عبدالسلام بوشوارب.. هرّب أموال الجزائريين إلى إسرائيل ثم ادعى الجنون

12

طباعة

مشاركة

"مهندس الخراب في الجزائر" هكذا وصفت صحيفة "الشروق" وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب، على لسان ممثل الخزينة العمومية زكريا دهلوك، بعد أن أدين في 4 قضايا فساد وحكم عليه بالسجن 80 عاما.

أدين بوشوارب في ملف "تركيب السيارات" والتمويل الخفي للحملة الانتخابية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، كما ثبت في حق الوزير السابق التبديد العمدي للمال العام وتهريب أموال للخارج وتلقي رشوة في صفقات عمومية.

ورط رجل النظام السابق في الجزائر عددا من الوزراء والمسؤولين الرفيعين في صفقاته المشبوهة، صدرت أحكام بالسجن على عدد منهم وأودعوا السجن، فيما لا يزال بوشوارب هاربا من العدالة خارج الجزائر.

روجت منابر إعلامية داخل الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 عن إلقاء القبض على بوشوارب من طرف منظمة الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول)، بعد رفع مذكرة بحث دولية في حقه، إلا أن الرجل لا زال طليقا. 

في حين تعتبر بعض الأصوات أن هذا النوع من الأخبار هدفه تشتيت الرأي العام وامتصاص غضبه في قضية بوشوارب، في حين أن النظام الحالي قادر على استقدامه إلى الجزائر.

فرنسا تحميه

تحت ضغط الحراك الشعبي الذي انطلق 22 فبراير/ شباط 2019، اعتقل وزراء ومسؤولون على خلفية قضايا فساد، خاصة في ملفات تمويل الحملة الانتخابية، وتركيب السيارات، ومنح امتيازات غير مستحقة لرجال أعمال.

صدرت في حق بعضهم أحكام نهائية، ولا تزال قضايا أخرى عالقة. يكاد يكون وزير الصناعة الأسبق، عبد السلام بوشوارب، أهم رموز الفساد وأكثرهم إثارة للجدل.

وصلت الأحكام الصادرة في حق الرجل إلى 80 سنة سجنا نافذا ( 20 سنة في كل قضية) ينتظر أن يطبق عليه أكبرها وفقا للقانون الجزائري.

صدرت في حق بوشوارب مذكرة بحث دولية غير أن تطبيقها وإمكانية استلامه من الدول الموجود فيها، "ليس بالأمر الهين نظرا لاعتبارات سياسية وقانونية" بحسب تقارير محلية نقلا على رجال قانون.

جريدة "الخبر" الجزائرية قالت على لسان المحامي الجزائري فريد خميستي: "استقدام بوشوارب مستبعد، بسبب عراقيل سياسية وقانونية، وهذا لعدة اعتبارات، من بينها علاقاته المتشعبة مع المسؤولين في فرنسا، على اعتبار أنها من بين الدول التي يتنقل بينها الهارب من العدالة. 

لفت رجل القانون أنه ورغم امتلاك المتهم للجنسية الفرنسية، فهي لا تؤثر على مذكرة البحث، كون جنسيته الأصلية جزائرية، بالإضافة إلى كونه كان يشغل منصبا ساميا في البلاد، وارتكب أفعالا أدانها القضاء الجزائري.

وفي حين تداولت الصحف خبر صدور المذكرة الدولية في 2019، قال المحامي: "الإجراءات القانونية تتطلب في العادي من سنة إلى سنة ونصف"، مشيرا إلى أن الملف تدرسه العدالة الفرنسية، بما في ذلك شروط الحكم الصادر في حقه، فيما إذا كان عبارة عن "تصفية حسابات" أو أن "الحكم الصادر في حقه حقيقي وأن أدلة إدانته كافية".

رجل بوتفليقة

بوشوارب الذي ولد 3 يونيو/حزيران 1952، والحاصل على شهادات جامعية في الطب يوصف بأنه بـ"رجل السعيد بوتفليقة".

في 2019، كشف الناطق الرسمي السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، صديق شهاب، في حوار صحفي أن الشقيق الأصغر للرئيس المستقيل ومستشاره الخاص، السعيد بوتفليقة، فرض بوشوارب، مرشحا عن الحزب في تشريعيات 2012، رغما عن إرادة الأمين العام للحزب حينها، الأسبق أحمد أويحيى.

وخلال محاكمة ما يطلق عليهم الحراك "رموز العصابة" أمام محكمة "عبان رمضان" بالعاصمة الجزائر، اعترف الوزير الأول (رئيس الحكومة) السابق، عبد المالك سلال، بأنه لم تكن لديه أي سلطة على وزير الصناعة والمناجم الأسبق، عبد السلام بوشوارب.

فيما أشارت تقارير صحفية إلى أن تمرد بوشوارب على سلال كان معروفا لدى الكثير من رجال الإعلام، والسبب "استقواؤه بالسعيد بوتفليقة". وظهر ذلك بوضوح في 2014، عندما اختير بوشوارب لتولي حقيبة وزارة الصناعة في حكومة سلال الثالثة، وفي الرابعة في 2015، عندما أصبحت المناجم جزءا من وزارة الصناعة، بعد أن كانت جزءا من وزارة الطاقة.

الفترة التي تحول فيها السعيد بوتفليقة إلى الحاكم الفعلي للجزائر من خلف الستار، هي الفترة التي "تغول فيها بوشوارب بشكل مخيف"، على حد تعبير صحيفة "الشروق"، وأصبح يتحرك خارج إرادة وزيره الأول سلال، إلى درجة أن بعض التسريبات وضعت اسمه من بين المرشحين لتولي منصب الوزارة الأولى.

تهرب ضريبي

ورد اسم عبد السلام بوشوارب في تحقيق استقصائي أجرته مؤسسات صحفية في 78 دولة حول العالم، بشأن جرائم التهرب الضريبي وقضايا الفساد حول العالم، وأكد التقرير تهريب بوشوارب لثروات الجزائر وإخفائها في ملاذات ضريبية آمنة في دولة بنما.

كشف التحقيق إهدار ما يقارب مليار دولار في مصنع للحديد والصلب 720 مليون دولار في عملية فاشلة، كان ينتظر منها رفع قدرات إنتاج الحديد والصلب بمركب الحجار إلى 1.2 مليون طن من الفولاذ السائل سنويا ابتداء من 2017-2018.

في 2019، وبعد توالي فضائحه، كشفت صحيفة "الجزائر تايمز" عن وثائق بوشوارب في منح أحد أصدقائه الفرنسيين في 2016، اعتمادا حصريا والوحيد في استيراد معدات صناعية ضخمة وقطع الغيار من شركة CATAPILLAR العالمية.

وأفادت الوثيقة أن فاتورة لأحد المعدات التي تباع من طرف صديقه الفرنسي بأكثر من 3 مليارات سنتيم في حين سعرها في الفاتورة لا يتعدى مبلغ 92 ألفا و250 دولارا أي بمليار و100 مليون سنتيم. وإلى حين نشر الوثائق كان الفرنسي لا زال يتحكم في استيراد هذه المعدات والآلات.

بينت التحقيقات القضائية من خلال التحري في ممتلكات ومصير الأموال التي تم تهريبها، أن هذا بوشوارب يحوز على حسابات بنكية بالمليارات في البنوك الإسرائيلية، على غرار "البنك الوطني الإسرائيلي” و”البنك المركزي الإسرائيلي"، بحسب صحيفة "الشروق".

أمام كل هذه التهم الثقيلة التي تواجهه، اشترى بوشوارب "شهادة جنون" من طبيب فرنسي بمبلغ 150 ألف يورو، للتهرب من المتابعة، بحسب التحقيقات القضائية.

 

امتحان النظام

قال الصحفي والمحلل السياسي، علي لخضاري: علينا أن نقول إن قضية بعض الفارين من محاكمة الفاسدين، وهي إرادة الجزائر الجديدة - كما تسمى - هي أهم الملفات التي يقول النظام الجديد إنه حريص عليها استجابة لمطلب أساسي مركزي من مطالب حراك 22 فبراير، وبالفعل طالب الحراك بمحاكمة الفاسدين.

وأضاف لـ"الاستقلال": "حوكم قطاع واسع من المسؤولين، في عقوبات تتراوح بين 15 و20 سنة سجنا، وأيضا بجانب محاكمة عدد من كبار رجال الأعمال الضالعين في فساد بالمليارات في صفقات مشبوهة".

الاستثناء ليس لعبد السلام بوشوارب وحده، بحسب المتحدث، بل أيضا للواء الهارب خالد نزار، المتورط في الكثير من الأحداث، أبرزها انقلاب يناير/كانون الثاني 1992، وبعده مجازر العشرية السوداء وصولا إلى الفساد المالي.

الأقواس كثيرة في الحالة الجزائرية ومتشعبة، يقول لخضاري قبل أن يزيد: "بوشوارب ليس الاستثناء الوحيد، لكن الرجل بالفعل ضالع في ملفات عديدة. لعل ملف مصانع تركيب السيارات هو أهم ملفات الفساد التي تورط فيها، وكبدت الخزينة العامة للدولة خسائر تقدر بما يقارب 158 ألف مليار سنتيم - وهو أحد أسباب الأزمة الاقتصادية التي تقبل عليها الجزائر". 

وحوكم بوشوارب غيابيا أكثر من مرة ووصل الحكم عليه إلى 20 سنة سجنا وهي أقصى عقوبة في القانون الجزائري، لكن السؤال المطروح، بحسب المحلل، هو "لماذا لم يُجلب؟".

اعتبر لخضاري قضية بوشوارب هي حالة معقدة، وهي "بمثابة امتحان حقيقي لإرادة مكافحة الفساد في الجزائر الجديدة".

وعن التعقيدات التي تحول دون استجلاب بوشوارب من الخارج، أوضح لخضاري أن بينها الشهادة المزورة التي تفيد إصابته بمرض عقلي، وقوانين الدول التي يلجأ إليها بوشوارب والتي هرب إليها الأموال بشكل غير قانوني، على غرار فرنسا وأميركا اللاتينية ولبنان، قد تعفيه من المتابعة. 

هناك أسماء أخرى ثبت في حقها فساد وهي لا زالت هاربة من العدالة، لكن قضية بوشوارب تضع القضاء وشعار مكافحة الفساد الذي ترفعه الدولة كاستجابة لمطالب حراك 22 فبراير، على المحك، على حد تعبير المتحدث.

سبب آخر عقّد استقدام بوشوارب إلى المحاكمة، هي علاقاته المتشعبة مع الكثير من الدول عندما كان وزيرا، وامتلاكه لحسابات ضخمة فيها، أيضا الحصانة التي يتمتع بها في الجزائر باعتباره كان وزيرا سابقا، والتي تمنحه ما يسمى في القانون الجزائري بالامتياز القضائي. 

ثقة مهزوزة

أوضح المحلل السياسي أنه ربما لا تريد الجزائر فتح أقواس كثيرة مع الدول التي يفر إليها بوشوارب، أهمها فرنسا، التي تفتح معها الجزائر ملفات الذاكرة التي عادت إلى السطح وهي ملفات متشعبة وطويلة ومرهقة، وغيرها من الحساسيات بين الجزائر وباريس، وإن كانت السلطة تثني على هذه العلاقة وتبين أنها متطورة.

وأفاد لخضاري أنه لا وجود إلى حد الآن لتهمة رسمية عن تهريب بوشوارب الأموال لإسرائيل، قد تكون التهمة صحيحة كما قد تكون خاطئة، حتى نكون منصفين، والأرجح أن العملية تمت عن طريق وسطاء.

الموضوع حساس جدا بالنسبة للشارع الجزائري - يتابع المتحدث - الذي لا زالت هناك أزمة ثقة بينه وبين السلطة، وهو ما يؤدي إلى أي معلومة تأتي من طرفها، خاصة بعد ما يحدث الآن من اعتقالات متواصلة للناشطين والأحكام غير المفهومة بالسجن بسبب تدوينات على مواقع التواصل.

وقال المحلل لـ"الاستقلال": "هذه الأحداث هزت الثقة الهشة التي قد بنيت في أعقاب 22 فبراير، والآمال في السلطة الجديدة أنها فعلا تبني عدالة جديدة وجزائر جديدة".

من جهة أخرى، لم تُظهر السلطة في الجزائر ما يثبت فعلا أنها تضغط من أجل جلب بوشوارب، فكيف يمكن للشعب أن يصدق ما تقوم به السلطة وهي مقصرة في ما يلزم للحرص على جلب متهمين من الخارج، حتى أن التشكيك طال تقديم السلطة لمذكرة بحث دولية في حق بوشوارب.

وذكر لخضاري قضايا مشابهة ضغطت فيها السلطات بشكل جدي لاستقدام فارين من العدالة، "وهو ما عكس إرادة جدية من النظام، أي أن الشعب الجزائري يتذكر حالات سابقة، في حين أن هذه الإرادة تغيب الآن عن السلطة الحالية، باستثناء وعود يتلقاها الشعب عن طريق وسائل الإعلام".

وخلص المحلل إلى القول: "سواء تم تهريب الأموال إلى إسرائيل أو غيرها، بالنهاية عبد السلام بوشوارب سرق أموال الجزائريين واستغل سلطته في العبث بالاقتصاد وعاث فسادا في البلاد، رغم حساسية الوضع طبعا وعدم تقبل الشارع لذلك".