سهام سرقيوة.. برلمانية انتقدت حفتر فخطفها وظل مصيرها مجهولا

12

طباعة

مشاركة

في يوليو/ تموز 2020، مر عام على اختفاء النائبة في مجلس النواب الليبي، سهام سرقيوة. وعادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية لتؤكد أن مكانها لا يزال مجهولا منذ أن اختطفها مسلحون على علاقة بالقوات التابعة لمليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، من منزلها بمدينة بنغازي الشرقية في 17 يوليو/تموز 2019.

مجلس النواب في طرابلس عبر عن استنكاره لاستمرار تغيبب النائبة سهام سرقيوة في ذكرى مرور عام على الجريمة البشعة التي قال: إنها "تستهدف إرادة الأمة وحريتها ولا تستهدف النائبة لشخصها فقط".

وكرر المجلس في بيانه "مطالبة الجهات الأمنية والقضائية المختصة على المستويين المحلي والدولي بفتح تحقيق شامل يكشف مصير النائبة ويقدم مختطفيها للعدالة"، مؤكدا بأنه "لن يتنازل عن معرفة الحقيقة والقصاص من الجناة"، وفق البيان.

آخر ظهور للنائبة سهام سرقيوة كان عبر قناة "ليبيا الحدث" المملوكة لنجل حفتر، وعارضت خلالها عدوان حفتر على العاصمة طرابلس وطالبت بإنهاء الحرب والاقتتال.

بعد سويعات من اللقاء جاء الرد سريعا عبر 9 مسلحين يرتدون زيا عسكريا، بصحبتهم 4 رجال يرتدون جلاليب ولحيتهم كبيرة، كانت بانتظارهم سيارات كُتب عليها "الكتيبة 106"، بحسب تصريح ابنتها.

اقتاد المجهولون سهام سرقيوة إلى مكان مجهول، ثم أطلقوا الرصاص على زوجها، وكتبوا على الحائط قبل أن يغادروا: "الجيش خط أحمر.. نحن أولياء الدم".

"الكتيبة 106"

كل ما طالبت به سرقيوة كان إيقاف الدم، منتقدة المتشددين الداعمين للجهتين سواء جيش حفتر أو حكومة الوفاق. وفي مدينة بنغازي حيث رأت النور عام 1963، اختفت سهام التي كانت تعمل طبيبة نفسية قبل أن تدخل عالم السياسة.

حصلت سرقيوة على شهادة الدكتوراه في علم النفس السريري من جامعة في لندن، وعاشت هناك حتى أواخر عام 2000، ثم عادت إلى ليبيا قبل سنوات قليلة من اندلاع أحداث الربيع العربي. وأصبحت نائبة في مجلس النواب بعد فوزها عن دائرتها في انتخابات عام 2014. 

"أولياء الدم" المتهمون باختطاف سرقيوة، أو "الكتيبة 106" تتمركز في مدينة بنغازي، ويقودها خالد حفتر، وتعد أقوى الكتائب تسليحا. سبق لهذه الكتيبة أن أوكل لها مهمة الفتك بخصوم لحفتر، من بينهم وكيل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق النقيب فرج قعيم الذي تعرض لمحاولة اغتيال.

سبق للأمم المتحدة أن اتهمت الكتيبة 106 أيضا في بيان رسمي بسرقة مصرف ليبيا المركزي – وسط مدينة بنغازي- نهاية عام 2017، والسيطرة على أكثر من 600 مليون دينار ليبي، و160 مليون يورو، ونحو مليوني دولار ونقلها لجهة غير معلومة.

مباشرة بعد اختفائها أعلنت حكومة الشرق الليبي عبر وزير داخليتها بأن مُسلحين قد اختطفوا سهام سرقيوة، واشتبكوا مع دورية الشرطة التي حاولت تحريرها.

فيما نشرت شبكة "سي إن إن" الأميركية  تقريرا نفت فيه الرواية الحكومية، وأفادت بأن مختطفي سهام سرقيوة ميليشيات تابعة لما يطلق على نفسه الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده حفتر.

المنظمة أشارت إلى أن اختطاف النائبة والعنف الذي سُلِط على أسرتها هو جزء من نمط موثق من أعمال العنف والانتقام والترهيب التي تمارسها قوات حفتر وسط إفلات تام من العقاب، وفقا للمنظمة.

وأفادت المدعية العامة لدى المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، بتوصلهم إلى معلومات بشأن هوية المسؤولين عن اختفاء عضوة مجلس النواب سهام سرقيوة.

الصوت المزعج

في 2013، دخلت سرقيوة عالم السياسة رسميا كمرشحة لتمثيل مدينة بنغازي، انتخبت بـ 5883 صوتا متفوقة على عدد من المرشحين الآخرين.

كان ذلك "حدثا مهما" في تاريخ سياسة ليبيا بالنظر إلى أن النساء الليبيات قلة في الساحة السياسية.

دافعت سرقيوة عن "شرعية مجلس النواب" الذي يؤيّد ويعترف ضمنيا بحفتر وبقواته كجيش للبلاد كما دعت إلى تفادي الحلول العسكرية واللجوء للحوار كبديل لإخراج ليبيا من أزمتها.

في سبتمبر/ نيسان 2016 غيّرت سرقيوة من موقفها تجاه ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي (تابع لحفتر)، وقالت إنها كانت تدعمه منذ اليوم الأول لها في البرلمان معتبرة أنها "وقفت ضد كافة أشكال الإرهاب".

اتضح لسرقيوة أنها "كانت تدعم مجموعة من المليشيات القبلية" ثم تعهدت "بالبدء في نشر فضائح لجنة الدفاع في مجلس النواب والفساد المالي الذي يشوبها".

قالت النائبة: "لم أتعرض يوما للاعتداء اللفظي في بنغازي أثناء حكم "المليشيات الإسلامية" بل كانوا يحترمون جميع النساء.. أما اليوم فأنا مصدومة جدا من الواقع الذي وصلنا إليه من حكم المليشيات القبلية".

أيام قليلة قبل صدور تقرير المنظمة الحقوقية اعترف عضو مجلس النواب المنعقد في طبرق عيسى العريبي، بمقتل زميلته النائبة سهام سرقيوة المختطفة منذ أكثر من عام من منزلها في مدينة بنغازي.

وحسب تسريب صوتي، أقر العريبي بأن من قتل سرقيوة هم مجموعة مسلحة وصفها بـ"أزلام وصياع" وهم معروفون لديهم بالاسم.

لم يكن هناك نفي أو إقرار لصحة ما جاء في التسريب الصوتي من أي جهة حكومية رسمية من الطرفين (حكومة الوفاق وحفتر).

وأشار العريبي إلى أنه طلب من النائب بالمجلس الرئاسي المستقيل علي القطراني التواصل مع القيادي في قوات حفتر عون الفرجاني، للاعتراف بواقعة الاعتداء على سرقيوة.

ولفت إلى أن وزير الداخلية بحكومة الثني إبراهيم بوشناف اتهم مجموعة إرهابية وهو أمر عار عن الصحة، مشيرا إلى أن وزير داخلية حكومة الثني على علم بالمجموعة التي اعتدت على سرقيوة.

ونوه عضو مجلس نواب طبرق بأن بنغازي امتلأت بمن وصفهم بـ"الأزلام والصياع"، وبمقتل سرقية تأخروا 20 سنة للخلف، حسب وصفه.

كما أشار العريبي في التسريب الصوتي، إلى أن عضو مجلس نواب طبرق زياد دغيم اتهمه ومذيع قناة "ليبيا الحدث" الموالية لحفتر، أحمد القماطي، بالتحريض على سرقيوة.

وأضاف يقول: "المذيع أحمد القماطي هو من سخّن قتلة سرقيوة للإقدام على فعلتهم".

"خاشقجي ليبيا"

نقلا عن ناشطين غردوا في الذكرى الأولى من اختفاء سرقيوة، عنونت الجزيرة تقريرا لها بـ"خاشقجي ليبيا".

واعتبر الناشطون أن مقتل سهام أشبه باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وأن "قوات حفتر لجأت لقتلها عقب مداخلة هاتفية لها انتقدت فيها هجومهم على العاصمة طرابلس ومعارضتها لحفتر".

وشبه أحد المغردين المشاركين في وسم #سهام_سرقيوة الذي دشنه ناشطون ليبيون، بين النائبة البرلمانية الليبية والصحفي السعودي، قائلا: "كما كان جمال خاشقجي شهيدا للكلمة بقلمه كانت سهام سرقيوة شهيدة للوطن بصوتها المغرد وحيدا خارج سرب تأييد العدوان على العاصمة المنادي بوحدة ليبيا وشعبها". 

وذهب المغرد إلى ترجيح رواية النائب البرلماني، مضيفا: "عادت الروح لبارئها، بعد عام من تضارب الأنباء بشأن مصيرها، حتى أُسْدِل الستار اليوم عن تسجيل صوتي لعضو من برلمان طبرق". 

منظمة العفو الدولية طالبت بدورها جيش حفتر بالكشف عن مصير سرقيوة ومكان وجودها وإنهاء معاناة عائلتها. ووصفت المنظمة اختطاف النائبة من منزلها ببنغازي فقط لمجرد مطالبتها بالسلام بـ"المروع". 

الأدلة التي اعتمدت عليها المنظمات الدولية، دفعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى توجيه الاتهام الرسمي لحفتر، باختطاف مسلحين موالين له النائبة الليبية من منزلها، والهجوم على زوجها وابنها البالغ من العمر 16 عاما.

وأوضحت "هيومن رايتس ووتش" نقلا عن أقارب سرقيوة ومواطنين من المدينة مطلعين على الاختطاف، إفادتهم بأن "جماعات على علاقة بالقوات المسلحة العربية الليبية (مليشيات لحفتر) اختطفتها".

لكن "الحكومة المؤقتة"، التي تحكم شرق ليبيا بسلطة الأمر الواقع، ألقت باللوم على "الجماعات الإرهابية التي تسللت إلى بنغازي"، لكنها لم تثبت هذا الادعاء.

القوات المسلحة العربية الليبية، وهي مجموعة مسلحة متحالفة مع الحكومة المؤقتة ويقودها خليفة حفتر، نفت أي دور في الحادث.

فيما قالت الباحثة الأولى المختصة في ليبيا بهيومن رايتس ووتش، حنان صلاح: "على قيادة القوات المسلحة العربية الليبية، بما يشمل خليفة حفتر والحكومة المؤقتة، أن توضح ما الذي تفعله لمعرفة من اختطف سهام سرقيوة وأين هي".

وتابعت: "يجب أن تعي السلطات العسكرية والمدنية في شرق ليبيا أنها إذا لم تمنع أو تلاحق الجرائم الخطيرة التي يرتكبها مرؤوسوها، فيمكن أيضا تحميلها المسؤولية من قِبل هيئات محلية أو دولية".

وأعلنت المنظمة الحقوقية أن اختطاف سرقيوة هو من الجرائم التي يمكن أن تحقق فيها لجنة تقصي الحقائق التي أنشأها "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" في 22 يونيو/حزيران 2020 بهدف التحقيق في الانتهاكات من قبل جميع الأطراف في ليبيا.

كما أن "المحكمة الجنائية الدولية" لديها تفويض للتحقيق في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية في ليبيا منذ 2011.

سرقيوة لم تكن تعلم وهي تخرج للتظاهر علنا في الشوارع ضد حكم القذافي مطالبة برحيله، أن هكذا سيكون مصيرها.