بالأرقام.. هكذا ساهمت انتهاكات ابن سلمان بهروب الاستثمار الأجنبي

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يهدد فشل الرياض في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن الاعتماد على عائدات النفط، وخلق فرص استثمارية للقطاع الاقتصادي المحلي يتولد عنها وظائف للسكان المحليين.  

لتحقيق هذه الأهداف، تحتاج المملكة إلى جذب كميات كبيرة من رأس المال الأجنبي والخبرة للمشاريع العملاقة مثل مدينة نيوم المستقبلية، إلا أن السمعة الدولية السيئة التي صاحبت المملكة بعد إطلاق رؤية 2030 أدت إلى هروب الكثير من المستثمرين وشركات الدعاية والاستشاريين والممولين من المملكة. 

سمعة المملكة

بدأت تخوفات المستثمرين في الظهور في عام 2017 الذي أطلقت فيه المشاريع الاقتصادية الضخمة بالتزامن مع حملة اعتقالات واسعة شملت العشرات من الدعاة والمستثمرين السعوديين وأفراد من الأسرة المالكة ومسؤولين بارزين بينهم وزير الاقتصاد السعودي.

وازدادت حدتها في نهاية عام 2018 في أعقاب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول وتوجيه أصابع الاتهام لولي العهد.

وجاءت حادثة قتل المواطن عبد الرحيم الحويطي خلال عملية تهجير واسعة لقبيلته بمنطقة مشروع نيوم لتزيد الطين بلة. 

كل هذه الأحداث أثرت على سمعة المملكة، التي سعت قبل نهاية النصف الأول من العام 2020 إلى تحسين صورتها أمام الرأي العام الدولي، من خلال شركة علاقات عامة أميركية بالإضافة إلى توقيع عقد رعاية مع شركة Riot Games التي تقف وراء لعبة "دوري الأساطير" League of Legends أكبر بطولات الرياضات الإلكترونية بالعالم، في مسعى منها لإعادة التركيز على المشروعات الضخمة وجذب المستثمرين الأجانب. 

لكن فيما يبدو أن الحملة التي أطلقتها المملكة أتت بصورة عكسية، حيث أثار توقيع عقد رعاية بين شركة Riot Games ومشروع نيوم انتقادات واسعة للشركة واتهموها بالنفاق من أجل المال.

وأعلن العديد من الأشخاص المهتمين بالرياضات الإلكترونية ومشجعي الدوري الأوروبي والمحللين وحتى موظفون ومصممون بالشركة عن غضبهم من الارتباط مع نيوم بسبب موقف المملكة من العديد من الملفات بينها حقوق الإنسان.  

وبسبب سيل الانتقادات التي انهالت عليها، لم تستطع الشركة الصمود أكثر، وبعد أقل من 24 ساعة من التوقيع على عقد الشراكة أعلنت في 29 يوليو/تموز 2020 إلغاء الشراكة مع نيوم.  

ويرجح ناثان هيث الباحث في مركز ذي فارس لدراسات الشرق، بقاء آفاق الاستثمار الأجنبي المباشر في مشاريع المملكة مرتفعة طالما أن الشركات والمؤسسات الكبرى المتحمسة للتكنولوجيا الخضراء الذكية للمدن العملاقة في السعودية تواصل دعمها لجهود الرياض لتنويع اقتصادها وتصبح رائدة عالميا في الحياة الحضرية المتجددة.

إلا أنه أشار إلى أن الخطر الرئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر في المدن الكبرى الثلاث نيوم والقدية والبحر الأحمر يتمثل في التصور السلبي للخلافات السعودية التي تؤدي إلى انسحاب المستثمرين الحاليين من التزاماتهم أو فقدان المستثمرين المحتملين اهتمامهم.

وأوضح هيث في منتصف فبراير/شباط 2020 أنه بعد مقتل خاشقجي، أنهى عدد من الشخصيات التجارية والسياسية البارزة مشاركتهم كمستثمرين أو مستشارين في المشروع. ومن بين هؤلاء ريتشارد برانسون من مجموعة فيرجن، ودان دوكتوروف من جوجل، ووزير الطاقة الأميركي السابق إرنست مونيز.

وأكد هيث أن العديد من الشركات التي تفكر في الاستثمار حددت مخاطر الصورة العامة السلبية للمملكة العربية السعودية كمؤشر على مناخ الأعمال غير المواتي. 

وأوضح تقرير لموقع فاست كومباني المتخصص في مستقبل الأعمال أن رئيس قسم التصميم في شركة أبل، جوناثان إيف كان من بين أول من سحب اسمه بهدوء من مجلس إدارة نيوم، بعد أسبوع من ورود أنباء عن اختفاء خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018. 

وأشار تقرير للموقع تم إعداده بعد أقل من شهر على حادثة اغتيال خاشقجي إلى نأي العديد من شخصيات التصميم البارزة الأخرى عن مشاريع ابن سلمان، بما في ذلك المهندس المعماري نورمان فوستر، وكارلو راتي من مختبر المدن الحساسة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ورئيس Ideo والمدير التنفيذي تيم براون، والرئيس التنفيذي السابق لشركة أوبر، ترافيس كالانيك. 

وبعد أسابيع من عملية الاغتيال وخلال اجتماعه مع قادة الشركات في جلسات خاصة لنقل التحديات التي يواجهونها اعترف ابن سلمان بأنه لن يستثمر أحد لسنوات في هذه المشاريع، بحسب ما نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز الأميركية منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2018. 

تراجع الاستثمارات 

يقترن جذب الاستثمار الأجنبي بالعديد من العوامل التي تساعد على تأمين البيئة المحيطة ومن أهمها، المناخ السياسي السائد في الدولة وحقوق الإنسان وبعض المعايير الأخرى والتي تنتهك السعودية أغلبها، ما يدفع إلى هروب الاستثمار الأجنبي المباشر.

وبالنظر إلى الأرقام يقارن الصحفي دومينيك دودلي المتخصص في الأعمال وسياسات الشرق الأوسط بين الاستثمار الأجنبي في عام 2019 الذي تراجع إلى 3.5 مليار دولار مقابل 26.6 مليار دولار في 2009، وهو أمر يشير إلى وجود حالة من عدم الثقة لدى المستثمرين الأجانب.  

ووفقا لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2019 فقد ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية من 1.4 مليار دولار في عام 2017 إلى 3.2 مليار دولار في 2018 ، لكنها كانت أقل بكثير من حجم الاستثمارات الأجنبية في عام 2008 البالغة 39 مليار دولار.

وأشار دودلي في تقرير نشرته مجلة فوربس الأميركية في 26 فبراير/ شباط 2020، إلى انهيار الاستثمار الداخلي السعودي في عام 2017 عندما انخفض بنسبة 81% إلى 1.4 مليار دولار انخفاضا من 7.5 مليار دولار في العام السابق، ليستعيد بعد ذلك في العام التالي بعض ما فقده ويرتفع إلى 4.2 مليار دولار وهو ما يعني أنه استقر عند مستوى منخفض نسبيا.  

وتوضح هذه الأرقام أن الاستثمار الأجنبي بدأ في التراجع بشكل بسيط في نهاية العقد الأول من هذا القرن إلا أنه شهد تراجعا حادا خلال السنوات الأربع الأخيرة والتي شهدت صعود ابن سلمان كولي للعهد. 

ويضيف ديفيد ويفينغ من جامعة لندن أن "الإصلاح البنيوي الذي تم إنجازه كجزء من رؤية ابن سلمان لم يكن كافيا لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة والذي لم تزد نسبته عن 1% من الناتج المحلي العام حسب المعهد الدولي للتمويل. 

وقال غبريس إراديان، الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تقرير لميديل إيست آي في 15 يونيو/حزيران 2020: إن جهود التنويع تحتاج إلى الكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر.

وأشار إلى أن ذلك لم يحدث خلال السنوات الثلاث الماضية وأن الإصلاحات التي أجراها ابن سلمان لا تزال بحاجة لتحسين من أجل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

وأكد في تصريحاته أن اجتذاب الاستثمار الأجنبي قد يكون صعبا في ظل تراجع أرباح شركة أرامكو، بعد حرب الأسعار التي شنتها الرياض في مارس/آذار، حيث فقدت المملكة ثقة الجميع بمن فيهم المستثمرون في عملاق النفط العالمي.

 ووفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، تجذب الإمارات باستمرار المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر من السعودية، وحتى الاقتصاد العماني الأصغر بكثير تلقى استثمارات داخلية أكثر من المملكة في بعض السنوات الأخيرة.  

كما شهدت البحرين زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى العامين الماضيين، وفقا لما نقله دودلي.  

وأضاف دودلي: "تحقق دول الخليج الأخرى نجاحا أكبر عندما يتعلق الأمر بهذا المجال"، موضحا أن هذا يثير التساؤل حول سبب معاملة المستثمرين للسعودية بشكل مختلف، عن الدول الخليجية الأخرى.

وأوضح أن أحد الأسباب المحتملة هو السمعة الدولية السيئة التي تتمتع بها البلاد، في أعقاب فضائح مثل قتل خاشقجي. 

ونقلت صحيفة فاينانشيال تايمز الأميركية عن مصرفي خليجي قوله: "يتعين عليك التشكيك في جدوى المشاريع، بغض النظر عما إذا كانت تمتلك المال".

وأشار المصرفي إلى أن الكيانات التي يمكن أن تستثمر في المشاريع سيكون معظمها محلية وليست استثمارات أجنبية كما يريد ابن سلمان، وأن مشروع نيوم سيواجه مشاكل خطيرة لأنه لكي ينجح يحتاج المستثمرون إلى رؤية عائد مالي. 

وحتى الآن يعتبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي هو المطور الرئيسي لجميع المشاريع الثلاثة التي تدخل في رؤية 2030 وهي نيوم والقدية والبحر الأحمر.  

وفي الوقت الذي كان يطمح فيه ابن سلمان إلى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مشاريعه الضخمة حولت الرياض 40 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية إلى صندوق الاستثمارات العامة في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2020 لدعم إستراتيجية الاستثمار الخارجي والمشاريع المحلية.  

وأوضحت فاينانشيال تايمز في تقريرها أنه حتى قبل الأزمة المزدوجة التي تعيشها السعودية بسبب تفشي وباء كورونا وهبوط أسعار النفط لأدنى مستوياتها منذ عقود، كانت هناك شكوك حول جدوى بعض التطورات وكذلك أسئلة عن كيفية تمويل المملكة لها لا سيما مشروع نيوم الذي يتكلف 500 مليار دولار في ظل إعراض الاستثمار الأجنبي.  

ويوضح تقرير نشرته النسخة الفرنسية من صحيفة "لو360" المغربية في 5 أغسطس/آب مدى الصعوبات التي يواجهها مشروع نيوم.

واستشهد التقرير بتصريحات مصدر سعودي مرتبط بالمشروع قال فيها: إنه سيتفاجأ إذا لم يتم إجراء تخفيضات كبيرة في الاستثمارات بالمشروع وأن نيوم لا يمكن إلا أن يتأخر بسبب الأوضاع المالية المعقدة التي تعيشها المملكة.   

يوضح تقرير لموقع سي إن بي سي الأمير كي المتخصص في الشأن الاقتصادي أن جهود ابن سلمان الهادفة إلى التنويع الاقتصادي في البلاد قد حددت الاستثمار الأجنبي المباشر كأولوية رئيسية، إلا أنها أشارت في تقريرها نهاية 2019 إلى أن الاتجاه السياسي للمملكة يخضع لفحص دقيق. 

وأشار التقرير إلى أن السياسة الخارجية للمملكة قد تكون غير ملائمة لبعض المستثمرين بالنظر إلى عمليتها العسكرية في اليمن وعلاقاتها مع إيران، بالإضافة إلى مقتل خاشقجي الذي جاء بعد نحو عام من حملة قمع ساهمت أيضا في حالة عدم اليقين العام لدى المستثمرين بشأن الاتجاه السياسي للمملكة. 

وأضاف التقرير: "كانت هناك علامات على هروب رأس المال في وقت قريب من جريمة مقتل خاشقجي، ولكن على المدى الطويل من المرجح أن يأتي الضرر الرئيسي من خلال التأثير على جاذبية المملكة للاستثمار المباشر".

واعتبر التقرير أن التحديات الهيكلية ما زالت طويلة الأجل وتدور حول فعالية الإصلاحات وقدرة الحكومة على جذب المستثمرين الأجانب لبناء اقتصاد غير نفطي.