إجراءات شكلية.. لماذا تدعي السعودية إلغاء نظام الكفيل المثير للجدل؟

12

طباعة

مشاركة

كشفت تقارير إعلامية سعودية ودولية أن سلطات المملكة تمضي بإجراءات نحو إلغاء نظام الكفالة، وبدء تطبيق هذا الإجراء في الأشهر الأولى من عام 2021.

الأربعاء 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن نائب وزير الموارد البشرية السعودي عبدالله بن ناصر أبو ثنين، أن المملكة ستخفف القيود التعاقدية المفروضة على العمال الأجانب، بما في ذلك حرية تغيير الوظائف.

أبو ثنين قال للصحفيين إن الخطط التي ستدخل حيز التنفيذ في مارس/آذار 2021، تهدف إلى تحسين جاذبية سوق العمل السعودي وتشمل حق العمال الأجانب في مغادرة البلاد دون إذن صاحب العمل.

قبل أيام، نشر ناشطون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي آلاف التغريدات على هاشتاج #إلغاء_نظام_الكفالة على نحو واسع، في حين رحبت فئات واسعة من القطاعات العمالية المقيمة في السعودية بهذا القرار، وقالت: إن ذلك الإجراء سوف يسهم بتحسين وضع العمالة الأجنبية في السعودية، التي تعاني من القيود المفروضة عليها جراء قانون الكفالة.

وفي حال ألغت السعودية نظام الكفالة، فسوف تكون ثاني دولة تعلن إلغاء نظام الكفالة للعمالة الأجنبية، بعد قطر التي أعلنت في ديسمبر/كانون الأول 2016 أنها ستلغي نظام الكفالة.

وفي سبتمبر/أيلول 2020 أعلن عيسى بن سعد الجفالي النعيمي،"وزير التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعي في قطر، إلغاء نظام الكفالة رسميا، وبدأ العمل به منذ 13 ديسمبر/كانون الأول 2020، واستبداله بعقد يتم إبرامه بين العامل والجهة التي يعمل لصالحها، وذلك لحفظ حقوق العمال، بحسب النعيمي.

سيئ السمعة

من شأن إلغاء نظام الكفالة في حال تم تطبيقه أن ينهي نظاما سيئ السمعة منذ بداية تطبيقه قبل نحو 7 عقود في جميع أنحاء المملكة.

وكشفت عشرات التقارير الحقوقية، من بينها تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أن نظام الكفالة يربط تصاريح إقامة العمال الوافدين وسفرهم بصاحب العمل "الكفيل"، وتعد موافقته الكتابية ضرورية لإجراء أي تغيير، موضحا أن عمالا في السعودية يتعرضون للانتهاك والاستغلال.

وأضاف التقرير أن بعض أرباب العمل يصادرون جوازات سفر العمال ولا يدفعون أجورهم ويجبرونهم على العمل ضد إرادتهم، ويتعرض من يترك عمله دون موافقة رب العمل لتوجيه تهم بالهروب، ما يجعله يواجه السجن أو الترحيل.

ويعاني نحو 13 مليونا من العمال الوافدين في السعودية من قانون الكفالة ويرون أن هذا القانون ليس إلا شكلا آخر من أشكال الرق والعبودية، حيث يجعل العامل تحت رحمة مزاج الكفيل، ولا يمنحه حقوقا إلا بالقدر الذي يسمح به الكفيل، كما أنه قانون يقف في جانب المواطن السعودي، في حين لا يحمي العامل الأجنبي.

 فضلا عن القيود التي يفرضها الكفيل على العامل كالمنع من السفر تحت أي ظرف، وعدم السماح بالسفر إلا بإذن خطي، وكذلك منع الانتقال إلى عمل آخر، أو حتى تحسين الدخل بممارسة عمل آخر إلى جانب المهنة التي يؤديها للكفيل، في ظل تدني الأجور وارتفاع رسوم تجديد الإقامات.

علاوة على ذلك، فإن قانون الكفالة يجعل العامل عرضة للترحيل من قبل الكفيل في أي وقت، حتى وإن كان يعيش في المملكة مع أسرته، أو يعيش في ظل ظرف عائلي معين يمنعه من السفر أو الرحيل.

ومع تعدد واختلاف قوانين الكفالة في الدول الخليجية إلا أنها تتفق في 3 قيود: هي الاستقالة، وتغيير العمل، والسفر، حيث لا يمنح القانون العامل أي شيء منها إلا بموافقة الكفيل.

انتهاكات بالجملة

تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان صدر في أغسطس/آب 2019، تناول الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة الأجنبية في السعودية من قبل أرباب العمل، في ظل قانون يعزز من سلطة المواطن السعودي ضد الوافدين الأجانب، وقرارات تمثل غطاء قانونيا لكل الانتهاكات التي تطال العمالة الوافدة.

التقرير قال إنه بالإضافة إلى الانتهاكات التي تطال العمالة الوافدة كالمنع من السفر، ورفض نقل الكفالة، فإن العمالة النظامية تحولت إلى عمالة غير نظامية، وأصبحت تعاني من ظروف احتجاز وترحيل، بعد أن فقدوا حقهم بالعمل داخل المملكة لأسباب لا تتعلق بهم، بل بتباطؤ الكفلاء في تجديد أوراقهم وتصويب أوضاعهم القانونية.

وفق هيئة الإحصاء السعودية، فإن عدد الوافدين في الربع الأخير من 2019 بلغ نحو 13 مليونا أي ما يعادل 38.2% من إجمالي عدد سكان المملكة.

وحسب الهيئة السعودية، فإن الجنسية الهندية حلت في المركز الأول بنسبة 19.4% من إجمالي العمالة الأجنبية في السعودية، في حين حلت ثانيا الجنسية الباكستانية بنسبة 14.5%، وحلت الجنسية البنغالية ثالثا بنسبة 14.4%، وجاءت المصرية رابعا بنسبة 14.3%، ثم الفلبينية بنسبة 11.3%.

أما عربيا، فحلت الجنسية المصرية أولا، ثم الجنسية اليمنية ثانيا بنسبة 5.07%، ثم السودانية بنسبة 2.5% من إجمالي عدد العمالة في المملكة.

ووفق مركز "إس إم سي" للاستشارات والدراسات الإعلامية (سعودي أهلي) فإن نحو 70% من العمالة الوافدة تعمل في سوق المهن والحرف الخاصة.

فكرة بريطانية

وتعمل كل الدول الخليجية بنظام الكفالة، وفي مقابل ذلك تعاني العمالة الوافدة من هذا القانون، وبحسب موقع "بي بي سي"، فإن البريطانيين كانوا أول من استحدثوا هذه الفكرة في شبه الجزيرة العربية أيام الاستعمار البريطاني.

وبدأ العمل بهذا النظام كقانون رسمي قبل اكتشاف النفط عام 1928، لتنظيم عمل الغواصين الأجانب الباحثين عن اللؤلؤ في البحرين، حيث لم تكن هناك حدود أو جوازات سفر في المنطقة في ذلك الوقت.

وحسب موقع الإذاعة البريطانية، فقد انتقل نظام الكفالة بعد ذلك إلى باقي دول الخليج، وشمل جميع العاملين في المهن الأخرى، وأسهم تزايد صناعة النفط في المنطقة عام 1932، بفتح الباب لتدفق العمالة الوافدة إلى الخليج، وكان العاملون العرب قد استثنوا من هذا القانون في بداية الأمر، جريا على معاملتهم كمواطنين، إلا أن ذلك الاستثناء ما لبث أن ألغي، وجرت معاملتهم كبقية الوافدين من الهند وشرق آسيا.

خمسة دلالات

إلى جانب الترحيب (العمالي) الواسع الذي حظي به ذلك الخبر، رحبت منظمات حقوقية بهذا الإجراء، من بينها منظمة حقوق الإنسان، إلا أن مخاوف تدور حول ما إذا كانت تلك الإجراءات شكلية، في كونها تغير اسم القانون، من غير تغيير حقيقي للقيود المفروضة على العمال.

ونشرت الباحثة المتخصصة في حقوق الإنسان بالشرق الأوسط روثنا بيجوم مقالا لها على موقع هيومن رايتس ووتش، قالت فيه: "تحرص دول الخليج بشكل متزايد على الإعلان بأنها ستلغي النظام أو ألغته، لكن الحقيقة أن الغالبية تلاعبت بتلك الإصلاحات، حيث لم تقم أي منها بإلغائها بشكل كامل".

وقالت بيجوم في مقالها الذي نشر في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2020: إن السعودية تمتلك أحد أكثر أنظمة الكفالة تقييدا في المنطقة، وهو نظام يحتفظ بجميع العناصر المسيئة لحقوق الإنسان، بالإشارة إلى نظام الكفالة.

وأضافت بيجوم أن قياس ما إذا كانت المملكة العربية السعودية قد ألغت نظام الكفالة حقا سوف يتوقف على 5 عناصر رئيسية، وذلك لمنع أصحاب العمل من استغلال حياة العمال الوافدين أو السيطرة عليهم.

وأوضحت الباحثة المتخصصة في حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، أن تلك الخمسة العناصر هي إنهاء ربط وجود العامل المهاجر بصاحب العمل "الكفيل"، أما الثاني فهو إنهاء صلاحية الكفيل في إلغاء إقامة العامل في أي وقت، وإلزام السلطة بتأمين وتجديد تصاريح إقامة العمال الوافدين.

في حين أن عنصر القياس الثالث، بحسب بيجوم، هو إنهاء مطالبة العمال بالحصول على موافقة صاحب العمل لترك العمل أو تغيير الوظائف، أما العنصر الرابع فهو إلغاء تهمة "الهروب" التي تلصق بالعامل في حال فقدانه، ذلك لأن العامل بموجب تسجيله في كشوف "الهاربين" يصبح عرضة للاعتقال والسجن والترحيل.

أما عنصر القياس الخامس فيتمثل في إلغاء إلزام المهاجرين بالحصول على موافقة بالسفر، عند الرغبة بمغادرة البلاد، على شكل تصريح خروج.