لمواجهة تركيا إقليميا.. هكذا استعانت الإمارات بإسرائيل لتطوير الدرون
بعد أيام من تفعيل اتفاق التطبيع بين تل أبيب وأبو ظبي، بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متأثرا بشدة وهو يشاهد طائرة مسيرة (درون) إسرائيلية في سماء أبوظبي في وضح النهار.
لكن ثمة ما هو أبعد من مشاهدة رئيس وزراء دولة الاحتلال طائرات جيشه في سماء أبوظبي، حيث أن إسرائيل تدعم الإمارات في صناعة المسيرات المدمرة "الدرون" للعبث بها في الأوطان العربية التي تعاني من الشقاق والمعارك الداخلية.
أصبحت منطقة الشرق الأوسط مسرح العمليات الأكبر في العالم للطائرات المسيرة العسكرية، التي تتسابق عدة دول في إنتاجها واستخدامها في صراعات مستعرة، مثل ليبيا واليمن وسوريا والعراق.
التنافس الرهيب في حسم تلك الصراعات من قبل قوى إقليمية، أشعل سوق المنافسة للحصول على تقنية "الدرون"، خاصة بعد التطور الكبير الذي أحدثته القوات المسلحة التركية في تلك الصناعة، التي عززت من تفوقها في معارك مختلفة بمناطق متفرقة.
التفوق التركي في "الدرون" أشعل غضب الإمارات، ورأت أن تتحالف مع الشيطان (إسرائيل) في مواجهة الصعود التركي، وبالفعل لجأت أبو ظبي إلى إسرائيل التي عملت من خلال شركات متخصصة في دعم الإمارات لإحداث طفرة في صناعة وامتلاك "الدرون".
حاضنة تقنية
في 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، عن أنه "بمجرد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، كثفت شركة استشارات وخدمات الطائرات المسيرة (الدرون) المدنية والعسكرية (وارمان إنتيليجنس Warman Intelligence) من جهودها لإيجاد موطئ قدم لها في هذا القطاع، على أمل جمع الأموال في أبو ظبي.
وأضافت أن شركة وارمان، التي تدرس حاليا إنشاء حاضنة تقنية مكرسة للطائرات المسيرة بدعم من الوزارات الإسرائيلية المعنية، تلقت عرضا بتحويل الحاضنة إلى مركز ابتكار إسرائيلي إماراتي دولي.
وذكرت أن الإمارات من جانبها، قامت فعليا بتطوير قطاع الطائرات المسيرة بشكل كبير في السنوات العشر الماضية، ويرجع الفضل في ذلك بشكل خاص إلى المستشار الإسرائيلي آفي ليومي.
وأوردت: أن "مديرية البحث والتطوير الدفاعي (مافات)، التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، تعتبر زبونا رئيسيا لشركة (وارمان إنتيليجنس)، التي يترأسها رائد الاحتياط بالجيش الإسرائيلي نعوم وارمان".
"وارمان إنتيليجنس"
بتصفح الموقع الرسمي لشركة "وارمان إنتيليجنس" الإسرائيلية على موقع "لينكد إن"، ذكر أنه تم تأسيسها عام 2014، وهي متخصصة في صناعات الفضاء والطائرات المسيرة، وكذلك يعمل بها قرابة 50 موظفا.
وتقدم الشركة كل خدمات بحث وتصميم الدرونز، مع إمكانات التطوير الكامل، بداية من فحص الأنظمة واختبار الرحلات الجوية، ثم تنفيذ المهمات، بالإضافة إلى تدريب المستخدم النهائي، والتنفيذ التشغيلي للنظام ، وأخيرا الخدمات الاستشارية.
ويتضح من خلال البحث أنها شركة مستجدة، لكنها قريبة من وزارة الدفاع الإسرائيلية، لذلك فتحت لها أبواب أبوظبي للعمل ومحاولة إحداث طفرة في صناعة الدرونز الإماراتية، حيث تسعى إلى استخدامها في إستراتيجيتها التوسعية والعدائية في المنطقة، وكذلك لمجابهة النفوذ التركي.
تحاول الإمارات من خلال الاعتماد على إسرائيل تطوير الصناعة، التي تسعى إليها منذ عقود، حيث تعود بداية صناعة الطائرات دون طيار في الإمارات إلى عام 1992، مع تأسيس شركة "أدكوم سيستم" متعددة الجنسيات، المتخصصة في صناعة الدرونز، ومراقبة الأهداف الجوية ، وتصنيع أنظمة الرادارات.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، خلال معرض دبي الدولي، قدمت "أدكوم سيستم"، طائرة دون طيار إماراتية الصنع، وذكرت في مواصفاتها أنها تحلق على ارتفاع 55 ألف قدم ولمدة 30 ساعة متواصلة.
حينها، قال رئيس مجلس إدارة الشركة الدكتور علي الظاهري، إن "طائرة (يبهون - اتحاد 40) يمكن تزويدها بأجهزة استشعار عن بعد وأنواع مختلفة من الكاميرات منها الرادارية والحرارية والنهارية والليلية".
وأوضح أن "الطائرة قادرة على حمل صواريخ (نمرود) من صناعة (أدكوم) بأوزان 40 و 150 و300 كيلوجرام".
ومن خلال "الدرونز" الإماراتية التي أسست بيد إسرائيلية، ارتكبت حكومة أبوظبي انتهاكات مروعة في الدول التي تورطت في النزاع بداخلها، منها ليبيا.
في 29 أبريل/ نيسان 2020، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، إن "الهجوم غير المشروع على ما يبدو الذي شنته الإمارات بطائرة بدون طيار (طائرة مُسيّرة) على مصنع (السنبلة) للبسكويت في وادي الربيع، ليبيا، جنوب طرابلس، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أسفر عن مقتل 8 مدنيين وإصابة 27 بجروح".
جرائم ليبيا
وأضافت: يبدو أن "الإمارات لم تتخذ إجراءات تُذكر لتقليل الأذى اللاحق بالمدنيين في هجومها وينبغي لها إجراء تحقيق شفاف في هذا الحادث، ونشر النتائج علنا، وتعويض الضحايا أو أسرهم".
وفي 27 أغسطس/ آب 2020، كشفت "بي بي سي" البريطانية، عن أدلة جديدة "حول مقتل 26 طالبا أعزل بطائرة إماراتية مسيرة في طرابلس في يناير/كانون الثاني 2020".
وذكرت أن "الإمارات نشرت طائرات مسيرة وطائرات عسكرية أخرى لدعم حلفائها الليبيين، وأن مصر تسمح للإمارات باستخدام قواعد جوية قريبة من الحدود الليبية".
وكشف التحقيق "وجود أدلة على إصابة الطلاب العسكريين بصاروخ جو-أرض أطلقته طائرة مسيرة إماراتية"، وأورد أن الإمارات استخدمت "قاعدة الخادم الجوية الليبية، وقت الغارة وأنها زودت وشغلت الطائرات المسيرة التي كانت متمركزة هناك".
في عام 2019 أوردت الأمم المتحدة في تقرير لها، أن "الإمارات انتهكت حظر الأسلحة الذي تفرضه على ليبيا، والذي كان ساري المفعول منذ 2011، بإرسالها طائرات مسيرة إلى البلاد".
الصعود التركي
الصعود التركي المذهل في صناعة الطائرات المسيرة "الدرونز" كان مقلقا لأعدائها المتربصين في أبوظبي، ففي تقريرها المنشور يوم 7 فبراير/ شباط 2019، ذكرت وكالة الأناضول التركية الرسمية، أن "أنقرة احتلت المركز السادس عالميا في تصنيع الطائرات العسكرية المسيرة (بدون طيار) وذلك بعد الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وباكستان وإيران".
وخلال سنوات معدودة أصبحت الطائرة بدون طيار التركية، هي العمود الفقري للقوات الجوية بفضل قدراتها التقنية المرتفعة، وبفضلها حسمت كثير من المعارك والصراعات.
وفي 15 مايو/ آيار 2019، كشف موقع إنترسبت الأميركي أن "تركيا دخلت العصر الثاني لصناعة الطائرات المسيرة (الدرون)، وباتت تنافس دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا كأكبر منتج ومستخدم لهذا النوع من الطائرات الفتاكة".
وخلال العام 2019، قدمت تركيا ما لا يقل عن 12 طائرة من طراز "بيرقدار TB2" إلى حكومة الوفاق الوطني الليبية المُعتَرف بها دوليا لمساعدتها في صد الهجوم الذي شنَّه الجنرال الانقلابي خليفة حفتر ومليشياته المدعومين إماراتيا على طرابلس.
دخول المسيرة "بيرقدار TB2" إلى أرض المعركة في ليبيا قلب الأوضاع على حفتر وأبوظبي، بعد تلقيهم هزائم فادحة، ساهمت في تغيير الأوضاع جملة وتفصيلا، بعد سنوات من الصراع الذي غذته الإمارات بالمال والسلاح.
وفي 7 فبراير/ شباط 2019، سلمت تركيا قطر، 6 طائرات بدون طيار من طراز "بيرقدار تي بي 2"، ضمن صفقة وقعت بين الجانبين عام 2018.
الصفقة تمت بين القوات المسلحة القطرية وشركة "بيكار" التركية لصناعة الطائرات، على هامش معرض ومؤتمر الدوحة للدفاع البحري "ديمدكس 2018".
وتضمنت الصفقة 6 طائرات بدون طيار، ومحطات تحكم، فضلا عن الأدوات والمعدات التقنية واللوجستية الخاصة بهذه الطائرات، وتم تسليمها إلى القوات المسلحة القطرية.
وضمن الصفقة نفسها، أنهى فريق قطري مكون من 55 شخصا، دوراته التدريبية في تركيا لاستخدام الطائرات، على يد فريق من مهندسي وخبراء شركة "بيكار".
ولعل هذا ما أشعل غضب الإمارات، التي تناصب قطر العداء، وتعتبرها أبرز خصومها في المنطقة، وتقود برفقة السعودية ومصر والبحرين حملة حصار ضارية، استمرت لسنوات ضد الدوحة التي صمدت أيضا بفضل الإمدادات والمساعدات العسكرية التركية.
المصادر
- طائرات إماراتية دون طيار
- تحقيق بي بي سي: الإمارات ضالعة في ضربة قاتلة بطائرة مسيرة في ليبيا
- ليبيا: غارة إماراتية تقتل ثمانية مدنيين
- إسرائيل / الإمارات، "وارمان إنتيليجنس" تتجه للإمارات لجمع الأموال
- قال إنه تأثر بمشاهدة طائرة إسرائيلية في أبو ظبي في وضح النهار.. نتنياهو يهاتف قائد طائرة التطبيع مع الإمارات
- «أدكوم سيستم» تعرض أحدث طائرة دون طيار إماراتية الصنع في نوفمبر