صراع إلكتروني خفي.. هل يقود إسرائيل وإيران نحو المواجهة؟

12

طباعة

مشاركة

تخوض إسرائيل وإيران حربا عبر الإنترنت يحدث خلالها كل الأشياء في الخفاء، ورغم أنه لا يتم الإعلان عن النجاحات التي تحققها كل منهما بشكل رسمي، فإن طهران و"تل أبيب" في صراع إلكتروني مستمر، لكن معظم هذه الهجمات لا يلاحظها عامة الناس. 

تحت هذه الكلمات سلطت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية الضوء، على أحدث حلقة من المواجهة السرية بين طهران و"تل أبيب"، والتي جرت مطلع يوليو/تموز 2020، حيث وقع انفجار غامض في مفاعل ناتانز النووي شديد الحساسية على بعد 250 كيلومترا جنوب طهران.

وموقع ناتانز، الذي تبلغ مساحته 100 ألف متر مربع، وجرى بناؤه ثمانية أمتار تحت الأرض، هو المحطة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم الإيراني، وجزء من المرافق التي تراقبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويحتوي مجمع ناتانز، الواقع في محافظة أصفهان، على المواقع الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في إيران، وقد أصبح على مر السنين معرضا للبرنامج النووي للجمهورية الإسلامية. 

كما استأنفت طهران بهذه المحطة، أنشطة علنية مخالفة بذلك التزاماتها بموجب الاتفاقية النووية لعام 2015، والموقعة مع الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والصين وروسيا. 

وأشارت "لوفيجارو" إلى أن السلطات الإيرانية، أعلنت في البداية أن الانفجار نتج عن قنبلة، قبل التحدث عن أن هجوما إلكترونيا تسبب في حدوثه.

ونوهت بأن العديد من المسؤولين الإيرانيين اتهموا السلطات الإسرائيلية وهددوا بالانتقام إذا ثبتت هذه الاتهامات، وعلى الجانب الإسرائيلي، كان الصمت هو المعتاد، وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "أنا لا أجيب على هذا النوع من الأسئلة"، معتبرا أن حصول إيران على سلاح نووي أسوأ سيناريو كارثي.

وتتهم واشنطن وإسرائيل إيران بتطوير برنامج نووي عسكري سري، وهو ما تنفيه الجمهورية الإسلامية، كما باتت طهران وواشنطن مرتين على حافة المواجهة العسكرية المباشرة منذ يونيو/ حزيران 2019.

غير أن اللافت للنظر، تقول الصحيفة الفرنسية: هو إعطاء وسائل الإعلام الإسرائيلية بعض التفاصيل حول الهدف المختار، مؤكدة أن الهجوم استهدف مختبرا يختبر جيلا جديدا من أجهزة الطرد المركزي التي تسرع عملية إنتاج اليورانيوم المخصب، وكان من المقرر أن تبدأ هذه المعدات في العمل تحت الأرض خلال الأشهر المقبلة.

البنية التحتية المدنية

ونوهت "لوفيجارو" بأنه في عام 2010، عمل فيروس كمبيوتر أطلق عليه "ستوكسنت" على تخريب مئات أجهزة الطرد المركزي في ناتانز.

ووفقا لجميع الخبراء، فإن هذا التسلل الذي استمر لمدة عام دون أن يتم رصده، وقفت وراءه وحدة النخبة 8200 المتخصصة في الحرب السيبرانية، بأجهزة المخابرات العسكرية الإسرائيلية، بالتعاون الوثيق مع وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA).

وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت المواجهة على "الجبهة السيبرانية" بين الجانبين بشكل خطير، واكتشفت سلطة المياه الإسرائيلية خلال أبريل/ نيسان 2020، هجوما إلكترونيا زُعم أنه أدخل جرعات خطيرة من الكلور في شبكة المياه بعدة مناطق.

وفقا للمسؤولين الإسرائيليين، وصل الهجوم إلى درجة لا تحتمل، بعد استهداف البنية التحتية المدنية، غير أن الرد كان سريعا.

ففي مايو/ أيار، تسبب هجوم إلكتروني تعرض له ميناء "رجائي" في مدينة بندر عباس الإيرانية، في مضيق هرمز، في فوضى عارمة، جراء خروج الحواسيب المسؤولة عن الملاحة في المنطقة عن الخدمة.

ورغم عدم إعلان إسرائيل مسؤوليتها، جرى تهنئة جنود إسرائيليين من "وحدة النخبة" بعد فترة وجيزة من الهجوم على نجاح العملية.

ردود الفعل

وذكرت "لوفيجارو" أن السؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الحالي هو: هل من الممكن أن يتصاعد هذا التوتر بين الجانبين؟، مشيرة إلى دعوة عاموس يادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، إلى اليقظة. 

وقال يادلين: "إذا تم اتهام إسرائيل من قبل القادة الإيرانيين، فيجب أن نستعد عمليا لردود الفعل الإيرانية".

ووفقا لهذا المسؤول، يمكن أن تحدث الردود الإيرانية على أرض الإنترنت، وأيضا في شكل إطلاق صواريخ من قبل المليشيات الشيعية المتحالفة مع طهران في سوريا نحو إسرائيل، أو حتى الهجمات التي تستهدف السفارات الإسرائيلية في الخارج.

ومنذ مايو/ أيار 2019، حررت إيران نفسها تدريجيا من التزاماتها التي ينص عليها هذا الاتفاق النووي الدولي المبرم في فيينا عام 2015، كرد على قرار واشنطن الانسحاب من جانب واحد من الاتفاق وعودة العقوبات الاقتصادية الأحادية التي قررتها في إطار سياسة "أقصى ضغط" بهدف تركيع النظام الإيراني على ركبتيه.

كما أنه في سبتمبر/ أيلول 2019، أعادت طهران إطلاق أنشطة إنتاج اليورانيوم المخصب التي وافقت على تعليقها في ناتانز بموجب الاتفاقية.

ومن جهتها نقلت صحيفة "لوموند" عن الباحث فابيان هينز، الخبير في الشأن الإيراني بمركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار النووي القول: إن استهداف هذه المنشأة هو أمر بالغ الأهمية، مبينا أن تدميرها يمثل ضربة للجهود الإيرانية في تطوير أجهزة الطرد المركزي من الجيل الجديد والتي تعد من الشواغل الرئيسية لمعارضي طهران. 

وأفادت الصحيفة بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ذكرت في تقريرها الصادر في يونيو/ حزيران عن الأنشطة النووية الإيرانية المعلنة، أن طهران أجرت تجارب فنية على أجهزة طرد مركزي متطورة.

كما أنه في نهاية عام 2019، أعربت المخابرات العسكرية الإسرائيلية عن مخاوفها بشأن موضوع أجهزة الطرد المركزي من الجيل الجديد. 

ودون التشكيك في أطروحة "الحادث"، أرسلت طهران على الإنترنت تحذيرا إلى الخصمين الإسرائيلي والأميركي جاء فيه "حتى الآن، تحاول إيران التصدي للأزمات المتفاقمة والظروف والأوضاع التي لا يمكن التنبؤ بها، لكن تجاوز الخطوط الحمراء للجمهورية من الدول المعادية، وخاصة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، يعني أنه يجب مراجعة الإستراتيجية".