إنفلونزا موسمية مع كورونا.. هل يتحمل العالم فيروسين في وقت واحد؟

12

طباعة

مشاركة

بينما زاد عدد المصابين بفيروس كورونا عن 31 مليونا عبر العالم و962 ألف وفاة، فإن الإنفلونزا الموسمية وهي على الأبواب مع قرب فصل الشتاء تصيب سنويا أكثر من مليار شخص وتودي بحياة أكثر من مليون على مستوى العالم.

موسم الإنفلونزا الموسمية 8 أشهر (من أكتوبر/تشرين الأول إلى مايو/أيار من كل عام)، والمعدل اليومي للإصابة عالميا يصل إلى 4 ملايين، وأكثر من 4000 وفاة.

ومع اقتراب موعد الإنفلونزا الموسمية من جديد، أجرت العديد من المراكز المختصة مقارنات بين فيروس كورونا (كوفيد 19) وفيروس الإنفلونزا، وكانت التشابهات بينهما أكثر من الاختلافات.

يخشى العاملون في مجال الصحة اختلاط أعداد الإصابات والوفيات الناجمة عن كوفيد 19 بتلك الناجمة عن الإنفلونزا الموسمية.

ليس هذا هو الخوف الوحيد، بل تتركز آثار الفيروس التاجي على الخسائر الناتجة عن عدد الموتى واستقرار النظم الصحية، فهل تنهك الإنفلونزا الموسمية التي على الأبواب، المنظومة الصحية العالمية التي ظهرت هشاشتها مع انتشار كوفيد 19؟.

منظومات هشة

تتقارب أعراض الإنفلونزا الموسمية وفيروس كورونا في التوقيت والأعراض والانتشار وكيفية العدوى وسبل العلاج ودورة الحياة، ودرجة الخطورة على أصحاب الأمراض المزمنة التنفسية والقلبية والدماغية والسكري وضغط الدم، وغير المزمنة كالسرطان والإيدز. 

أعراض كورونا تظهر بعد الإصابة بـ 5 أو 6 أيام، وفي الإنفلونزا الموسمية تظهر بعد 3 أيام، وتكون الأعراض في كل منهما خفيفة إلى متوسطة وأحيانا شديدة وقد تكون خطيرة تؤدي إلى الوفاة.

في المرحلة الأولى من الإصابة بالفيروس، يكون اللقاح أو الحجر الصحي هي الوسائل الوحيدة للتفريق بين الفيروسين، ما سيشكل عبئا إضافيا على المنظومة الصحية.

في البلدان التي لديها أنظمة صحية ضعيفة بالفعل، يتسبب كوفيد 19 في حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد الطبية ويجهد الموارد المالية والبشرية.

تتراجع الزيارات إلى مراكز الرعاية الصحية بسبب الإغلاق وخوفا من العدوى، فيما حذرت اليونيسف من أن هذه الاضطرابات يمكن أن تؤدي إلى زيادات مدمرة محتملة في الوفيات.

أثار الأطباء والخبراء في جميع أنحاء العالم أسئلة حول حالة أنظمة الرعاية الصحية ونقاط الضعف تجاه الفيروس المفاجئ الجديد، الذي انتشر بسرعة في أكثر من 209 دول ومنطقة حول العالم.

كان من الواضح أنه لا يوجد بلد مستعد تماما لمواجهة هذا الوباء، رغم أن بعض البلدان كانت أفضل استعدادا للتعامل مع تفشي المرض من غيرها.

أدت جائحة فيروس كورونا إلى إجهاد أنظمة الرعاية الصحية بسرعة، وفي أقل من 3 أسابيع، حمّل الفيروس عبئا ثقيلا على المستشفيات في كل البلدان المتضررة تقريبا، مما قدم لمحة عما ستواجهه الحكومات إذا لم تتمكن من إبطاء انتشار الفيروس و''تسوية منحنى'' الحالات الجديدة، وهذا يعني السماح للمرضى بالعلاج في المنازل دون إغراق قدرة المستشفيات.

كان مصدر القلق الكبير هو النقص الحاد في مرافق العناية المركزة وخاصة أجهزة التنفس الصناعي ومعدات الحماية وإجراء الاختبارات.

ومن القضايا الحاسمة الأخرى التي واجهتها العديد من الحكومات صعوبة توفير عدد كاف من الأطباء والممرضات والعاملين في مجال الرعاية الصحية.

بعد إجراءات التقشف العميقة على مدى العقد الماضي، كانت الأنظمة الصحية في بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والبرتغال تكافح لمواكبة التفشي المستمر لكوفيد 19.

أيهما أخطر؟

بالنسبة لكورونا، هناك عدد من الأدوية قيد التجارب السريرية حاليا في الصين وأكثر من 20 لقاحا يجري تطويرها ضد الفيروس، لكن لم يرخص أي علاج حتى الآن.

بالمقابل، تتوفر مضادات فيروسات ولقاحات ضد الإنفلونزا الموسمية ورغم أن لقاح الإنفلونزا ليس فعالا ضد فيروس كوفيد 19، يوصى بشدة بأخذ هذا اللقاح كل عام للوقاية من الإصابة بعدوى الإنفلونزا.

بينما يشكل كوفيد 19 خطورة كبيرة على المتقدمين في السن من ذوي الأمراض المزمنة، فإن الإنفلونزا يشكل خطورة كبيرة أيضا على المتقدمين في السن من ذوي الأمراض المزمنة إضافة إلى الحوامل والأطفال.

تصيب الإنفلونزا أكثر من مليار إنسان سنويا أي حوالي سُبع سكان الكرة الأرضية، وتودي بحياة حوالي 650 ألف شخص سنويا من أصحاب الأمراض التنفسية، والرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية إذا أضفنا له أصحاب مرضى القلب والمخ والإيدز والأعصاب، وربما وصل الرقم إلى أكثر من مليون وفاة سنويا.

كما أن فيروس الإنفلونزا الموسمي، له عدة مجموعات ويطور نفسه باستمرار، ويصيب الناس في مواسم البرد من كل عام، ويكلف العالم حوالي 60 مليار دولار سنويا.

الخطر الموسمي

تحول الفيروس إلى "جائحة" عدة مرات منذ القرن الماضي، المرة الأولى كانت عام 1918م، أثناء الحرب العالمية الأولى، فيما عُرف بالإنفلونزا الإسبانية التي أصابت أكثر من نصف مليار إنسان أي ثلث سكان الكرة الأرضية في ذلك الوقت، وأودت بحياة أكثر من 50 مليون إنسان.

المرة الثانية كانت عام 1957م وحصدت أرواح حوالي مليون إنسان، أما الثالثة فكانت في عام 1968، وأودت بحياة حوالي 3 ملايين، وآخرها كانت عام 2009، حيث بلغ متوسط عدد الوفيات الناجمة عنه في الولايات المتحدة 360 ألفا، أي حوالي 1000 وفاة يوميا.

ونظرا لخطورة وباء الإنفلونزا، أنشأت منظمة الصحة العالمية عام 1952، ما يُعرف بـ"النظام العالمي لمراقبة الإنفلونزا والاستجابة لها" (GISRS)، ومهمته الأساسية هي العمل على حماية الناس من تهديد وباء الإنفلونزا، وتتعاون معه مراكز وطنية وإقليمية متخصصة في الدول الأعضاء.

ومن أجل التصدي لفيروس الإنفلونزا، أطلقت منظمة الصحة العالمية في 11 مارس/آذار 2019 إستراتيجية عالمية لمكافحة الإنفلونزا تمتد حتى 2030، وتهدف إلى زيادة الوعي بفيروسات الإنفلونزا والتحذير من مخاطرها، والتقليل من عدد الإصابات والوفيات التي تتسبب فيها، وحث دول العالم على التعاون والقيام بالدور المطلوب في مواجهتها.

العام الماضي (2019) أصاب الفيروس حوالي مليار إنسان، وأدى إلى وفاة أكثر من مليون آخرين، ورغم شراسة هذا الفيروس وتكراره بشكل منتظم في كل عام، فإن العالم لم يقم تجاهه بأية إجراءات.

انتقال العدوى

بينما يواصل كوفيد 19 تطوره، يكثر عقد المقارنات بين هذا المرض والإنفلونزا، فكلاهما يسبب مرضا تنفسيا، لكن ثمة ‏فروق هامة بين الفيروسين وطريقة انتشارهما، ويترتب على ذلك انعكاسات هامة بالنسبة لتدابير الصحة العامة التي يمكن ‏تطبيقها في التصدي لكل منهما.‏

أعراض كل من فيروس كوفيد 19 والإنفلونزا متشابهة، فكلاهما يسبب مرضا تنفسيا يتجلى في اعتلالات واسعة النطاق تتراوح من انعدام الأعراض أو الأعراض الخفيفة إلى المرض المزمن وحتى الوفاة.

كلا الفيروسين ينتقل باللمس والقطيرات والأدوات المعدية، وبالتالي فإن تدابير الصحة العامة نفسها، كتنظيف اليدين وآداب النظافة التنفسية (أي السعال بطي المرفق أو في منديل ورقي يتم التخلص منه على الفور بعد ذلك)، تعد تدابير مهمة قد تكفي للوقاية من العدوى.

 لكن تعد سرعة الانتقال نقطة اختلاف هامة بين الفيروسين، فمتوسط فترة حضانة فيروس الإنفلونزا (أي الفترة من لحظة العدوى حتى ظهور الأعراض) وكذلك فترة الفاصل التسلسلي (أي المدة الفاصلة بين الحالات المتعاقبة) كلتاهما أقصر من فيروس كوفيد 19. 

فترة الفاصل التسلسلي لفيروس كوفيد-19 تُقدر بين 5 و6 أيام، في حين تبلغ 3 أيام بالنسبة لفيروس الإنفلونزا، وهو ما يعني أن الإنفلونزا يمكن أن تنتشر بوتيرة أسرع من كوفيد-19.

كما أن انتقال الفيروس في الأيام 3 إلى 5 الأولى من المرض، أو ربما انتقاله في الفترة السابقة لظهور الأعراض، هو عامل انتقال رئيسي بالنسبة للإنفلونزا. 

وبالمقابل، في حين هناك أشخاص بإمكانهم طرح فيروس كوفيد 19 قبل 24 إلى 48 ساعة من بداية ظهور الأعراض، فلا يبدو في الوقت الراهن أن ذلك يشكل عاملا رئيسيا في انتقال العدوى.

معدل التكاثر

من المفهوم أن معدل التكاثر الأساسي – أي عدد العدوى الثانوية التي تنتج عن كل فرد مصاب بالعدوى – يتراوح بين 2 و2.5 بالنسبة لفيروس كوفيد-19، وهو أعلى من معدل التكاثر بالنسبة لفيروس الإنفلونزا. 

غير أن التقديرات المتعلقة بكل من فيروس كوفيد-19 وفيروس الإنفلونزا ترتبط بسياق وفترة زمنية محددين، مما يجعل من الصعب عقد مقارنات مباشرة بينهما.

من جهة أخرى، الأطفال عامل مهم في نقل فيروس الإنفلونزا، أما كوفيد-19، فتشير البيانات إلى أن الأطفال أقل تعرضا للعدوى من البالغين وأن معدلات النوبات السريرية بين الفئات العمرية من 0 إلى 19 عاما متدنية.

وفي حين تتشابه الأعراض التي يسببها الفيروسان، فإن نسبة المرض المزمن تبدو مختلفة.

وبالنسبة لفيروس كوفيد-19، تشير البيانات إلى أن 80 في المائة من حالات العدوى إما خفيفة أو عديمة الأعراض، في حين أن 15 في المائة منها وخيمة وتتطلب التزويد بالأكسجين، و5 في المائة منها حرجة وتتطلب التهوية، وهذه النسب من الإصابة بالعدوى الوخيمة والحرجة أعلى مما هو ملحوظ في حالات العدوى بالإنفلونزا.

وتشمل الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بعدوى الإنفلونزا الوخيمة الأطفال والحوامل والمسنين والمصابين بمشاكل طبية أخرى مزمنة أو بالكبت المناعي، أما بالنسبة لكوفيد-19، فيشير الفهم الحالي إلى ازدياد مخاطر الإصابة بمرض وخيم مع تقدم السن ووجود أمراض أخرى متلازمة، غير أن الوفيات ترتبط إلى حد كبير بالحصول على الرعاية الطبية وجودتها.

توصيات الصحة

تنتشر الإنفلونزا الموسمية بسهولة، بحسب منظمة الصحة العالمية، وتنتقل العدوى بسرعة في الأماكن المزدحمة. 

وعندما يسعل الشخص المصاب بالعدوى أو يعطس، ينتشر الرذاذ الحامل للفيروسات (الرذاذ المعدي) في الهواء وفيما بين الأشخاص شديدي التقارب الذين يستنشقونه. 

كما يمكن للفيروس الانتشار عن طريق الأيدي الملوثة به، وللوقاية من العدوى ينبغي من الناس تغطية أفواههم وأنوفهم بمنديل عند السعال وغسل أيديهم بانتظام.

التوصيات التي توجهها المنظمة للمصابين بالإنفلونزا الموسمية لحماية أنفسهم، هي نفسها التي على الناس عموما الالتزام بها في الفترة الحالية للوقاية من فيروس كوفيد 19.

سواء بفضل التوعية أو القوانين الصارمة التي تفرضها الدول والمؤسسات، أصبح الجميع واعيا بمدى أهمية تطبيق هذه التعليمات، وهو ما يرجح المتخصصون أنه سيقلل الإصابات بالإنفلونزا هذه السنة. 

ويصعب انتشار العدوى خلال الالتزام بوضع الكمامات والالتزام بالتباعد الجسدي، وأيضا التعقيم المستمر لليدين.