثة آنذاك.
بعد إنهائه للخدمة العسكرية أواخر مايو/ أيار 1945 قام مسؤول خلية حزب الشعب بآريس بتجنيده وأصبح يشارك في الأعمال السياسية التي يقوم بها الحزب منذ ذلك الحين.
في انتخابات سنة 1946 شارك مصطفى بن بولعيد في الحملة الدعائية ضد المرشحين من عملاء فرنسا في النشاط الذي قام به حزب "أحباب البيان"، كما كان لحافلتين يملكهما دور كبير في تعزيز ونشر سياسة الحزب في بعض الكفور والنجوع والقرى.
قام بتجنيد وتكوين العديد من الخلايا وفي 1947 أصبح مسؤول فرع في حركة "انتصار الحريات الديمقراطية"، وشارك في حملة التوعية على الاحتجاج بتحرير جريدة "الجزائر الحرة".
وفي أبريل/ نيسان 1948 قرر الحزب ترشيح ابن بولعيد كممثل لمنطقة الأوراس في مجلس نواب (البرلمان) الجزائر ففاز في الجولة الأولى بـ10 آلاف صوت أي 95% ونتيجة لذلك استدعاه حاكم آريس وحاول استمالته وإغراءه لكن ابن بولعيد رفض عروضه وتمسك بمبادئه.
عندما يئس الحاكم من مساومته سارع إلى إقصائه من جولة الإعادة بالتزوير فأدى ذلك إلى وقوع أحداث عنف دامية في كل من فم الطوب وكيمل وبوزينة.
تكررت الحادثة سنة 1951 بعد تزوير الانتخابات ووقعت أحداث دامية في "كيمل" و"تكوت" و"فم الطوب" فحشد الاستعمار جيوشه العسكرية المقدرة بـ40 ألف جندي وطوق بها الأوراس من كل الجهات وكثر الظلم وحملات التفتيش المتلاحقة فأسس ابن بولعيد "جبهة الدفاع عن الحريات" وقام بمقاضاة حاكم آريس على حوادث إنسانية.
مؤامرة الاغتيال
حاول الاستعمار عن طريق عملائه مرارا تصفية ابن بولعيد، مثلما حدث سنة 1948، حيث هجمت عليه عصابة بمنزله ليلا لاغتياله لكنه رد عليهم بالرصاص فلاذوا بالفرار، وتكررت نفس العملية في 1951 لكنها فشلت كذلك.
وفي نفس العام تعرض شقيقه عمر نهارا في طريق عودته لمنزله للاعتداء من قبل شخصين في جسر آريس فأخرج مسدسه وجرح واحدا وأردى الثاني قتيلا.
كما توالت مكائد الاستعمار ضده لإضعافه بوضع عدة مسدسات في حافلته وحجزها من الحين إلى الآخر، وإعطاء العميل بوهالي رخصة نقل لمزاحمة ابن بولعيد.
ومن مكائد الاستعمار كذلك محاولة تفريق وحدة الأعراش (القبائل) بزرع الفتن بينها إذ كادت تقع الفتنة بين أكبر عرشين في آريس عرش بوسليمان وعرش ابن بولعيد التوابة، وهذا بعد أن قام أحد أذناب الاستعمار بقتل رجل من عرش التوابة.
كان ابن بولعيد يقظا ودعا إلى اجتماع صلح في دشرة أولاد موسى تلاه آخر بقروي بلمايل أواخر 1952 أسفر عن إنهاء الأزمة وخابت آمال العدو الفرنسي في توسيع الهوة بين الأعراش.
في 22 مارس/ آذار 1956، استشهد البطل مصطفى بن بولعيد في ظروف غامضة عند انفجار جهاز لاسلكي مفخخ ومعه 7 من المجاهدين، لم ينج منهم إلا اثنان أحدهما يدعى علي بن شايبة.
استغرب الطاهر الزبيري، أول رئيس أركان للجيش الجزائري بعد الاستقلال، كيف قُتل ابن بولعيد بجهاز فرنسي مفخخ رغم أنه حرص في كل مرة على غرار ما أوصاهم به قبل الهروب من السجن بعدم لمس الأشياء المشبوهة حتى ولو كانت قلما، خشية أن تكون مفخخة، ما يوحي بأن هناك مؤامرة دبرت ضد مصطفى بن بولعيد.
وأوضح الزبيري أن الجهاز المفخخ الذي أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد تركته فرقة للجيش الفرنسي بمكان غير بعيد عن مركز قيادة الأوراس، وعند مغادرتها للمكان عثر المجاهدون على الجهاز فحملوه إلى مصطفى بن بولعيد الذي أراد تشغيله فانفجر.
ويستدل أصحاب هذه الرواية باعترافات بعض جنرالات فرنسا في مذكراتهم بأنهم هم من خططوا وفخخوا الجهاز الذي أدى إلى استشهاد قائد المنطقة الأولى، غير أن هذه الرواية ظلت غريبة على من يعلم شدة الحذر التي تميز بها ابن بولعيد في التعامل مع الأشياء التي يخلفها جيش الاحتلال.
وذهبت العديد من الروايات إلى أن مصطفى بولعيد قُتل بتدبير من خونة جزائريين، فيما أشارت أخرى إلى أن الجهاز الذي فخخته المخابرات الفرنسية لم يوجه خصيصا لمصطفى بن بولعيد، لأنهم كانوا متأكدين أن واحدا من قادة الثورة سيستعمله، وأيا كان هذا القائد الذي سيقع ضحية، فذلك سيصب في مصلحتهم.